الوصيين، وخليفة رسول رب العالمين، بعد النبي صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
...إلى قوله (ع): إذْ جاء فيهم ما لا يمكن تحويله، وعلم من دينهم ما لا يصح تحويله، أن أباهم أفضل البرية بعد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأنهم أفضل الخلائق بعده. انتهى.
[المفضلون لعلي(ع) على كل أحد بعد الرسول (ص)]
قلت: وقول أهل بيت النبوة في أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ: إنه أفضل الأمة، وتالي أخيه نبي الرحمة، وثانيه في كل درجة ومنزله، هو قول جميع بني هاشم، الذين شيخهم العباس بن عبد المطلب، وولده البحر حبر الأمة، كما هو المعلوم من أقوالهم وأفعالهم، وقول أعيان السابقين الأبرار، من المهاجرين والأنصار، كالمقداد وأبي ذر وعمار.
وقد امتنعوا كافة عن البيعة لأبي بكر؛ لاعتقادهم الحق لعلي (ع)، وقد أجمع على رواية امتناعهم لذلك جميع الطوائف، من موالف ومخالف؛ وإن اختلفوا فيما وراء ذلك.
وهو ومن معه من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة لا يتأخرون عن الحق ساعة ولا لحظة؛ كيف وهو مع الحق، والحق معه؟
[كلام علي(ع) في العذر عن المنازعة في الإمامة]
وقد اتفق البخاري ومسلم في كتابيهما أنه لم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم ستة أشهر؛ ثم كانت المصالحة ـ التي أخرجها البخاري هكذا بلفظها ـ بين علي، وأبي بكر، وسببها عند آل محمد (ع)، ومن اتبعهم، إشفاقه من انتشار حبل الإسلام، واختلال أمر الملة، وذهاب الدين الحنيف لغلبة الردة؛ كما قال (ع): إنه لما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قلنا: /527

نحن أهله وعصبته وذريته، وأحق خلق الله به، لا ننازع سلطانه ولا حقه؛ وإنا لكذلك إذ انبرى لنا قوم نزعوا سلطان نبينا منا، وولوه غيرنا؛ وأيم الله، لولا مخافة فرقة المسلمين، وأن يعود الكفر الثاني، ويبور الدين، لغيَّرنا ما استطعنا...إلى آخر الكلام المروي في الشافي.
ورواه المدائني عن عبدالله بن جنادة في خطبة علي (ع) بلفظه: وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه...إلى آخر الخطبة المروية في شرح النهج.
وفيها: لما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قلنا: نحن أهله وورثته وعترته، وأولياؤه دون الناس...إلخ.
وهذا الكلام قاله (ع) قبل توجهه إلى البصرة للحاق طلحة والزبير بيوم؛ أفاده في الشافي.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر عمر بن شبة، عن المدائني، عن أبي مخنف، عن جابر، عن الشعبي، قال: لما خرج طلحة، والزبير.
..إلى قوله: فقال ـ أي علي (ع) ـ: العجب لطلحة والزبير؛ إن الله ـ عز وجل ـ لما قبض رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قلنا: نحن أهله وأولياؤه، لا ينازعنا سلطانه أحد، فأبى علينا قومنا فولوا غيرنا؛ وأيم الله، لولا مخافة الفرقة، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لغيّرنا؛ فصبرنا على مضض...إلخ، انتهى.
وقال: لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة؛ فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم؛ والناس حديثوا عهد بالإسلام.
رواه الكلبي. /528

ولم يزل مع ذلك يقيم الحجة، ويوضح المحجة للأمة على كل حال، وبكل مقال، كما قال الإمام (ع) في الشافي، وعلى أنه (ع) لم يغفل الكلام، والاحتجاج والتعريف أنه أولى بالإمامة في مقام بعد مقام.
...إلى قوله: فما قام (ع) مقاماً إلا وذكر أنه أولى بالأمر بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فأي بيان أوضح من ذلك لمن كان له رأي رشيد، ونظر سديد؟!
قال (ع): وتلك حال يجب فيها لم الشمل ما أمكن؛ لعظم المصيبة لموت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وظهور الردة، ونجوم المنافقين، وخشية اشتقاق العصى بين المسلمين، فلهذا عمل علي (ع) بما يسعه العلم والدين، واستبقاء حال الإسلام والمسلمين، ففعل علي(ع) في كل وقت من أوقات الخلفاء، ومن بعدهم، ما يقتضيه علمه الثاقب، ورأيه الصائب، واستعمل القول اللين في وقت، ويعرض بالقول الخشن في وقت، وأطلق القول الأخشن في وقت، واستعمل السوط بل السيف في وقت.
[التخيير لعلي(ع) بين القيام والقعود أيام المشائخ، وتحتم القيام أيام الناكثين والقاسطين والمارقين]
...إلى قوله: وعلى هذا وقع التخيير لعلي (ع) في القيام في أوقات المشائخ وبعدهم كما في الخبر: ((فإن قُمْتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالجنة))، لما كان القيام غير متعين عليه لما سقط من شرائط الوجوب؛ وبعد ذلك عند التمكن وإزاحة العلة، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((فإن قمتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالنار)).
وأخرج الإمام (ع) عن الشيخ الإمام العالم، صاحب المحيط،/529

بسنده إلى أبي رافع في خبر الشورى، قول أمير المؤمنين (ع): أما والله إنكم لتعرفون من أولى الناس بهذا الأمر قديماً وحديثاً، وما منكم أحد إلا وقد سمع من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ووعى ما وعيته.
وأقواله (ع) في هذا المعنى أكثر من أن تحصر، والأمر كما قال في الفرائد: كل من يتصف بأدنى ذرة من إنصاف أو دين يعلم أن أقلّ قليل مما وقع منهم في جانبه يكفي في وضوح عذره؛ على أنه (ع) قد أبان عذره في كل مقام، وتكلم بما يليق بالدين والعلم، ثم نجم النفاق، وأحاطت الردة، واشتعلت نارها، فلم يسعه إلا صيانة الإسلام.
صان الوصيُّ بها الإسلام إذْ بقيت .... أعلام شرع يراعيها مراعيهِ
لم يكن أمر الصحابة بأعجب ولا أعظم من أمر أصحاب موسى (ع)، وقد خلف عليهم هارون(ع)، ووعدهم بالرجوع، فوقعت فتنة العجل، وعصوا وخالفوا أخاه، واستضعفوه وكادوا يقتلونه، والحال أنه بقي معه من بني إسرائيل ألوف مؤلفة؛ فكيف يشبهه علي (ع) فلم يبق معه إلا بنو هاشم ونفر من المؤمنين.
...إلى قوله: مع إياسه من عودة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فكيف لا يصبر، وقد قال له أخوه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((تبكيه ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعد موتي)).
وقال له: ((إن قمتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالجنة)).
وقال أمير المؤمنين (ع): والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين...إلخ.
[احتجاج علي لمَّا أُريد إكراهه على بيعة أبي بكر، وامتناعه عنها]
قلت: وفي أخبار السقيفة: واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير، وكان يعدّ نفسه رجلاً من بني هاشم، كان علي يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ بنوه، فصرفوه عنا.
..إلى قوله: وذهب عمر، ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم: /530

أسيد بن حضير، وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا.
فأبوا عليه، وخرج عليهم الزبير بسيفه.
...إلى قوله: ثم انطلقوا به وبعلي، ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله، وأخو رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
..إلى قول أمير المؤمنين (ع): لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة؛ وأنا أحتج عليكم بمثلما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.
قلت: وهذه حجة عليهم لازمة لا يجدون عنها محيصاً، ولا يستطيعون لها رداً؛ لأنه إذا بطل متمسك الخصم، الذي ليس له شبهة سواه، بطلت دعواه؛ ولهذا كرر الاحتجاج بها عليهم الوصي والحسنان، وسائر أهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم ـ، وهو مسلك من البيان، نطق به القرآن، في غير مكان؛ مع أنه ـ رضوان الله عليه ـ قد احتج عليهم بنصوص الكتاب والسنة في مقامات عديدة.
ومما اتفق عليه منها: يوم الشورى، ومنها: يوم استنشد الناس حديث غدير خم، وغيرهما، وهم يعلمونها، ويقرون بها، وما طال العهد، ولا بعد الأثر؛ وتارة عدل هو وأهل بيته إلى الاحتجاج عليهم بنفس حجتهم وعين دليلهم، وهو من القلب الذي يقال له: القول بالموجب.
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (ع) مخاطباً لأبي بكر:
فإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمَهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورهم .... فكيف تليها والمشيرون غيّب؟
وهذا واضح معلوم، لا يمتري فيه إلا جاهل محروم، أو متجاهل ملوم، /531

وعند الله تجتمع الخصوم.
عدنا إلى تمام الكلام.
قال: فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال له علي: احلب حلباً لك شطره، أشدد له اليوم أمره، ليرده عليك غداً؛ لا والله؛ لا أقبل قولك ولا أبايعه.
إلى قول علي (ع): يا معشر المهاجرين، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه؛ فوالله ـ يا معشر المهاجرين ـ لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، ما كان منا القاريء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية؛ والله، إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً.
فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان، ولكنهم قد بايعوا.
فانصرف إلى منزله، ولم يبايع...إلى آخره.
أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده، في كتاب السقيفة.
قال شارح النهج: فأما امتناع علي من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه، فقد ذكره المحدثون، ورواه أهل السير.
وقد ذكرنا /532

ما ذكره الجوهري في هذا الباب، وهو من رجال الحديث، ومن الثقات المأمونين؛ وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لايحصى كثرة.
وقال فيه أيضاً: وهو عالم كثير الأدب، ورع، ثقة، مأمون عند المحدثين، أثنى عليه المحدثون.
وروى نحو ما سبق في الكامل المنير، وفيه: فقال علي (ع): أنصفوا من أنفسكم...إلى قوله: وأنتم تعلمون.
وفيه: الله الله يا معشر المهاجرين...إلى قوله: فتزدادوا من الله بعداً.
قال ـ أيده الله ـ: ورواه ابن جرير الطبري في تاريخه، انتهى.
فهذا طرف يسير مما روته العامة، دع عنك ما عند آل محمد (ع)، ومن أنصف عرف أن الأمر كما قال:
خفيت أحقاد بدر .... وبدت يوم السقيفهْ
فلهذا صيّر النا .... سُ أبا بكر خليفهْ
وقد ملأت أقوال الوصي ـ رضوان الله عليه ـ في هذا الشأن الصحائف، وأجمع على نقلها الموالف والمخالف، كما قال عالم المعتزلة شارح النهج:
واعلم أنها قد تواترت الأخبار عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بنحو هذا القول، نحو قوله: (ما زلت مظلوماً منذ قَبَضَ الله رسوله حتى يوم الناس هذا، وقوله: اللهم اجز قريشاً؛ فإنها منعتني حقي، وغصبتني أمري.
وقوله: فجزت قريشاً عني الجوازي؛ فإنهم ظلموني حقي، وغصبوني سلطان ابن أمي.
وقوله وقد سمع صارخاً ينادي أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً فإني ما زلت مظلوماً.
وقوله: إنه يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا.
وقوله: أرى تراثي نهباً.
وقوله: أصغيا بإنائنا، وحملا الناس على رقابنا.
وقوله: إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى.
وقوله: ما زلت مستأثراً عليَّ مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه.
قلت: ونحو قوله (ع): حتى إذا قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولايج، /533

ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه...إلخ.
وقوله: اللهم إني أستعديك على قريش، ومن أعانهم؛ فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي...إلخ.
قال الشارح: وقد رواه الناس كافة.
وقوله: فأغضيت على القذى...إلخ.
وقد روى كثير من المحدثين أنه عقيب يوم السقيفة تألم وتظلم، واستنجد واستصرخ، حيث ساموه الحضور للبيعة؛ وأنه قال وهو يشير إلى القبر: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني؛ وأنه قال: وا جعفراه، ولا جعفر لي اليوم، وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم...إلخ.
وقال رجل ثقفي لعلي (ع) يوم الجمل: ما أعظم هذه الفتنة!!.
فقال علي (ع): وأي فتنة وأنا قائدها وأميرها؟ وإنما بدء الفتنة من يوم السقيفة، ثم يوم الشورى، ثم يوم الدار.
رواه أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري.
[المتخلفون عن بيعة أبي بكر]
قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: لا خلاف بين الأمة أن أمير المؤمنين امتنع من البيعة، وذكر أنه أولى بهذا الأمر، وأن العباس بن عبد المطلب قال لأمير المؤمنين بعد وقوع العقد لأبي بكر: امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عمّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بايع ابن أخيه؛ فلا يختلف عليك اثنان.
وليس هذا قول الراضي بالعقد الذي وقع.
ولا خلاف أن الزبير بن العوام قد امتنع من البيعة، وخرج شاهراً سيفه فكسروه.
ولا خلاف أيضاً أن خالد بن سعيد لما ورد من اليمن أظهر الخلاف، وحث بني هاشم، وبني أمية، على الخلاف، وقال: أرضيتم أن يلي عليكم تيمي؟
وقال أبو سفيان لأمير المؤمنين (ع): إن شئت ملأتها عليهم خيلاً ورجلاً.
وأمير المؤمنين (ع) قعد عنه، /534

وقعد بنو هاشم أجمع، وامتنعوا من الحضور عنده، وأظهر سلمان النكير، وقال: كرديد، وبكرديد.
..إلى قوله (ع): وقد روى الثقات في هذه القضية.
قال: وهو أنه ممن تخلف عن بيعة أبي بكر: علي (ع)، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب.
قلت: وكان أعيان المهاجرين والأنصار، وأرباب السبق منهم والفضيلة، والبشارات من الله على لسان رسوله، غير راضين بما جرى من خلاف رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يوم الخميس، والرجوع عن الجيش الذي بعثه، وما تعقبه يوم السقيفة، ولا عادلين بأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، ولا خارجين عن ولايته؛ قضت بذلك الأخبار الصحيحة، المتفق عليها المعلومة.
وقد ندم كثير على ما كان منهم يوم السقيفة من الفلتة؛ لا سيما الأنصار، كما وردت به الآثار.
وفي شرح النهج: وروى الزبير بن بكار ـ قلت: وهو من الزبيريين، وهم أهل انحراف ـ بسنده، قال: لما بويع أبو بكر واستقر الأمر، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولامَ بعضهم بعضاً، وذكروا علي بن أبي طالب، وهتفوا باسمه، وأنه في داره لم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون، وكثر في ذلك الكلام. /535

[انتصار للأنصار من علي والفضل بن العباس]
ثم ذكر فروة بن عمرو، وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وقاد فرسين في سبيل الله، وكان يتصدق من غلة نخله بألف وسق في كل عام، وكان سيداً؛ وهو من أصحاب علي، وممن شهد معه يوم الجمل.
ثم قال: إن رجالاً من سفهاء قريش، ومثيري الفتن، اجتمعوا إلى عمرو بن العاص.
ثم حكى كلاماً له في الأنصار.
قال: ثم التفت فرأى الفضل بن العباس.
..إلى قوله: فقال الفضل: يا عمرو، إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك، وليس لنا أن نجيبك وأبو الحسن شاهد بالمدينة، إلا أن يأمرنا فنفعل.
ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه، فغضب وشتم عمراً، وقال: آذى الله ورسوله.
ثم قام فأتى المسجد، فاجتمع إليه كثير من قريش وتكلم مغضباً.
..إلى قول علي (ع): من أحب الله ورسوله أحب الأنصار.
وقال للفضل: انصر الأنصار بلسانك ويدك؛ فإنهم منك وإنك منهم.
فقال الفضل:
قلتَ يا عمرو مقالاً فاحشاً .... إن تعد يا عمرو والله فلكْ
إنما الأنصار سيف قاطع .... من تصبه ظِبَة السيف هلكْ
وسيوف قاطع مضربها .... وسهام الله في يوم الحلكْ
نصروا الدين وآووا أهله .... منزل رحب ورزق مشتركْ
وإذا الحرب تلظّت نارها .... بركوا فيها إذا الموت بركْ
ثم حكى أبيات حسان بن ثابت، وقد بعثت إليه الأنصار، وقال له خزيمة بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ: اذكر علياً وآله يكفك كل شيء، فقال: /536

108 / 143
ع
En
A+
A-