لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين: الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة؛ هذا مفرج الكروب عني، هذا أسد الله، وسيفه في أرضه على أعدائه؛ على مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين، والله منه بريء؛ فمن أحب أن يبرأ من الله ومني، فليبرأ من علي؛ وليبلغ الشاهد الغائب)).
ثم قال: ((اجلس يا علي؛ فقد عرف الله لك ذلك)).
ذكره المحب الطبري في الذخائر.
وفي خبر بريدة لما شكى علياً (ع) ورسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - يسمع؛ فخرج مغضباً وقال: ((ما بال أقوام ينقصون علياً؛ من أبغض علياً، فقد أبغضني، ومن فارق علياً، فقد فارقني؛ إن علياً مني وأنا منه؛ خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم؛ يا بريدة، أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذها، وهو وليكم بعدي))، بلفظه في جواهر العقدين.
وأخرج الحاكم الجشمي عن أنس، وسعيد بن جبير ـ وذكره الإمام (ع) في الشافي ـ: ((يا علي، منزلتك عندي كمنزلتي عند الله؛ فمن فارقك فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله)).
وأخرج الكنجي، وابن المغازلي، وأحمد في المناقب، والحاكم في المستدرك عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - يقول: ((يا علي، من فارقني فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني))؛ وقد مَرّ.
وأخرجه ابن المغازلي عن مجاهد، عن /587
ابن عمر، والطبراني في الكبير عنه أيضاً.
والعجب من تخلّف ابن عمر مع روايته لهذا وغيره.
وقد روي تأسفه على تركه قتال الفئة الباغية معه، ونشره لفضائله (ع).
ممن روى ذلك: الإمام المنصور بالله، وابن عبد البر؛ وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في ترجمته؛ والأعمال بخواتهما، وإلى الله ترجع الأمور.
وأخرج الطبراني في الكبير، عن ابن عمر قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((ألا أرضيك ياعلي؟ أنت أخي ووزيري، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبريء ذمتي؛ فمن أحبك في حياة مني، فقد قضى نحبه؛ ومن أحبك في حياة منك بعدي، فقد ختم الله له بالأمن والإيمان، وآمنه يوم الفزع؛ ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية، يحاسبه الله بما عمل في الإسلام)).
فهذه لمحة من بارق.
[كلام الإمام شرف الدين في الصحابة والعترة]
ولنعد إلى تمام كلام الإمام يحيى شرف الدين.
قال (ع): وغير هذا مما يوافق معناه، بما يكون بعده في حقه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وحق أهل البيت، من انحراف أمته عنهم، وغمط حقه فيهم؛ بل حق الله ـ تعالى ـ عليهم، له ولهم، بوجوه كثيرة، منها: ما سنذكره في هذا الشرح، ومنها: ما لم نذكره، مما يلزم عن ذلك ملل الإسهاب، ومتعسر الإطناب.
فمما نذكره هنا: أنك قد عرفت أن أبا بكر لما وقع في أول خلافته خلاف /588
العرب، وكانوا على ثلاثة أصناف ـ كما ذكره أهل الحديث ـ منهم: من ارتد عن الإسلام.
ومنهم: من منع الزكاة، وهم صنفان:
أحدهما: من اعتقد سقوط وجوب الزكاة بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
والآخر: من لم يعتقد سقوط الوجوب.
قال الإمام محمد: فقال أبو بكر: والله، لا أفرق بين الصلاة والزكاة.
وحديث الثلاث الفرق مشهور.
وأما حديث عمار ـ رضي الله عنه ـ، فمتواتر عند الجميع من موالف ومخالف.
وقيل: امتنعوا من تسليمها، إلا إلى من يفيد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ولايته يوم الغدير؛ والله أعلم.
قال الإمام شرف الدين (ع): وهذان الصنفان لم يخرجوا من الإسلام؛ لقرب عهدهم به، وتأولهم فيما خالفوا من قواعده.
وحين أوجب وألزم أبو بكر قتالهم وحربهم اعترض عليه من الصحابة من اعترض بحديث: ((أمرت أن أقاتل الناس... إلخ)).
وأجاب أبو بكر: أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال في آخر الحديث: ((إلا بحقها))، ومن حقها سائر واجبات الإسلام، التي منها: الولاية، والحقوق، ونحوها إلى الإمام؛ وقال: والله لو منعوني...إلخ؛ فأذعن له كل الصحابة والمسلمين، وقاتلوا أولئك الأصناف أجمعين؛ ولم يختلفوا في ذلك الإلزام، ولا فصلوا بين التصريح والتأويل، والتكفير والتضليل، في معصية الإمام.
ولما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين (ع)، وظهر تصديق النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مما جاء من خبر الغيب، 589
عن الملك العلام، من قوله: ((إنك يا علي ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين))، وغير ذلك من أخبار الغيوب، التي ظهرت على يد أمير المؤمنين، من نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعمار: ((ستقتلك الفئة الباغية))، وغيرها من الآيات العظام، مال كثير عن علي (ع)، منهم: من نكث البيعة بعد لزومها، ومنهم: من زاد إلى ذلك المروق من أحكام الشريعة، ومنهم: من قسط وبغى، وأفرط في تقحمه على حدود الملة المحمدية، ومخالفته لهديها وعلومها، ومنهم: من تأخر، ومنهم: من تثبط وثبط في القيام مع الإمام (ع) في قتال الفئات المذكورة، وإجراء أحكام الله عليها، التي بينها في سنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وعمومها، وجرى على ذلك أكثر الأمة إلى قيام الساعة وهجومها، مع كون الأحكام في حق علي أظهر، والبراهين في شأن عدوان المحاربين له أبين وأشهر؛ والتزموا من أجل ذلك لوازم، كانت قواعد لكل ضلالة إلى انتهاء الدنيا، مثل: تعديل الفساق والمنافقين، والبغاة والناكثين، وإيجاب طاعة الفجار المتغلبين...إلخ.
قال: فهذا أول ما نذكره من تصديق الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من إخباره، فيما يجري من أكثر أمته، من الجفاء والعقوق، وغمط اللوازم والحقوق، في حق خليفته ووصيه، وأهل بيته وذريته، الذين هم حجة الله ـ سبحانه ـ على خلقه؛ وهم الأمة الوسطى، وهم الجماعة المأمور بملازمتهم ومن اتبعهم وعرف حقّهم؛ وهم سفينة النجاة، وقرناء كتاب الله العزيز إلى يوم القيامة، وهم باب حطّة الذي لا يؤمن مَنْ تخطّاه.
وقد عرفت حيفهم وميلهم عن أمير المؤمنين؛ للشبهة المرخصة في نكث بيعته، والخروج عن طاعته، والمفارقة لجماعته؛ ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك في حق من تقدمه من /590
الخلفاء السابقين؛ بل سمعوا وأطاعوا، وقاتلوا وقتلوا أهل القبلة، وأهل لا إله إلا الله، وغيرهم ممن خرج من أي طاعة.
مع أن الخلفاء السابقين على أمير المؤمنين، لم يكن لهم من العلم والفضل والبيان لأحكام الله في فرق المخالفين والمحاربين، ما كان لأمير المؤمنين (ع) من ذلك؛ فإنه بين أحكام المحاربين وأنواعهم، ففرق بين الكفار والبغاة، وبين من له شوكة وفئة، ومن لم يكن، وبين من أخطأ بمجرد التقدم عليه مع مراعاة أحكام الشريعة، وبين من تعدى حدودها في خاصة نفسه، وعامة الإسلام والمسلمين، وبين من وقف على الطاعة، ومن أحرب وشق العصا؛ وغير ذلك، مما لو لم يكن بيان أمير المؤمنين فيه، كان مجهولاً في الإسلام، ومطموساً في شريعة الملك العلام،....إلى آخر كلامه (ع).
ثم ساق، حتى قال: فحين وقعت هذه الهفوة، أوجبت البعد من أهلها عن أهل البيت النبوي والجفوة، فنشأت من ذلك المفاسد، ولزوم الخلافات في المرادات والمقاصد؛ وكان أول الأمر أهون بتولي أبي بكر وعمر وأوائل خلافة عثمان، ومعرفة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بمراعاتهم لقواعد الشريعة المطهرة، وإن أخطؤا في التقدم عليه وجفوته، وجفوة سيدة نساء العالمين، بإجماع المسلمين، إلا من لا اعتداد به من العالمين، في عقوق أهل بيت النبي الأمين صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم.
ورأى أمير المؤمنين السكوت لدفع الأعظم فتنة في الدين، وإن علم بلزوم مفاسد إلى يوم الدين.
ومن هنا حصلت العداوة والبغضاء، حتى جعلت عوضاً من المودة، التي أمر الله بها، وأنها أجر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على تبليغ الرسالة.
ثم ساق كلاماً شافياً؛ انتهى المراد. /591
[بحث في الإمامة]
قال في الفرائد: فتقرر أن الإمامة هي عهد الله وأمانته، وأنها لإبراهيم، ثم ذريته الصالحين منهم، فلا ينال العهد من كان ظالماً؛ لهذا النص الذي لا يقبل فيه تأويل من ينبو قلبه عنه، ويتجاسر على تحريفه بالعناد، وإخراجه عن معناه الظاهر إلى غير المراد؛ ثم بإجماع المسلمين أنها انحصرت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وقد دلّ القرآن عليه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا } [آل عمران:63]، مع قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب:6]، والأولوية مطلقة، فتصدق في كل شيء؛ ثم قوله تعالى في غير ما آية: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب:6].
وذلك سنة الله في أنبيائه (ع) في إتباع أهليهم بهم، وتقديمهم على غيرهم؛ ولن تجد لسنة الله تبديلاً؛ ويكفي قوله: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29)} [طه]، قال: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [القصص:35].
وقد جاء عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع) مثل هذا في أحاديث، وحديث المنزلة المعلوم عند الأمة: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي)) بألفاظه؛ وهي كثيرة.
وقد أقرّ الخصوم لعلي بالوزارة الخاصة بهذا الحديث والخلافة، مع ملاوذة منهم، وتمعذر معلوم بطلانه، وقد تقدم مع أحاديث صريحة في الوزارة كثيرة، متواتر معناها، وحديث الغدير، الذي قطع الخصوم بوقوعه.
وهو الحديث اليقين الكون قد قَطَعَتْ .... بكونه فرقةٌ كانت توهّيهِ
مثل: الذهبي، مع شدة شكيمته، ومنهم: المقبلي مع تعنته، فقال: لا أوضح منه دلالة ورواية، وإنه إذا لم يكن معلوماً فما في الدنيا معلوم، وإن الأولوية فيه صادقة في كل شيء، كما /592
هي في أخيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقرر المقدمة في قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟))، قالوا: بلى، قال: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، بألفاظه وسياقاته؛ وهذا بعد أن أخبرهم وعزَّاهم في نفسه، واستشهدهم على البلاغ وقررهم عليه، وعرس بهم في غير وقته، في شدة الحر؛ مع ما فيه من القرائن العقلية والحسية واللفظية والمعنوية؛ ثم شهد كبار الصحابة بذلك، وهنّؤوه بما ناله، وقِيلت الأشعار فيه من شعرائهم.
ونظير حديث الولاية آية الولاية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا } [المائدة:55]، سواء سواء، مع ما قدمنا أن كل لفظ أو معنى يستعمل في الرئاسة، فقد ورد لعلي (ع) أحاديث، مثل: الوصية، والخلافة، والإمامة، وإمرة المؤمنين، وسيدهم، ويعسوبهم، وغيرها، من رواية الجميع؛ وما أوردناه في العترة من الآيات والأخبار، مثل: حديث الثقلين والخليفتين، وهو من جملة حديث الغدير، كما حقّقه الحاكم في المستدرك وغيره، وفيه: إن التمسك بهما أمان من الضلال أبداً، وغير ذلك مما أفاد القطع في المراد.
ومن الأدلة أيضاً: إجماع الأمة على جوازها فيهم، وكفاية القائم بالمقصود منه؛ لأن من يقول: إنها في جميع الناس، فهم ساداتهم وأطهرهم، ومن يقول: إنها في قريش، فهم خيرتهم بالنص، وساداتهم بالنصوص، بخلاف من عداهم؛ فالحق ما أجمعت عليه الأمة.
قلت: هذا الاستدلال بالإجماع غير كاف في الحصر، إلا مع انضمام مقدمة أخرى، وهي أن الإمامة مشتملة على ما لا يجوز تناوله إلا بدلالة قطعية؛ فلا بد في بيان منصبها من دلالة معلومة شرعية، والإجماع دليل على صحتها فيهم، ولا دليل على صحتها في غيرهم، مع عدم الاعتداد بقول الإمامية، وأهل الإرث من العباسية؛ لما علم من بطلانه.
وهذا الاستدلال /593
بإجماع الأمة، وفيه ما فيه؛ لإمكان أن يُقال: شرعيّة الإمامة تكفي في صحتها في كل الأمة؛ فالأولى العدول إلى غيره من الأدلة التي تقدّمت، وأقواها خبر الثقلين ونحوه، وخبر ((الأئمة من قريش)).
وأما إجماع العترة(ع)، فلا كلام؛ مع أن النصوص في بيان المنصب معلومة.
قال الإمام (ع): أما الكلام على الخوارج، فهم كلاب النار، وشر الخلق والخليقة، المارقون؛ فأنى يعتد بخلافهم؟!.
وأما دعوى الإرث، فقريبة الميلاد، ولا دليل لهم؛ مع أن الإرث فيه نزاع كبير؛ وأيضاً فإنه ينقض عليهم إمامة المشائخ.
وأما الإمامية، فلا دليل، مع كونه مما تعم به البلوى؛ ولأن الصحابة تنازعوا يوم السقيفة، بما لا يجهله أحد، ثم سلمت الأنصار وغيرهم لقريش، وجرى ما جرى على أمير المؤمنين ومتابعيه.
وبهذا التقرير يعلم أن منصب الإمامة التي هي خلافة النبوة، وهي عهد الله وأمانته، من جنس قريش، إنما هي لآل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عترته الذين طهرهم الله تطهيراً، وجعلهم بالتشبيه كسفينة نوح، وباب حطة، وكان بهم بصيرا، ولهم نصيراً.
[بحث في خبر: ((لايزال هذا الأمر في قريش))]
هذا، وقد اختبط أهل الحديث في معنى قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم.
قال: من حيث أن الأمر لم يبق فيه أحد من قريش، /594
وعموا عَمَّا ملأ الأرض من أنوار العترة المرضية، والسلالة المصطفوية، من قيام قائمهم في كل بلاد، ولا سيما في الحجاز والعراق، واليمن وجيلان وديلمان، ظاهراً في أغوارها والأنجاد، مجدداً للشريعة بالسيوف الحداد؛ فما يمر عصر من العصور، إلا وقائمهم يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ظاهراً غير مستور، فتلزم إجابته كل خلق الله، وتظهر حجته على جميع عباد الله؛ فماذا علينا إذا تصامم من نسميهم بالخوارج، وتعمَّى عن أنوارهم من هو في الحقيقة عن الدين خارج؟ فما أنت بمسمع من في القبور؛ حتى ألجأتهم الضرورة إلى ما تنبه له ابن حجر.
قلت: أي العسقلاني في الفتح شرح البخاري، قال ما لفظه: فإن بالبلاد اليمنية ـ وهي النجود منها ـ طائفة من ذرية الحسن بن علي، لم تزل مملكة تلك البلاد معهم، من أواخر المائة الثالثة ـ وهو عهد الإمام الهادي إلى الحق ـ.
...إلى قوله: فبقي الأمر في قريش بقطر من الأقطار في الجملة، وكبير أولئك ـ أي أهل اليمن ـ يقال له: الإمام؛ ولا يتولى الإمامة فيهم، إلا من يكون عالماً متحرياً للعدل، انتهى.
وقد أوردته بلفظه، وليس في الفرائد كذلك.
قال إمام الأئمة، وفاتح باب الجنة، الإمام زيد بن علي (ع) ـ وقد كَسّل عليه بعض من عنده ـ: إنما أريد إقامة الحجة على هذه الأمة، ولو يوماً واحداً؛ لئلا يقولوا يوم القيامة: لم يأتنا أحد منهم.
وروى حديثاً في ذلك، هذا معنى كلامه؛ رواه في مناقب محمد بن سليمان الكوفي ـ رحمه الله ـ.
وحديث: ((لا يزال هذا الأمر... إلخ)) نظير الحديث الآخر: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس))، أخرجه البخاري ومسلم.
وفي بعض رواياته: ((يقاتلون على الحق... إلخ))، وفي بعضها: ((قوّامة على أمر الله))، وفي بعضها: ((يقاتلون عن هذا الدين، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال))، الحديث بألفاظه وسياقاته.
فالإشارة التي في حديث قريش، والتي /595
في أحاديث الطائفة والأوصاف، وقوله: ((قائمة بأمر الله))، وقوله: ((على الحق))، و((قوامة على أمر الله))، إنما هي إلى دينه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأمره، الذي جاء به من عند الله - سبحانه - والصفات كذلك، لا إلى من هو يخالفه؛ ولا يجوز صرف تلك الأحاديث النبوية، إلى ما عليه الظلمة الفجار، والجورة الأشرار.
وانظر إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقد سُئل عن الجماعة ما هي؟ فقال: ((ما أنا عليه وأصحابي اليوم))؛ فقيدها - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - باليوم ـ يعني حياته صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما ذاك إلا لأمر عظيم، أعلمه به الخبير العليم، من اختلاف الصحابة، كما في الحديث المتفقة عليه الأمة، المتواتر، القطعي لفظاً، من ردّ بعضهم عن الحوض، وسوقهم إلى النار، وأخذهم إلى ذات الشمال، وأنّهم غيّروا وبدّلوا، وجوابه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليهم: ((سحقاً سحقاً))؛ وقد تَصَلَّف مَنْ أَوَّلَ الحديث هذا بالمرتدين عن جملة الإسلام.
قلت: وتأويله ذلك لا يفيده شيئاً فيما يروم، كما هو معلوم.
قال: وقد كشف الله الحقيقة برواياتهم مثل لفظ: ((أصحابي أصحابي))، و((أصيحابي أصيحابي))، و((منكم))، و((من عرفني))، وغير ذلك، حتى روى البخاري أنه لا يخلص منهم إلا مثل همل النعم.
[أحاديث كون المجددين من العترة، ومخرجوها]
هذا، وحديث المجددين في رأس المائة السنة معروف عند الكل، ولهذا تَصْرِفُه كل فرقة إلى كبارها، وتعاموا أن التجديد إنما يقع ممن بهم فُتح وبهم خُتم، مع ما قد روي من طريق أحمد بن حنبل، وذكره السيوطي وغيرهما أن في حديث المجددين زيادة: ((من أهل بيتي)). /596