قال في صحاح الجوهري: وقولهم: لاأفعله آخر الليالي أي: أبداً، انتهى باختصار.
وقد وضح البرهان، بما ورد في أهل بيت النبوة على أبلغ البيان، من وجوب التمسك بهم، وقصر النجاة على ركوب سفينتهم، وأنهم قرناء القرآن، وحجة الله في كل زمان.
[الكلام على خبر المنزلة ـ مخرجوه ـ تواتره]
هذا، وقد نزل الله سيد الوصيين، وأخا سيد النبيين، من ابن عمه سيد المرسلين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بمنزلة نفسه كما نطق به الذكر المبين، وبمنزلة هارون من موسى، على لسان المصطفى، - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، كما تواترت به الأخبار عند جميع المسلمين، وهو قوله ـ صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه ـ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)) هكذا رواه الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال الإمام الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم - عليهم الصلاة والتسليم -: وفيه يقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))، وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ماكان يجب لهارون مع موسى، ماخلا النبوة؛ وهارون - صلوات الله عليه - فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، إلى آخر كلامه.
وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من قَبْل الإمامين الأعظمين ومن بعدهما وما بينهما، مجمعون على ذلك، محتجون بما هنالك.
وأما سائر فرق الأمة، فقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع): فيه من الكتب /96

المشهورة عند المخالفين أربعون إسناداً، من غير رواية الشيعة، وأهل البيت. انتهى.
وقال الحاكم: هذا حديث المنزلة، الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد. انتهى.
ورواه ابن أبي شيبة، ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري، في صحيحيهما، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم صاحب المستدرك، والطبراني، والخطيب، والعقيلي، والشيرازي، وابن النجار.
وعلى الجملة، الأمر كما قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع): والخبر مما علم ضرورة، انتهى.
قال السيد الإمام الحسين ابن الإمام (ع) في شرح الغاية بعد سياق رواياته من كتب المحدثين: واتفق الجميع على صحته، حتى صار ذلك إجماعاً منهم.
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حد التواتر.
[الرواة من الصحابة لحديث المنزلة]
قال ابن الإمام: وقد رواه عدد كثير من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، منهم: علي، وعمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبدالله، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب، ومالك بن الحويرث، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس؛ وأخرجه ابن المغازلي في مناقبه عن سعد بن أبي وقاص من اثني عشر طريقاً، وعن أنس وابن عباس وابن مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان. انتهى.
قلت: وقد ساق الإمام /97

المنصور بالله (ع)، في الشافي طرقه من كتب العامة، بما فيه كفاية؛ وفي إحدى الطرق المسندة مانصه: سأل رجل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فإنه أعلم.
إلى قوله: قولك فيها أحب إلي من قول علي.
فقال: بئس ماقلت ولؤم ماجئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يُغِرُّ العلم غراً، ولقد قال له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))؛ ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيأخذ عنه؛ ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شيء قال: هاهنا علي.
قم لاأقام الله رجليك.
ومحى اسمه من الديوان.
ومناقبٌ شهدَ العدوُّ بفضلها .... والحق ماشهدت به الأعداءُ
إلى قول الإمام (ع): وما ظهر منه من تعظيم علي (ع)، فبلطف من الله؛ لتكون الحجة عليه وعلى أتباعه؛ فما عذره عند الله في سب رجل هذه حاله. انتهى.
هذا، وقد تكرر من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ البيان، بكون أمير المؤمنين (ع) منه بمنزلة هارون من موسى بن عمران (ع)، بالأفعال والأقوال، في مقامات جامعة كثيرة، ومقالات واسعة غزيرة.
[فائدة في دلالة الاستثناء على العموم]
وهذا الكلام الشريف النبوي، قد أوجب لسيد الوصيين، من سيد النبيين، كل منزلة كانت لهارون من موسى ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ إلا مااستثناه وهو النبوة؛ والاستثناء دليل العموم؛ إذ هو الإخراج من الحكم، والإرادة لما هو داخل بمقتضى الدلالة، فهو قرينة عدم الإرادة، ولايرد عليه الاستثناء المنقطع؛ إذ هو خلاف الأصل بالاتفاق، ولا الاستثناء من المحصور بالعدد، ولام العهد؛ إذ موجب الدخول قد حصل في المحصور بالحصر فلا عموم.
وأما مالا /98

حصر فيه فلا يدخل حتى يصح إخراجه إلا بالشمول، فثبت العموم كما قرر ذلك أرباب التحقيق في محله من الأصول، والله ولي التوفيق.
وأيضاً هذه الصيغة مفيدة للعموم وضعاً؛ إذ هي جنس مضاف إلى معرّف، وقد فَهِمَ عموم المنازل، واستحقاق أعلا المناقب وأعظم الفضائل، أعلامُ الأئمة وعلماء الأمة في الأواخر والأوائل.
ومنها: الشركة في الأمر، كما هو نص الكتاب، وورد في السنة الشريفة في أشرف خطاب.
ومن الأدلة التي يعلم بها قصد العموم: ماذكرناه سابقاً من تكرر وروده، في مقامات صدوره ووروده.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة، لما قال: إنه (ع) استخلف علياً على المدينة، كما استخلف موسى هارون على قومه عند خروجه إلى الطور: والجواب: أنا لم نستدل بسبب استخلافه على المدينة.
إلى قوله: والعمومات لايجوز قصرها على الأسباب، فإذا كان هكذا فالسبب الذي أورده لا يؤثر في الدليل على وجه من الوجوه، وعلى أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يقل هذا القول لأمير المؤمنين (ع) في ذلك الوقت فقط؛ بل أتت الروايات أنه قاله في مواطن كثيرة، وأحوال مختلفة، حتى روى بالإسناد يبلغ به ابن عباس، قال: بينما النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قاعداً، إذ أقبلت فاطمة تبكي؛ ونسق الحديث بطوله إلى أن قال لها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أما ترضين أن علياً مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)).
ومنها في رواية أخرى عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال لأم سلمة: ((ياأم سلمة، هذا لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى؛ ياأم سلمة، هذا أخي في الدنيا وقريني في الجنة، تزول الجبال الراسيات ولايزول عن دينه)).
ومنها: أنه قال ذلك يوم خيبر.
وذكر الصاحب الجليل كافي الكفاة أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ذكر ذلك في تسعة مواضع؛ فعلمنا أن الاعتبار بعموم اللفظ؛ لأن روايته غير مقصورة على سبب واحد.
إلى قوله: هي /99

مطلقة من غير مراعاة سبب، وعلى أن علياً (ع) ذكر ذلك يوم الشورى من غير سبب، وفي رواية الفقيه: رواه بعد قتل عثمان، فوجب أن يكون الاعتبار بعموم اللفظ. انتهى.
[مقامات خبر المنزلة]
ونشير ـ بإعانة الله تعالى ـ إلى تعيين ماتيسر من مقامات الخبر؛ لبيان ذلك، ولما يتضمن كل مقام من الحجج والدلائل؛ وإن كانت فضائله - صلوات الله عليه - بحراً ليس له ساحل؛ ولقد أحسن صاحب الهمزية حيث يقول:
كل لفظ له ابتدأت به استو .... عب أخبار الفضل منه ابتداء
والترتيب هذا في الذكر لا في الوقوع.
فالأول: ماتقدم في تبوك.
الثاني والثالث: ماأشار إليهما الإمام (ع)، في خبري فاطمة وأم سلمة ـ رضوان الله عليهما ـ؛ وقد رُويا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بطرق كثيرة.
الرابع: مارواه ابن عباس ـ أيضاً رضي الله عنهما ـ، أنه قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول في علي ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس:
كنت أنا، وأبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، ونفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ متكئ على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبيه، ثم قال: ((ياعلي أنت أول المؤمنين إيماناً، وأولهم إسلاماً))، ثم قال: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب عليَّ من زعم أنه يحبني ويبغضك))، أخرجه الحسن بن بدر في ما رواه الخلفاء، والحاكم في الكنى، والشيرازي في /100

الألقاب، وابن النجار؛ أفاده ابن الإمام (ع) في شرح الغاية.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: فكيف يقول عمر: أحب إلي مما طلعت...إلخ؟ وقد شارك علياً من هو دون عمر عند الناس.
وقال في موضع آخر: وقد استخلف النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كثيراً من الصحابة عند مغيبه على المدينة.
إلى قوله: ولم يرو في أحد منهم عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ماروي في علي من المنزلة؛ فلو لم يكن المراد إلا الاستخلاف على المدينة حال غيبته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يكن لتخصيص علي وجه؛ إذ قد شاركه البقية من الصحابة، ولم يكن لقول عمر....إلخ، وكذا قول سعد: لن أسب علياً مهما ذكرت خصالاً؛ وعدّ منها قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون، إلخ)).
قلت: وكذا إيراد أمير المؤمنين (ع) له في مقامات الاحتجاج، كما في خبر المناشدة.
وقول علي بن الحسين (ع): ما خالف علياً أحد فسعد ولا رشد؛ وكيف لا يكون كذلك وهو من محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى (ع)؟! رواه الإمام المنصور بالله (ع) بسنده إلى الباقر عن أبيه (ع).
وقول علي بن الحسين أيضاً: فمن هذا الذي هو من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى؟!! وهل كان في بني إسرائيل بعد موسى مثل هارون؟...إلخ، رواه عنه محمد بن سليمان من ثلاث طرق.
وقول شعبة بن الحجاج: فهارون أفضل أمة موسى، فيكون علي (ع) أفضل من كل أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، صيانة لهذا النص الصريح الصحيح ـ يعني خبر المنزلة ـ، رواه الكنجي، واستدل به جميع العترة المطهرة، الإمام الأعظم زيد بن علي فمن بعده ـ صلوات الله عليهم ـ على الإمامة كما ذلك معلوم.
هذا، وكذا قول الحسن البصري فيه ـ صلوات الله عليه ـ: ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع: ايتمانه على براءة، وما قال له في غزاة تبوك؛ فلو كان غير النبوة شيء يفوته لاستثناه، وقول النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((الثقلان كتاب الله وعترتي))، وأنه لم يُؤمّر عليه أمير قط، وقد أُمّرت الأمراء على غيره؛ رواه في شرح /101

النهج مع رواية أخرى عن الحسن ذكر منها براءته عن الانحراف، وفيها: ما أقول فيه؟ كانت له السابقة، والفضل، والعلم، والحكمة، والفقه، والرأي، والصحبة، والنجدة، والبلاء، والزهد، والقضاء، والقرابة؛ إن علياً كان في أمره علياً، رحم الله علياً، وصلى عليه.
قال الراوي: فقلت: يا أبا سعيد، تقول: صلى عليه لغير النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم؟.
فقال: رحِّم على المؤمنين إذا ذكروا، وصل على النبي وآله؛ وعلي خير آله.
قلت: هو خير من حمزة وجعفر؟.
قال: نعم.
قلت: وخير من فاطمة وابنيها؟.
قال: نعم، والله إنه خير آل محمد كلهم، ومن يشك أنه خير منهم، وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وأبوهما خير منهما)).
إلى قوله: وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لفاطمة: ((زوجتك خير أمتي)) فلو كان في أمته خير منه لاستثناه؛ ولقد آخى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بين أصحابه، فآخا بين علي ونفسه، فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خير الناس نفساً، وخيرهم أخاً.
إلى قوله: يا ابن أخي، احقن دمي من هؤلاء الجبابرة.
رواه ابن أبي الحديد عن الشيخ أبي جعفر الإسكافي قال: ووجدته في كتاب الغارات لإبراهيم بن هلال الثقفي. انتهى.
وهذا شيء عرض، ولنا فيه غرض.
قال ـ أيده الله ـ: كرر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذكر ذلك، في مواطن ويقول لعلي: ((أما ترضى)) وكيف يرضيه بأمر قد شاركه فيه من هو دونه؟ إن هذا لبين، وإنما العناد لاحيلة له.
وعلى أصل الفقيه، يكون قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أما ترضى))..إلخ أي: أما ترضى أن تكون بمنزلة ابن أم مكتوم وسائر الصحابة؟!!
وكيف يرجع علي راضياً مستبشراً حتى أنه رجع ساعياً، ورؤي غبار قدميه ساطعاً، من شدة عدوه، كما في حديث أخرجه أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك؛ ومحمد بن سليمان الكوفي كذلك؛ لأنه قد حصل له منزلة ابن أم مكتوم ونحوه؟!!
إن هذا من تحريف من قلبه مختوم، وعند الله تجتمع الخصوم. انتهى. /102

الخامس: في المقام الأعظم، والأمر المقدم، وذلك سبب نزول آية الولاية، ومن ألفاظ الرواية، مارواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي مسنداً، قال: بينما عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إذ أقبل رجل معتم بعمامة، فجعل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لايقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إلا وقال الرجل: قال رسول الله، فقال له ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟
قال: فكشفَ العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري؛ سمعتُ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بهاتين وإلا فصمتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا، يقول: ((علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)) أما إني صليت مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء؛ وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، فلم يعطني أحد شيئاً؛ وكان علي راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: ((اللهم إن موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري؛ فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } [القصص:35]، اللهم، وأنا محمد نبيك /103

وصفيك، اللهم، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدد به أزري)).
قال أبو ذر: فما استتم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكلمة، حتى نزل عليه جبريل (ع)، من عند الله، فقال: يا محمد، اقرأ.
قال: وماأقرأ؟
قال: اقرأ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]. انتهى.
رواه (ع) من تفسير الثعلبي، ورواه الحاكم الحسكاني عن أبي ذر.
وروى مافي هذا الحديث من الدعاء بزيادة ((وأشركه في أمري)) محمد بن سليمان بسنده إلى أسماء بنت عميس، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
وأخرجه عنها أحمد بن حنبل؛ ذكره الأمير في شرح التحفة؛ أفاده في التخريج.
قلت: وروى الإمام (ع) نحو حديث أبي ذر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: ((واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدد به أزري، وأشركه في أمري)) ولم يذكر آية الولاية، وقال عقيب الدعاء: فأنزل الله تعالى على نبيه: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} [مريم]، إلى قول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام)).
والله أنزل في علي كرائم القرآن. انتهى.
رواه في الشافي مسنداً.
ورواه ابن المغازلي، والفقيه حميد الشهيد، والحاكم الحسكاني، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقد ذكرت الكلام على هذه الآية الشريفة، وغيرها من الآيات والأخبار والآثار، في التحف الفاطمية ، شرح الزلف الإمامية، نفع الله تعالى بها بما فيه بلاغ لأولي الأبصار، فما أعدت الكلام هنا فيه على ماذكر هنالك؛ فلأجل إفادة لم تسبق، أو لانسياق البحث إلى ذلك، والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بعد ذكر الأسانيد: فقد اتفق الخاصة /104

والعامة، على أن المراد بالآية علي بن أبي طالب (ع)؛ وهذا نص صريح في صحة إمامته (ع)، ووجوب خلافته عقيب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل؛ لأنه رتب الولاية ثلاث مراتب: لله سبحانه، وللرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللمتصدق بخاتمه وهو راكع، وذلك علي بن أبي طالب (ع)، فهو الولي النافذ التصرف في الأمة؛ كما يقال: هذا ولي المرأة وولي اليتيم.
إلى قوله: وقد شرك سبحانه مع ولايته وولاية رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ثالثاً، وعينه تعييناً جلياً، وأشار إليه بإيتاء الزكاة في الركعة، إشارة متفقاً عليها من الخاص والعام، فثبت له من فرض الولاية، ماثبت لله تعالى ولرسوله على كافة خلق الله تعالى. انتهى.
[خبر الراية وقصة فتح خيبر]
السادس: في فتح خيبر، ومن ألفاظه الشريفة ما رواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، عن الإمام الأعظم، صاحب الجيل والديلم (ع)، بإسناده عن جابر: أن علياً(ع)، لما قدم من خيبر بعد ما افتتحها، قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي، ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك قولاً، لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب نعليك، وفضل طهورك، يستشفون به؛ ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيء بعدي، وأنك تبري ذمتي، وتقاتل على سنتي، وأنك غداً في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك على الحوض خليفتي، وأنك أول من يكسى معي، وأنك أول داخل معي من أمتي الجنة، وأن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم، أشفع لهم غداً، ويكونون غداً جيراني، وأن حربك حربي، وسلمك سلمي، وأن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وأنك امرؤ /105

12 / 143
ع
En
A+
A-