الوجه الثاني: إن كل وجه يقع عليه الشيء بالفاعل فإنه يتبع حال الحدوث. دليله: كون الكلام أمراً ونهياً وخبراً وكون الفعل طاعة أو معصية، وكونه ظلماً أو عبثاً أو كذباً أو نحو ذلك من وجوه الأفعال، فلو كان الجسم مجتمعاً بالفاعل لما صح اجتماعه حال البقاء كما لا يصح حال العدم لاشتراك الحالين في فقد الحدوث.واعترضه ابن الملاحمي بأن قال: ما أنكرتم أن وجوه الأفعال تنقسم إلى ما هو كيفية في الحدوث ككون الكلام خبراً، فلا يصح إلا في حال الحدوث إلى ما لا يكون كذلك نحو كونه كائناً فيصح حال البقاء.
ويمكن الجواب بأن يقال أول ما في هذا أن هذه الوجوه ليست كيفية في الحدوث؛ لأن الحدوث كيفية في الوجود، فكيف تكون للكيفية كيفية، ولأن الكيفية لا تفارق ما هي كيفية فيه، فلو كان كون الصوت خبراً كيفية فيه لما صح وجوده إلا خبراً ومعلوم أنه يصح أن يوجد ولا يكون كلاماً فضلاً عن أن يكون خبراً، وكذلك سائرها.
وبعد، فهب أنها كيفيات في الحدوث، فنحن ألزمنا ككون الاجتماع مثل هذه الأشياء في كونه كيفية في الحدوث، وأنت فرقت بنفس المذهب.

الوجه الثالث: لو قدر أحدنا على أن يجعل الجسم مجتمعاً من دون معنى لقدر على سائر صفاته التي بالفاعلين من نحو كونه أسود، وخلواً على مذهب الخصم قياساً على الكلام، فإنه لما قدر على جعله خبراً قدر على سائر وجوهه وكسائر الأفعال، فإنه لما قدر على جعلها طاعة قدر على سائر وجوهها، ولا علة لقدرته على كل الوجوه إلاَّ قدرته على وجه منها لدوران الحكم بدوران هذه العلة ثبوتاً وانتفاء، ألا ترى أنه لما لم يقدر على وجه من وجوه أفعال الغير لم يقدر على جميعها، ولا يلزمنا مثله في القدرة على بعض الذوات دون بعض؛ لأن الذوات مستقلة بنفسها؛ ولأنا نعلم بالاضطرار الفرق بين ما يتعلق بنا من الذوات وما لا يتعلق بخلاف وجوه الأفعال، فإنا وجدنا القدرة على بعضها تلازم القدرة على البعض الآخر، ووجدنا المتعلق بنا هي وجوه أفعالنا، فإما أن يتصرف في أفعال غيرنا فيجعلها على وجوه فلا، خاصه حال البقاء.
الوجه الرابع: أن الكائنية يصح فيها التزايد، والتي بالفاعل لا يصح فيها التزايد، إما أن الكائنية يصح فيها التزايد فلأن القوي إذا سكن الساكن /55/ يعذر على الضعيف نقله، وإذا لم يسكنه لم يتعذر، فلو لا تزايد الصفة لم يفترق الحال.
واعترضه الشيخ محمود بأن التزايد هو في كثرة المدافعة التي تفعلها القوي لا في الكائنية؛ لأن المرجع بالكائنية إلى شغل الجهة وهو لا يعقل فيه التزايد.
ويمكن الجواب إما قوله يرجع إلى كثرة المدافعة فباطل؛ لأن كثرة المدافعة تحتاج إلى كثرة الجهات، فلا يعقل كثرة المدافعة في الجهة الواحدة، ونحن فرضنا الكلام في تسكين الساكن.
وبعد فيقال له إن أردت بالمدافعة معنى هو الاعتماد فقد أفردت بالمعاني، وقلنا لك الاعتماد عندنا يولد السكون، وإن أردت بالمدافعة صفة يثبت بالفاعل كان الكلام في تزايدها كالكلام في مسلمتنا.

وأما أن الصفة أن الصفة بالفاعل لا تصح فيها التزايد فدليله صفة الوجود التابعة له فإن تعذر الزائد فيها معلوم، ولا وجه له إلا كونها بالفاعل.
وأيضاً فالفاعل مؤثر فلا يتعدى تأثيره الصفة الواحدة كالعلة إذ لو تعدى في الموضعين لتعدي ولا خاص، وليس له أن يفرق بان الفاعل يؤثر على جهة الاختيار؛ لأنا ألزمناه التعدي ولا حاضر، فكان يصح أن يوجد أحدنا من الكائنيات ما يحرك به الجبل العظيم بأن يختار ذلك، هذا ما ذكره أصحابنا.
وله أن يقول إنما يصح أن يوجد من ذلك القدر الذي جعل له قدرة عليه كما يقولونه أنتم في الأكوان الموجبة للصفات.
الوجه الخامس: أنه يتعذر على أحدنا حمل الثقيل دون الخفيف، فلولا أن أحدنا يحتاج في ذلك إلى زيادة قدر يفعل بها أكواناً واعتمادات لما صح الفرق لحصول كونه قادراً واحتمال المحل في الموضعين.
واعترضه ابن الملاحمي بأن الفرق هو أن الجسم متى كان ثقيلاً فلا بد أن يكون محركة حضيف الجسم صليباً ليقع التقابل من خصافة جسمه وبين الثقيل ليمكنه أن يفعل من الجذب ما يقابل ثقله والحصافة مما يقبل التزايد.
ويمكن الجواب بأنه لا بد أن يرجع بالخضافة إلى معنى هو التأليث وفي ذلك إقرار ثبوت المعاني وتزائدها.
وبعد فالصلابة تحصل في الجماد، فكان يلزم إذا أحد الضعيف عوداً صليباً أن يمكنه أن يحرك به الثقيل.
وبعد فقوله ليتمكن من أن يفعل من الحدث ما يقابل به ثقله إقرار بإثبات الحدث الذي نسميه نحن الاعتماد وهذا يوافق ما قلناه، لكن عندنا أن الاعتماد يولد الأكوان.
فصل
وأما الدعوى الثانية وهي أن الأعراض محدثة فقد خالف في ذلك فرقة من الفلاسفة زعموا أنها قديمة، ولكنها تكمن وتظهر.

لنا أنه يجوز عليها العدم والبطلان والقديم لا يجوز عليه العدم /56/ وهذان أصلان أما أنه يجوز عليها العدم، فقد ادعى فيه كثير من الناس الضرورة والمستدل يقول ما من متحرك إلا ويجوز أن يسكن وما من مجتمع إلا ويجوز افتراقه، وذلك ضروري في ما يشاهده للتحيز وهو حاصل في ما غاب عنا إذا ثبت ذلك، وفرضناه افتراقاً بعد اجتماع لم يخل ذلك الاجتماع، إما أن يكون باقياً أو منتقلاً أو معدوماً، والأول باطل لتأديته إلى أن يكون الجسم مجتمعا مفترقاً دفعة واحدة، فإن قال إنما يكون مفترقاً فقط لأن الافتراق هو الطاري فله خط الطرو فيكون الموجب والاجتماع يكمن.
قلنا: إنما يكون الشيء طارياً إذا كان له حالة حدوث يكون فيها أولى بالوقوع والإيجاب من حيث هي حالة وجوب وقوعه من فاعله والاقتراف عندكم باق بل قديم فلا معنى للطرو فيه، وإن سلمنا أنه طار فإنما يكون طارياً في حالة واحدة، ففي الثانية تعود الإلزام أو العدم.
وأما الكمون والظهور فإنما يعقل في الأجسام على أنه ليس أحدهما بالكمون أولى من الأخير.
وبعد: فالعلة إنما توجب لما هي عليه في ذاتها، وهو حاصل في جميع الحالات، فلا يصح أن يوجد ولا يوجب بأن تكمن.
وبعد، فلو جوزنا وجودها غير موجبة لما كان إلى وجودها طريق ولا الفصل من عدمها.

والثاني باطل؛ لأنه إن أريد بالانتقال ما هو المعقول من أنه تفريغ جهة وشغل أخرى فهو إنما يثبت في المتحيزات، ومنه يتميز عن غيرها، والإعراض ليس بمتحيز، وإلا لم يصح اجتماع الأعراض الكثيرة في المحل الواحد، ولما كانت بأن تحل في الأجسام أولى من أن تحل فيها الأجسام، ولكان يجب أن يمتلي الزق إذا أدخل أحدنا يده فيه فحركها، وكان يجب أن يتكاثف وتعظم. وإن أريد بالانتقال أن يحل محلاً غير محلها الأول فهو لا يصح؛ لأن حلول العرض في المحل المعين كيفية في وجوده وكيفية الوجود لا تفارقه؛ ولأن ما يحل محلاً لو جاز حلوله في غيره لم يكن ليحل في أحد هذين الجائزين دون الآخر إلا لمخصص من فاعل أو علة.
ولا يصح أن يكون الفاعل وإلا صح أن يجعله حالاً فيهما وأن يجعله غير حال أصلاً. على أنه يحصل منه غرضنا لأن حلول العرض إذا كان بالفاعل فوجوده بالفاعل لما سلف من أنه لا يجعل الذات على صفة إلا من يوجد تلك الذات، ولا يجوز أن يكون بالمعنى لأن المعنى لا يختص المعنى، ولأن الكلام في ذلك المعنى كالكلام في هذا، ولأنه ليس بأن يوجب حلوله في محل أولى من غيره /57/، وإن أريد بالانتقال أن يوجد لا في محل بعد أن كان في محل لم يصح لما تقدم من أن من أن الحلول وعدمه كيفية في الوجود، فما يحل يستحيل أن لا يحل، وما لا يحل يستحيل أن يحل، إذ لو جاز عليه الأمران لافتقر في ثبوت أحدهما إلى مخصص كما تقدم.
وعلى الجملة فإما أن يكون الانتقال على سبيل الجواز أو الوجوب وكلاهما باطل.
وأما الأصل الثاني وهو أن القديم لا يجوز عليه العدم، فلوجوه:
الأول: إن جواز العدم ينافي وجوب الوجود، ويقتضي أن الوجود والعدم على سواء في الجواز، وإذا كان كذلك لم يكن الوجود أولى من العدم إلا لمخصص من فاعل أو علة وكلاهما باطل كما سيأتي، ولأن ذلك يقتضي أن يكون له حالة عدم ليصح أن يؤثر فيه مؤثر، وذلك يبطل قدمه.

الوجه الثاني: أن القديم باق لأنه قد وجد أكثر من وقت، والباقي لا ينتفي إلا بضد أو ما يجري مجراه؛ لأنه إذا انتفى مع جواز أن يبقى لم يكن بد من أمر ولا اختيار للفاعل في ذلك، والقديم لا ضد له ولا ما يجري مجراه؛ لأنه لو كان له ضد وقد ثبت أن القدم صفة مقتضاه لوجب أن يكون مقتضاه ذلك الضد بالعكس منها؛ لأن التضاد من أحكام الصفة المقتضاة، فيجب إذا كان القديم موجوداً لما هو عليه في ذاته أن يكون هذا الضد معدوماً لما هو عليه في ذاته، وفي ذلك بطلان تأثيره في نفي القديم.
وأما ما يجري مجرى الضد فلأن القديم لا يحتاج في وجوده إلى شيء، ولذلك الشيء ضد ينفيه حتى يكون منافاته لما يحتاج إليه القديم يجري مجرى منافاته للقديم.
الوجه الثالث: إن القديم قديم لذاته وخروج الموصوف عن صفة ذاته لا يجوز، وهذان أصلان.
أما أنه قديم لذاته فلأنه لو لم يكن قديماً لذاته لكان قديماً لغيره، وذلك الغير إما الفاعل أو العلة، والعلة إما معدومة أو موجودة، والموجودة إما قديمة أو محدثة.

لا يجوز أن يكون قديماً بالفاعل؛ لأن من حق الفاعل أن يتقدم بها على فعله، ولا حالة قبل القديم يتقدم فيها الفاعل، ولأن الفاعل لا يقدر على صفة للذات إلاَّ إذا كان قادراً على تلك الذات، ولأن الفاعل إن كان قديماً نقلنا الكلام إليه، وإن كان محدثاً لزم تقدم فعله عليه، ولا يجوز أن يكون قديماً لعلة معدومة؛ لأن المعدوم لا يختص، فلا يوجب ولأنها مع الاشياء على سواء، ولأنها ثابتة في الأزل، فيجب ثبوت معلولها لم يزل وفي ذلك استغناؤه عنها لوجوبه فلا ينفي إلى ثبوتها طريق، ولا يجوز أن يكون قديماً لعله قديمة لأن الكلام في قدمها كالكلام في قدمه ولأنه ليس أحدهما بأن يوجب للآخر أولى من العكس لاستوائهما في القدم ولأنها ثابتة في الأزل، وفي ذلك وجوب معلولها واستغناؤه عنها، وزوال الطريق إليها /58/ ولا يجوز أن يكون قديماً لعلة محدثة؛ لأن كونه قديماً سابق عليها فيستغني عنها نفي أن يكون قديماً لذاته، وأما أن خروج الموصوف عن صفة ذاته لا يجوز فلأن بصفته الذاتية تكون ذاتاً، ويدخل في صحة كونه معلوماً، وخروجه عن كونه ذاتاً محال، ولأنها ثابتة لا لأمر يخصها بحال دون حال، ولأن صفة الذات كمعلول العلة، فكما لا يزايلها معلولها كذلك لا يزايل الذات صفتها، والجامع عدم افتقارهما إلى غيرهما وتحقيق هذه الجملة أنه لو خرج عن صفة ذاته لم يخلو إما أن يخرج منها إلى غيرها أم لا باطل أن يخرج عنها لا إلى غيرها لأن في ذلك خروجه عن صحة كونه معلوماً وباطل أن يخرج عنها إلى صفة ذاتية أخرى؛ لأن تلك الصفة التي خرج إليها إما أن يختص به بعد خروجه عن هذه فيؤدي إلى اجتماع صفتين ذاتيتين، وإما أن يختص به بعد خروجه عن هذه فيؤدي إلى تجدد الصفة الذاتية وحصولها بعد إن لم تكن، وذلك يبطل كونها ذاتية. إذا ثبت هذا أمكنك استخراج دليل آخر على حدوث الأعراض فنقول: لو كانت قديمة لتماثلت لاشتراكها في صفة ذاتية، وهي القدم، ومتى اختلفت فإنما يختلف لصفة

أخرى ذاتية، وذلك يقتضي كونها متماثلة مختلفة، فيلزم إذا طرى عليها الضد أن ينفيها من حيث هي متماثلة، ولا ينفيها من حيث هي مختلفة، فتكون موجودة معدومة.
فصل
وأما الدعوى الثالة، وهي أن الأجسام لم تخل من الأعراض المحدثة، وتزيد الأكوان فقط؛ لأن ما عداها ضربان، ضرب غير باق، فيجوز خلو الجسم عنه بكل حال، وضرب باق فيجوز خلو الجسم عنه قبل وجوده، فإن وجد لم يجز خلوه عنه لا لأمر يرجع إلى الجسم بل لأنه باق والباقي لا ينتفي إلا بضد أو ما يجري مجراه، وذلك الضد من نوعه، وإنما الذي لا يخلو عنه الجسم هو الكون، ثم إذا حققنا فالذي لا يخلو عنه الجسم هو الكون المطلق الحاصل حال حدوثه، وما عداه فقد يقدم الجسم عليه، وإن أمكن الاستدلال به على حدوث الجسم لأن الجسم لم يسبقه إلا بوقت واحد، وقد خالف فيه فرقة من الفلاسفة زعموا أن هتولاه قديمة كانت خالية عن العرض حتى خلتها الصورة، ويريدون الهيولا أصل الشيء المتنزل منه منزلة الطير من اللبن، وبالصورة ما يحصل من التركيب المتنزل منزلة الربيع عنه.

لنا أن الجسم لا يحصل إلا في محاذاة بالضرورة في ما يشاهده ويجامع التحيز في ما غاب عنا، ولسنا نعني بالكون أكثر من حصوله في الجهة ،و لكن التسمية بغير عليه فيسمى سكوناً إن لبث به الجسم أكثر من وقت واحد /59/ وحركه إذا انتقل به(1) واجتماعاً إذا وجد مع الجوهر غيره، وكان بالقرب منه وافتراقاً إذا كان ذلك الغير بالبعد منه، ويسمى مطلقاً، وهو ضربان: مطلق بالنسبة إلى الحركة والسكون، وهو حاصل حال الحدوث، فإنَّه من جنسهما، وليس يسمى حركة ولا سكوناً، وسواء وجد اجتماع أو افتراق أم لا وجد اجتماع أو افتراق أم لا. ومطلق بالنسبة إلى الاجتماع والافتراق، وهو الحاصل في الجوهر الفرد، إذا لم يوجد غيره، فإنَّه يكون من جنس الاجتماع والافتراق، ولا يسمى اجتماعاً ولا افتراقاً، وسواء حصل حال الحدوث أو حال البداء فإنَّه مطلق حتى يوصل جوهر آخر، وحينئذ يسمى اجتماعاً إن وجد ذلك الآخر بالقرب، وافتراقاً إن وجد بالبعد، دليل لو جاز خلوه عن الأكوان في ما مضى من الزمان لجاز الآن؛ لأنه لم يتغير عليه إلاَّ مرور الزمان، وذلك لا يؤثر في ما يجب للجسم أو يجوز أو يستحيل، وجواز خلوه عنها الآن مستحيل، فإن العقلاء يكذبون من أخبر بوجود جسم ليس بمحترك ولا ساكن، أو جسمين لا مجتمعين ولا مفترقين.
دليل: قال أبو الهذيل لعبض أهل الهيولا إذا كانت الأجسام خالية من قبل عن الأعراض فأي الأعراض سبق إليها، هل الحركة، فكيف يحترك ما لم يكن ساكناً أو السكون، فكيف يسكن ما لم يكن محتركاً، (فكيف زائد يحترك ما لم يكن ساكناً، أو السكون، فكيف يسكن ما لم يكن محتركاً)، وقال له فإنها السابق إليه عندكم، قال: الكون المطلق، وهو إنما يتأتى مع الإقرار بالحدوث.
__________
(1) . في نسخة: عنه.

واعلم أن هذا الدليل مبني على أن التحيز ليس بمحدود، وسيتضح، وقولهم: بالهيولا والصورة باطل؛ لأنهما غير معقولين، ولا طريق إليهما، ولأنهما إذا كانا قديمين غير متحيزين لم يكن أحدهما بأن يكون هيولاً والآخر صورة، ولا بأن يكون حالاً، والآخر محلاً أولى من العكس، لاشتراكهما في القدم، ولأنهما حاصلين في جهتين، وذلك مترتب على الكون، ولأنهما إما ان يكون بينهما بون فهو الافتراق أو لا يكون، فهو الاجتماع، ولأن من أصولهم أن الجزء يتجزأ فلا يستقيم قولهم جوهران بسيطان؛ لأنهم يريدون بالبسيط الفرد، ومع تجزي الجزء لا يصح الافراد، ولا يكون بد من اجتماع فيه.
فصل
وأما الدعوى الرابعة وهي إنما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث مثله، فالخلاف فيها من ثلاثة جهات:
الجهة الأولى: ذهب أبو الحسين إلى أن الرابعة هي الثالثة، وليست غيراً لها.
قال: لأن العلم بأنه لم يسبق المحدث، هو العلم بأن لوجوده أول، وذلك هو معنى الحدوث، وليست الأدلة تنصب لأجل التسمية، فيستدل في الرابعة على أن الجسم يسمى محدثاً، قال: ومثله الاستدلال بأن لأحد التؤمين /60/ عشر سنين على أن للآخر كذلك، والاستدلال عل أن هذا الكتب بسم ـ باء وسين وميم ـ والاستدلال على أن الإنسان حيوان، بأنه جسم حساس منتصب، وعلى أن هذا المكان سوق بأنه مكان مؤهل لاجتماع الناس للبيع والشراء، كل هذه الاستدلالات بالشيء على نفسه، وهذا قوي كما ترى.
الجهة الثانية: قال أنور سيد العلم بالرابعة ضروري مطلقاً، فلا يعد دعوى، وقال القاضي: إذا كانت الذات معينة والحادث معين فالعلم بحدثوها ضروري وإلا فمكتسب.

9 / 75
ع
En
A+
A-