الإمام يحيى بن حمزة (ع): روى علي، وابن مسعود، أن النبي قال: ((علي سيد البشر، من أبى فقد كفر)).
وسئل جابر بن عبدالله عن علي، فقال: ذلك خير البشر، من شك فيه فقد كفر.
رواه يحيى بن الحسن العقيقي بسنده؛ ذكره الإمام الموفق بالله.
قلت: وقد سبق ذكر الخبر، والوعد بالكلام عليه، فهذا تمامه، والله ولي الإعانة.
[تمام الكلام على حديث: ((أنا سلم لمن سالمت))، ونحوه]
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله؛ ومن شك في علي فهو كافر))، رواه الخطيب ابن المغازلي، عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، وأخرجه الكنجي.
وفي هذا المعنى أخبار متواترة، كأخبار المحاربة، نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((أنا سلم لمن سالمت، حرب لمن حاربت))، أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، ومحمد بن سليمان الكوفي، وابن المغازلي، وعبد الوهاب الكلابي، عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
قال ابن أبي الحديد: ورواه الناس كافة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((حربك حربي، وسلمك سلمي))، أخرجه نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم (ع)، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة من طريق الإمام الناصر الأطروش (ع)؛ ومحمد بن سليمان الكوفي بطريقين عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ.
والكنجي والخوارزمي، وابن المغازلي، عن علي (ع).
وأبو يعلى الهمداني بإسناده عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي))...إلى قوله: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وابن /497
المغازلي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((يا علي، سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت العلم ما بيني وبين أمتي من بعدي)).
أفاده أيّده الله في التخريج.
وهذا طرف من طرقها، ويأتي الكلام عليها مستوفى - إن شاء الله تعالى -، وقد أَقَرّ بتواترها الخصوم.
وأخبار: إن حبه إيمان، وبغضه نفاق، كذلك.
وقد مَرّ نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يتقدمك بعدي إلا كافر، ولا يتخلفك بعدي إلا كافر؛ وإن أهل السماوات ليسمونك أمير المؤمنين))، أخرجه الإمام (ع) في الشافي، بسنده إلى صاحب المحيط بالإمامة؛ وأخرجه أبوالعباس (ع) يبلغان به الحارث بن الخزرج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا معشر المسلمين لا تخالفوا علياً فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا)) أخرجه محمد بن منصور عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)؛ وأخرجه محمد بن سليمان عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً))، أخرجه الدارقطني، والحاكم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ألا إن التاركين ولاية علي هم الخارجون عن ديني)) أخرجه أبو العباس (ع) عن حذيفة؛ وقد مَرّ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته؛ ومن غيّر وبدّل لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوتي، لا أشفع له عند ربي، ولا أسقيه من حوضي))، أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله، وأخيه الإمام يحيى بن عبدالله، عن أبيهما عبدالله بن الحسن، عن أبيه الحسن بن الحسن، عن جده أمير المؤمنين (ع).
ولما نزل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً }...الآية [الأنفال:35]، قال النبي ـ صلى /498
الله عليه وآله وسلم ـ: ((من ظلم علياً مقعده هذا بعد وفاتي، فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي))، أخرجه الحاكم أبو القاسم الحسكاني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ؛ وروى عنه في الآية، قال: حذر الله أصحاب محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن يقاتلوا علياً.
وأخرج الحاكم أبو القاسم بسنده إلى أبي عثمان النهدي، قال: رأيتُ علياً، فتلا هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } [التوبة:12]، فقال: والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت إلا اليوم.
وأخرج بسنده عن مؤذن بن أقصى، قال: صحبت علياً سنة...إلى قوله: سمعته يقول: من يعذرني من فلان وفلان؛ إنهما بايعا طائعين غير مكرهين، ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته؛ والله، ما قوتل أهل هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ }...الآية.
وأخرج بسنده عن زيد بن وهب، قال: سمعتُ حذيفة يقول: والله ما قوتل أهل هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ }...الآية.
وغير ذلك كثير يضيق عنه البحث.
[تنوُّع الكفر والفسق، واختلاف أحكام كلٍ منهما]
ولا يعترض هذا بلزوم إجراء أحكام الكافرين المحاربين لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليهم؛ فإن الكفر والشرك والنفاق أنواع مختلفة، ولكل نوع منها معاملة، كما اختلفت معاملة الكتابي، والوثني، والمرتد، وغيرهم، مع كونهم جميعاً كافرين بنص الكتاب المبين، وإجماع المسلمين.
فلأصحاب الكفر بالله سبحانه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الذين لا يقرّون بالشهادتين، ولا يقيمون الصلاة، ولا /499
يستقبلون القبلة، أو المكذبين لإحدى الضروريات من دين الإسلام، معاملة.
وهم أيضاً أقسام: كتابي، وغير كتابي، ومرتد، وأصلي، ومجاهر، ومنافق؛ ولكل قسم أحكام.
ولأهل الكفر بغير ذلك مما ورد في الكتاب المبين، أو علم بسنة الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تسميتهم كافرين معاملة؛ وهم أيضاً على أقسام.
وقد روى الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع) بسنده عن الحسن، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر)).
ورواه أيضاً بسنده عن عبدالله، ورواه الكنجي عن أبي وائل، عن عبدالله، وقال: سمعته عن عبدالله، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال: هذا حديث صحيح متفق على صحته، رواه البخاري، ومسلم، والترمذي.
وغير ذلك كثير.
نعم، وعلى هذا أنواع الفسق والشرك والنفاق، وغيرها من أسماء المذام، وكل ذلك موقوف على الدليل من الكتاب وسنة سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام.
فلأهل الكفر والنفاق بولاية أمير المؤمنين (ع) أحكام، قد بينها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لوصيه (ع)، وأجراها عليهم الوصي، وأوضحها للأنام؛ وما ورد من نفي الكفر، أو الشرك، عنهم، فالمراد نفي المُخْرِجَيْنِ عن اسم الملة، المقتضيين لسبي النساء والذرية، وتحريم المناكحة، ونحوها من الأحكام.
[تفسير: {أحسب الناس...إلخ} وما ورد فيها من الأخبار]
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: لما أنزل الله ـ سبحانه ـ قوله: {الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)} [العنكبوت:1،2]،...إلى /500
قوله: فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله [تعالى] بها؟
فقال: ((يا علي، إن أمتي سيفتنون من بعدي)).
فقلت: يا رسول الله، أو ليس قلت لي يوم أحد، حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيزت عني الشهادة، فشق ذلك علي، فقلت [لي]: ((أبشر فإن الشهادة من ورائك))؟
فقال لي: ((إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟)).
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر.
..إلى قوله: فقلت: يا رسول الله، بأي المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة؟
فقال: ((بمنزلة فتنة)).
انتهى من نهج البلاغة.
[تبشير علي بالشهادة ـ وحكم من يخرجون عليه]
قال ابن أبي الحديد: روى كثير من المحدثين عن علي (ع) أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال له: ((إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين، كما كتب علي جهاد المشركين)).
..إلى قوله: فقلت: يا رسول الله، كنت وعدتني الشهادة؛ فاسأل الله أن يعجلها لي بين يديك.
قال: ((فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين؛ أما إني وعدتك الشهادة، وستستشهد، تُضْرَب على هذه، فَتُخْضب هذه، فكيف صبرك إذاً؟)).
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا بموطن صبر، هذا موطن شكر.
قال: ((أجل، أصبت)).
..إلى قوله: فقال: ((إن أمتي ستفتن بعدي، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدايا، والربا بالبيع، وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتَغْلِبُ كلمة الضلال)).
..إلى قوله: ((فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور؛ تقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى)).
فقلت: يا رسول الله، فبأي منزل أنزل هؤلاء المفتونين بعدك؟ أبمنزلة فتنة، أم بمنزلة ردة؟
فقال: ((بمنزلة فتنة، يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل)).
فقلت: يا رسول الله، يدركهم العدل منا، أم من غيرنا؟
قال: ((بل منا؛ بنا فتح، وبنا يختم، وبنا ألّف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يُؤلّف الله بين القلوب بعد الفتنة)).
فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله، انتهى.
قلت: ونحو هذا رواه في مجموع تفسير نجم آل الرسول القاسم، /501
والهادي إلى الحق، وأسباطهما من آل محمد، في مخاطبة الرسول للوصي والزهراء؛ وكل ذلك من معجزاته، ودلائل نبوته، عليه وآله أفضل الصلوات والتسليم.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ومن خطبة لعلي (ع) من رواية جعفر الصادق، عن آبائه، عن علي: ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً؛ وإنا أهل بيت مِنْ عِلْمِ الله عُلّمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قول صادق سمعنا؛ فإن تتبعوا آثارنا، تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا، يهلككم الله بأيدينا؛ معنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق؛ ألا وبنا تدرك تِرَة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا فُتح لا بكم.
قاله أبو عبيدة.
انتهى من شرح النهج.
وأخرجه السيوطي عن أبي الزعراء، عن علي (ع)، وأخرجه عبد الغني بن سعيد في الإيضاح؛ أفاده الوزير.
وفي الكامل المنير بالسند إلى أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، من خليفتك علينا من بعدك؟
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي بن أبي طالب، هو خير من أخلّف بعدي)).
وساق إلى قوله: قلت: يا رسول الله، ثم مه؟ قال: ((ثم تبايعون لخير هذه الأمة بعد رسولها، علي بن أبي طالب؛ حتى إذا وجبت له الصفقة نكثتم، فأول من ينكث عليه طلحة والزبير، ثم يستأذنان إلى مكة، فيجدان فيها امرأة من نسائي، فيسيران بها إلى البصرة المؤتفكة بدين أهلها ودنياها، فعند ذلك يسيرون إلى فرعون أمتي من الشام، معاوية بن أبي سفيان، فيقتتلون بها قتالاً شديداً، فيحجز الله بينكم بالوهن؛ فعند ذلك يبعثون حكمين، فيكون حكمهما على أنفسهما، وعند حكومتهما تفترق الأمة على /502
أربع فرق: فرقة على الحق لا ينقصها الباطل، وفرقة على الباطل لا ينقصها الحق، وفرقة مرقت من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وفرقة وقفت كالشاة)).
..إلى قوله: ((إذا جاءها الذئب فاختطفها)) انتهى.
[تخريج حديث الحوأب]
وروى في المحيط، عن أبي طالب بسنده إلى ابن مسعود، وأبو العباس الحسني بسنده إليه، قال: قلت: يا رسول الله، من يغسلك إذا مت؟
قال: ((يغسل كل نبي وصيه)).
فقلت: يا رسول الله، ومن وصيك؟
قال: ((علي بن أبي طالب)).
قال: قلت: يا رسول الله، كم يعيش بعدك؟
قال: ((ثلاثين سنة)).
ثم قال: ((إن يوشع بن نون خرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى، وقالت: أنا أحق بالأمر منك، فقاتلها، وقاتل مقاتليها، وأسرها وأحسن أسرها؛ وإن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفاً من أمتي، فيقاتلها، ويقتل مقاتلتها، ويأسرها ويحسن أسرها؛ وفيها وفي صفراء نزل قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب:33] يعني صفراء في خروجها على يوشع بن نون)).
وأخرج البخاري في صحيحه رفعه إلى نافع عن عبدالله، قال: قام النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأشار إلى مسكن عائشة، فقال: ((هاهنا الفتنة ـ ثلاثاًـ)).
وروى أبو العباس عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها ويسارها قتلى كثير، في النار)).
ورواه صاحب المحيط بسنده إلى ابن عباس باختلاف يسير، وروى نحوه الكنجي عن ابن عباس، وقال: أخرجه ابن خزيمة، وروى نحوه أبو عمر في الاستيعاب، وأبو مخنف بسندهما /503
إلى ابن عباس.
وقالت عائشة: إني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((كأني بكلاب ماء يدعى الحوأب قد نبحت بعض نسائي))، ثم قال لي: ((إياك يا حميراء أن تكونيها))، فلفق لها الزبير، وطلحة، خمسين أعرابياً، جعلا لهم جعلاً فحلفوا لها، وشهدوا أن هذا ليس بماء الحوأب؛ فكانت هذه أول شهادة زور في الإسلام.
رواه الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، ورواه محمد بن إسحاق عن حبيب بن عمير، ورواه جرير بن يزيد عن عامر الشعبي.
ورواه أبو مخنف، قال: حدثنا إسماعيل بن خالد، عن قيس بن حازم، قالوا جميعاً.
وساق الرواية، وفيها ما ذكر، فقالت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ لعائشة: يا ابنة أبي بكر، أبدم عثمان تطلبين، وما كنتِ تدعينه إلا نعثلاً؟ أم على ابن أبي طالب تنقمين؟ أذكّرك الله، وخمساً سمعتهنّ أنا وأنت من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وساقت إلى قول عائشة: فأقبل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليها غضبان محمراً وجهه، وقال: ((والله لا يبغضه ـ يعني علياً ـ أحد من أهل بيتي، ولا من غيرهم، إلا خرج من الإيمان؛ وإنه مع الحق، والحق معه))، وأنه قال لأم سلمة: ((يا ابنة أبي أمية، أعيذك أن تكوني منبحة كلاب الحوأب، وأنت يومئذ ناكبة عن الصراط))، وأنه قال لعائشة: ((إن لأمتي منكِ يوماً مراً)).
رواه في شرح النهج عن أبي جعفر الإسكافي.
[بحث أخبار الناكثين والقاسطين والمارقين]
قلت: والأخبار في هذا كثيرة، وكفى بأخبار الناكثين والقاسطين والمارقين المتواترة.
ومن طرقها: ما رواه الإمام الأعظم زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي(ع) قال: أمرني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين؛ وما كنت لأترك شيئاً مما أمرني به حبيبي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ. /504
قال أيده الله في التخريج: قال في التلخيص: رواه النسائي في الخصائص، والبزار، والطبراني.
وفي كنز العمال: أخرجه ابن عدي، والطبراني في الأوسط، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإشكال، والأصفهاني في الحجة، وابن مندة في غرائب شعبة، وابن عساكر من طرق، وفي رواية عن علي (ع): أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين؛ فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون ـ فذكرهم ـ وأما المارقون فأهل النهروان.
أخرجه الحاكم في الأربعين، وابن عساكر.
وأخرجه الحاكم من طريقين عن أبي أيوب بلفظ: أمر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وفي الرواية الأخرى بلفظ: سمعت رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - يقول لعلي بن أبي طالب: ((يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين))، وساقه بإسنادين مختلفين إلى أبي أيوب...إلخ.
[انتهى] من تتمة الروض النضير.
وفي الروض النضير: قال: أخرجه الحاكم، وغيره عن أبي أيوب، وهو متلقى بالقبول إن لم يكن متواتراً، انتهى.
وقد مَرّ الحديث عن ابن عباس، وفيه: ((اشهدي يا أم سلمة أنه قاتِل الناكثين والقاسطين والمارقين))، من رواية الإمام في الشافي، والقاسم بن إبراهيم، وأبي العباس الحسني، والفقيه حميد الشهيد، وعبدالله بن طاهر، والعقيلي، والكنجي.
ورواه ابن المغازلي من حديث المناشدة؛ وروى الكنجي بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، قال: أمرنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، مع علي بن أبي طالب. وقال: أخرجه الحاكم أبو عبدالله، وأخرجه الكنجي أيضاً عن علي.
قال أيده الله: وأخرجه إبراهيم بن ديزيل عن أبي أيوب، وقال عمار بن ياسر: أما إني أشهد أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمر علياً بقتال الناكثين والقاسطين.
رواه أبو مخنف؛ قاله عمار رداً على أبي موسى، لما ثبط الناس عن الجهاد مع علي(ع).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي عن علقمة، /505
وعن أبي سعيد التيمي، كليهما عن علي؛ لفظ أبي سعيد: عهد إليَّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن أقتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فقال: الناكثين أهل الجمل، والقاسطين أهل الشام، والمارقين الخوارج.
قلت: بالنصب على الحكاية.
قال أيده الله: ولفظ علقمة: أمرت أن أقتل...إلخ.
وعن أبي سعيد التيمي، عن علي (ع)، نحو الأول من طريق أخرى، ورواه عن إبراهيم، عن علي نحو حديث علقمة.
وروى نحوه عن أبي أيوب.
وقال عمار بن ياسر: أمرني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بقتال الناكثين، وقد فعلت، وأمرني بقتال القاسطين، وأنتم هم ـ يخاطب عمرو بن العاص في صفين ـ وأما المارقون فلا أدري أدركهم أو لا.
رواه نصر بن مزاحم.
وأخرج الإمام أبو طالب (ع) عن علي (ع): ((يا علي أنت فارس العرب، وأنت قاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، وأنت أخي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنت سيف الله الذي لا يخطئ، وأنت رفيقي في الجنة)).
قال أبو ذر لسلمان ـ رضي الله عنهما ـ: إلزم كتاب الله، وعلي بن أبي طالب؛ فأشهد أني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل))؛ أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، وأبو علي الحسن الصفار، ومحمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى أبي ذر من طريقين.
وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب، عن أبي ليلى الغفاري، والكنجي في مناقبه، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب؛ فإنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين)).
وأخرج الحافظ الكنجي في مناقبه من حديث السمرقندي؛ وبإسناده عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال: ستكون فتنة من /506