إلى الغري؛ ليخفى موضع قبره.
وكون قبره في الغري هو المعلوم؛ ذكره الأئمة، منهم: الحسن السبط، وزيد بن علي، وولد أخيه جعفر بن محمد .
نعم، وروى عنه أولاده الخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، والعباس؛ ومن النساء: زينب؛ وخلق كثير، منهم: الشعبي ، والحارث الأعور، والحسن البصري ـ على الصحيح ـ وعاصم بن ضمرة، وعاصم بن بهدلة ، وزاذان ، وعلي بن ربيعة ، والنعمان بن سعد ، وسويد بن غَفَلة ، وعمر بن علي ، ويزيد بن أبي أمية ، ويزيد بن أبي مريم ، وحجر بن عدي ، وكميل بن زياد ، وغيرهم.
وله في الصحيحين أربعة وأربعون حديثاً، وخرج له الأربعة وغيرهم، وأئمتنا جميعهم وشيعتهم، إلا الشريف السليقي، انتهى.
قلت: ومن الرواة عنه - عليه السلام -: ابن عباس، وعبد الله بن جعفر ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، كما عدوهم في كتب الرجال.
وأعلمُ الصحابة بعد أخي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وابن عمه، وباب مدينة علمه، ابنُ عباس، وابن مسعود.
فأما ابن عباس - رضي الله عنه -، فكما قال شارح النهج: وقد علم الناس حال ابن عباس، في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه وخريجه؛ وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟
فقال: كنسبة قطرة من المطر، إلى البحر المحيط، انتهى.
ومن كلامه - رضي الله عنه -: والله، لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم؛ وأيم الله، لقد شارككم في العشر العاشر.
أخرجه أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب.
ورواياته لما أنزل الله فيه من الكتاب المبين، وما قاله في شأنه الرسول الأمين، أكثر من أن تحصر؛ وقد مَرّ ما فيه معتبر.
وأما ابن مسعود - رضي الله عنه -، فرجوعه إلى الوصي - عليه السلام - معلوم، وتبليغه لما ورد فيه كذلك مرسوم، وهو القائل: قرأت القرآن /24
على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وأتممته على خير الناس بعده، علي بن أبي طالب .
أخرجه الإمام - عليه السلام - في الشافي .
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وهو في مجمع الزوائد.
قلت: رواه في الفرائد بلفظ: علي أفضل الناس بعد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -...إلخ.
وأخرجه الخوارزمي، بلفظ: قرأت على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سبعين سورة، وختمت القرآن على خير الناس، علي بن أبي طالب .
وأخرج أبو نعيم ، عن ابن مسعود ، قال: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فسئل عن علي، قال: ((قسمت الحكمة عشرة أجزاء؛ أعطي الناس جزءاً، وعلي تسعة أجزاء ))، وبلفظ: ((قسمت الحكمة عشرة أجزاء؛ وأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً )).
أخرجه ابن المغازلي، والحاكم، والكني، عن عبد الله، عنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ وأخرجه الخوارزمي، عنه مرفوعاً، وأخرجه الحسين بن علي البرذعي في معجمه، وابن النجار ، عن عبد الله؛ قال الكنجي : وأخرجه أبو نعيم في الحلية .
هذا، والمعلوم من النصوص النبوية، أن أعلم الأمة ـ كما ورد الخبر النبوي بهذا اللفظ بخصوصه: ((أعلم أمتي علي بن أبي طالب ))، أخرجه محمد بن سليمان الكوفي والديلمي ، عن سلمان؛ والكنجي عنه، وقال: رواه الهمداني، والخوارزمي؛ وفي معناه ما لا يحيط به الحصر، أخو رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ووصيه، وابن عمه، وباب مدينة علمه؛ وعلى ذلك إجماع الأمة المحمدية، من العترة النبوية، وسائر من يعتد به من فرق البرية؛ فهو المبين للأحكام، بعد أخيه سيد الرسل الكرام ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ والمؤسس بسيفه وعلمه قواعد الإسلام، والمؤيد للنبوة، والممهد للملة، والمرجع والمفزع للصحابة والأمة، في كل /25
مهمة، كما هو معلوم للأنام.
ومما لا ينكر: لولا علي لهلك عمر.
ولقد صدق حيث قال، وقد قام علي - عليه السلام - من المسجد، فذكره إنسان، فقال عمر: حق لمثله أن يتيه، والله، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمة، وذو سابقتها، وذو شرفها...إلخ.
رواه أبو بكر بن الأنباري.
وغير ذلك من أقواله وأقوال الصحابة ما لا يحصر.
وقد أغناه - عليه السلام - ما أثنى الله ـ جل جلاله ـ عليه، ورَفَع شأنه في كتابه وسنة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عن جميع أقوال البشر.
ـــــــــــــ
[أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها]
خديجة بنت خويلد بن أسد، القرشية، الأسدية، أم المؤمنين، أول من آمن بالله سبحانه، وصدق رسالته، من الأمة، بالإجماع؛ سيدة نساء هذه الأمة بلا خلاف، أفضل نساء النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وأكرمهنّ عليه.
تزوجها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبل البعثة، وهو في خمس وعشرين سنة، وهي في أربعين.
وهي أم أولاده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، إلا إبراهيم عليهم السلام.
وبلغها جبريل - عليه السلام - السلام، عن الله عز وجل، وبشرها ببيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب.
ولم يتزوج عليها الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وفضائلها لا تحصى.
تُوفيت قبل الهجرة بثلاثة أعوام، وهي في خمس وستين، ونزل الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في قبرها، ودُفنت بالحَجون، وقبرها مشهور مزور، ـ صلوات الله وسلامه على زوجها، وأخيه وعليها، وعلى بنيها وبناتها، وذريتهم الطاهرين، إلى يوم الدين ـ.
وقد وردت أخبار كثيرة في المقارنة بينها وبين مريم ابنة عمران، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم، في سيادة نساء العالمين.
وفي صحيح البخاري، عن علي - عليه السلام - رفعه: ((خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة )).
قال ابن حجر في الإصابة: وقد أثنى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على خديجة، ما لم يثن على غيرها. /26
ثم ذكر حديث عائشة، قالت: كان رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لا يكاد يخرج من البيت، حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام؛ فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، قد أبدلك الله خيراً منها.
فغضب، ثم قال: ((لا والله ما أبدلني خيراً منها؛ آمنَتْ إذْ كفر الناس، وصدّقتني إذْ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذْ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء )).
قالت عائشة: فقلتُ في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبّة أبداً.
أخرجه أبو عمر بن عبد البر .
قلت: رواه في الاستيعاب باختلاف يسير.
ــــــــــــــ
[سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)]
فاطمة بنت محمد الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، أم الحسن، أشبه الناس برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، سيدة نساء العالمين.
قلت: وذكر السيد الإمام قول العامة في ولادتها قبل النبوة، ثم قال: وهي أصغر بنات النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، في قول ذكره في جامع الأصول .
وفي رواية أبي العباس الحسني، في المصابيح ، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن إدريس ، إلى جعفر بن محمد ، في ذكر أولاد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فقال: كان القاسم أكبر أولاده، ثم زينب، ثم عبد الله، وهو الطيب، ولد بعد النبوة، ومات صغيراً، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة، ثم رقية ، هكذا الأول فالأول.
وصرح به أبو عمر، وكذا ذكره في تاريخ الخميس .
إلى قوله: لما روى الملا في سيرته قال: ((أتاني جبريل بتفاحة من الجنة، فأكلتها، فواقعت خديجة، فحملت بفاطمة )).
وساق الأخبار، حتى قال: وهذه الروايات تقتضي أن ولادة فاطمة /27
بعد البعثة، وهو مغاير لما رواه ابن إسحاق وغيره، وهو الأصح على رأي قدماء أئمتنا عليهم السلام، والله أعلم.
أمها خديجة بنت خويلد .
هاجرت إلى المدينة، وتزوجها علي - عليه السلام - ولها خمس عشرة سنة، وكان ذلك في صفر، وبنى بها في الحجة، بعد وقعة أحد.
وكان تزويجها بأمر الله سبحانه، وكان المهر اثني عشرة أوقية ونصفاً، عن خمس مائة درهم، كذا في أكثر الروايات ـ وفي رواية: أربعمائة مثقال فضة.
وحضر عقدها جماعة من النبلاء ؛ ودعا - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - برطب وثمر؛ فقال: ((انتهبوا)).
وفيما روي: ((إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج منكم وأزوجكم، إلا فاطمة؛ فإنها نزل تزويجها من السماء )) رواه السيد أبو طالب وغيره.
وفي رواية: ((فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني )).
قلت: قد سبق تخريجه وما في معناه.
قال في الفرائد: وأما ما يخص فاطمة عليها السلام، فمنها: حديث الإغضاب: ((فمن أغضبها فقد أغضبني؛ ومن آذاها فقد آذاني ))، وحديث: أنه يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها، بألفاظه وسياقاته، مما تواتر عند أهل الحديث، مع إجماع أهل البيت على ذلك.
ومنها: الإخبار بالقطع أنها سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة..إلخ.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر، بالسند إلى عائشة، أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من فاطمة؛ وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، فقبلها ورحّب بها كما كانت تصنع هي به - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وروي بالسند عنها، قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولَدها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وبسنده إلى جميع بن عمير ، قال: دخلت على عائشة، فسألت، أي /28
الناس كان أحب إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؟
قالت: فاطمة.
قلت: فمن الرجال؟
قالت: زوجها، إن كان ما علمته صواماً قواماً.
وساق بالسند إلى بريدة، قال: كان أحب النساء إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فاطمة، ومن الرجال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ.
وفي الإصابة لابن حجر ما لفظه: وفي الصحيحين : عن المسور بن مخرمة، سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على المنبر يقول: ((فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما يريبها )).
وعن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه، عن علي، قال: قال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لفاطمة: ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك )).
وساق في فضائلها.
إلى قوله: بسند من أهل البيت، عن علي، أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لفاطمة: ((إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك )).
قال: وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم ، أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: ((أنا حرب لمن حاربهم، سِلْم لمن سالمهم )).
قال: وانقطع نسل رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلا من فاطمة.
قلت: وقد تقدم من دلالات الكتاب والسنة على جميع ذلك، ما فيه الكفاية.
وفي الروض، بعد أن ساق الأخبار الدالة على أبوة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لولد فاطمة ـ عليهم السلام ـ:
قال بعض المحققين من العلماء: ظاهر كلام أئمتنا أنه حقيقة، وأن حكمه في ذلك يخالف حكم غيره.
إلى قوله: لأن هذه خصوصية وتكرمة ثابتة بوحي خاص؛ ويدل على كونها حقيقة قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وأنا عصبتهما )).
قلت: وفي ألفاظ الخبر الشريف: ((إلا بني فاطمة، فأنا وليهم وعصبتهم )) أخرجه الطبراني في الكبير، و((إلا ولد فاطمة، فإني أنا أبوهم وعصبتهم )) أخرجه الخطيب في تاريخه، و((ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا /29
أبوهم وعصبتهم )) أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة.
قال: فلولا أنه أب شرعاً لم يكن عصبة، ولا لهما بذلك على سائر الناس مزية؛ ولا تنافيه أبوة علي - عليه السلام - لهما؛ وكون النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم- جداً لهما، فلكل مقام اعتبار يناسبه.
وقد كانا عليهما السلام في زمانه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يدعوانه: يا أبه؛ ويقول الحسن لعلي - عليه السلام -: يا أبا الحسين؛ والحسين يقول له: يا أبا الحسن.
ولم يدعوانه يا أبه، حتى توفي النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
هكذا نقل عمن يوثق به.
قال النووي، في كتاب تهذيب الأسماء واللغات : وذكر أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كناها أم أبيها.
وقال: فيه ما ينوه بمقامها غاية التنويه.
إلى قوله: فحيث نزلها أكرم الخلائق من نفسه الكريمة، منزلة أكرم الخلق عليه، فبخٍ بخٍ ثم بخٍ بخٍ.
وقد قال بعض الطلبة: في هذه اللفظة لطيفة حسنة؛ وهي أن أولاد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من فاطمة باتفاق، ويشهد له حديث: ((كل بني أنثى... إلخ)).
وإذا كانت فاطمة بمنزلة الأم، كان المختار - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بمنزلة الولد، فيكون عَقِبَها، كما لو كانت أماً له ـ صلوات الله عليه وآله وسلم ـ وأعقبت منه؛ فإن أولاده حينئذٍ أولادها لا محالة.
وهذه دقيقة جليلة يحظى بها الثقات، ويقبلها مَنْ لم يرفع النصب أنوار قلبه؛ والله أعلم.
قال بعض العلماء: إن قلت: قد جمع الله تعالى لعلي الكرم، بمشاركته لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في كل ظهر وبطن، حتى افترقا في عبد الله وأبي طالب؛ هلاّ كمل الله الفضيلة بجمعهما من ظهر عبد الله وبطن آمنة؛ ليكون أشرف وأتم لما يريده الله من جعلهما كموسى وهارون؟
ثم أجاب بأن الأمر كذلك؛ لكن الحكيم سبحانه لما قضى بأن عقب المختار من ظهر علي وبطن فاطمة، فرقهما؛ ليتم التزويج.
ولله درّ هذا /30
العالم.
قال: وأما عدول يحيى بن يعمر، في جوابه على الحجاج، في كونهما من ذرية النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلى دخولهما تحت عموم الآية، في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85)} [الأنعام:84،85] ، فللإقناع وقطع الحجة، بما لا يقدر على دفعه؛ ولاقتراح الحجاج عليه جواباً من القرآن الكريم؛ لأن أحاديث فضائل أهل البيت في ذلك العصر لا يُلتفتُ إليها، ولا يُطاق التظاهر بروايتها.
انتهى المراد بتصرّف يسير.
قال السيد الإمام: ولما مات النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - جاءت تطلب ميراثها، فروي لها: ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما خلفناه ـ أو تركناه ـ صدقة )) رواه السيد أبو العباس وغيره.
وفي رواية: جاءت إلى أبي بكر، فقالت: فدك بيدي أعطانيها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لوكيلي.
فقال: يا بنت محمد، أنت عندي مصدّقة، إلا أن عليك البينة.
فجاءت بعلي وأم أيمن.
على الأشهر من الروايات ـ وذكرها زيد بن علي وغيره ـ أنه قال: رجل مع الرجل، أو امرأة مع المرأة.
فلم تأت بأحد.
قلت: وفي تفريج الكروب : أرسلت فاطمة إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر؛ فقال أبو بكر: إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((لا نورث ما تركناه صدقة )).
وساق حتى قال: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فَوجِدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ستة أشهر.
فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي - رضي الله عنه -.
أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة، انتهى. /31
قال: ولم تلبث بعد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلا ستة أشهر، وتوفيت.
وفي رواية السيد أبي طالب، عن الباقر: أربعة أشهر.
وسنّها يوم ماتت وقد جاوزت العشرين بقليل.
قطع به ابن حجر.
ورواية الباقر: ولها ثلاث وعشرون سنة.
قال في جامع الأصول : وأهل البيت يقولون ثمان عشرة سنة.
قال السيد الإمام: وهو الأولى.
قال: وكانت أول لاحق به من أهله.
قلت: وقد بشرها أبوها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بذلك، كما وردت به الروايات الصحيحة.
قال: وغسلها علي - عليه السلام - في قول، وأسماء بنت عميس في رواية، وفي رواية، أنها غسلت نفسها أوان موتها، وصلى عليها علي - عليه السلام -.
هكذا في الطبقات .
وقوله: وفي رواية أنها غسلت نفسها؛ في الإصابة: وأخرج ابن سعد وأحمد بن حنبل ، من حديث أم رافع، قالت: مرضت فاطمة، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه، قالت لي: يا أمه، اسكبي لي غسلاً.
فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم لبست لها ثياباً جدداً، ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة؛ وقالت: يا أمه، إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد.
فماتت؛ وجاء علي، فأخبرته؛ فاحتملها، ودفنها بغسلها ذلك، انتهى.
قال السيد الإمام: ودُفنت بالبقيع ليلاً، بوصية منها، ورش قبرها وسبعة أقبر حوله.
روى عنها ابنها الحسين، وعائشة، وأنس، وغيرهم، وخرج لها الجماعة، وأئمتنا الخمسة، وزيد بن علي، والهادي للحق، هكذا في الطبقات .
ـــــــــــــــــ
[السبط الأكبر الحسن بن علي (ع)]
الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو محمد، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة جده من الدنيا، الإمام قام أو قعد.
مولده بالمدينة، في شهر رمضان، عام ثلاثة من الهجرة. /32
قلت: هذا الأصح من الأقوال.
وهو عقيب وقعة أحد، وسماه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عن أمر الله: حسناً، وعقّ عنه شاتين، في رواية المنصور بالله ـ قلت: الذي في الشافي بكبش؛ وما ذكره ثابت في رواية الإمام علي الرضا - عليه السلام -، وغيره ـ وحلق رأسه يوم سابعه، وتصدقت أمه بوزن شعره فضة؛ وتربى في حجر جده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وله عنه روايات محفوظة، عند الرواة مدونة.
وقال فيه: ((ولدي سيّد سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين )).
وشهد مع أبيه صفين والجمل، ثم بويع له بعد أبيه، في شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة، في الكوفة؛ وخرج منها في ذي الحجة، حتى نزل المدائن؛ فخذله أصحابه ونفروا عنه، فاضطرته الحوادث إلى اعتزال الأمر، ومصالحة معاوية مصداقاً للحديث.
ثم رجع إلى المدينة، فأقام بها عشر سنين، وحج خمساً وعشرين حجة، ماشياً؛ وإن النجائب لتقاد معه.
ثم سقته امرأته جعدة بنت الأشعث سماً في لبن، بأمر معاوية، فمات بعد شهر، في شهر....
قلت: بيض لذلك في الطبقات ؛ وقد قيل: إنه في شهر ربيع الأول.
قلت: واختلف في تاريخ موته وعمره، فقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: اثنتين؛ وله سبع وأربعون ـ وصححه المؤلف ـ وقيل: تسع، وقيل: ست، وقيل: خمس.
هكذا في الكتب المعتبرة؛ والاختلاف واقع في مثل هذا، في الأغلب، فيكتَفى بالأقرب.
[وصية الإمام الحسن أين يُدفن]
قال: وأوصى إلى أخيه الحسين: أن إذا متّ فتولّ غسلي، وادفني إلى جنب جدي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ فإن مُنِعتَ فادفني إلى جنب أمي فاطمة ـ عليها السلام ـ بالبقيع؛ وإياك أن تهرق فيَّ محجمة دم.
فلما توفي، مُنع من قبره عند جدّه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فدفن بالبقيع إلى جنب فاطمة ـ عليها السلام ـ.
وقبره مشهور /33