الآل، ونصب العداوة لهم.
حتى قال: ولم يرووا عمن يرتضى دينه إلا أقل مما رووا عمن ذكرنا، مع وسائط ممن يرى سبّ أمير المؤمنين، كعمرو بن شعيب، وآبائه وأضرابهم ـ لعنهم الله ـ، وممن كان يعلن ببغاضة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ ويتجارى على الله بالكذب، وعلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كعكرمة، مولى ابن عباس.
قلت: تقدم الكلام على عكرمة وغيره.
قال: واعتمدوا على رواية كثير ممن عرف بالنصب كحريز بن عثمان الحمصي؛ فإن البخاري اعتمد على روايته.
قلت: قد بسط الكلام في شأن هذا المارق المنافق في شرح نهج البلاغة.
قال السيد العلامة، محمد بن عقيل، في العتب الجميل ـ أحسن الله جزاءه ـ بعد أن ساق بعض مخازيه: وقد تجشمت الإطالة، نصحاً لله ولرسوله؛ ليحذر الحريص على دينه دسائس المنافقين، ويدقق البحث، ولا يغتر بقولهم: ثقة، ثبت، صاحب سنة...إلخ؛ فإن أمثال هذا الإطراء منهم يكال جزافاً لكلاب النار، والفجار المنافقين، الوضاعين المبدلين للدين.
ومما تقدم نقله تعرف أن حريز بن عثمان فاجر منافق وضاع، مبغض لعلي (ع) مجاهر بذلك، وبأنه لا يحبه، بل يشيد بسبه.
قلت: رووا أنه كان يقول: لا أحبه، قتل آبائي ـ يعني علياً ـ.
قال: ويخترع الأحاديث في تنقيصه، وهو مع ذلك سفياني، داعية إلى مذهبه الممقوت؛ وادعاؤه سماع ذلك البهتان من طاغيته الوليد، أو احتمال إمكان ذلك، عذر غير مقبول، وإن كان الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض.
قلت: وهذا البهتان المشار إليه، هو ما رووه عنه أنه قال: هذا الذي يرويه الناس عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لعلي: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) حق؛ ولكن أخطأ السامع.
قلت: فما هو؟
قال: إنما /455

هو (أنت مني بمنزلة قارون من موسى).
قلت: عمن ترويه؟
قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله.
وغير ذلك مما افتراه على الله وعلى رسوله، فسحقاً له ولشيخه وإمامه، وقائده إلى النار بزمامه؛ {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ }...الآية [التوبة:67].
ويا عجباه لأصحاب الصحاح، ولرجالهم المعتمدين عليهم من أرباب الفسوق والكفر الصراح! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال الإمام القاسم بن محمد (ع): وكذلك إسحاق بن يزيد العدوي.
قلت: كذا في الفرائد، والمشهور بن سويد (بالسين المهملة، والواو)، وقد أفاد ابن حجر في مقدمة الفتح أن العجلي وثقه، وأنه قال: كان يحمل على علي بن أبي طالب.
قال الإمام القاسم (ع): وحصين بن نمير الواسطي.
قلت: قال في الفتح: قال أبو خيثمة: كان يحمل على علي.
قال الإمام القاسم (ع): وبهز بن أسد، وعبدالله بن سالم الأشعري، وقيس بن أبي حازم.
قلت: هو من المشهورين ببغض سيد الوصيين، والمصرحين بذلك، كما في شرح النهج وغيره؛ وقد سبق الكلام فيه.
وممن جرحه ورد روايته من أئمة العترة (ع): الإمام ما نكديم، والأمير الحسين، والإمام القاسم (ع) كما ترى.
وادعى الذهبي أن الناس أجمعوا على توثيقه؛ فقال بعضهم: انظر في كلام الذهبي حيث الرجل يروي ما يوافق مذهبه يبالغ في التوثيق، ويروي الإجماع مجازفة.
وفي تهذيب التهذيب عن ابن المديني عن القطان أنه منكر الحديث؛ وفي مقدمة الفتح عن يعقوب بن أبي شيبة أن من أصحابهم من قال: له أحاديث مناكير، وأنه كان يحمل على علي.
..إلى قوله: ولذلك كان يجتنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه، انتهى. /456

قال الإمام القاسم بن محمد (ع): ومحمد بن زياد بن الربيع المصري.
قلت: هو الألهاني الحمصي في تهذيب التهذيب لابن حجر.
قال الحاكم: اشتهر عنه النصب، كحريز بن عثمان، انتهى.
وسلك فيه الذهبي مذهبه، فادعى اتفاق الناس على توثيقه، قال: وما علمت فيه مقالة سوء، سوى قول الحاكم الشيعي، انتهى.
قال الإمام القاسم (ع): والوليد بن كثير بن يحيى المدني؛ فهؤلاء اعتمدهم البخاري مع ظهور عداوتهم لأمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وبغضهم له.
[عدد من تكلم فيهم ممن اعتمدهم أهل الصحاح، والمجاهيل في البخاري، ومن أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم؛ والعكس]
ثم ذكر الإمام (ع) ما قد قدمناه: أن المتكلم فيهم ممن اعتمدهم البخاري ثلاث مائة وخمسة وخمسون، ومن الذين علق لهم خمسة وسبعون، والمجاهيل مائة وثمانية وأربعون، وأن النووي قال في شرح مسلم: قال أبو عبدالله الحاكم، عدد من أخرج له البخاري، ولم يخرج له مسلم ـ يريد أن مسلماً استضعفهم ـ أربع مائة وأربعة وثلاثون، وعدد من احتج بهم مسلم، ولم يحتج بهم البخاري ـ يريد أنه استضعفهم ـ ستمائة وخمسة وعشرون.
قال: ومثل ما ذكره الحاكم في هذا ذكره ابن حجر في مقدمة فتح الباري.
وذكر أهل التدليس، وأنه مقرر في كتبهم، حتى حكى أن محمد بن يحيى الذهلي نهى أن يأخذوا عن البخاري.
...إلى قوله: وصح أن البخاري رمى الذهلي هذا بالكذب، ثم اعتمده في /457

صحيحه، ودلّسه.
وساق في معاملتهم بمجرد أهوائهم.
قال: ويقولون: فلان زائغ، فلان تركوه؛ بلا حجة إلا الدعوى؛ ويعدلون من جرح بسبب من أسباب الجرح معيناً، كما رووه عن عبدالله بن أبي داود، بأنه يكذب، وبأنه رمى أنس بن مالك خادم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأزواجه بالزور والبهتان في حديث الطير، وقال: إن صح حديث الطير فنبوته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ باطلة.
وهذا كفر.
قلت: هذا المخذول هو أبو بكر بن أبي داود السجستاني، صاحب السنن.
وفي الميزان للذهبي بالسند إلى أبيه أنه قال: ابني عبدالله كذاب؛ قال ابن صاعد: كفانا ما قال أبوه فيه.
وفيه: قال ابن عدي ـ وساق السند إلى إبراهيم الأصفهاني ـ يقول: أبو بكر ابن أبي داود: كذاب، انتهى.
ثم شهد له الذهبي بالحفظ والإمامة؛ قال: وما ذكرته إلا لأنزهه.
قال الإمام القاسم (ع): فعدلوه.
وقال الذهبي في النبلاء بعد أن ذكر هذا عنه: إنما هو كذاب في لهجته لا في الحديث؛ فكأنه عنده من أركان المحدثين، لما كان زائغاً عن أمير المؤمنين؛ ثم ذكر بعض من قد تقدم الكلام فيهم.
...إلى قوله: وأشباههم من النواصب البغضة لآل محمد، وأنهم عندهم عدول، ولا بأس بهم؛ وإن رموا بشيء من الجرح اغتفروه.
انتهى كلام الإمام (ع)، وقد تقدم ما فيه كفاية.
وأقول والله الموفق: قد سمعت ما يقدمون عليه من الجرأة على الله ـ تعالى ـ وعلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ واختيار إبطال النبوة، وجحد الرسالة، على إبطال ما أصلوه من عند أنفسهم، وبأهوائهم، من تقديم /458

من أخر الله، وتأخير من قدم الله، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؛ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير؟ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله؟
وليس بنافع لأمثال هذا المارد الجاحد، الرد والتكذيب لخبر واحد، ففي معناه ما لايحصى كثرة، كتاباً وسنة؛ فقد علم من الكتاب المبين، والمجمع عليه من سنة الرسول الأمين، التقديم والتفضيل لسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، بل نفس إمام المرسلين، ولسائر عترته المطهرين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ برغم أنوف الجاحدين؛ وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة؛ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؟ أهم يقسمون رحمة ربك؟ قل: إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وقد سبق في الكتاب، ما فيه تبصرة لأولي الألباب.
والمعلوم من حال الخصوم كافاهم الله ـ تعالى ـ أنهم يسلكون في إبطال الوارد من حجج الله ـ تعالى ـ على لسان رسوله في وصيه، وسائر أهل بيت نبيه ـ صلى الله وسلم عليهم ـ كل طريقة، تارة بالتضعيف والتزييف، وأخرى بالتبديل والتحريف، ومرة بالمعارضة والمناقضة، وأخرى بالجحود والتكذيب، وما بهرتهم به الآيات، والأخبار المتواترة، وقهرتهم فيه البراهين المعلومة /459

القاهرة؛ ولم يجدوا في رده ولو بالمباهتة، أو معارضته ولو بالروايات الكاذبة، أو تأويله ولو بالتحريفات الباطلة، حيلة، ولم يهتدوا سبيلاً؛ فعند ذلك يعرضون عن معانيه، ويمنعون عن الخوض فيه، ويقطعون عنه الخطاب، ويوصدون دونه الأبواب، كأن في آذانهم عن سماعه وقراً، ومن بينهم وبينه حجاب، ويتواصون بهجره، وإلغاء ذكره، إلا ما غلبهم من إمراره عند تلاوة الآيات، أو إملاء الروايات، من غير تعريج عليه، أو توقف لديه؛ ومن استدل به أو بحث عنه، أو نظر في معناه، رموه بالبدعة، ونبزوه بالرفض، ومخالفة السنة والجماعة، ونسبوا إليه كل طامة، ولا يرقبون فيه إلاً ولا ذمة؛ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
[خبر الطير وتخريجه]
فنقول: خبر الطير رواه أئمة العترة (ع) منهم: الإمام المنصور بالله، أخرجه في الشافي، والأمير الحسين في الينابيع؛ وقال: وهذا الخبر مما احتج به أمير المؤمنين(ع) يوم الشورى بمحضر الصحابة، ولم ينكر عليه منهم منكر، انتهى.
وفيه: ((اللهم ابعث أحب خلقك إليك))، و((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر))، الخبر.
قال شارح الأساس: وهذا الخبر مشهور، قال في المحيط: وروي عن أنس، وسعد بن أبي وقاص، وأبي ذر، وأبي رافع مولى رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وسفينة، وابن عمر، وابن عباس؛ وهو متلقى بالقبول من جلّ الصحابة. /460

قلت: في كتاب المحيط ما لفظه: إن أمير المؤمنين احتج به بحضرة الصحابة يوم الشورى، ولم ينكر عليه أحد، وفيه: كل طريق تعلم بها الشورى، يعلم بها إيراده(ع) الخبر.
وفيه: ويدل على صحة هذا الخبر أيضاً إجماع العترة عليه، وبينا من قبل أن إجماعهم حجة.
ويدل على ذلك أيضاً أن هذا الخبر رواه عدة من الصحابة؛ لأنه روى ذلك أنس، وسعد بن أبي وقاص ـ وذكر بقية السبعة المذكورين ـ.
ثم قال: وما من واحد منهم إلا وقد جعله حجة.
إلى قوله: فلو لم يكن في الأصل مما قامت به الحجة لم يكن ينتشر هذا الانتشار، ولم تجتمع عليه، وعلى الانقياد له جلّ الصحابة.
وقال الشيخ أبو عبدالله البصري ـ رحمه الله ـ: روى خبر الطير عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وأبو رافع مولى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وسفينة مولى النبي، وابن عباس.
قال: ورواية هؤلاء لهذه القصة عن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - مشهورة، لا يدفعها أحد من أهل العلم.
انتهى بلفظه من المحيط بالإمامة.
قال أيّده الله في التخريج: ورواه ابن المغازلي عن ابن عباس، وعن سفينة مولى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وعن علي من حديث المناشدة، وعن أنس من طرق أكثر من عشر، ورواه الكنجي عن أنس من ثلاث طرق، وقال: رواه المحاملي كذلك ـ أي عن سفينة ـ، وذكر أن الحاكم أخرجه عن ستة وثلاثين نفساً؛ وذكر عددهم في مناقبه.
قال: ورواه أبو علي الصفار بإسناده عن أنس، ورواه أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي عن أنس، ورواه النسائي في خصائصه عن أنس.
قال: ورواه ابن المغازلي، والخوارزمي بإسنادهما إلى عامر بن واثلة عن علي (ع).
انتهى المراد نقله.
قلت: وفي ذخائر العقبى للطبري الشافعي ما ذُكر أنه (ع) أحب الخلق إلى الله بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن أنس بن مالك، قال: /461

كان عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ طير، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير))، فجاء علي بن أبي طالب (ع) فأكل معه.
أخرجه الترمذي، والبغوي في المصابيح في الحسان، وأخرجه الحربي، وخرجه الإمام أبو بكر محمد بن عمر بن بكير النجار عن أنس؛ وساقه إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي))، انتهى.
وفي شرح التحفة العلوية للسيد محمد الأمير بعد سياق ما نقلته من الذخائر ما لفظه: وفي الجامع الكبير في مسند أنس بن مالك.
وساق الرواية إلى قوله: فسمع النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - صوته، فقال: ((ادخل يا علي، اللهم وإلي ـ ثلاثاً ـ)) أخرجه ابن عساكر.
وذكر أنه أخرجه ابن عساكر أيضاً عن دينار، وعن عبدالله القشيري، عن أنس، وعبدالله بن أحمد بن حنبل، عن سفينة مولى رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وفيه: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك...الخبر))، وذكر رواية ابن المغازلي له.
قال الأمير: قال الذهبي: وأما حديث الطير، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنف.
قلت: صنّف فيها بعد ما أدهشته كثرتها كما بهرته طرق خبر الغدير، حتى قطع بها، فأنوار فضائل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ تارة تدهشه وتارة تبهره، وهو أعمى عن طريق الهدى لا يبصره؛ وكل ذلك من إخراج الله الحق على ألسنة المبطلين، والحمد لله رب العالمين.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وقد أردت أن أنقل شيئاً من كلام الوالد محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ من العواصم، وهو ممن لا يتهم؛ فقد بالغ في تجميل المحدثين، حتى تعصب لهم بكل ممكن.
قال: ولقد صنف الحافظ العلامة محمد بن جرير الطبري كتاباً في طرق حديث الطير، في فضائل علي (ع)، لما سمع رجلاً يقول: إنه ضعيف.
قال الذهبي: وقفت على هذا الكتاب، فاندهشت؛ لكثرة ما فيه من الطرق.
فكيف بمن قال: إن صحّ حديث الطير فنبوة محمد صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم باطلة؟ وهو أبو بكر بن أبي داود؛ /462

فهل بعد هذا من كفر صريح؟
كذلك الذهبي له مقال فيه مع قوله هذا.
فما ترى في هؤلاء الذين تغاضوا لابن أبي داود، أهم أعداء وشر الأعداء أم لا؟ وهل يقبلون على أهل البيت؟ حاشا الله.
قال الإمام محمد بن عبدالله: على أنّا نقول: إن حديث الطير برغم كل خصم أخرجه الترمذي، والحاكم وصححه، وقال: إنه يلزم البخاري ومسلماً إخراجه في صحيحيهما؛ لكثرة من رواه، فقد عدّ في المستدرك من وجوه التابعين نيفاً وثلاثين رجلاً كلهم رواه عن أنس، وجمع طرقه في غيره عن ستة وثمانين نفساً يروونه عن أنس؛ فهو متواتر قطعاً عن أنس.
وقد رواه المحاملي عن سفينة مولى رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، ورواه عبدالله، ورواه أمير المؤمنين في حديث المناشدة بمجمع من الصحابة فأقروا به، ورواه أيضاً غيره؛ وإذا كان أحب خلق الله إلى الله، فهو أحب خلق الله إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قطعاً؛ على أن في بعض طرقه قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((اللهم وإلي)).
ثم ساق كلام صاحب التحفة، وسأنقله منها؛ فإني أعدل كثيراً إلى الأصول التي يأخذون منها؛ لزيادة إفادة، لا تخفى على أرباب الرواية والدراية.
[أحاديث المحبة لعلي وتخريجها]
هذا، قال السيد العلامة محمد الأمير، في الرد على المعاند في خبر الطير: ولأنه علل عدم صحته بأمر قد ثبت، وهو أنه إذا كان أحب الخلق إلى الله كان أفضل الناس بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقد ثبت أنه أحب الخلق إلى الله من غير حديث الطير، كما أخرجه أبو الخير القزويني من حديث ابن عباس أن علياً (ع) دخل على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقام إليه وعانقه، وَقَبَّلَ بين عينيه، فقال له العباس: أتحب هذا يا رسول الله؟
قال: ((ياعم، والله، لله أشد حباً له مني)).
ذكره المحب الطبري.
قلت: وقد أورده الطبري في بحث آخر بلفظ: وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إذْ دخل علي بن أبي طالب، فسلم، فرد عليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ السلام،/363

وقام إليه وعانقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه.
فقال العباس: يا رسول الله، أتحب هذا؟
فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا عم، والله، لله أشد حباً له مني؛ إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا)).
أخرجه أبو الخير الحاكمي.
قلت: وإخراج الحاكمي له، وصاحب كنوز المطالب في بني أبي طالب، أفاده في الإقبال وشمس الدين صاحب المسوح فيما كتبه للإمام القاسم بن محمد (ع)، وهو في جواهر العقدين، قال: أخرجه أبو الخير الحاكمي في أربعينه، ورواه صاحب كنوز المطالب بزيادة.
وساق إلى قوله: فقال فيه رسول الله: ((ياعم، والله، لله أشد حباً له مني؛ إنه لم يكن نبي إلا ذريته الباقية بعده في صلبه، وإن ذريتي من بعدي في صلب هذا؛ إنه إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسماء أمهاتهم ستراً من الله عليهم، إلا هذا وذريته؛ فإنهم يُدعون بأسمائهم؛ لصحة ولادتهم)).
قال الأمير: في حديث خيبر الماضي ما يدل لذلك، فإنه ليس المراد من وصفه بحب الله إياه أدنى مراتبها، ولا أوسطها، بل أعلاها؛ لما علم ضرورة من أن الله يحب جماعة من الصحابة، غير علي (ع).
..إلى قوله: فلما علم أنه قد شاركهم في محبة الله لهم، وأنه رأس المتبعين لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علم أنه أراد أعلاهم محبة لله؛ ولهذا تطاول لها الصحابة، وامتدت إليها الأعناق، وأحب كل وترجى أن يخص بها.
ثم ساق في الاستدلال بأخبار أوردها الطبري في الذخائر، ونذكرها قريباً من رواية الفرائد؛ ولعمر الله، إن الأمر في ذلك لأبين من أن يحوج إلى بيان، أو يتكلف عليه إقامة برهان.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنها الأهواء عمّت فأعمتِ
فهل يصح من مؤمن بالله ورسوله أن يعارض ما علم من النصوص الضرورية، في الكتاب الكريم والسنة النبوية، بمثل ما رواه البخاري في صحيحه، بسنده إلى عمرو بن العاص وزير معاوية، وهو: أيّ الناس أحب إليك يا رسول الله؟
قال: (من النساء عائشة). /464

101 / 143
ع
En
A+
A-