عليه وآله وسلم ـ وأنهم عدول بآية{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:110]، وآية: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة:143]، وغير ذلك؛ وليس فيه دلالة قطعية ولا ظنية، على تعديل كل واحد من الصحابة؛ والاتفاق منا ومنهم على نفي عصمة كل فرد، وأن منهم من ارتد وقتل على ردته، ومنهم من فسق فسق تصريح، ومنهم مجروح العدالة بدون الفسق.
[كلام المقبلي على ابن حجر في تعديل مثل مروان]
وللمقبلي كلام مثل هذا في العلم الشامخ، عند قول ابن حجر، في ترجمة مروان: إذا ثبت صحبته، فلا يؤثر الطعن فيه:
وكأن الصحبة نبوة، وكأن الصحابي معصوم، وهو تقليد في التحقيق، بعد أن صارت عدالة الصحابي مسلمة عند الجمهور.
والحق أن المراد بذلك الغلبة فقط، وأن الثناء من الله، ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهو الدليل على عدالتهم، لم يتناول الأفراد.
وساق، ثم قال: أين موضع أحاديث ((لا تدري ما أحدثوا بعدك))، وهي متواترة معنى، ولو ادعي في بعضها تواتر اللفظ لساغ؟
ثم قال: ألم يقل الله سبحانه: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، في رجل متيقن صحبته، ولم تزل حاله مكشوفة مع الصحبة؟ ومنهم من شرب الخمر، وما لا يحصى فيما سكت عنه؛ رعاية لحق النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما لم يلجئ ملجيء ديني، فيجب ذكره؛ ومن أعظم الملجئات، ترتب شيء من الدين على رواية مثل /547
مروان والوليد، فإنها أعظم خيانة لدين الله، ومخالفة لصريح الآية الكريمة؛ والنقم بذلك لا يعود على جملة الصحابة بالنقص، بل هو تزكية لهم؛ فإياك والاغترار!.
[الأدلة القاطعة على أن الباغين ونحوهم غير مؤمنين]
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وقد علم أن منهم الناكثين والقاسطين وأمثالهم؛ ولو لم يكن إلا آية البغاة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }...إلخ [الحجرات:9]، فسماهم مؤمنين باعتبار الأصل، قال: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } فسمّاها ووصفها بالبغي حتى ترجع؛ وسماهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بالناكثين والقاسطين والمارقين.
وسمّاهم بالفئة الباغية في حديث عمّار ـ رضي الله عنه ـ: ((يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)).
ألا ترى إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ...الآية} [المائدة:54]، كيف سماهم أولاً مؤمنين؟ فهل بعد الردة يسمون مؤمنين؟ وكم في القرآن من التسمية بالمؤمنين؛ ثم تعقب ذلك بوصف آخر.
وحديث عمار ـ رضي الله عنه ـ قطعي عند الموالف والمخالف؛ فما بقي بعد هذا التصريح؟
فهل النكث والقسط والمروق من الكبائر أم لا؟ /548
وهل قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم)) ـ وقد قرر المقبلي بأنه من المتواتر معنى بشواهده ـ فهل من حارب الله ورسوله هو من أهل الكبائر؟
قلت: وكفاه قول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المقطوع به: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، فقد صار عدوّ الله تعالى مخذولاً بدعوة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال: والقتلى في يوم الجمل نحو ثلاثين ألفاً، وفي صفين سبعين ألفاً، وقيل: إن القتلى انتهت إلى مائة وعشرين ألفاً، وفي النهروان ثمانية آلاف، وقيل: أقل، وقيل: أكثر؛ فهذه الأمم قتلوا وهم مؤمنون، وقد قلتم: إنه لا توبة لقتل مؤمن واحد، فهل تاب علي (ع)؟ أم القتلى من الفرق الثلاث غير مؤمنين بل فساق أو كفار؟
وقد روى أئمتنا (ع) وغيرهم، حديث: ((لعنتك يا علي من لعنتي، ولعنتي من لعنة الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً)).
وروى أيضاً أحاديث مرفوعة فيها لعن معاوية خاصة به وبأبيه وأخيه، وحديث: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) حديث مشهور، وقد رواه الذهبي من طرق وقوّاه، وهو من أشد الخصوم؛ فلم يقبله إلا لكونه متواتراً، أو نحو المتواتر.
وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: هم رأوه فلم يقتلوه فما أفلحوا ولا أنجحوا.
وحديث: ((لعن الله السائق والقائد والراكب))، رواه الهيثم، وذكره في العواصم.
وحديث: ((إذا اجتمع معاوية وعمرو، ففرّقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان إلا على غديرة)).
وحديث: ((اللهم اركسهما ـ أي معاوية وعمراً ـ في الفتنة ركساً، ودعّهما في النار دعاً))، رواه أحمد بن حنبل وغيره، وذكره ابن الأثير في النهاية.
وكم من نحو ذلك مما غلب الخصوم ظهوره.
ورووا أيضاً بأن علياً (ع) لعن معاوية في عشرة من فراعنته، وصحّ ذلك /549
عندهم قطعاً، وأقرّ به الخصوم كلهم أو الغالب منهم.
قلت: ويعلم بهذا وغيره من البراهين القاطعة بطلان ما افتراه الوضاعون عليه ـ رضوان الله عليه ـ أنه قال: قتلاي وقتلى معاوية في الجنة؛ وأنه صلى عليهم.
قال (ع): أما حديث صلاة أمير المؤمنين (ع) على قتلى معاوية، فالمروي من طريق أولاده وشيعتهم ـ رحمهم الله ـ أنه كان يقول عند رؤيته القتيل: (اللهم إنه كان عدوّك، قاتل ليدحض دينك، ويخالف ما جاء به رسولك، فأصله النار)، فهذه صلاته (ع) على قتلى معاوية.
والحديث الثاني أنه (ع) قال: (قتلاي وقتلى معاوية في الجنة)، فهو مخالف لما صحّ بالضرورة والقطع؛ لما رواه الموالف والمخالف؛ فمن ذلك حديث عمار ـ رضي الله عنه ـ وهو قطعي بل ضروري، وفيه: ((يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)) وفيه: ((قاتل عمار في النار وسالبه))
قال النواصب: قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: كذبتم فلم قال النبي لنا .... في النار قاتل عمار وسالبهُ؟
ومنها: ما تواتر قطعاً عن أمير المؤمنين (ع)، ومنها: حديث الثلاث الفرق: ناكث وقاسط ومارق، وفيه الأمر من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي(ع) بقتالهم وقتلهم؛ أفيأمر معلم الشريعة بقتلهم وقتالهم، ثم يكون الباغي من أهل الجنة؟!! هذا هو الضلال المبين، والخسران في دين رب العالمين.
ومنها: /550
حديث الغدير الذي إذا لم يكن معلوماً فما في الدنيا معلوم، هكذا قرره المقبلي من الخصوم؛ ولا يحتاج إلى ذكر شيء.
ومنها: حديث: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) بألفاظه وسياقاته، وعمومه للأربعة أهل البيت (ع)، وخصوصه لعلي (ع)، وهو متواتر بشواهده، قرره المقبلي وغيره.
ومنها: حديث السفينة، فهل نجا من قوم نوح (ع) غير من ركب السفينة وقد قال: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا }؟ [نوح:25]، وفيه: ((من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى ـ أو زجّ به في النار ـ)).
وكم لو نريد الاستقصاء؛ وإنما في هذا بلاغ وأي بلاغ؛ فقد دلّ الدليل القاطع من وجوه كثيرة أنه(ع) يدور معه الحق حيثما دار، وأنه مع الحق والقرآن، والقرآن والحق معه، وأنه رأس الثقل الأصغر، وخبرا السفينة، وباب حطة، وآية التطهير، والمباهلة، والمودة، والاجتباء، والاصطفاء، والمخصوص بالمحبة الخاصة في حديث الطير، وخيبر، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة في أهل البيت عموماً، وفيه خصوصاً، مثل: حديث الغدير، والمنزلة، وغيرهما، أن قوله وفعله وحكمه هو الحق الذي لا محيص عنه، وغير ذلك مما لا ينحصر؛ فلا نعلم بلفظ يفيد الاستخلاف على الأمة والولاية والإمامة إلا وقد ورد لعلي (ع).
إذا عرفت هذا، فالمعلوم أن الصحابة سمعوا من رسول الله ذلك، وعقلوه؛ لكونهم من صميم العرب، وبلغتهم خوطبوا؛ ولو فرضنا، على بعده، لو أن شبهة اعترت أحدهم لسأل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عنها، فيبينها، فمن سمع فهو ضروري في حقه، ومن لم يسمع في بعض الأحاديث فقد نُقل إليه؛ فهذا أصل من أصول الشريعة.
قلت: ولم يزل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يبلغهم ما أنزل الله عليه في شأن أخيه، وتلاه الوصي ـ صلوات الله عليه ـ /551
المبين للأمة ما يختلفون فيه.
[حديث الشورى ومخرجوه وما اشتمل عليه]
وقد أورد عليهم يوم الشورى ـ دعْ عنك ما سواه ـ نحو سبعين حجة.
وقد أخرجه الإمام المؤيد بالله (ع) في أماليه، وصاحب الكامل المنير، والإمام المنصور بالله (ع) في الشافي بطرقه، والإمام الحسن (ع) في الأنوار، وصاحب المحيط، وحميد الشهيد، وابن المغازلي، والكنجي، والخوازمي، بزيادة ونقص، وصحح شارح النهج كثيراً منه؛ وأخرجه غيرهم من أئمتنا (ع)، وشيعتهم، والعامة.
وقد اشتمل على الكثير الطيب مما نزلت به في شأنه الآي القرآنية، والأخبار المتواترة النبوية.
وفي خاتمة إحدى الطرق التي أوردها الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بسنده إلى عامر بن واثلة: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((ما سألت الله شيئاً إلا سألت لك مثله)) غيري؟
قال أيّده الله في التخريج: قوله: ما سألت الله شيئاً...إلخ، المرشد بالله عن أبي الجحاف، عن علي (ع).
وأخرجه ابن المغازلي عن عبدالله بن الحارث، عن علي (ع)، والنسائي في خصائصه، وذكر ما ذكره الإمام محمد بن عبدالله (ع)، وهو ما لفظه: وقد أخرج السيوطي في الجامع الكبير عن علي (ع) قال: وجعت وجعاً فأتيت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فأقامني في مقامه، وقام يصلي، وألقى علي طرف ثوبه، فقال: ((برئتَ يا ابن أبي طالب، فلا بأس عليك، ما سألت الله لي شيئاً إلا سألت لك مثله، ولا سألت الله شيئاً إلا أعطانيه غير قيل لي: إنه لا نبي بعدك...إلخ))، أخرجه ابن أبي عاصم، وابن جرير، وصححه؛ والطبراني في الأوسط، وابن شاهين في السنّة، وسكت السيوطي، ولم يقدح فيه حسب عادته إذا ثمّة مقال.
وساق ـ أيّده الله تعالى ـ إلى قوله: قال علي (ع): كنت في أيام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كجزء من رسول /552
الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ينظر إلي الناس، كما ينظرون إلى الكوكب في أفق السماء؛ ثم غض مني الدهر فقرن بي فلاناً وفلاناً، ثم قُرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: وا ذفراه...إلخ.
قلت: لقد أبلغ ـ سلام الله عليه ـ في التذكرة، وليس فوق ذلك أسوة ولا بعده عبرة.
قال الإمام محمد (ع) في الفرائد: وقد جمع حديث المناشدة نحواً من سبعين منقبة، وروي من طرق عدة قدح الحشوية في بعضها؛ ولكن أخرج الله الحق على ألسنتهم وهم كارهون بذكر المتابعات.
..إلى قوله: وهو حديث صحيح.
قال: وأما حديث خيبر، والطير، ودوران الحق والقرآن، بألفاظه عند الموالف والمخالف، فهي مشهورة عند الجميع، وغير ذلك مما لا يمكن حصره، كما اعترف به حفّاظ الحديث، من أنه لم يأت لأحد من الصحابة بالأسانيد الجياد ما أتى لعلي (ع)، منهم: ابن حنبل، والنسائي، وإسماعيل القاضي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهم.
وفي الفرائد: هذا أحمد بن حنبل يقول، وقد سُئل عن الخلفاء الأربعة؟ فقال: أما علي، فقد زان الخلافة ولم تزنه، وأما غيره فقد زينته ولم يزنها.
وحكى ابن حجر في المنح ما نصه: وما أحسن قول حكم لعلي لما دخل الكوفة: والله، يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي أحوج إليك منك إليها!.
وقال ابن الجوزي في تاريخه: أكثروا عند أحمد في خلافة أبي بكر وعلي، فرفع أحمد رأسه وقال: قد أكثرتم؛ إن علياً لم تزنه الخلافة ولكنه زانها.
قال ابن أبي الحديد: وهذا دال على أن غيره ازدان بالخلافة وتممت نقصه، وأن علياً لم يكن فيه نقص يحتاج إلى أن يُتمم بالخلافة...إلخ.
وملاك الأمر /553
أن الله يصطفي ما يشاء ويختار؛ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
[امتلاء الخافقين بفضائل علي (ع)]
ولقد قال بعض العلماء: إن علياً (ع) ملأت فضائله ومناقبه ما بين الخافقين، مع أن محبيه كتموا ما كتموا خيفة من أعداء الله ومبغضيه، حقاً أو لزوماً، كتموا ما كتموا غيظاً وحسداً، فظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين؛ أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
بخلاف غيره، فقد روى المدائني وغيره، ما صنع معاوية ومن بعده، في هدم فضائل علي (ع) وأهل بيته، وتشييد ما يعارض ما ورد فيهم، وافتعال أحاديث معارضة كل حديث روي لأهل البيت، وكان ذلك ولا قوة إلا بالله.
قلت: وقد تقدم ما ذكره المدائني، وابن نفطويه، وما يشهد له من كلام الباقر(ع)، ويصدّقه الواقع كما يعلمه الناظر.
قال (ع): فنقول: إنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد صرح وعرض، وبالغ وحذّر، وبشّر وأنذر؛ فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها؛ وما على الرسول إلا البلاغ المبين؛ فلم يترك ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فيما نحن بصدده عبارة تفيد اختصاص أخيه علي بمقامه من بعده من جميع لغة العرب بما يفيد القطع البت، واليقين المثبت.
ومنها ما هو معلوم على انفراده عن غيره قطعاً، منها: لفظ مولى وولي وأولى، والوزارة الخاصة، والخلافة، وأمير المؤمنين، والإمام والسيد واليعسوب، وتشبيهه بهارون، وعيسى، وبكثير من الأنبياء، والمحبة الخاصة من الله ورسوله، ولله ورسوله، وأنه باب المدينة، وأنه لن يدخلكم في ضلال، ولن يخرجكم من هدى؛ أفمن يهدي /554
إلى الحق أحق أن يتبع؛ وتوليته على بني هاشم، الذين هم رأس الناس، لما جمعهم في حديث: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، فقال: ((فاسمعوا له وأطيعوا))، وأنه لم يكن في سرية إلا كان رئيسها، ولم يولّ عليه أحداً.
على أنّا نقول: إن جميع الألفاظ المفيدة للاستخلاف والرئاسة العامة، قد وردت لعلي(ع)، وأقل الأحوال أنها تواردت على معنى واحد، وهو التواتر المعنوي؛ فكيف بحديث الغدير والمنزلة المتواترين لفظاً، لم تلبسون الحق بالباطل وقد عقلتم عن الله، وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما قررتموه من صحة النص بالأولوية المطلقة، وبأنه لا أوضح منه دلالة ورواية؟ وإذا لم يكن معلوماً فما في الدنيا معلوم؛ واضطر من له أدنى مسكة من دين وإنصاف، ممن لم ير النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ولا سمع منه ذلك الموقف، فضلاً عمن رأى وسمع اللفظ، مع القرائن المفيدة للعلم اليقين، لفظية وحسية وعقلية، إلى فهم المراد وعرفان مقصوده؛ ولذلك هنأه كبار الصحابة، وقالوا فيه الأشعار من الولاية لكل مؤمن ومؤمنة.
قلت: وبراهين أهل بيت النبوة معلومة، مجمع على نقلها بين فرق الأمة؛ وما يتشبث به المخالف من الأقوال المضلة، والشبهات المضمحلة، متفرد بنقلها، ليس عليها أثارة من علم، ولا دلالة من كتاب ولا سنة؛ وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور.
ولقد اعترف في هذا المقام، فحول الأقوام، وأشدهم في مجال الخصام، مع شائبة محاماة وملاوذة عن الحق لاتخفى على ذوي الأفهام. /555
[كلام المقبلي في الولاية، وتخريجه لخبر الغدير]
قال الشيخ صالح المقبلي في الإتحاف حاشيته على الكشاف من سورة الأحزاب، قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب:6]،...الآية: إن الأولوية مطلقة، فتصدق حقيقة في كل أولوية، والظاهر التعميم للمقام، والدلائل لا تحصى؛ وكيف وهو بمنزلته من ربه، خالق العبد ومالكه؛ وفي الأحاديث ما هو في عموم الآية، ومنها ما هو نص في بعض ما دعى إلى بيانه.
أخرج البخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة؛ اقرأوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }))...الآية.
حتى قال: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، عن بريدة، قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ذكرت علياً فتنقصته؛ فرأيت وجه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تغيّر، فقال: ((يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)).
قلت: بلى يا رسول الله.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وبهذا الحديث وما في معناه تحتج الشيعة على أن مولى بمعنى أولى؛ لأن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - دلّ مساق كلامه أنه سوَّاه بنفسه، وإلا لما كان لمقدمة قوله: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم)) معنى؛ فلم يرد مثل ولاية سائر المؤمنين بعضهم لبعض؛ بل معنى الأولوية في كل أمر، كما في حقه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ومن أشهر ما في الباب: حديث غدير خم؛ وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل، والحاكم، وابن أبي شيبة، والطبراني، /556