قال: فمن الرجال؟
قال: (أبوها).
وليس إلا معارضة لما ورد بهذا اللفظ بخصوصه في سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، وفي زوجه فاطمة البتول، بضعة الرسول، صلى الله وسلم عليهم وعلى آلهم الطاهرين.
كما قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد ـ وقد ساق البحث في رواية البخاري لما يعارض خبر الأبواب المعلوم بالتواتر، بإقرار الخصوم، كما قدمنا ـ ما لفظه: وهذا الحديث في المعارضة يشبه حديث عمرو بن العاص ـ وذكره ـ.
قال الإمام (ع): فإنه معارض للحديث المروي عن عائشة، الذي أخرجه الترمذي من رواية جميع بن عمير، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسُئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟
قالت: فاطمة.
قيل: فمن الرجال؟
قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواماً قواماً.
قلت: وأخرجه الخوارزمي بسنده إلى جميع بن عمير، قال: دخلت على عائشة.
..إلى قوله: فقالت: ما رأيت رجلاً قط أحبّ إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من علي، ولا امرأة أحبّ إليه من امرأته.
قال الإمام: وأخرج عن بريدة، قال: أحب الناس إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فاطمة؛ قال: ومن الرجال علي (ع).
وذكر البخاري حديث عمرو، وترك حديث عائشة؛ وحديث عمرو هذا ضعيف، أعظمها حال عمرو.
أما معاداته لعلي (ع) فإنها واضحة كالشمس، وقد أشار إلى وضع عمرو له السلف ـ رحمهم الله ـ فإنهم سموه: حديث عمرو، وجعلوه كالعلم له؛ وفي رجاله غير عمرو.
..إلى قوله: على ما ذكره ابن حجر في نقادة من نقد فيه من رجال البخاري؛ ولا حاجة في إعلاله من جهة الرجال بزيادة على حال عمرو، الذي نسب إليه الحديث؛ وأين رجاله وحاله، وشواهده من حديث علي وفاطمة؟!!
وقد ذكر ابن حجر في شرح حديث عمرو هذا ما هو معارض له من حديث عائشة، غير حديث فاطمة (ع).
قال: وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي بسند صحيح عن النعمان /465

بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: والله، لقد علمت أن علياً أحب إليك من أبي...الحديث.
...إلى أن قال: وهو في الظاهر يعارض حديث عمرو؛ ولكن يرجح حديث عمرو أنه من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهذا من تقريره.
...إلخ ما ذكره، وختمه بقوله: والله أعلم.
قلت: ويالله من هذا الترجيح، الذي هو غير رجيح، ما أضعف قواه، وأوهن عراه، وأبعده عن الصواب، المعلوم من ضرورة السنة والكتاب، قولاً وفعلاً وتقريراً يعلمه أولوا الألباب!.
وتالله، إنه لا يخفى ذلك على مثل هذا الشيخ، ولا يجهل حال عمرو، ولكن الهوى يعمي ويصم؛ نعوذ بالله من الخذلان.
وسلك السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير طريقة إلى الجمع، لا بأس بها، لو كان للرواية قرار؛ ولكن كيف والراوي من رؤوس الدعاة إلى النار؟ فهي مؤسسة على شفا جرف هار؛ فلا معنى للجمع إلا بعد صحة الأخبار.
فقال في العواصم ـ بعد أن تكلم على حديث عمرو ـ ما لفظه: ولكن ذلك في أحب الناس إليه، لا في أحب أهله، الذين هم أحب الناس إليه؛ وقد روى الترمذي من حديث عائشة...إلخ، وذكر أنه روى حديث بريدة.
قال: وذكر الترمذي نحو الجمع الذي ذكرته عن إبراهيم النخعي...إلخ كلامه.
قال الإمام في الفرائد: وفي كلام ابن حجر إشارات إلى ما وقع في نفسه، من حديث عمرو، وكلاهما من أهل الجراءة في الدين، والمحاربة لأمير المؤمنين؛ ولكن النعمان كان أصدق من عمرو، وليس له نفاقه وكذبه وغدره.
وأما في هذا الحديث فعداوته ـ قلت: أي النعمان ـ مؤكِّدة ومحقِّقة لصدقه فيما رواه من فضيلته؛ والحق ما شهدت به الأعداء؛ وقوة أحاديث علي بينة ظاهرة، وشواهده كثيرة متواترة.
وقد تقدم أنه لم يكن الحامل لأكثر من تقحم على تعديل كل الصحابة على تفسيرهم، الذي فسروا به الصحابي، إلا /466

توسيع الدائرة، وعلاج إبطال ما أثبت الله ـ سبحانه ـ لأهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من وجوب الاتباع والتفضيل، على كل من أهل الفضل؛ ولم يكن لهم ما يعارضون به براهين فضيلتهم، ولزوم قدوتهم وحجتهم، إلا قبول روايات أعاديهم، والقائمين بهتك حقوقهم، وإطفاء نور الله فيهم.
...إلى قوله: فأبطلوا ما أمكنهم إبطاله.
وما قهرهم برهانه؛ فإما يتأولونه ولو بتأويل باطل، أو يمنعون أن يبحث عن مدلوله؛ لئلا يرتقي إلى الأعلى فالأعلى، وقد كررنا هذا مراراً ـ وأفاد أن هذا كلام الإمام يحيى شرف الدين (ع) ـ.
قال في الفرائد: وأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون، بروايات الخصوم.
ثم ذكر أنه خرّج خبر جميع بن عمير النسائي من طريقين.
قلت: وقد تقدم إخراج الخوارزمي له.
قال: وقال السيوطي: أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق، وابن النجار، عن عروة، قال: قلت لعائشة: من أحب الناس إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟
قالت: علي بن أبي طالب.
ثم سألها عن خروجها عليه...الخبر؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود.
قلت: وأخرج أحمد بن حنبل عن جميع ما لفظه: دخلت مع أمي على عائشة.
..إلى قوله: فسألتها عن علي، فقالت: سألتني عن أحب الناس كان إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لقد رأيت علياً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، وقد جمع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بثوب عليهم، ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
قالت: قلت: يارسول الله، أنا من أهلك؛ قال: ((تنحي أنت إلى خير)).
[حديث الإنذار وتخريجه]
وذكر الإمام محمد بن عبدالله (ع) أن النسائي أيضاً أخرج حديث بريدة، وحديث النعمان، ثم ذكر خبر التسعة الذين جاءوا إلى ابن عباس رضي الله عنهما؛ /467

وما رواه لهم من مناقب الوصي ـ صلوات الله عليه ـ العشر، وقد اشتمل على خبر: ((من كنت مولاه))، وخبر المنزلة.
وفيه: أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي))، وأنه قال: ((أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة))، وخبر الراية، وخبر براءة، وخبر الإنذار، وخبر سبقه إلى الإيمان، وخبر الكساء، وخبر شرائه نفسه ليلة نام في مكانه، وخبر سد الأبواب غير باب علي، وغير ذلك؛ وهو خبر جامع، أخرجه الإمام المنصور بالله في الشافي.
وأفاد الإمام (ع) في الفرائد أنه أخرجه أحمد بن حنبل عن ابن عباس، وأخرج النسائي بنحوه في خصائصه، والكنجي في مناقبه كما في رواية أحمد بطوله.
قال: ورواه ابن عساكر في الأربعين الطوال، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، كما في حديث أحمد، وهو في صحيح أبي عَوانة.
وقال في موضع آخر: ثم ذكر ـ أي الإمام المنصور بالله (ع) ـ في الشافي حديث جمع بني هاشم عند نزول: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، وعرضه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليهم من يكون وزيره وخليفته فأبوا، فقال علي: أنا، فقال: ((أنت)).
وعن الثعلبي حديث نور النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وابن المغازلي، والديلمي؛ وفيه: ((ففيَّ النبوة، وفي علي الخلافة)).
وقد أخرج حديث جمع بني هاشم ابن حجر في تخريجه أحاديث الكشاف، وقال: أخرجه ابن إسحاق في المغازي، والبيهقي مطولاً، وأخرجه البزار، وأبو نعيم في الدلائل...إلخ.
ورواه من أصحابنا الجم الغفير بالأسانيد القوية، وفيه الخلافة /468

بعد أن عرض عليه ما أراده منهم، فقال: ((أيكم يوازرني على الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم)).
فأحجم القوم جميعاً.
فقال علي ـ وهو أحدثهم سناً ـ: أنا يا نبي الله.
قال: فأخذ برقبتي، وقال: ((هذا أخي ووصيي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا)).
وفي رواية الأولين أنهم قالوا لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّره عليك.
قلت: وأخرجه الحاكم بسنده إلى ابن عباس، وفيه: ((فأيكم يوازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي ووليي، وخليفتي فيكم)).
ورواه بسنده عن البراء، وفيه: ((على أن يكون وصيي، ووليي، وخليفتي)) وقولهم لأبي طالب: أطعْ ابنك فقد أمره عليك.
وأخرجه الكنجي عن البراء، وصحح نحوه الإسكافي.
وقال السيوطي: أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي.
انتهى من التحفة.
وأخرج خبر الإنذار محمد بن سلميان الكوفي عن علي (ع) بسنده من أربع طرق؛ في طريقين ذكر الوصية، وفي بعض ((وليي وخليفتي)) في ثلاث طرق، و((أخي)) في ثلاث، وفي واحدة: ((يقضي ديني)).
وأخرجه أيضاً بسنده إلى ابن عباس، وفيه: ((أيكم يوازرني على أن يكون أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري)).
أفاده أيده الله في التخريج؛ وقد سبقت روايته من الشافي، وبعض طرقه في خبر المنزلة.
قال الإمام (ع): على أن لفظ الخلافة قد جاء من طرق المحدثين كثيراً؛ ولكنها الأهواء عمت فأعمت.
قلت: وقد سبق ويأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ كثير طيب.
ثم ذكر الإمام (ع) ما أورده الأمير من الأخبار المشار إليها آنفاً، فقال: وأخرج المخلص الذهبي، والحافظ أبو القاسم الدمشقي، من حديث عائشة، وقد ذُكِرَ عندها علي، فقالت: ما رأيت رجلاً أحب إلى رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم منه، ولا امرأة أحبّ إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من امرأته.
وأخرج الخجندي عن /469

معاذة الغفارية، قالت: دخلت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في بيت عائشة، وهي خارجة من عنده فسمعته يقول: ((يا عائشة إن هذا أحب الرجال إليّ، وأكرمهم عليّ؛ فاعرفي له حقه، وأكرمي مثواه)).
وأخرج الملا في سيرته عن معاوية بن ثعلبة، قال: جاء رجل إلى أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ وهو في مسجد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقال: يا أبا ذر، أتخبرني بأحبّ الناس إليك؟ فإني أعرف أن أحب الناس إليك أحبهم إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فقال: هو ذا الشيخ ـ وأشار إلى علي (ع) ـ.
ذكر هذه الأحاديث المحب الطبري.
[خبر عن أبي بكر في تفضيل أمير المؤمنين (ع)]
قال الإمام: واسمع إلى ما روي عن أبيها.
أخرج الدارقطني عن الشعبي، قال: بينا أبو بكر جالس، إذْ طلع علي بن أبي طالب من بعيد؛ فقال أبو بكر: من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة، وأقربه قرابة، وأفضله حالة، وأعظمه عناء عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فلينظر إلى هذا الطالع.
انتهى من جواهر العقدين للسمهودي الشافعي.
قلت: هو كذلك في الجواهر؛ وفي رواية بلفظ: من سره أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة من نبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأجوده منه منزلة، وأعظمهم عند الله عناء، وأعظمهم عليه، فلينظر إلى علي.
أخرجه الخوارزمي عن شيخه الزمخشري، مسنداً إلى أبي سعد السمان، بإسناده إلى الشعبي قال: نظر أبو بكر إلى علي مقبلاً، فقال: من سره...إلخ.
أفاده في التفريج.
وفي الجواهر: قال أبو بكر: ما كنت لأتقدم رجلاً سمعت رسول الله ـ صلى الله /470

عليه وآله وسلم ـ يقول فيه: ((علي مني كمنزلتي من ربي)).
قال: أخرج ابن السمان في كتاب الموافقة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وذكر الخبر.
ورواه في ذخائر العقبى بلفظه، وقال: أخرجه السمان.
وأخرج ابن المغازلي عن جابر بن عبدالله.
وفي شرح التحفة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ بلفظ: ((يا علي، منزلتك عندي كمنزلتي عند الله، ومن فارقك فقد فارقني، ومن فارقني فارق الله))؛ أخرجه الحاكم الجشمي عن أنس، وسعيد بن جبير؛ وأخرجه الإمام في الشافي بسنده إلى الحاكم.
[خبر الجواز وتخريجه]
وفي الذخائر أيضاً: عن أبي بكر، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب علي له الجواز)) أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة، انتهى.
قلت: خبر الجواز مروي بطرق عدة، منها: عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي يوم القيامة على الحوض؛ لا يدخل الجنة إلا من جاء بجواز من علي بن أبي طالب))، أخرجه المنصور بالله في الشافي، وأخرجه ابن المغازلي.
وأخرج نحوه الخوارزمي عن ابن عباس، وابن مسعود.
وأخرجه ابن المغازلي عن ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أبيه، بلفظ: ((لم يجز إلا من معه كتاب ولاية علي))، وغير ذلك.
[اعتراف الشيخين للعترة بالأفضلية عليهما]
وساق الإمام (ع) في اعتراف أبي بكر وعمر، من ذلك: ما جرى للحسنين (ع) معهما على المنبر؛ وقد رواه في جواهر العقدين، إلا أن الإمام استوفى الطرق، وهي /471

ما رواه الدارقطني، عن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: جاء الحسن بن علي(ع) على أبي بكر، وهو على منبر رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، فقال: انزل عن مجلس أبي.
فقال: صدقتَ والله، إنه لمجلس أبيك.
وأجلسه في حجره وبكى.
قال: وروى الدارقطني في قصة أخرى في أمر المنبر اتفقت للحسين بن علي (ع) مع عمر بن الخطاب نحو هذه، وأن عمر قال: منبر أبيك لا منبر أبي.
قال: وقد ذكر ابن سعد في طبقاته هذه القصة، وغيرها.
قلت: في الجواهر: وقال: وهل أنبتَ الشعر على رؤوسنا إلا أبوك؟ - أي إن الرفعة ما نلناها إلا به - انتهى.
قال الإمام: وروى قصة الحسين (ع) الكنجي في مناقبه، وقال: أخرجها أحمد بن حنبل في المسند، وأحمد بن سعد، وطرَّقها محدث الشام ـ يعني ابن عساكر - من طرق شتى، وذكر الذهبي قصة الحسين، وصححها - وكذلك المزي - وذكر أيضاً قصة الحسن السيوطي في جمع الجوامع، وعزاه إلى أبي نعيم، والجابري، وابن سعد.
انتهى المراد.
قلت: وفي رواية الذهبي، والمزي: أن الحسين (ع) قال لعمر: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك.
فقال: إن أبي لم يكن له منبر.
وأقعده معه، وقال له: من علّمك هذا؟
قال: ما علّمني أحد.
ثم قال له: وهل أنبت الشعر في رؤوسنا إلا الله ثم أنتم.
ثم قال الذهبي: إسناده صحيح.
قلت: قد اعترضهما السبطان المعصومان المطهّران، واعترف الشيخان بأن المجلس لأبيهما لا لهما، ولم يدليا بحجة ولا شبهة، في تسنّمهما لذلك المقام.
قال الإمام: ومهما وقع نزاع من المخالف في شيء مما ذكرنا، فملاكه كله قول عمر من على المنبر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
وهذا الخبر معلوم عند الأمة، لا يعلم له مناكر.
قلت: رواه /472

البخاري وغيره.
ومن ذلك اعتراف أبي بكر على المنبر، وقوله: وليتكم ولست بخيركم.
قال الأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين (ع) في الينابيع ـ وذكر الأدلةـ: ومنها: إجماع الصحابة فإن أبا بكر قال على المنبر: وليتكم ولست بخيركم؛ ولم ينكر عليه منكر.
قلت: وقد استدل بذلك صاحب المحيط بالإمامة، والإمام المنصور بالله (ع)، وغيرهما؛ وفيه أبلغ الرد على المخالفين، من قول من يدعون له الأفضلية، وتأويلهم بأن ذلك من باب هضم النفس غير صحيح؛ لأن المقام لا يحتمله، ولأنه لا يسوغ الهضم إلا بالمعاريض، لا بالكذب الصريح.
واعتراف أبي بكر وعمر لسيدهما سيد المسلمين، خير البرية، وخير البشر ـ على لسان أخيه ـ ومن أبى فقد كفر، كما تواتر به الخبر، معلوم بين الأمة لا ينكر، في مقامات لا تعد ولا تحصر؛ ومما تواتر: لولا علي لهلك عمر.
ولم يكن في حسابهما أنه سيأتي من بعدهما من يدعي لهما الفضل والحق، على أولي الفضل والسبق، أهل بيت النبوة سادات الخلق.
وإقرار الشيخين، وسائر أزواج رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - وصحابته، ورواياتهم في أمير المؤمنين، ونفس الرسول الأمين، خصوصاً، وفي سائر أهل بيت النبوة الطيبين عموماً، بما يصرح أنه لا يوازيهم ولا يدانيهم أحد من المخلوقين، بعد النبيين ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، مما اتفقت على روايته الأمة المحمدية، لا مما انفردت به النواصب الحشوية، وروته عن شرار البرية، كالخبر المار، الذي رجحه ابن حجر، وأمثاله من المرويات الفرية.
[تهنئة الشيخين لعلي بالولاية يوم الغدير وتخريجها]
وسأذكر طرفاً مما اقتضاه المقام، مقدماً لأجلِّ المقامات العظام، المتضمن تهنيتهما لمولاهما، ومولى المؤمنين يوم الغدير، بمشهد الجم الغفير.
ومن ألفاظها قول أبي بكر، وعمر: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن /473

ومؤمنة، لما قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره))، أخرجه الكنجي عن سعد بن أبي وقاص.
وروى عبد الرزاق بسنده إلى البراء بن عازب، قال: لما نزل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بغدير خم.
..إلى قوله: ثم قال: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى، قال: ((فهذا وليكم، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه))، فقال عمر: يهنيك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مسلم.
ذكره في الكامل المنير.
وأخرج محمد بن سليمان الكوفي قول عمر: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، بعد قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، والإمام المنصور بالله، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل في المسند، ومحمد بن سليمان من طريقين، ويحيى بن الحسن البطريق عن البراء.
وأخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي عن أنس في خبر طويل في المؤاخاة، وفيه: قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ صلوات الله عليه ـ: ((إنما ادخرتك لنفسي))..إلى قوله: فقال: ((اللهم إن هذا مني، وأنا منه؛ ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى؛ ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه))..إلى قوله: فاتبعه عمر بن الخطاب، فقال: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم.
وقد سبق في المقام الثامن من مقامات خبر المنزلة، وأخرجه الإمام الحسن (ع) في أنوار اليقين، وهو في مناقب ابن المغازلي.
وأخرج قول عمر: بخٍ بخٍ...إلخ، محمد بن سليمان الكوفي، عن أنس، وأخرجه الإمام المرشد بالله، والحاكم من طريقين عن أبي هريرة.
وروى فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده إلى أبي ذر؛ وساق خبر الغدير...إلى قوله: فقال عمر: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة...الخبر، ذكره الحاكم الحسكاني.
وقال الحاكم الجشمي ـ رحمه الله ـ في كتاب تنبيه الغافلين: والمروي /474

102 / 143
ع
En
A+
A-