مزور.
روى عنه أولاده: الحسن، وزيد، وغيرهما كأبي الحوراء السعدي ـ قلت: بالمهملة ـ.
قال: وعمير بن مأمون.
وأخرج له الستة، وأئمتنا، وشيعتهم، إلا الشريف.
[تخريج حديث: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة...إلخ الحديث]
قلت: والأخبار النبوية التي أشار إليها، أما الأول، فكما قال إمام الأئمة، الهادي إلى الحق - عليه السلام -: وأجمعت الأمة أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما )) وقال: ((هما إمامان قاما أو قعدا )) انتهى.
وقال الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي : وروينا من غير طريق، أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما )).
وقد ساق السيوطي الرواة والمخرجين لقوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )).
ثم قال: وهو متواتر؛ ذكره العزيزي .
قال الإمام محمد بن عبد الله الوزير - عليه السلام -: وأما حديث الحسنين ((أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ))، فقد رواه الموالف والمخالف، بطرق وسياقات، فهو متواتر لفظاً ومعنى، لا أقل؛ وهو يفيد سيادتهم في الجنة، فكيف بأهل الدنيا؟
وما بال الخصوم كلهم عظموا شعائر حديث العشرة، ورقوه ووقوه وشيّدوه، والحال أنهم تفرّدوا بروايته، وليس هو إلا آحادياً؛ وهذا على فرض صحته، وإلا فنحن نرده كما رده سيد الوصيين، الذي يدور معه الحق حيثما دار.
قال: وقد عارض أهل الأهواء هذا الحديث، بحديث تفردوا به، بأن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.
ولا نسلّم صحة ما تفردوا به؛ وأيضاً، فالمعلوم أن أهل الجنة يبعثون ويدخلون الجنة في سنّ الشباب، من ثلاثين سنة، ولا كهل في الجنة؛ وتأويله بأنه باعتبار حياتهما لا يصح؛ لأن الحسنين ما ماتا إلا وهما في سن الكهولة. /34
قلت: والخطاب صدر من الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسنين - عليهما السلام -، وهما صبيان، في نحو الثمان، فلم يكن المقصود بذكر الشباب، إلا في بيان سن أهل الجنة، كما أفاده شارح الجامع الصغير حيث قال ـ وقد أنصف ـ: ويحتمل أنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((سيدا شباب ))، ولم يقل: ((أهل الجنة))، لينبّه على أن كل مَنْ فيها شاب، فيكونان أفضل من فيها، إلا من خرج بدليل آخر، كالنبيئين.
قلت: لكن لا يخص إلا من صح تخصيصه بالدليل، لا بالتقولات والأباطيل.
وقد عارضوا ما اختص به ربُّ العالمين، ورسولُه الأمين، أهلَ بيته الطاهرين، ما استطاعوا، حتى في أسمائهم وأوصافهم؛ ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، ويقيم حجته؛ فإن الوارد في الكتاب والسنة، في أهل بيت النبوة، مجمع عليه، ومتواتر بين الأمة؛ وما يعارضون به متفرد بروايته، مقدوح في طرقه، آثار الوضع عليه بيّنة، لا يمتري في بطلانه العارفون، ليحق الله الحق بكلماته؛ كذلك نقذف بالحق على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون.
وفي تعَبٍ من يحسد الشمس ضوءها .... ويجهد أن يأتي لها بضريبِ
أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؟ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً.
[تخريج حديث: الولد ريحانة...إلخ]
نعم، وأما الخبر الثاني؛ فأخرجه أئمة النقل من أهل البيت وغيرهم.
ومن طرقه ما أخرجهُ الإمام الرضا، بسند آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ، قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الولد ريحانة، وريحانتي من الدنيا الحسن والحسين )).
وأخرجه الإمام أبو طالب - عليه السلام -، بسنده إلى جعفر بن محمد - عليهما السلام -، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ، قال: /35
سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبل موته بثلاث، وهو يقول لعلي بن أبي طالب: ((سلام الله عليك أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قريب ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك )).
وأخرجه أبو نعيم وابن عساكر، عن جابر.
وأخرج الكنجي ، عن جعفر بن محمد - عليهما السلام -، عن أبيه، عن جابر قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((سلام عليك يا أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي من الدنيا )).
وقال ابن عمر لسائل له: ألا تنظر إلى هذا، يسأل عن دم البعوض يصيب الثوب، وقد قتلوا ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم؟
يريد الحسين بن علي عليهما السلام.
أخرجه في الشافي .
وتمامه: وقد قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هما ريحانتاي من الدنيا )) أخرجه البخاري في كتابه.
وفي رواية عنه: يسألونني عن الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقد قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هما ريحانَتِيْ من الدنيا، وهما سيدا شباب أهل الجنة )) رواه الشيخان، أفاده في تفريج الكروب .
وأخرجه أحمد بن حنبل والترمذي والكنجي، بطريقه إليه بلفظ: ((إن الحسن والحسين ريحانتي من الدنيا )).
وأخرجه أيضاً عن أبي أيوب، وقال: أخرجه الطبراني ، وصاحب الحلية ، ومحدّث الشام من حلية الأولياء.
وأخرجه الإمام المرشد بالله - عليه السلام -.
وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وكيف لا أحبهما، وهما ريحانتي من الدنيا أشمهما؟ )) يعني الحسن والحسين؛ أخرجه الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة ؛ وأخرج نحوه العسكري في الأمثال عن علي - عليه السلام -.
وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسن السبط: ((هذا ريحانتي من الدنيا )) أخرجه أحمد عن أبي بكرة .
وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هذان ريحانتاي من الدنيا )) أخرجه الترمذي ، وصححه.
وأخرجه ابن بنت منيع /36
بلفظ: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه؛ ثم جاء الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى، وقال: ((هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما )) وطرقه كثيرة.
[حديث: ((الحسن والحسين إمامان... إلخ))]
وأما الخبر الثالث، وهو قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما ))، فهو كذلك مجمع عليه بين الأئمة.
وقد صرّح الذكر الحكيم، وسنة أبيهما الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والتسليم، بتطهير الله تعالى، واصطفائه واجتبائه، ومحبة الله تعالى ورسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لهما ولأبيهما وأمهما، وحكم بأنهما ابنا رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وسبطاه، وحبيباه وريحانتاه، وبالسيادة لأهل الجنة، وغير ذلك من التشريف والتكريم، مما نطق به الكتاب، وتواترت به السنة، مما لا يحصر، وتتقاصر عنه أقوال البشر؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
[خطبة للإمام الحسن - عليه السلام - لما أصيب علي (ع)]
ومن خطب الحسن السبط، المشهورة: لما أصيب علي ـ صلوات الله عليهما ـ قام في الناس خطيباً، فقال: الحمد لله، الذي لم يزل للحمد أهلاً، الذي مَنّ علينا بالإسلام، وجعل فينا النبوة والكتاب، واصطفانا على خلقه، فجعلنا شهداء على الناس، وجعل الرسول علينا شهيداً.
يا أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن محمد ، فالجد في كتاب الله أب، قال الله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [يوسف:38]، فأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله وأنا ابن السراج المنير؛ ونحن أهل البيت الذين افترض الله مودتنا وولايتنا، فقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
يا أيها الناس، لقد فارقكم في هذه الليلة رجل، ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، هيهات هيهات، لطال ما قَلَّبْتُم له الأمور، في مواطن /37
بدر وأحد، وحنين وخيبر، وأخواتها.
إلى قوله: أعطى الكتاب عزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه ـ صلوات الله عليه وعلى آله ومغفرته ـ ونحتسب أمير المؤمنين عند الله، وأستودع الله ديني وأمانتي، وخواتيم عملي.
أخرجها السيد الإمام أبو العباس الحسني ، عن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، وطرقها كثيرة كما تقدم في الفصل السابع.
[خطبته عليه السلام قبل وقوع الصلح مع معاوية]
وخطبته - عليه السلام - قبل وقوع الصلح بينه وبين معاوية، قال فيها، بعد حمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: أيها الناس، والله ما بين جابَلْص وجابَلَق ابن بنت نبيء غيري وغير أخي.
إلى قوله - عليه السلام -: وإنكم قد دُعيتم إلى أمر ليس فيه رضى ولا نصفة، فإن كنتم تريدون الله واليوم الآخر، حاكمناهم إلى ظبات السيوف، وأطراف الرماح، وإن كنتم تريدون الحياة الدنيا، أخذنا لكم العافية.
فتنادى الناس من جوانب المسجد: البقية البقية.
أخرجها الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي .
وأخرج الذهبي عن ابن دريد نحوها، وفيها: ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم؛ وإنما نعاملهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعدواة، والصبر بالجزع؛ وكنتم في منفذكم إلى صفين دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم ودنياكم أمام دينكم؛ ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم...إلخ.
وقال - عليه السلام -: يا أهل الكوفة، والله، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث: لقتلكم أبي، وطعنكم فخذي، وانتهابكم ثقلي.
رواه الإمام أبو طالب ، وأبو العباس عليهما السلام.
وحكى ابن عبد ربه في عقده، والمسعودي في مروجه، ما معناه، أن معاوية قال للحسن - عليه السلام -: قم، فأعلم الناس أنك قد سلّمت الأمر إليّ.
فقام الحسن، وشكى من أهل العراق؛ وكان مما قال: أما والله، يا أهل العراق، لو لم أذهل عنكم إلا /38
لثلاث لكانت كافية: وهي قتلكم لأبي، وسلبكم لرحلي، وطعنكم لفخذي.
ثم قال: وإنما الخليفة من عمل بكتاب الله وسنة نبيه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-؛ فأما صاحبكم هذا، فإنما هو رجل قد ملك ملكاً، يتمتع به قليلاً، ويعذب بسببه طويلاً.
وروي: وتبقى تبعته؛ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
ومن كلامه - عليه السلام - لهم: خالفتم أبي، حتى حكَّم وهو كاره، ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام، فأبيتم، حتى صار إلى كرامة الله؛ ثم بايعتموني، على أن تسالموا من سالمني، وتحاربوا من حاربني؛ وقد أتاني أن أهل الشرف منكم، قد أتوا معاوية، فحسبي منكم؛ لا تغروني من نفسي وديني.
رواه المدائني.
وروي أيضاً، أن الحسن - عليه السلام - خطب، بعد أن سأله معاوية، فقال فيها: الحمد لله، الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته.
ثم ذكر علياً - عليه السلام -، فقال: ولقد اختصه بفضل، لم تعدوا مثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات، طال ما قلّبتم له الأمور، حتى أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم وعدوّكم، في بدر وأخواتها.
حتى قال: ولقد وجه الله إليكم فتنة، لن تصدروا عنها حتى تهلكوا؛ لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم؛ فعند الله أحتسب ما مضى وما ينتظر، من سوء دعتكم، وحيف حكمكم.
يا أهل الكوفة، لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله، صائب على أعداء الله، نكال على فجّار قريش، لم يزل آخذاً بحناجرها، جاثماً على أنفاسها.
إلى قوله: أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه؛ دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه، لا تأخذه في الله لومة لائم ـ فصلوات الله عليه ورحمته ـ.
[جواب الإمام الحسن (ع) على سفيان بن الليل ]
أخرج الإمام المرشد بالله - عليه السلام -، بسنده إلى عدي بن ثابت ، عن سفيان بن الليل ، قال: دخلت على الحسن بن علي /39
- عليهما السلام -، فقلت: السلام عليك، يا مُذلّ رقاب المؤمنين، أنت ـ والله بأبي وأمي ـ أذللتَ رقابنا مرتين.
يعني حين سلّمت الأمر.
إلى قوله: ومعك مائة ألف، كلهم يموتون دونك.
فقال: يا سفيان بن الليل ، إني سمعت أبي يقول: سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((يلي الأمة ـ أو أمتي ـ رجل واسع البلعوم، رحب الضرس، يأكل ولا يشبع، ولا ينظر الله إليه )).
قال: ما جاء بك يا سفيان؟
قلت: حبّكم أهل البيت.
قال: إذاً ـ والله ـ تكون معنا هكذا ـ وألصق بين إصبعيه السبابتين ـ.
وأخرجه الإمام المنصور بالله من طريقه - عليه السلام -.
وأخرجه أبو الفرج الأصفهاني ، من طريقين: إحداهما، عن الشعبي ، وفيهما: إني سمعتُ أبي علياً يقول: سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((لا تذهب الليالي والأيام، حتى يجتمع أمر هذه الأمة، على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر)) وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
وفيهما: فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبهم من أمتي، كهاتين )) يعني السبابتين.
إلى قوله: أبشر يا سفيان؛ فإن الدنيا تسع البر والفاجر، حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وقوله في حديث سفيان: ((يلي أمتي رجل... إلخ))، رواه محمد بن سليمان والمدائني، موقوفاً على علي؛ وأبو الفرج الأصفهاني بطريقين، وروى نحوه الجاحظ ، عن أبي ذر ؛ وإبراهيم الثقفي ، عن أنس، مرفوعاً.
قلت: ورواه في الحدائق؛ قال فيها: وروينا بالإسناد، عن سفيان بن الليل .
وساق رواته المرشد بالله في الخبر /40
وفي شرح النهج: قال المدائني: ودخل عليه سفيان بن أبي ليلى النهدي، فقال: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال الحسن: اجلس ـ يرحمك الله ـ؛ إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رُفع له ملك بني أميّة، فنظر إليهم يعلون على منبره، واحداً فواحداً، فشقّ ذلك عليه؛ فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا، قال له: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ } [الإسراء:60]، وسمعتُ أبي علياً ـ رحمه الله ـ يقول: سيلي أمر هذه الأمة رجل، واسع البلعوم، كبير البطن.
فسألته: من هو؟
فقال: معاوية.
وقال لي: إن القرآن قد نطق بملك بني أمية ومدتهم، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]، قال أبي: هذا ملك بني أمية.
وأخرج الإمام المرشد بالله - عليه السلام -، بسنده إلى الحسن بن علي عليهما السلام، أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رفع إليه ملك بني أمية، فنظر إليهم يعلون على منبره، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } [الكوثر:1]، نَهْرَ الجنة، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1]...إلى قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]، من ملك بني أمية.
قال القاسم:ـ قلت: أي ابن الفضل أحد الرواة ـ: فَحَسَبْنَا ملكهم، فانقرض لألف شهر.
وروى معنى ما ذكر في سورة القدر في الحدائق.
وأخرج ذلك الترمذي ، عن الحسن بن علي - عليهما السلام -.
وأخرج النيسابوري في تفسير سورة القدر أفاده في النصائح، قال فيها: وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه في الدلائل، وابن عساكر، عن سعيد بن المسيب ، قال: رأى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بني أمية.
إلى قوله: وهو قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء:60]، انتهى.
وفي أنوار اليقين : وروى الإمام الحاكم رحمه الله، بإسناده في الشجرة الملعونة في القرآن، أنهم بنو أمية.
وفي تفريج الكروب : رأى /41
رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بني أمية ينزون على منبره نزو القردة.
حتى قال: فأنزل الله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا... الآية}.
أخرجه الثعلبي في تفسيره، بإسناده عن سعد.
قال: وقد روي حديث الرؤيا لبني أمية بألفاظ مختلفة، وقد استوفى المأثور في ذلك السيوطي في الدر المنثور.
وقد ذكر الرازي في مفاتيح الغيب ، فقال: عن ابن عباس، أن الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية؛ وأنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رأى بني أمية يتداولون [على] منبره، انتهى.
[جواب الإمام الحسن (ع) على الإمام الحسين (ع) في موادعة معاوية]
قال الحسين للحسن عليهما السلام: أجاد أنت فيما أرى من موادعة معاوية؟
قال: نعم.
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ ثلاثاً ـ.
ثم قال: لو لم نكن إلا في ألف رجل، لكان ينبغي لنا أن نقاتل عن حقنا، حتى ندركه، أو نموت وقد أعذرنا.
فقال الحسن: فكيف لنا بألف رجل مسلمين؟ إني أذكرك الله يا أخي، أن تفسد عليّ ما أريد، أو ترد علي أمري؛ فوالله، ما آلوك ونفسي وأمة محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - خيراً؛ إنك ترى ما نقاسي من الناس، وما كان يقاسي منهم أبوك من قبلنا، حتى كان يرغب إلى الله في فراقهم، كل صباح ومساء؛ ثم قد ترى ما صنعوا بي؛ أفبهؤلاء نرجوا أن ندرك حقنا؟ إنا اليوم ـ يا أخي ـ في سعة وعذر، كما وسعنا العذر يوم قُبض نبينا.
فسكت الحسين.
رواه الإمام الحسن - عليه السلام - في الأنوار، والفقيه حميد في الحدائق.
[من كتاب الحسن (ع) إلى معاوية]
ومن كتاب الحسن - عليه السلام - إلى معاوية، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، قال - عليه السلام -: فلما توفي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته، وأسرته وأولياؤه.
إلى قوله - عليه السلام -: فأنعمت لهم العرب، وسلمت ذلك.
حتى قال: فلما صرنا ـ أهل بيت محمد وأولياءه ـ إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم، باعدونا /42
واستولوا بالإجماع على ظلمنا ومراغمتنا، والعنت منهم لنا؛ فالموعد الله، وهو الولي النصير.
ثم قال: فأمسكنا عن منازعتهم، مخافة على الدين، أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون بذلك لهم سبب، لما أرادوا من إفساده، فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية، على أمر لست من أهله.
إلى قوله: فأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدَأِ قريش لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولكتابه، والله حسيبك، وسترد فتعلم لمن عقبى الدار...إلخ.
رواه أبو الفرج في المقاتل، وروى نحوه المدائني، ورواهما شارح النهج عنهما، وغيره.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وقد اعترف ابن حجر في شرح الهمزية ، بتفرق الناس، وانتشار النظام، عن الحسن بن علي - عليهما السلام -؛ ورواه الحاكم في المستدرك ، واعترف به المقبلي في أبحاثه؛ ذكر هذا المنصور بالله محمد بن عبد الله الوزير - رضي الله عنه -.
قال: وروى الذهبي في النبلاء من طرق، ما يفيد تفرق الناس عنه؛ ورواه أبو الفرج الأصفهاني والمدائني، وروى أبو جعفر الطبري نحو ذلك.
قلت: ومن أعلام النبوة إشارة قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((قاما أو قعدا )) وتصريح قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسن - عليه السلام -، وهو على المنبر: ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يبقيه حتى يصلح بين فئتين من المسلمين )) بهذا اللفظ رواه الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر الصادق، عن أبيه الباقر - عليهما السلام -، عن جابر بن عبد الله ؛ وقد سبقت رواية البخاري له، وغيره.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وتواترت الآثار الصحاح عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أنه قال في الحسن بن علي: ((إن ابني هذا سيد... إلخ)).
والأخبار متفقة على ما ذكره من صدره /43