وكما في حديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله... إلخ))، وجاء من طريقهم أيضاً زيادة: ((من أهل بيتي))، ولفظه: ((في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من تفدون))...إلخ.
قال الإمام شرف الدين: روى هذا الحديث أحمد بن حنبل، والحاكم في المستدرك، وغيرهما ممن ذكره في مجمع الزوائد، ورواه الملا في سيرته بلفظه.
قلت: وقد تقدم.
قال: وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على الله))، رواه الإمام أبو طالب (ع)؛ وقد تقدم.
قال: وقد ذكر شارح عقيدة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم شطراً صالحاً من الأحاديث من كتب المحدثين؛ حتى قال: قال الزِّيلي الشافعي ـ رحمه الله ـ: وفي أحاديث التمسك بأهل البيت(ع) إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم بالتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك؛ ولذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما تقدم، وشهد لذلك الخبر الوارد: ((في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي... إلخ)).
وساق كلاماً جيداً، ثم قال: ومن ذلك: حديث المهدي المنتظر، وأنه من أهل البيت (ع)، وذلك ما لا كلام فيه، ولا خلاف لأحد يعوّل عليه.
ومن ذلك: حديث المجددين من أهل البيت (ع)؛ فإن ذلك دليل كون بهم العصمة في كل وقت.
ذكر ذلك الشيخ جلال الدين الأسيوطي في كتابه مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، في شرح أول حديث من كتاب الملاحم، ما لفظه:
وأخرج أبو إسماعيل من طريق حميد بن زنجويه، قال: سمعت أحمد بن حنبل /597
يقول: يروى في الحديث عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله يمنّ على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي، يبين لهم دينهم)).
...إلى قوله: وملاك هذا اقترانهم بالقرآن، وأنهم الأمان؛ فمن يكون الأحق بتجديد شريعة أبيهم، والقيام عليها، ورد أحوال من يحرفها، أو ينتحل خلافها؛ ولقد كانوا (ع) كذلك، والحمد لله رب العالمين.
إذا عرفت هذا، ظهر لك ـ إن كنت من المنصفين ـ صحة قول الإمام:
فنحن طائفة الحق التي وردت .... فيها الأحاديث مما الكل يرويهِ
وأنهم (ع) هم المستخلفون، والمخلّفون لهذا المقام، إلى يوم الزحام، وأنهم الخزنة والأبواب، والحفاظ للكتاب؛ أولهم من أُمِر بقتال الناكثين، والقاسطين والمارقين، المقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل أخوه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على تنزيله، الوارد فيه ما أفاد القطع، بأنه مع الحق والقرآن؛ ثم تلاه أولاده نجوم الظلام، ورجوم الضلال، حتى يختم بمهديهم لقتال الدجال؛ فأنى يؤفك الآفكون!.
[كلام السيد محمد بن إبراهيم الوزير في آل محمد (ع)]
ثم ذكر كلام السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير.
وأنا آتي به من محله فهو أتم:
قال في العواصم: وآله الذين أمر بمحبتهم، واختصهم للمباهلة بهم، وتلا آية التطهير بسببهم، وبشر محبيهم بالكون معه في درجته يوم القيامة، وأنذر محاربيهم بالحرب، وبشر مسالميهم بالسلامة، وشرع الصلاة عليهم معه في كل صلاة، وقرنهم في حديث الثقلين بكتاب الله، فوصى فيهم، وأكد الوصاة بقوله: ((الله الله))، أخرجه مسلم فيما رواه، وزاد الترمذي: ((وبشراه بشراه لذي قرباه، إنهما لن يفترقا حتى يلقياه)).
ولما أَهَبَّ الله ـ سبحانه ـ لهم أرواح الذكر المحمود، في جميع الوجود، بذكرهم في الصلاة الإلهية، ومع الصلوات النبوية، /598
فلازم ذكرهم الصلوات الخمس، والصلوات على خير من طلعت عليه الشمس، كان ذلك إعلاماً ممن له الخلق والأمر، وإعلاناً ممن لا يقدر لجلاله قدر، أنه أراد أن يهبّ ذكرهم مَهَبَّ الجنوب والقبول، وألا ينسى فيهم عظيم حق الرسول؛ لا سيما وقد سبق في علم الله أن الأشراف لا يزالون محسَّدين، وأن الاختلاف والمعاداة فتنة هذه الأمة إلى يوم الدين.
وكذلك؛ فإنه لما علم ما سيكون من استحلال حرمتهم العظيمة، وسفك دمائهم الكريمة، آذن بأنه حرب لمن حاربهم، وقرنهم بالكتاب المجيد، ووصى بهم من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
انتهى والله هو الولي الحميد. /599
الفصل العاشر في البرهان القاطع على تعيين أهل السنة والجماعة، وبيان أهل البدعة والفرقة
اعلم أنه عَظُم الخطب، وعمّ الخبط، وكثُرت المنازعة، في هذه الأسماء الأربعة، وصارت كل فرقة تدعي لها محمودها، وتنفي عنها مذمومها، وترمي بها خصومها؛ والحق ما صحّ دليلُه، واتضح سبيلُه.
وقد سبق من أدلة الكتاب المبين، وسنة الرسول الأمين ـ صلى الله عليه وآله المطهرين ـ ما فيه بلاغ لقوم عابدين.
[البرهان على تعيين أهل السنة والجماعة والبدعة والفرقة]
وقد أبان المراد بأبلغ البيان، وأقام عليه أقوم البرهان، بابُ مدينة علم أخيه، المبينُ للأمة ما يختلفون فيه.
من ذلك ما أخرجه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) بسنده في أماليه، قال: سأل ابن الكواء أمير المؤمنين (ع) عن السنة والبدعة، وعن الجماعة والفرقة.
فقال (ع): يابن الكواء، حفظت المسألة فافهم الجواب: السنة ـ والله ـ سنة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، والبدعة ـ والله ـ ما خالفها، والجماعة ـ والله ـ أهل الحق وإن قلّوا، والفرقة ـ والله ـ متابعة أهل الباطل وإن كثروا.
وأخرج السيوطي في جمع الجوامع في مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ؛ قال: أخرجه وكيع، من رواية الإمام المظلوم، النفس التقية، يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع)، ولفظه: عن يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، قال: كان علي يخطب، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني من أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟
فقال: ويحك! أما إذا /603
سألتني فافهم عني، ولا عليك ألا تسأل عنها أحداً بعدي؛ فأما أهل الجماعة، فأنا ومن اتبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله؛ وأما أهل الفرقة، فالمخالفون لي ولمن اتبعني، وإن كثروا؛ وأما أهل السنة فالمستمسكون بما سنّه الله ورسوله، وإن قلّوا؛ وأما أهل البدعة، فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم، وإن كثروا؛ وقد مضى منهم الفوج الأول، وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها عن حدبة الأرض.
[سيرة علي(ع) في البغاة]
فقام إليه عمار، فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء، ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فيء لنا، وولده.
فقام إليه رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس ـ وكان ذا عارضة ولسان شديد ـ فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما قسمت بالسوية ولا عدلت.
وساق إلى قوله: فقال علي (ع): إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتى تلقى غلام ثقيف.
فقال رجل من القوم: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟
فقال: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها.
قال: فيموت أو يقتل؟
قال: بل يقصمه قاصم الجبارين قبله، بموت فاحش يحرق منه دبره؛ لكثرة ما يجري من بطنه؛ يا أخا بكر، أنت امرؤ ضعيف الرأي؛ أو ما علمتَ أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة، وتزوجوا على رشدة، وولدوا على الفطرة؟! وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم فهو لهم ميراث؛ وإن عدى علينا أحد منهم، أخذناه بذنبه، وإن كف عنا، لم نحمل عليه ذنب غيره.
..إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: يا أخا بكر، أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق؟ فمهلاً مهلاً.
..إلى قوله:
فقام عمار، فقال: يا أيها الناس، إنكم ـ والله ـ إن اتبعتموه وأطعتموه، لم يضلّ بكم عن /604
منهاجٍ قيْسَ شَعَرةٍ، وكيف يكون ذلك، وقد استودعه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المنايا والوصايا وفصل الخطاب، على منهاج هارون بن عمران، إذْ قال له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)) فضلاً خصه الله به، وإكراماً منه لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حيث أعطاه ما لم يعط أحداً من خلقه.
ثم قال علي: انظروا ـ رحمكم الله ـ ما تؤمرون فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس؛ فإني حاملكم ـ إن شاء الله ـ إن أطعتموني على سبيل الجنة، وإن كانت ذا مشقة شديدة، ومرارة عتيدة، والدنيا حلوة، والحلاوة ـ لمن اغتر بها ـ من الشقوة والندامة عما قليل؛ ثم إني مخبركم أن جيلاً من بني إسرائيل أمرهم نبيهم ألاّ يشربوا من النهر، فلجوا في ترك أمره، فشربوا منه إلا قليلاً منهم؛ فكونوا ـ رحمكم الله ـ من أولئك الذين أطاعوا ربهم، ولم يعصوا ربهم.
وأما عائشة فأدركها رأي النساء، وشيء كان في نفسها عليَّ، يغلي في جوفها كالمرجل، ولو دُعِيَتْ لتنال من غيري ما أتت إليّ لم تفعل؛ ولها بعد ذلك حرمتها الأولى، والحساب على الله.
..إلى آخر كلامه ـ صلوات الله عليه ـ.
وقد ساق السيد الإمام علي بن عبدالله بن القاسم في الدلائل رواية الأسيوطي...إلى قوله: (من حدبة الأرض).
قال: فهذه رواية أهل الحديث لها.
وأما رواية الشيعة لها، فما أخرجه الحجوري في روضته، بإسناده إلى معاذ البصري، من طريق العبدي، عن أبيه، عن جده، أن علياً لما فرغ من أهل الجمل، نادى بالصلاة جامعة.
ثم ساق الحديث إلى أن قال: وصلى بالناس في المسجد الأعظم.
وساق لفظ الخطبة، من جملتها الحديث الذي رواه الأسيوطي عن الإمام يحيى بن عبدالله بلفظه. انتهى.
[الزيغ والضلال في تحريف مسمى السنة والبدعة]
ومما ورد من النصوص، بلفظ السنة والجماعة على الخصوص، الخبر الطويل الذي أخرجه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخرجه الإمام المنصور بالله(ع) في /605
الشافي، وصاحب الكشاف عند تفسير قوله ـ جل وعلا ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، والرازي في مفاتيح الغيب، وفيه: ((ألا من مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة))، ونحوه في إشراق الإصباح.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أحب حسناً وحسيناً وأباهما وأمهما كان معي في الجنة، ومات متبعاً للسنة))، أخرجه أبو داود.
وفي معناها أخبار لا حاجة لاستقصائها؛ والحق أوضح من فلق النهار، لأولي الأبصار.
وإن من أبين البدعة، وأوضح الفرقة، ابتداع البدعة، واتباع الفرقة، وتسمية ذلك سنة وجماعة، ولزوماً للطاعة؛ وبالله عليك إن كنت ممن يؤمن بالله ورسوله، ويحكم كتاب الله، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هل تستقيم دعوى من يدعي اتباع السنة النبوية، مع رفضهم للعترة المحمدية، الموصى بهم في الأخبار المتواترة الضرورية، المطهرين من الرجس بنص الكتاب، المسؤولة مودتهم على جميع ذوي الألباب؟
فما يكون الجواب على الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يوم العرض والحساب؟
وكيف يكون الحال وأئمة تلك السنة ـ المركون إليها ـ الدعاة إلى النار، كما صح في متواتر الأخبار؟
وهب أن هؤلاء الأغمار، خفي عليهم ذلك الأصل المنهار، المؤسس على شفا جُرف هار؛ فأيّ عذر لهم في الائتمام بالفجار، والمحامات عن أعداء الله، وأعداء رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، والتولي والترضي عن أولئك الطغاة البغاة الأشرار، والنصب والرفض لنجوم آل محمد الأطهار، والسب والبغض لأولياء العترة الأبرار؟
ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً، وأن الله شديد العذاب؛ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الذين اتبعوا: لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا؛ كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات /606
عليهم، وما هم بخارجين من النار.
فتلك سنتهم ـ على زعمهم ـ التي ابتدعوها، وجماعتهم التي اتبعوها، وهي سنة المضلين، وجماعة الظالمين، المخالفة لكتاب رب العالمين، وسنة سيد المرسلين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، والمفارقة لجماعة وصيه إمام المتقين، وأهل بيته قرناء الذكر المبين (ع)، ولصحابة الرسول السابقين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ.
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين، نولّه ما تولى ونصله جهنم، وساءت مصيراً؛ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين؛ ولتعلمنّ نبأه بعد حين، ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون؛ قل رب أحكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون.
[الكلام على جعلهم السنة مكان العترة]
ومن أعجب الزيغ والخذلان، وأغرب الضلال والبطلان، زعم بعض أهل النصب والرين، المعارَضَةَ لأخبار الثقلين، المعلومة عند الفريقين، بحديث آحادي، مما رووه عن /607
أبي هريرة وغيره، جعل فيه السنة مكان العترة، ولم يروه أحد من أهل صحاحهم.
ونقول: على فرض ثبوته، لا معارضة ولا منافاة، ولا سبيل إلى التفرقة بين حجج الله؛ فكتاب الله وسنة رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مؤداهما واحد، وبعضهما على بعض شاهد، والأمر بلزوم أحدهما أمر بلزوم الآخر، والدلالة على التمسك بالسنة النبوية، لا يوجب اطراح فرض التمسك بالعترة المحمدية، بل يوجب التمسك بهم؛ إذ هو نص السنة المعلومة، المجمع عليها بين البرية؛ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟
وقد ورد في رواية آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جمع الكتاب والسنة والعترة، وهو من آخر ما عهد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في مرضه، ولفظه: ((يا أيها الناس، إني خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي؛ أما إن ذلك لن يفترق حتى ألقاه على الحوض))، رواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب بسنده إلى الإمام الأعظم زيد بن علي، بسند آبائه ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وقد سبق في سند المجموع الشريف.
وفي إتيانه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بعكس التشبيه، ما لا يخفى من المبالغة البليغة والتنبيه؛ فيا سبحان الله! كيف يعدل المدعون للسنة إلى المعارضة بحديث آحادي لا معارضة فيه، ولم يروه أحد من أهل معتمداتهم الستة، وإنما رواه مالك بلاغاً، ولا حجة عندهم في مرسل، وأورده الحاكم؟!
وقد أخرج خبر التمسك بالكتاب والعترة من ثلاث طرق، قال: في كل واحدة: صحيح على شرط الشيخين، وإنما استدركها لعدم إخراج البخاري ومسلم لها من تلك الطرق خاصة.
وإلا فقد أخرج خبر التمسك بالكتاب والعترة طوائفُ الأمة كما قدمنا في الفصل الأول، فكيف يزعمون وهم يدعون الإسلام المعارضة لما أنزل الله في محكم كتابه؟ وأكده على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في الآيات المتكاثرة، والأخبار المتواترة، كآيات الولاية، والمودة، والأمر بالطاعة، والتطهير، /608
والمباهلة، والاصطفاء، والاجتباء، والإطعام، والخمس، والسؤال، والصادقين، والترحم، والاعتصام، والإنذار، والسلام، وأخبار كل منها، وأخبار الكساء، والخميصة، والرداء، والتمسك، والخليفتين، والثقلين، الذي كرره الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في مقام بعد مقام، رواه أكثر من عشرين صحابياً، وخرج كما سبق في دواوين الإسلام، وفيه: ((إني تارك فيكم، ومخلّف فيكم)) وفيه: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهما))، وفيه: ((إني سائلكم حين تردون عليَّ الحوض عن الثقلين)) وفيه: ((فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) ثلاثاً.
وقد روى لفظ: ((أذكركم الله في أهل بيتي)) في هذا الخبر الشريف من العامة: أحمد، ومسلم، والنسائي، وعبد بن حميد، والحاكم، والدارمي، وابن خزيمة، وابن حبّان، وفيه: ((فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)).
ومن مقاماته: ما قاله ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ في مرض وفاته، وقد خرج فصلى بالناس، ثم قام يريد المنبر، وعلي والفضل بن العباس قد احتضناه حتى جلس على المنبر، فخطبهم، واستغفر للشهداء، ثم أوصى بالأنصار، وقال: ((إنهم لا يرتدون عن منهاجنا؛ ولا آمنُ منكم يا معشر المهاجرين))، ثم رفع صوته حتى سمع من في المسجد ووراءه يقول: ((يا أيها الناس، سُعّرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم؛ إنكم والله لا تتعلقون علي غداً بشيء؛ ألا وإني قد تركت فيكم الثقلين، فمن اعتصم بهما، فقد نجى، ومن خالفهما هلك وهوى، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله طرف بيد الله وطرف بأيديكم، وعترتي أهل بيتي، فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تذلوا أبداً؛ فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض؛ وإني سألت الله ذلك لهم فأعطانيه؛ ألا فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتضلوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم بالكتاب؛ أيها الناس، احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموا عني تنتعشوا؛ لئلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض؛ فإن أنتم /609