وشريعة، لا يثبتان إلا من تلك الطرائق الشنيعة.
ولأجل هذا لم يوسع نطاق الرواية قدماء أئمة العترة (ع)، بل اقتصر كثير منهم على روايته عن أبيه عن جده.
نعم، وأما المقدمة الثانية: فعلى فرض حصول الظن بصدق من هذا حاله على بُعْدِه، فغير مسلّم وجوب قبوله؛ وهلم الدليل، وليس إليه من سبيل.
وقد مرّ الكلام على ذلك، وبسطت البحث فيه، في إيضاح الدلالة، وفي فصل الخطاب، وفي الحجج المنيرة، وفي التحف الفاطمية.
وسبق هذا النقض بفاسق التصريح وكافره، فإنه مجمع على ردهما، وإن فرض ظن صدقهما؛ وقد ضاق بذلك ذرعاً السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، وأجاب بما لا يخفى فساده، على ذي نظر سليم، وهو أقوى المنازعين باعاً، وأوسعهم اطلاعاً؛ وقد أقر هو بفسقهم على شدة محاماته، وكثرة تلوناته، كما قدمنا؛ حيث قال في العواصم:
فأما حرب علي (ع) فهو فسق بغير شك، وله الولاية العظمى، التي هي عمدة في الدين.
وقال أيضاً ما لفظه: مع القطع بأن الحق مع أمير المؤمنين (ع)، وأن محاربه باغ عليه، مباح الدم، خارج عن الطاعة والجماعة؛ وقد تقدم وسيأتي أن هذا إجماع الأمة، برواية أئمة السنة، دع عنك الشيعة...إلى آخره.
هذا، وأما الطائفة الثانية: فهم القائلون بأنهم اجتهدوا، فلا إثم عليهم، وإن حكموا بخطئهم وبغيهم.
وهذا قول النابتة الحشوية، الذين يسمون أنفسهم السنية، وإياهم عنى القائل:
قال النواصب: قد أخطا معاويةٌ .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: كذبتم فلم قال النبي لنا: .... في النار قاتل عمار وسالبهُ
وفيما بسطنا في الرد عليهم في أبحاث هذا الكتاب، من الآيات القرآنية، /442
والأخبار النبوية، التي أجمع على روايتها طوائف الأمة المحمدية ـ فيما سبق، وفيما يأتي ـ ما يقطع كل مخاصم عنيد، وينفع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولهم ترهات وروايات مفتريات، تفرد بها المبطلون، لا تقاوم عشر معشار ما يردها من القرآن والسنة الجامعة، التي أجمع على روايتها وتواترها الفريقان؛ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون؟
نعم، قال السيد صارم الدين (ع): وقد يُرَدّ بكون مساوئه أكثر من محاسنه، وإن اجتنب الكبائر.
قلت: لما تقرر في الأصول، من اختلال العدالة، بخصال الرذالة.
قال: وقد يرد بالبدعة الإمام الداعي، وهي إحداث ما لم يثبت بدليل عقلي أو شرعي.
قلت: المراد الإحداث في الدين. /443
الفصل الثامن [في تحقيق السنة والبدعة على ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة]
ضابط البدعة المحرمة: ما خالف الشريعة المطهرة.
وهي تقابل السنة التي هي: الطريقة المحمدية ـ صلوات الله وسلامه على صاحبها، وعلى آله الطاهرين ـ أعمّ من أن تثبت بدليل المعقول أو المنقول.
وقد قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله))، رواه جعفر الصادق عن آبائه، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((في كل خلف من أهل بيتي عدول، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من تفدون)).
قال الإمام شرف الدين (ع): وأقول: قد روى هذا أحمد بن حنبل، والحاكم صاحب المستدرك، وغيرهما، مما ذكر في مجمع الزوائد وغيره، وأخرجه الملا في سيرته بلفظه؛ أفاده الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع)؛ وقد سبقت رواية الإمام المنصور بالله (ع) في الديباجة، ورواية جواهر العقدين، قال فيها: وأخرجه أحمد في المناقب، انتهى.
وهو في أمالي الإمام أبي طالب (ع)، ورواه في نهج الرشاد علي بن الحسين /447
الشامي، بسنده إلى المحب أحمد بن عبدالله الطبري، بسنده إلى الملا، بسنده إلى عبدالله.
وروى بسنده إلى الحاكم أبي سعيد مثله.
هذا، وموضوع أمثال هذه الكلمات النبوية، واضح في العربية، فالمقدم الاشتغال بمعانيها الشرعية؛ وهي مما حرّفها المحرفون، ووضعها على غير ما عنى الله ـ تعالى ـ بها ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الواضعون؛ فمما وضعته الألسنة، في رسم السنة: ما حكاه عنهم صلاح الإسلام (ع) في شرح الهداية، وهو معلوم من أقوالهم لذوي الدراية.
قال: وذكروا في كتبهم أن من أصول السنة الإقرار بالقدرين، والصلاة خلف الإمامين، والركوب خلف الأميرين، والصلاة على الجنازتين، والمسح على الخفين، وتفضيل الشيخين.
قال: وذلك لأن العترة منعوا من الإقرار بالقدر، الذي هو الجبر على المعصية، وآمنوا بالقدر، الذي هو علم الله بما يكون قبل أن يكون، ومن الصلاة على الفاسق، ومن المسح على الخفين، ومن تفضيل الشيخين ـ أي على أمير المؤمنين ـ.
قال الإمام شرف الدين: ومن الركوب خلف الظالم؛ وانتهى ذلك إلى أن جعلوا بغض أهل البيت سنة.
قال: وجعلوا المخالف لما ابتدعوه، وصادموا فيه النصوص الشرعية واخترعوه، هو المبتدع، وجروا على ذلك، حتى كان منه قتل ولدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأولادهما، وأشياعهم وأتباعهم، ومع رواياتهم لمثل: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ للحسن والحسين: ((أنا سلم لمن سالمكما، حرب لمن حاربكما)) وأشباهه.
ومع ذلك لا يقطعون بفسق قاتليهم، بل يترضون عنهم ويوالونهم، ويوجبون أخذ الولاية منهم، والطاعة لهم، ويخطِّئون من أنكر عليهم مناكيرهم الظاهرة، وفواحشهم الشاهرة، ويقررون العمل على بدعهم الباطنة والظاهرة، الخارجة عن حدود الشريعة.
ولما أوقع الشيطان مراده من هؤلاء المخالفين، لم يزالوا يعالجون في إطفاء ما منح الله به أهل البيت، من إيداع نوره، الذي هو حجة الله على عباده فيهم، بعد أن كان ينقل في أصلاب الأنبياء /448
الطاهرين، حتى انتهى إلى خاتم النبيين ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ وصار إلى سيدة نساء العالمين، بإجماع العلماء المخالفين والموالفين، واستقر في جماعة أهل الحل والعقد من أبنائها الطاهرين؛ لما سبق من الأدلة، مما رواه الموالف والمخالف.
فأجمع أعداؤهم على نسبة البدعة إليهم، والترضية على معاوية، وأضرابه، الذين هم أصل عداواتهم؛ وأرادوا الإهانة لهم، والإطفاء لنورهم، الذي أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، انتهى المراد.
وقد سبق ما فيه كفاية، لأرباب الهداية.
[تشنيع الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير على مذاهب السنية]
ولقد قام السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في هذا المقام، بواجب الإنكار، في تسميتهم لبدعة الجبر سنة، حيث قال في الإيثار، ما لفظه: وتسموا بالسنية، واتسموا بحماتها من أهل البدعة؛ فسلموا لأعداء الإسلام نسبة كل قبيح مذموم إلى الله ـ تعالى ـ وأنه منه لا من غيره، وأن ذلك وجميع أفعاله صدرت منه لغير حكمة، ولا عاقبة حميدة، وأنه لا يعاقب العصاة لأجل المعصية، ولا يثيب المحسنين لأجل الإحسان؛ بل تصدر أفعاله عنه، كما تصدر المعلولات عن عللها الموجبة لها، والاتفاقيات الاختياريات من الصبيان والمجانين؛ وأنه قد وقع منه تكليف المحال، وأنه ليس هو أولى به من تكليف الممكن، وأمثال هذا، مما لم تكن الملاحدة تطمع أن يمضي لهم طرفة عين.
فقد صار ذلك من آكد عقائد هؤلاء الحماة عن السنة والإسلام، يوصون به في المختصرات عموم المسلمين، فيوهمون أن ذلك من أركان الإسلام؛ فلولا أن هذا قد وقع منهم، ما كان العاقل يصدق بوقوعه ممن هو دونهم؛ فنسأل الله تعالى العافية، انتهى.
وإنما سقت كلامه؛ لكونه من أعظم من يذب عنهم، ويتمحل لهم، ولكنه غلبه الحق، فصرح بالواقع، واتسع الخرق على الراقع.
وللإمام الشهير، المنصور بالله الأخير، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، كلام في هذا المقام، جار على منهج الصواب، وسبيل السنة والكتاب؛ وقد سبق ما فيه ذكرى لأولي الألباب. /449
قال: ونقول: إن الأهم المقدم، معرفة ما هو سنة نبوية دل عليها محكم الكتاب، ومعلوم السنة الجامعة غير المفرقة، حتى يمكن معرفة البدعة؛ كما قال باب مدينة العلم (ع): إن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال يعرفون بالحق، فاعرف الحق تعرف أهله...إلخ.
هذا، وقد ذكر نجم الآل، القاسم بن إبراهيم (ع) أن الواجب معرفة الحق...إلخ.
وهذا هو المعلوم من معالم الدين ضرورة؛ إذ لو كان الحق يعرف بالرجال، لأدى إلى مفاسد جمة، وظلمات مدلهمة، وكل يدعي الحق، ولتناقض جوهر الدين الذي لا ينقسم، وتنافى معناه فلم يلتئم؛ وذلك محال شرعاً وعقلاً.
ألا ترى أن كل فرقة من فرق الإسلام، قد ادعت أن مسألة كذا سنة وخلافها بدعة، وتعكس الفرقة الأخرى كذلك، ثم هلم جرا!!
ولا يقال: إن من هذا ما هو من الظنيات، والاختلاف ظاهر؛ لأنا نقول: إن محل النزاع في نفس مسألة قيل: إنها سنة، وإنها بدعة؛ ومعرفة الحق الذي هو سنة حقاً، متوقفة على الدليل، المفيد أن هذا الأمر حق، لا أنه يعرف بالرجال.
...إلى قوله: إذ الدين أمر شرعي، فلا بد فيه من دليل شرعي، أن هذا هو الحق، لا مجرد خصوصية تلك الفرقة، على فرض أنها هي المختصة بالفن دون غيرها؛ بخلاف ما كان من غير الدين والتدين، كمثل: الرجوع إلى أهل المهن في مهنهم، لا كمثل: ما يتطرق إليه التنافس والدغل والأهواء، والميل معها، كمثل: الميل إلى العقائد والمذاهب والدواعي إليها، ورمي المخالف لها وله بما تهواه النفوس، من غمط الحق والتحامل.
...إلى قوله: إذا عرفت هذا، ظهر لك أن مثل من تعلق بفنون اللغة العربية، التي من جملتها: علم القرآن، والحروف، قد مشوا على نمط واحد، ووتيرة واحدة، في فنونهم تلك، ولا تجد بينهم خلافاً ضائراً، مع كونهم من كل فرق الإسلام؛ وذلك لأن فنونهم لا دخل لها في التدين، ولا ثمة ما يوجب الملاحظة، وقصارى عملهم حفظ جوهر اللغة، وما يلحق ذلك من هيآتها، نحواً وتصريفاً، وبياناً ومعنى. /450
قال: وحينئذ لابد من معرفة السنة، ما هي، والبدعة، ما هي؛ ثم الحكم بأنها سنة وخلافها بدعة؛ مثل: مسألة الجبر، وما يلحق به، والإرجاء الذي يسمونه رجاء، تقولاً على اللغة؛ وكذا النصب والرفض، وما يلحق بهما، ومثل: الأذان بحي على خير العمل، والتثويب، وأمثال ذلك من مسائل الأصول والفروع؛ لا كون القائل بأي مسألة من الظنيات آثماً، أو غير آثم؛ إنما المراد الحكم بأن هذه المسألة سنة وخلافها بدعة، لا فيما يلزم القائل بها، أو ما يلزم له؛ فتأمل تصب.
...إلى قوله: وأيضاً، فإنهم ـ أعني أهل السنة ـ بزعمهم قد اضطربوا اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة، فيما بينهم؛ لاختلافهم، إما للنفاسة والرئاسة، أو العقيدة؛ فترى من يقول منهم في رجل: إنه أمير المؤمنين في الحديث؛ وهو بعينه عند آخرين أكذب الكاذبين، وتتنوع لهم فيه النعوت والأوصاف، بالمدح والذم وعدم الائتلاف.
وهذا معلوم لمن نظر في كتبهم، في الجرح والتعديل.
[كلام المقبلي وصارم الدين في انحراف وتحامل المحدثين]
قال: وقد ذكر المقبلي في كل كتبه أن هذا صنيع أهل الحديث، وأنه لا ينبغي تقليدهم، ولا الاعتماد على أقاويلهم؛ وإنما يكون ذلك كالأمارة، فخذ ودع.
وتراهم يرمون غيرهم بالحجر والمدر، كأنهم الدراري والغرر.
وكما هو صنيعهم في أهل علم الكلام، من أنه بدعة أضرت بالأنام، ومخالف للسلف والصحابة الأعلام، وتجاهلوا ـ أو جهلوا ـ أن من هو باب مدينة العلم من يدور معه الحق حيثما دار، قد خاض في الأسماء والصفات، وفتح أبواب تلك المقفلات، وقد ملأت البسيطة أقواله وخطبه وكلامه؛ فهل بعده على من اهتدى بهديه من ملامة؟
غير أنه قد حصل من بعض المتكلمين من الغلو والتنافس، مثل ما قدمنا في أهل الحديث.
[الكلام على حقيقة التشيع والشيعي عند المحدثين]
وقال: أو لم يقرروا أن كل من تولى علياً، وأهل بيته ـ سلام الله عليهم ـ من دون تقديم على أبي بكر، وعمر ـ شيعي؛ وكل شيعي موصوم مذموم؛ ولهذا يقدحون في الحاكم، والنسائي، والشافعي، وأمثالهم. /451
قلت: المروي عن يحيى بن معين أنه قال: طالعت كتاب الشافعي في السير، فوجدته لم يذكر إلا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ.
فاستشهد بذلك أن الشافعي رافضي ـ صانه الله تعالى ـ وقد رواه عنه الإمام (ع) بصيغة الجزم.
وروى الإمام القاسم بن محمد (ع) عن السبكي في طبقاته، عن يحيى بن معين أنه قال: الشافعي ليس بثقة لما كان يتشيع، انتهى.
قال: وأما من قدم علياً (ع) في الإمامة والفضل فهو غال، ويطلق عليه رافضي.
وكذا من قدمه على عثمان، أو قدح في مثل معاوية وأتباعه، أو في بغاة الصحابة، أو ذكر أدنى وصمة، في أي صحابي، كما نقلنا عن ابن حجر في الفتح، والذهبي، وحكاه السيد محمد الأمير، والسيد حسن بن إسحاق ـ رحمه الله ـ، وكل ذلك ظاهر في كتبهم؛ وكيف، وابن العربي شارح الأحوذي قد قال: إن ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قتل علياً باجتهاده بالإجماع...إلخ؟
وقال: إن الحسين بن علي (ع) قُتِلَ بسيف جده.
وكما في منهاج السنة لابن تيمية، فقد بالغ وأبلغ في تنقيص أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وكذا الزيدية.
...إلى قوله: وابن حجر قال في صواعقه التي هوت به في النار: إن معاوية باغ على علي، ثم على الحسن (ع)، حتى نزل الحسن عن الخلافة؛ ولكنه غير آثم، بل مأجور؛ لأنه فعل باجتهاده...إلخ.
وقال: إن معاوية، وعمرو بن العاص مجتهدان أخطآ.
وكم نعد من كلماتهم؟
والكل من أقوال هؤلاء هو مذهب الحشوية النابتة، والجبرية القدرية.
قال: ولم تقع متابعة الهوى إلا في أيام الصحابة وتابعيهم، وأيام بني أمية؛ وقد نبه القرآن في غير ما آية كريمة مثل: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الجاثية:17]، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا } [آل عمران:105]، وما ورد في النهي عن التفرق؛ ومعلوم وقوع ذلك /452
بين هذه الأمة كما في الأمم السابقة.
قال: ومعترك الأهوية، وظهور الضغائن ومتابعة الدنيا، ومتابعة ملوك بني أمية، إنما وقع في المتقدمين؛ فكم شاحح ولاحظ معاوية ومن بعده فيما يقدح به في أمير المؤمنين، وأهل بيته (ع)، وما يرفع به جانب عثمان خصوصاً، ثم أصحابه عموماً.
...إلى قوله: ثم انتقلت تلك الأحاديث إلى الديانين غالباً؛ وقد تمكنت الشبهة والجفوة للآل الأكرمين.
ثم نقل كلاماً لابن حجر العسقلاني في الجرح والتعديل مستشهداً به، وفيه: والآفة تدخل في هذا الفن تارة من الهوى، والغرض الفاسد، وكلام الثقة غير سالم من هذا غالباً، وتارة من المخالفة في العقائد، وهو موجود كثيراً قديماً وحديثاً؛ ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك.
ثم ساق مصطلحهم المتقدّم في التشيع، وأورد كلام السيد العلامة الحسن بن أحمد بن إسحاق في الرد على ابن تيمية، ومنه قوله: وهو أنهم جعلوا التشيع رأس كل بدعة في الدين، ثم قسموا الشيعة إلى فرق متعددة، حتى عدوا منهم فرقاً كفرية، بل صرّح الذهبي في بعض كتبه أن من يتولى علياً (ع) ويحبه، وأهل بيته، فهو شيعي؛ وكذا صرح شيخه مؤلف هذا الكتاب، فجعلوا مجرد توليهم، ومحبتهم بدعة، مع اتفاق الأمة على موالاة كل مؤمن.
قال الإمام محمد (ع): وهذا هو ما ذكره ابن الأثير في نهايته؛ لأنه قال ما نصه: وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً ـ رضي الله عنه ـ، وأهل بيته، حتى صار لهم اسماً خاصاً؛ قال: وأصلها من المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة، انتهى.
قال: فقد تواصى الحشوية بهذا أولهم وآخرهم، وكل من يتولى علياً وأهل بيته، فإنه عدوّهم؛ لأن الله ـ تعالى ـ قابل التشيع بالعداوة في قصة موسى (ع): {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى /453
الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15]، وقال تعالى في قصة نوح: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)} [الصافات].
ثم ساق الإمام من كلامه (ع) إلى قول الإمام: فهذا حاصل مذهبهم، وخلاصة معتقدهم؛ فكيف تقبل رواياتهم على أهل البيت وهم أعداؤهم؟
وقد جعلوا مجرد التشيع وصمة ينزهون كبارهم عنها؛ وذلك إنما هو مجرد حب علي من دون تقديمه أو تفضيله، أو من يقدح فيمن حاربه وعاداه، وهم يروون الذي في كتبهم: ((لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق))، وأن حبه علامة الإيمان، وبغضه علامة النفاق؛ وغير ذلك من أحاديثهم.
وهذا المعنى وغيره مما حكموا به، متواتر، أو صحيح، أو حسن؛ دع ما لم يصححوه.
وقد جعلوا تقديمه أو تفضيله على المشائخ رفضاً وغلواً، فيكون كل أهل البيت روافض، ويلزم في النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وحاشا مقامه، ومقام إلهه العزيز الكريم؛ لأنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هو الذي قدمه وقربه وفضله.
...إلى قوله: ورووا فضائله، التي توجب عليهم تفضيله وتقديمه، ورووا أنه أمر علياً (ع) بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وحديث عمار ـ رضي الله عنه ـ وأجمعوا على تواتره، بل إنه معلوم ضرورة، وفيه أن معاوية، وأتباعه الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؛ وحديث الغدير وفيه: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وحديث المحاربة، وأمثال ذلك؛ فأنى تؤفكون؟
ولا عجب، فقد أصيبوا بـ((اخذل من خذله)).
وساق كلاماً قد سبق في صدر الكتاب.
[ذكر جماعة من النواصب اعتمدهم البخاري]
قال (ع): وقد رأيت أن أنقل هنا ما أورده الإمام القاسم بن محمد (ع) في بحث ما روي عن الإمام الهادي (ع) في البخاري، ومسلم، وقد ذكر أنهم عمموا تعديل الصحابة، ورووا عن بغاتهم وأمثالهم، ممن اشتهر وظهر عنه بغض /454