أحلى من الشُّهد، وألين من الزبد، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك؛ فيها طينة خلقنا الله ـ تعالى ـ منها، وخلق منها شيعتنا؛ فمن لم يكن من تلك الطينة، فليس منا ولا من شيعتنا؛ وهي الميثاق الذي أخذه الله ـ عز وجل ـ ولاية علي بن أبي طالب)).
ثم قال الكنجي بعده: قال الحافظ ابن عساكر عقيب هذا: قال عبيد: فذكرت لمحمد بن الحسن هذا الحديث، فقال: صَدَقَك يحيى بن عبدالله، هكذا أخبرني أبي، عن جدي، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وأخرج الحاكم أيضاً بإسناده إلى الحسين بن علي (ع) في قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ }...إلى قوله: {ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي: ((لولايتك)).
وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ: إلى حب آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وعن الباقر: إلى ولايتنا أهل البيت.
رواه عنه من طريقين.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت الطريق الواضح، وأنت الصراط المستقيم، وأنت يعسوب المؤمنين))، أخرجه الحاكم الحسكاني بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وأخرج أيضاً بسنده إلى الحسين السبط (ع) من حديث عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سره أن يلج النار، فليترك ولاية علي بن أبي طالب؛ فوعزّة ربي وجلاله، إنه لباب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وإنه الصراط المستقيم، وإنه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة)).
أفاد أغلب ما ذكرناه في التخريج.
[تخريج أخبار: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}]
وما أخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عن الفقيه بهاء الدين، بإسناده، يبلغ به ابن شيرويه الديلمي، بإسناده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: (({وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، عن ولاية علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه في الجنة ـ)).
قال (ع): رويناه عن الثقة، يبلغ به النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -. /487

قلت: وقد أقَرّ فقيه الخارقة ـ على شدة تمرده، وكثرة عناده ـ بتفسير الآية بعد اعتراضه والرد عليه؛ فقال: هذا ممكن غير مستحيل، لكن بشرط أنهم يُسألون عن التوحيد أولاً، وعن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ثانياً، ثم يسألون بعد ذلك عن ولاية علي (ع)؛ لأن وجوبها بعد.
فأجاب عليه الإمام (ع) أنه لم يذكر أن أول ما يسألون عنه هو أمر علي (ع) حتى يعتب بزعمه، ويُرَتَّب.
...إلى قوله (ع): إن الذي فسر الخبر هو مبلّغ الوحي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فعتب الفقيه هو عليه...إلخ.
وإنما أوردته؛ لأنا لا نعدم مِنْ خَلَف الفقيه مِنْ هو على طريقته في هذا الباب، فيعلم أن سلفنا وسلفه قد كفونا مؤنة الإيراد والجواب.
هذا، وروى الحاكم الحسكاني، بإسناده إلى النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: ((عن ولاية علي بن أبي طالب))، رواه عن أبي سعيد الخدري من ثلاث طرق، وفي واحدة بلفظ: ((عن إمامة علي بن أبي طالب)).
ورواه عن ابن عباس من طريقه عن الشعبي، عنه.
ورواه عن أبي جعفر، قال: ((عن ولاية علي))، ومثله عن أبي إسحق السبيعي، وعن جابر الجعفي.
وروى بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((إذا كان يوم القيامة أوقف أنا وعلي على الصراط؛ فما يمر بنا أحد إلا سألناه عن ولاية علي؛ فمن كانت معه، وإلا ألقيناه في النار؛ وذلك قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات])).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: ((عن ولاية علي بن أبي طالب)) من طريقين، وعن أنس.
ورواه ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس، بإسناده إلى أبي سعيد، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب))، عن الإمام الحسن بن بدر الدين كما ذكره الإمام هنا. /488

وروي هذا في تنبيه الغافلين عن أبي إسحاق، ورواه ابن البطريق في العمدة من كتاب الفردوس.
وفي مناقب الكنجي: وروى ابن جرير، وتابعه الحافظ أبو العلا الهمداني، وكذلك ذكره الخوارزمي عن أبي إسحاق، ورفعه ابن جرير وحده عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، يعني عن ولاية علي بن أبي طالب (ع).
أفاده ـ أيّده الله ـ في تخريج الشافي.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله لما خلق السماوات والأرض دعاهنّ فأجبنه، فعرض عليهنّ نبوتي، وولاية علي بن أبي طالب، فقبلتاهما؛ ثم خلق الخلق، وفوض إلينا أمر الدنيا؛ فالسعيد من سعد بنا، والشقي من شقي بنا؛ نحن المحلّون لحلاله، والمحرمون لحرامه))، رواه البكري الخوارزمي عن جابر.
أفاده في التفريج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((النظر إلى علي عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته، والبراءة من أعدائه)) انتهى من حديث طويل أخرجه الكنجي عن علي (ع)، وقال: رواه الحافظ أبو العلا الهمداني، وتابعه الخوارزمي.
أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج.
قلت: ورواه الخوارزمي في فصوله، بسنده عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (ع) من خبر طويل.
قال ـ أيده الله ـ: عن أبي ذر، سمعت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((أيها الناس، لو صليتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا، ولقيتم الله بغير ولاية علي بن أبي طالب، لكبكم الله في نار جهنم)) رواه أبو خراسان محمد بن عبدالله بن عيسى، يرفعه إلى أبي ذر.
[انتهى] من الكامل المنير.
وأخرج الحاكم أبو القاسم عن علي (ع) في قوله تعالى: {فَأَذَّنَ }...الآية [الأعراف:44]، قال: أنا المؤذن.
وعن الباقر قال: هو أمير المؤمنين.
وعن ابن عباس، قال: المؤذن علي؛ يقول: ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي، واستخفوا بحقي.
وقد سبق ما في جواهر العقدين، ولفظه: قال الحافظ جمال الدين الزرندي عقيب حديث: ((من كنتُ مولاه فعلي/489

مولاه)): قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مسئول عنها يوم القيامة.
وروى في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، أي عن ولاية علي، وأهل البيت.
...إلى قوله: ما أخرجه الديلمي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، عن ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ.
ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: ((والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه، وأهل بيتي)).
وأخرج ابن المغازلي، ورفعه إلى أنس قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم، لم يجز عليه إلا من كان معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ)).
وقال في موضع آخر: وعن أبي بردة ـ رضي الله عنه ـ، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ونحن جلوس ذات يوم: ((والذي نفسي بيده، لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة، حتى يسأل الله الرجل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله مِمَّ كسبه وفيم أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت)).
قال عمر: ما آية حبكم؟
فوضع يده على رأس علي وهو جالس إلى جانبه، وقال: ((آية حبي حبّ هذا من بعدي)).
قال: وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع))...الخبر بلفظه إلا أن فيه: ((وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه؟))، انتهى.
[أحاديث متنوعة في لزوم التزام ولاية الوصي]
قلت: وقد تقدم في ذكر خبر الغدير ما ورد في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }...الآية [المائدة:3]، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، والولاية لعلي بن أبي طالب))، من رواية الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم (ع).
ورواها الإمام المرشد بالله (ع) بلفظ: /490

((وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي)) ومثلها لمحمد بن سليمان الكوفي إلا أن فيها: ((ورضى الرب بولايتي، وبالولاية لعلي من بعدي)).
ومن كلام الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا؛ فنحن أنوار السماء، وأنوار الأرض؛ فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمر، وبمهدينا تقطع الحجج، خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور؛ فنحن أفضل المخلوقين، وأفضل الموحدين، وحجج رب العالمين؛ فليهنأ النعمة من تمسك بولايتنا، وقبض عروتنا؛ انتهى.
أخرجه المسعودي في مروج الذهب، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين سبط رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
وأخرج أبو العباس الحسني، بسنده إلى موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده: أنه قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي: ((وأنت وصيي من أهلي، وخليفتي في أمتي؛ من والاك فقد والاني، ومن عصاك فقد عصاني)).
وأخرج الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر الصادق، قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، عن أبيه الحسين الشهيد، عن أبيه علي بن أبي طالب (ع)، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((لو أن عبداً عبد الله سبعة آلاف سنة، وهو عمر الدنيا؛ ثم أتى الله ـ عز وجل ـ ببغض علي بن أبي طالب، جاحداً لحقه، ناكثاً لولايته، لأتعس الله خده، وجدع أنفه)).
وأخرج أبو العباس الحسني (ع) بسنده، عن حذيفة بن اليمان، قال: رأيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كما تراني، قد أخذ بيد الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، ثم قال: ((أيها الناس، إن من استكمال حجتي على الأشقياء من بعدي ولاية علي بن أبي طالب؛ ألا إن التاركين ولاية علي بن أبي طالب هم الخارجون من ديني، فلا أعرفن خلافكم على الأخيار /491

من بعدي)) وقد مرّ.
والخبر المروي عن الباقر، عن آبائه (ع): أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع - يعني علياً (ع) - فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه؛ من اعتصم به أخذ بحبل الله، ومن تركه مَرَقَ من دين الله، ومن تخلف عنه محقه الله، ومن ترك ولايته أضله الله، ومن أخذ بولايته هداه الله))، قال في تفريج الكروب: وعلى فصوله شواهد.
قلت: والوارد من الآيات والأخبار في الولاية، مما لا تحيط به رواية، ولا تبلغ منه الغاية.
[تخريج: بك يا علي يهتدى المهتدون، و{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }]
ولما نزل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} [الرعد]، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا المنذر، وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون))؛ أخرجه ابن عساكر، عن ابن عباس.
قال: وذكره غير واحد من أئمة التفسير، منهم: محمد بن جرير الطبري، وأحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري، والنقاش، وغيرهم؛ وأخرجه الديلمي عن ابن عباس.
أفاده ابن الإمام في شرح الغاية.
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: وأخرجه علي بن الحسين في المحيط، عن ابن عباس؛ وأخرج نحوه الناصر للحق عن أبي برزة الأسلمي، وأخرج نحوه في المحيط عن علي زين العابدين (ع)، موقوفاً.
وقال ـ كثر الله فوائده ـ: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا المنذر وعلي الهادي... إلخ))، رواه أبو القاسم الحسكاني عن ابن عباس من ست طرق، وعن أبي برزة الأسلمي من ثلاث طرق، وعن أبي هريرة، وعن يعلى بن مرة، وعن علي، وعن مجاهد، وعن زرقاء الكوفية، ونحوه عن علي من ثلاث طرق، وعن أبي برزة.
وروى بإسناده عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)} [الرعد]، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((هو علي بن أبي طالب)).
ورواه /492

عن ابن عباس، وعن محمد بن الحنفية، وعن أبي صالح من طريقين، وعن أبي جعفر الصادق؛ وقال أبو صالح: قال ابن عباس: هو والله علي بن أبي طالب؛ انتهى شواهده.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا المنذر، وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون))، أخرجه الديلمي، والكنجي عن ابن عباس، وأخرجه ابن عساكر، عن علي.
انتهى شرح غاية.
وقال علي (ع): ((رسول الله المنذر، وأنا الهادي)) أخرجه الحاكم عن علي، وقال: صحيح.
انتهى من التفريج؛ وقد تقدمت الرواية، في تفسير الآية.
قال أمير المؤمنين (ع): إن الله تعالى عنانا بقوله: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } [البقرة:143]، فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هو الشاهد علينا، ونحن شهداء الله على خلقه، وحججه في أرضه، ونحن الذين قال الله ـ عز اسمه ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة:143].
أخرجه الحاكم الحسكاني، عن سليم بن قيس، عن علي (ع).
[خطبة السبط الأكبر يوم وفاة والده وتخريجها]
وأخرج الإمام أبو طالب (ع) بسنده، إلى فطر بن خليفة، أن الحسن السبط لما أُصيب علي (ع): قام خطيباً، فقال: الحمد لله وهو للحمد أهل، الذي منَّ علينا بدين الإسلام، وجعل فينا النبوة والكتاب، واصطفانا على خلقه، وجعلنا شهداء على خلقه، وجعل الرسول علينا شهيداً...إلى آخرها.
ولهذه الخطبة الشريفة طرق كثيرة.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير: ومن ذلك خطبة /493

الحسن بن علي(ع) على رؤوس من بقي من الصحابة والتابعين يوم مات علي (ع)، منها: خاتم الوصيين، ووصي خاتم الأنبياء، وأمير الصديقين، والشهداء والصالحين؛ ثم قال: أيها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون.
قال الإمام (ع): وهذه الخطبة قد أخرجها جماعة من أهل الحديث، منهم: الكنجي، وابن حجر في المنح، وحسَّن إسنادها، ورواها أئمتنا؛ وهي مشهورة لا يمكن إنكارها، وأخرجها النسائي في الخصائص، انتهى.
وأخرجها أبو علي الصفار والكنجي، عن أبي الطفيل، قال: خطب الحسن بعد وفاة علي؛ وذكره، فقال: خاتم الوصيين...وساق ما تقدم إلى قوله: ولا يدركه الآخرون؛ لقد كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يعطيه الراية، فيقاتل جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، فما يرجع حتى يفتح الله عليه؛ ما ترك ذهباً ولا فضة، إلا سبع مائة درهم، يريد أن يشتري بها خادماً لأم كلثوم.
ثم قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ثم تلا قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي }...الآية [يوسف:38]، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله وابن السراج المنير، أنا ابن الذي أُرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين كان جبريل ينزل عليهم، وعنهم كان يعرج، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل على محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً}...إلخ [الشورى:23]، واقتراف الحسنة مودتنا.
انتهى من الأربعين للصفار. /494

قال أبو الفرج الأصفهاني: ـ وذكر السند ـ عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي مريم...إلى قوله: خطب الحسن بن علي، وقال: أيها الناس، لقد فارقكم ـ وساق الخطبة...إلى قوله: واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ـ ولم يذكر {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ }...الآية.
وأخرج الدولابي الخطبة بتمامها من قوله: لقد فارقكم...إلخ، كرواية الصفار عن زيد بن الحسن؛ أفاده الأمير في شرح التحفة.
وروى ابن المغازلي عن هُبيرة بن مريم: لقد فارقكم...إلى قوله: سبعمائة درهم.
ورواها أحمد بن شعيب النسائي في خصائصه، عن هبيرة، عن الحسن، كرواية ابن المغازلي بزيادة قوله: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يقاتل جبريل عن يمينه...إلخ)) باختلاف يسير.
وأخرج أحمد بن حنبل، عن عمرو بن حبشي، كرواية المغازلي.
أفاده في التفريج، وفيه: وأخرج أحمد عن زر بن حبيش ، عن الحسن بن علي أنه خطب، وقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون.
أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج، قال فيه: وروى الخطبة المرشد بالله...إلى قوله: يشتري بها خادماً، عن هبيرة بن مريم.
وأخرج الكنجي عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ما بعثت علياً في سرية، إلا رأيت جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، والسحابة تظله، حتى يرزقه الله الظفر)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى جابر بن عبدالله، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ما بعث الله علياً في سرية، إلا رأيت جبريل عن يمينه...إلخ)).
وقال ابن أبي الحديد: وفي خطبة الحسن بن علي (ع) لما قبض أبوه: لقد /495

فارقكم في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون؛ كان يبعثه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ للحرب، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. انتهى.
ورواه أبو جعفر الطبري في تاريخه، بسنده إلى خالد بن جابر، عن الحسن بن علي (ع)، ورواه الموفق بالله عن هبيرة بن مريم.
أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج.
قلت: وأخرجها السيد الإمام أبو العباس (ع) في المصابيح عن الحسين بن زيد بن علي (ع).
[تخريج حديث ((علي خير البشر))]
هذا، ومن شواهد ما سبق نحو أخبار: ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، أفاد صاحب المحيط بالإمامة أن شيخه يرويه بإحدى وسبعين طريقاً، وقد رواه الذهبي في الميزان عن شريك، وقال: بإسناد كالشمس.
وأورده محمد بن سليمان الكوفي مسنداً في مناقبه بطرق وشواهد كثيرة، نحو: ((علي خير البرية)).
ورواه السيوطي في سورة لم يكن، في الدر المنثور، من طرق؛ أفاده الإمام محمد بن عبدالله (ع).
وقال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: والأخبار المتواترة مروية عن جابر أنه قال: ((علي خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر)).
قلت: ساق في المحيط بالإمامة بسنده إلى جابر، قال: خير الناس ـ يعني علياً(ع) ـ ولا يشك فيه إلا كافر.
وبسنده إلى أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي خير البشر فمن أبى فقد كفر)).
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي بعد إيراد قوله (ع): والأخبار المتواترة...إلخ: أخرجه أبو يعلى، وابن عساكر، وقال: روي عن عائشة؛ وأبو القاسم الجابري عن عائشة مرفوعاً، ورواه في المحيط بالإمامة ـ وذكر الرواية المارة ـ.
قال: وكذا رواه برهان الدين في أسنى المطالب، بإسناده إلى جابر، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي خير البشر... إلخ)).
وذكر في الإقبال عن شريك النخعي قال: ((علي خير البشر... إلخ)).
وأخرجه الخطيب عن علي، وحذيفة مرفوعاً، وعن جابر مرفوعاً، وروى محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى جابر، قال: ((علي خير البشر)).
وروى بسنده إلى حذيفة عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر)).
وقال /496

104 / 143
ع
En
A+
A-