تعنته ونصبه ـ بقصة إرادتهم الإحراق، وذكرها الطبراني، والواقدي، وابن عبد ربه في العقد، وغيرهم، أن عمر سعى للإحراق وتوعّدها.
ورواه الزبير بن بكار عن عمر باختلاف يسير، وفيه جواب ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وكيف لا يحقد من غُصب شيئه ويراه في يد غيره؟
وذكر آخره احتجاج قريش على الأنصار، بالقرب من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، واحتجاج العرب على العجم بذلك.
ثم قال: فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.
وفيه قول عمر لابن عباس: ما رددتَ على أحد إلا غلبتَه.
انتهى المراد من الفرائد بتصرف.
[محاورة عمر لابن عباس حول استحقاق علي الخلافة]
قال ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي: وروى ابن أبي الحديد، والطبراني، عن عمر أنه قال لابن عباس: أتدري ما منع الناس منكم؟
قال ابن عباس: ما هو؟
قال: كرهت أن يجتمع لكم النبوة والخلافة، فتجخفوا الناس؛ فاختارت قريش لأنفسها ووفقت وأصابت.
قال ابن عباس: أتميط عني غضبك فتسمع؟
قال: قلْ ما شئت.
قال: أما قولك: كرهت قريش؛ فإن الله قال لقوم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} [محمد].
وأما قولك: نجخف؛ فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكن أخلاقنا مشتقة من أخلاق رسول الله، قال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [ن]، وقال له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} [الشعراء]. /567

وأما قولك: اختارت قريش؛ فإن الله يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [القصص:68]، وقد علمت أن الله ـ تعالى ـ اختار لخلقه من ذلك من اختار؛ فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها، لوفقت وأصابت.
فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً لا يحول.
فقال ابن عباس: مهلاً؛ فإن قلوبهم من قلب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الذي طهّره الله، وهم الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب:33].
وأما قولك: حقداً؛ فكيف لا يحقد من غُصِب شيئه، ويراه في يد غيره.
فقال عمر: أما أنت يا ابن عباس، فقد بلغني عنك أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منا حسداً وظلماً.
فقال: أما قولك: حسداً؛ فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، وأما قولك: ظلماً؛ فأنت تعلم من هو صاحب الحق.
..إلى أن قال عمر: واهاً لابن عباس! ما رأيته لاحى أحداً إلا خصمه.
انتهى باختصار.
ورواه الطبري في تاريخه، وقال عمر: أحراهم والله إنْ وليها أن يحملهم على كتاب ربهم، وسنة نبيهم لصاحبك.
رواه ابن أبي الحديد، وأحمد بن يحيى ثعلب.
وروى أبو بكر الجوهري بسنده إلى ابن عباس، قال: مَرّ عمر بعلي وأنا معه، فمشيت مع عمر، فقال لي: يا ابن عباس، أما والله إن صاحبك لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وذكر ما رواه الواقدي /568

عن ابن عباس من محاورة بين علي (ع) وعثمان.
فقال علي: أما عتيق، وابن الخطاب، فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأنت أعلم بذلك والمسلمون.
انتهى باختصار.
وروى أبو بكر الأنباري في أماليه أن علياً جلس إلى عمر في المسجد؛ ثم قام، فعرض واحد بذكره، ونسبه إلى التيه.
فقال عمر: حق لمثله أن يتيه؛ والله، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام؛ وهو بعد أقضى الأمة، وذو سابقتها، وذو شرفها.
فقال ذلك: فما منعكم منه؟
قال: كرهناه على حداثة سنه، وحبه بني عبد المطلب.
رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج؛ فانظر إلى هذا الاعتذار البارد.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس، قال: مشيت أنا وعمر بن الخطاب، في بعض أزقّة المدينة، فقال: يابن عباس، أظن القوم استصغروا صاحبكم، إذ لم يولوه أمورهم.
فقلت: والله ما استصغره رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إذ اختاره لسورة براءة يقرؤها على أهل مكة.
فقال لي: الصواب أن تقول: لقد سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول لعلي: ((من أحبك أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة)).
وروى أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني، وساق سنده إلى عمر أنه قال لابن عباس: إن أول من أزالكم عن هذا الأمر أبو بكر؛ إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة.
قاله ابن أبي الحديد.
وروى الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عباس ما قال عثمان في مخاطبته: ولقد علمت أن الأمر لكم، ولكن قومكم دفعوكم عنه، واختزلوه دونكم...إلخ؛ ذكره في شرح النهج.
[كلام المقداد في أمير المؤمنين (ع)]
وروى أبو بكر الجوهري بإسناده إلى المعروف بن سويد، قال: كنت أيام /569

عثمان بالمدينة، أيام بويع عثمان، فرأيت رجلاً في المسجد جالساً، وهو يصفق بإحدى يديه على الأخرى، والناس حوله، ويقول: واعجباً من قريش واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت، معدن الفضل، ونجوم الأرض، ونور البلاد!، والله، إن فيهم رجلاً ما رأيت رجلاً بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أولى منه بالحق، ولا أقضى بالعدل، ولا آمر بالمعروف، ولا أنهى عن المنكر.
فسألت عنه، فقيل: هذا المقداد.
فتقدمت إليه، فقلت: أصلحك الله، من الرجل الذي تذكر؟
فقال: ابن عم نبيك علي بن أبي طالب.
قال: فلبثت ما شاء الله، فلقيت أبا ذر، فحدثته ما قال المقداد.
فقال: صدق.
قلت: فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم؟
قال: أبى ذلك قومهم.
قال ـ أيده الله ـ: وما رواه أبو بكر عن ابن سويد من قول المقداد، روى نحوه عوانة، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن جندب بن عبدالله الأزدي، عن أبيه، وفيه: قال المقداد: أما والله، لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون؛ أما والله، لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر وأحد.
فقال عبد الرحمن: أخاف أن تكون صاحب فتنة وفرقة؟
قال المقداد: من دعا إلى الحق وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب فتنة؛ ولكن من أقحم الناس في الباطل وآثر الهوى على الحق، فذلك صاحب الفتنة والفرقة.
قال: فتربّد وجه عبد الرحمن.
قال: وقول المقداد: لو أجد أعواناً على قريش لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر، رواه المسعودي في مروج الذهب، وذكر محاورته لابن عوف من الإقبال، ورواه الطبري في تاريخه.
قال عمر لابن عباس: ما أرى صاحبك إلا مظلوماً.
قال: قلت: فاردد إليه ظلامته.
فمضى يهمهم، ثم وقف؛ ثم قال: يابن /570

عباس: ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه.
قال: فقلت: والله، ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك.
فأعرض عني...إلخ، رواه الزبير بن بكار في كتاب الموقفيات عن ابن عباس، ورواه أبو بكر الجوهري بإسناد رفعه إلى ابن عباس.
[كلام البراء في تمالي قريش على أهل بيت النبوة]
قال ابن أبي الحديد: وقال البراء بن عازب: لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ خفت أن تتمالى قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الواله العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فكنت أتردد إلى بني هاشم، وهم عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش؛ فإني كذلك، إذْ فقدت أبا بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة.
وإذا آخر يقول: قد بويع أبو بكر.
فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل، ومعه عمر، وأبو عبيدة، وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية، لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه، فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أو أبى؛ فأنكرت عقلي، وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم، والباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً، وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر ابن أبي قحافة.
فقال العباس: تربت أيديكم إلى آخر الدهر؛ أما إني قد أمرتكم فعصيتموني.
فمكثت أكابد ما في نفسي.
...إلى آخر ما ساقه؛ وهذا الخبر رواه أبو بكر الجوهري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري عن البراء بن عازب، وفيه زيادة.
قلت: ورواه المهلبي، وعمر بن شبه بإسناد رفعاه إلى أبي سعيد الخدري؛ أفاده في شرح النهج.
قال ـ أيده الله تعالى ـ: قال عمر لابن عباس: /571

كيف خلفت ابن عمك ـ يعني علياً ـ؟
قال: خلفته يمتح بالغرب على نخيلات يقرأ القرآن.
قال: يا عبدالله، عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟
قلت: نعم.
قال: أيزعم أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نص عليه؟
قال: قلت: نعم؛ وأزيدك، سألت أبي عما يدعيه؟ فقال: صدق.
فقال عمر: لقد كان من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في أمره ذرؤ من قول، لا يثبت حجة، ولا يقطع عذراً، ولقد كان يريع في أمره وقتاً ما؛ ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام؛ لا ورب هذه البنية، لا تجتمع عليه قريش لو وليها...إلخ.
رواه أحمد بن طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً؛ ذكره ابن أبي الحديد.
انتهى المراد إيراده بتصرف.
قال الإمام (ع) في الفرائد: وفي هذا الخبر ما لا يخفى، وعلى فصوله شواهد قوية صحيحة.
أما قوله: ذرؤ من قول ـ الذرؤ: الطرف ـ فقد أقر له بالولاية يوم الغدير في قوله: أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وأما قوله: ولقد أراد في مرضه، فشاهد ذلك الخبر الصحيح عند الجميع رواه البخاري ومسلم: ((ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً)).
فقال عمر ذلك القول؛ كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، لأن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
نعم، فهل ورد فيه وفي صاحبه ذرؤ من القول في إقدامهما على مقام النبوة المستحق له غيرهما؟ فما هو؟ أم لا؟
لا سبيل إلى الأول؛ لأن المعلوم في حجاج يوم السقيفة عدم الإدلاء بشيء خاص بهما؛ وحينئذ، فما روي من طريق من /572

يصحح خلافتهما منفرداً به غير صحيح.
على أنّا نقول: إن اعترافهما لعلي (ع) بذلك المقام واقع في مقامات بروايات الخصوم؛ وإنما عدلوا عن علي (ع) لما زعم عمر من الإشفاق على الأمة، ونحوه من الأمور المصلحية برد النصوص؛ ولكون خبر حفصة لهما بتوليهما بعد إخبار من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بما يكون منهما من عدم التوقف على ما وقفا عليه؛ فهذه الروايات عن عمر دالة بمجموعها وأفرادها أن تسنّمهم لمقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ليس إلا لما زعموه من الأمور.
ولما وقع من هؤلاء تسنم مقام النبوة للمصلحة التي اعتذروا بها، ورأى من بعدهم من خصوم الآل ـ حقاً أو لزوماً ـ أن تعذراتهم بدعوى المصلحة لا تقنع خصومهم، ولا يقع بها دفع النصوص المعلومة في أمير المؤمنين، تمحلوا بروايات وأحاديث حدثت أكثرها أيام معاوية، تقرب ببعضها إلى أمراء السوء؛ كل ذلك لتتمّ لهم استقامة إمامة مشائخهم؛ ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون.
[إفشاء سرِّ رسول الله (ص) وما ورد في ذلك]
قال: وقصة إفشاء سر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن حفصة بنت عمر أو عائشة، وبالاتفاق على الإفشاء من إحداهما لما أفشته إلى الأخرى، ثم إلى أبي بكر وعمر؛ وقد سمعت ما عاتبهما الله، وذكر تظاهرهما على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وصغو قلوبهما ـ وفي رواية ابن مسعود: وزاغت قلوبهما ـ وذلك التهديد الذي لا مزيد عليه؛ ثم التعريض بهما في آخر السورة، بضرب المثال للكفار بزوجي نوح ولوط ـ عليهما الصلاة والسلام ـ، وأنه لم ينفع الزوجين كونهما وصلة النبيين، وقيل: ادخلا النار مع الداخلين؛ وضرب المثال للمؤمنين بزوجة فرعون، ومريم ابنة عمران ـ رضي الله عنهما ـ.
وبإفشاء سرّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من إحدى /573

زوجتيه إلى أحد أبويهما أو إليهما انقدح في قلب أبي بكر، وعمر، ذلك، وزرعاه؛ ولأجله رجعا من جيش أسامة مع من تبعهما.
[أمور ارتكبها بعض الصحابة وعدلوا فيها عن الحق]
وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ـ وهو من رأس الخصوم، أشعري ـ أنه وقع قبل موت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ خلافان:
الأول: رجوع من رجع من جيش أسامة، وقد شدد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في إنفاذه.
والخلاف الثاني: خلافهم عليه يوم الخميس، في منع عمر أن يكتب لهم ذلك الكتاب، الذي لا يضلون بعده أبداً.
وذكر خلافين بعد موته:
أحدهما: يوم السقيفة.
ثم إن الشهرستاني تمعذر لهم بمعاذير باطلة.
قال الإمام في الفرائد: ونحن نقول: إن هذين الخلافين ـ أي الأولين ـ هما أم كل فتنة، ورأس كل محنة، على الإسلام والمسلمين جملة، وعلى أهل البيت خاصة، وقد انبنى عليهما كل شر إلى يوم القيامة، ولزمهم الوعيد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }...الآية [الأحزاب:36].
قال: والحاصل في مخالفة بعض الصحابة: /574

الأولى: رجوعهم عن جيش أسامة، وتخلفهم عن أميرهم؛ وقد سمعوا وعقلوا تشديد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في ذلك، من العصيان لله ولرسوله، واللعن للمتخلف.
والثانية: ما وقع يوم الخميس ـ وما يوم الخميس به ـ من منع عمر لأن يكتب لهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كتاباً لا يضلون بعده أبداً، واختلاف الحاضرين، حتى قام الخلاف بين رسول الله ومن امتثل أمره، وبين عمر ومن تبعه، فقائل يقول: قربوا له داوة وبيضاء يكتب لكم الكتاب؛ وقائل يقول: القول ما قال عمر؛ وأكثروا اللغط والأصوات، حتى ضاق النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقال: ((قوموا عني، فلا ينبغي عندي تنازع))، والمعلوم من الدين ضرورة أنه الآمر الناهي؛ فما لعمر ومن تبعه من ذلك...إلخ.
الثالثة: مصيبة يوم السقيفة، وما جرى فيها من تلك الأمور التي إن فتشتها فتشت جيفة.
الرابعة: ما جرى منهم على أمير المؤمنين (ع) من التهديدات، وأنواع البليات، حتى بالحريق له، ولبضعة الرسول؛ وقد ملأ النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم في أمير المؤمنين، وبضعة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومن إليهما، وعقلوه وعرفوا المراد به؛ فهذه أربع مخالفات.
انتهى من الفرائد ملخصاً.
[انقسام الصحابة إلى ثلاثة أقسام]
قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: وقد بينا أن حال الصحابة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
فقسم: ماتوا على ما فارقوا عليه رسول الله صلى الله /575

عليه وآله وسلم، فهؤلاء هم الذين يستحقون ما ظهر لهم من الثناء من الله ـ سبحانه ـ، ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقسم: ظهر فسقهم بالخروج على الإمام علي (ع)، ومحاربتهم له، وقتلهم وقتالهم.
ـ قلت: وكذا من أتى بكبيرة غير ذلك ـ فهؤلاء من تاب تاب الله عليه، ومن مات على حاله غير تائب، فإلى نار الله ودماره.
وقسم ثالث: جرت منهم أمور وتخاليط، واستيلاء على أمر الأمة، والدفع لإمام الهدى؛ فهؤلاء حكمهم إلى العلي الأعلى؛ فإن ظهر لنا دليل على لحوقهم بأحد الفريقين، وجب إلحاقهم بذلك الدليل؛ وإن لم يظهر دليل، وقفنا.
...إلى قوله: فهذه مراتب الصحابة، التي قضت بها الأدلة...إلى آخر كلامه هذا.
قلت: واعلم أن أعلام أهل البيت، أبناء علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وخلاصة شيعتهم، لا يبالون بقعقعة المخالفين خلفهم بالشنآن، ورميهم لهم بالزور والبهتان، ولا يخافون في الله لومة لائم، ويغضبون لأبيهم، الذي أتى فيه عن الله ـ تعالى ـ وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما أتى، ولأمهم فاطمة البتول الزهراء، التي يغضب لغضبها الله - جل وعلا - وقد ماتت غاضبة على الشيخين، هاجرة لهما، وعاشت بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ستة أشهر، وصلى عليها علي - صلوات الله عليهما - ومن معه، ودفنها ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر وعمر؛ ولم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم مدة حياتها، وصالحهم بعد ذلك.
هذا الذي أخرجه صاحبا صحيحيهم البخاري ومسلم وغيرهما.
ولذا قال نجوم آل محمد (ع): كانت لنا أم صديقة ماتت وهي غاضبة عليهما، ونحن /576

112 / 143
ع
En
A+
A-