دليل قد ثبت أن القادر يقصد إلى الجوهر دون السواد مثلاً، فلو لم يكونا ذاتين لما صح منه القصد إلى أحدهما دون الآخر.
يوضحه: أنه قد وقع الاتفاق على صحة إعدام المكلفين وعلى صحة إعادتهم، فنقول: أخبرونا هل المعاد هو الأجزاء التي أطاعت وعصت بعينها أم غيرها، والثاني باطل؛ لأنه كيف يثاب ويعاقب من لم يطع ولم يعص.
وإن قالوا: هي بعينها. قيل لهم: وهل هي متعينة في حالة العدم ليصح القصد إلى اتحادها بعينها، فهو الذي يقول أوليست بمتعينة، فبماذا نعلم أنها هي بعينها وكيف يصح القصد إليها.
دليل: يقول أهل اللغة: علمت شيئاً موجوداً أو علمت شيئاً معدوماً، فلو لم يكن المعدوم شيئاً لكان الأول تكراراً، والثاني بعضاً، وقال تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً} و: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه}، {والله على كل شيء قدير}، ونحو ذلك.
واعترض بأن المراد بالشيء في هذه المواضع اللغوي لا الشيء الاصطلاحي المتعين في نفسه.
والجواب أنا لا نسلم ذلك، فإن الإشارة /48/ في قوله تعالى: {إني فاعل ذلك غداً} ظاهرها الرجوع إلى شيء معين في نفسه، وهو الجواب على اليهود السائلين عن قصة أهل الكهف وذي القرنين، وكذلك قوله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه} يقتضي ظاهرها الانصراف إلى أمر معين يريده الله تعالى، وكذلك قولهم: علمت شيئاً معدوماً.
فصل
إذا ثبت أن المعدوم شيء، فكل ما كان من الألفاظ لا يفيد الرجوع لفظاً ولا معنى جاز إطلاقه عليه في حال العدم كقولنا: جوهر ولون ونحو ذلك من الأسماء التي لا تفيد إلا إبانة نوع من نوع؛ لأن قولنا جوهر لا يفيد إلا أنه شيء يتحيز عند الوجود بخلاف قولنا جسم، لأن الجسم لا بد فيه من تأليف مخصوص، وكذلك قولنا محدث وباق وشخص ونحو ذلك.

الكلام في التوحيد
التوحيد في اللغة: قال أصحابنا عبارة عما به يصير الشيء واحداً، يقال وحد الشجرة إذا قطع أغصانها وأبقى أصلها، وهو التسويد والتحريك والتسكين، فإنه عبارة عما به يصير الشيء أسود ومحتركاً وساكناً.
والأولى أن يقال: هو فعل ما به يصير الشيء واحداً، وذلك لأن الذي به يصير الشيء واحداً، وذلك؛ لأن الذي به يصير الشيء متحركاً هو يحركه والتحريك ليس عبارة عن الحركة، وإنما هو عبارة عن فعل الحركة التي بها يصير الشيء متحركاً، وكذا في سائرها (فراغ) عرف اللغة هو الخبر عن كون الشيء واحداً (فراغ) اصطلاح المتكلمين، هو العلم بالله تعالى وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه منها، وأنه لا ثاني له يشاركه في ذلك على الحد الذي يستحقه.
فصل
ومضمون هذا الباب العلم بأن للعالم صانعاً، وانه قادر حي سميع بصير مدرك، قديم، وأنه يستحق هذه الصفات لذاته لا لمعان، وأنه غني متنزه عن مشابهة المحدثات، وعن رؤية الرائين، وأنه لا ثاني له وما يتصل بكل واحدة من هذه المعارف.

القول في أن للعالم صانعاً، اتفق الناس على أنه لا بد من مؤثر ما، ثم اختلفوا.
فقال أهل الإسلام والكتابيون والبراهمة وبعض عباد الأصنام أنه فاعل مختار، وبه قالت المطرفية، لكن زعموا أنه لا يؤثر إلا في الأصول الأربعة التي هي الهوى والماء والأرض والنار.
وقال أهل الإلحاد: إنه موجب، ثم اختلفوا.
فقال أهل النجوم: التأثير لها ولحركاتها فقط، ولم يثبتوا غير ذلك.
وقالت الدهرية: التأثير للدهر، وهو قريب من الأول إذا المرجع بالدهر إلى حركات الأفلاك.
وقالت الطبائعية بالطبع.
وقالت الباطنية إن ذات الباري تعالى /49/ علة قديمة صدر عنها السابق، وصدر عن السابق التالي وصدر عن التالي النفس الكلية، ثم احتركت، فحصلت الحرارة وسكنت فحصلت البرودة، وتولد عن الحرارة يبوسة، وعن البرودة رطوبة، ثم تولدت الأصول الأربعة المذكورة أولاً، وهي التي حصل منها الأشياء بحسب الاعتدال وعدمه وقوته وضعفه.
قال الفقيه حميد: وربما قالوا: إن العلة الأولى كانت غير متحيزة، فعرض لها أوهام، فأظلمت ذواتها فتحركت تريد الخلاص من الظلمة، فامتد منها طول وعرض وعمق وصارت أجساماً، وتركبت منها الكواكب والأفلاك والأصول المذكورة.

وقالت الفلاسفة المؤثر في العالم علة قديمة صدر عنها عقل واحد من حيث عملت نفسها، ثم تكثر هذا العقل من ثلاث جهات، فمن حيث عقل باريه صدر عنه عقل، وهو أشرف ما تضددوا ومن حيث هو واجب الوجود من باريه صدر عنه نفس الفلك الأعلى وهو السماء التاسعة التي يعبر عنها المسلمون بالعرش، وهو أوسط ما يصدر، ومن حيث هو ممكن الوجود من ذاته صدر عنه جرم ذلك الفلك، وهو أخيس السلامة لأنه جسم، ثم صدر عن العقل الثاني عقل ثالث ونفس فلك الكواكب وجرمه، وهي السماء الثامنة التي سمّي الكرسي، ثم صدر عن اعقل الثالث رابع ونفس فلك زحل وجرمه، ثم صدر عن الرابع خامس، ونفس فلك المشتري وجرمه، ثم هكذا إلى العقل العاشر ونفس فلك القمر وجرمه، وهذا وهذا العقل العاشر وهو الأدنى إلينا هو العقل الفعّال عندهم، ومعنى ذلك أنه صدر عنه ما دون هذه السماء من الأجسام وغيرها، وهي المادة القابلة للكون والفساد من العقل الفعال بواسطة طبائع الأفلاك وحركاتها.
قالوا: فالأشياء على هذا تنقسم إلى حال لا يقوم بنفسه وهي الأعراض، وإلى قائم بنفسه تحله الأعراض، وهي الأجسام وإلى قائم بنفسه يؤثر في الأجسام، وهي النفوس ، وإلى قائم بنفسه يؤثر في النفوس، وهي العقول، وإلى قائم بنفسه يؤثر في العقول، وهي العلة الأولى.
قالوا: والأجسام عشرة أجسام سبع سماوات وهي حاصلة لم تزل لصدورها على جهة الإيجاب وجنة الضالين لها نفوساً، والجسم العاشر هو هذه المادة القابلة للكون والفساد والنمو والذبول، ويعنون بالكون الصلاح أي الوجود.
قالوا: وهذه العقول التسعة هي الملائكة، لكن تسميتها الحقيقية أملاك إلى غير ذلك من ضلالاتهم وهوسهم الذي يطرد ذكره.

والدليل على صحة ما يقول أهل الإسلام أن هذه الأجسام /50/ محدثة، والمحدث لا بد له من محدث، ومحدثها ليس إلا الله تعالى.
وهذه ثلاثة أركان، أما الركن الأول وهو أن هذه الأجسام محدثة فقد خالف في ذلك ما تقدم ذكره من الفلاسفة وغيرهم، فإنهم اتفقوا الجميع على أنها حاصلة في الأزل، وهذا هو معنى القدم، وإن أطلقوا لفظ الحدوث بمعنى أنها حصلت من غيرها.
لنا أنها لم تحل من الأعراض المحدثة، ولم تتقدمها، وما لم يحل من المحدث ولمن يتقدمه فهو محدث مثله، وهذه الدلالة مبنية على أربع دعاوي، وهي أن في الجسم أعراضاً هي غيره، وأنها محدثة، وأن الجسم لم يحل منها وإن ما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه فهو محدث مثله.
أما الدعوى الأولى وهي أن في الجسم أعراضاً هي غيره فالخلاف فيها من جهتين: إحداهما في هل ثم أمور زائدة على الجسم أم لا. والثانية في هل تلك الأمور أحوال فقط أو أحوال ومعاني تؤثر فيها.
الجهة الأولى: ذهب الجمهور من الناس إلى أن ثم أمور زائدة على الجسم، وخالف بعض الفلاسفة والأصم وحفص وهشام بن الحكم.
لنا أن الأجسام اتفقت في الجوهرية والتحيز والوجود، ثم افترقت في الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، فلا بد أن يكون لنا ما اقترفت فيه أمراً زائداً على ما اتفقت فيه وإلا كانت متفقة مختلفة في أمر واحد وهو محال.
وبعد فالأجسام متماثلة، وحصولها في الجهات يتضاد، والمتضاد غير المتماثل لا محالة، وبعد فالأجسام ثابتة مستمرة، وحصولها في الجهات يتجدد ويتبدل، والمتجدد غير المستمر لا محالة.
وبعد، فإذا حرك أحدنا الجسم بعد سكونه علمنا ضرورة انه قد حصل أمر لم يكن، ومحال أن يكون هو الجسم لأنه غير مقدور لنا، ولأنه موجود قبل التحريك.

وبعد فاتفق العقلاء على حسن أمر السيد غلامه بمناولة الكوز مثلاً، والنهي عن ذلك، وعلقوا المدح بالامتثال والذم بعدمه، وكل ذلك إما أن يتعلق بنفس الكوز وهو باطل؛ لأنه غير مقدور، ولأنه موجود أو بأمر زائد وهو المطلوب.
وبعد فقال أبو الهذيل للأصم: كم تزيد حد الزاني على حد القاذف؟ قال: عشرون جلدة، قال: فهذه العشرون هي الجالد أم المجلود أو السوط أو الهوى أو الأرض ؟ قال: لا واحد من ذلك. قال: فما هي؟ قال: لا شيء. قال: فكأنك تقول لا شيء يزيد على لا شيء بعشرين لا شيء، فانقطع.
وبعد ففيها ما يعلم ضرورة على الجملة نحو تصرفاتنا وتصرفات ما يشاهده، وذلك لأنا نعلم قبح كثير منها وحسن كثير بالضرورة، وإذا علمنا أحكامها بالضرورة فكذلك هي، لأن أحكامها فروع عليها، وإنما يرجع الاستدلال إلى التفصيل.
الجهة الثانية: ذهب الشيخ أبو إسحاق بن عياش إلى أن هذه الأمور الزائدة الذي نسميها الأكوان /51/ وغيرها صفات يثبت بالفاعلين، وليس ثم معان تؤثر في هذه الصفات ونصرة الشيخان.
أبو الحسين وابنا الملاحمي(1) وبعض المتأخرين، وذهب الجمهور من أهل العدل وأهل الجبر إلى إثبات المعاني وأن هذه الصفات موجبة عنها.
لنا أن الجسم حصل في جهة من جواز أن يحصل في غيرها، والحال واحدة والشرط واحد فلا بد من أمر له حصل كذلك، وذلك الأمر ليس إلا وجود معنى. فهذه أربعة أصول.
__________
(1) . وفي نسخة: والإمام يحيى بن حمزة.

أما الأصل الأول وهو أنه حصل كذلك مع الجواز فهو معلوم ضرورة في ما يشاهده من الأجسام، وفي ما غاب عنا بجامع التحيز الذي هو مصحح لذلك، ولكنا نذكر الدليل استظهاراً فنقول: لو حصل في تلك الجهة مع الوجوب لاستحال خروجه عنها ولوجب مشاركة جميع الأجسام في ذلك، لأن حصوله فيها يكون لأمر يرجع إلى ذاته، ولزم أن يحصل هو في جميع الجهات، إذ لا مخصص لبعضها، ولتأتي من بعض القادرين تحريك جبل بان يصادف وقت وجوب احتراكه وتعذر عليه تحريك ريشة بأن يصادف وقت وجوب سكونها، وكله محال.
وأما الأصل الثاني وهو أن الحال واحدة والشرط واحد، فنريد بالحال هنا ما تصح الصفة المعنوية وبعضها إذا كان لها نقيض، وهو ها هنا التحيز، فإنه المصحح لكونه مجتمعاً، ولكونه مفترقاً، وهو في غير هذا المكان كونه حياً، فإنه المصحح لجيمع صفات الجمل ونريد بالشرط ها هنا ما كان مصححاً لهذه الحال كالبنية بالنسبة إلى حال صفات الجمل أو شرطاً في صحة هذه الحال كالوجود بالنسبة إلى التحيز أو شرطاً في كونها حالاً بهذا المعنى كبنية القلب بالنسبة إلى كونه حياً في تصحيحها لكونه عالماً أو مريداً أو كارهاً ونحو ذلك، فإن كونه حياً لا يكون حالاً لهذه الصفات إلا إذا حصلت البنية. وإذا عرفت معنى الحال والشرط فالحال في هذه المسألة هو التحيز؛ لأنها التي تصحح صفات المحال من كونه محتركاً وساكناً ومجتمعاً ومفترقاً، والشرط هو الوجود، فإن التحيز لا يصح إلا بالوجود.
ومعنى كون الحال واحداً والشرط واحداً أنهما مستمران حال ثبوت الواحدة من هذه الصفات، وحال انتفائها، وحال ثبوت ضدها، فنعلم بذلك أنه لا تأثير لهما في هذه الصفات، وإنما لهما حط التصحيح فقط؛ لأنهما مع الجميع على سواء.
وأما الأصل الثالث وهو أنه لا بد من أمر فقد قيل: يعلم ذلك ضرورة، فإنه لا بد بالضرورة من أمر يخصص أحد الجائزين بالوقوع دون الآخر.

وقال أصحابنا: نعلم ذلك بأدنى تأمل، وهو أنه لو لم يكن هناك مخصص لما كان أحدهما ثان يقع أولى من أن يقع ضده.
/52/ وأما الأصل الرابع وهو أن ذلك الأمر ليس إلا وجود معنى، فلنفرض الكلام في واحد من هذه الصفات، وهي أن ذلك الأمر كونه مجتمعاً، فنقول: إما أن يكون مجتمعاً لذاته أو لما هو عليه في ذاته أو لوجوده أو بحدوثه أو لحدوثه على وجه أو لعدمه أو لعدم معنى أو بالفاعل أو لوجود معنى.
وهذه الأقسام هي التي يشتبه الحال فيها وكلها باطلة إلا الأخير.
أما الأولان فباطلان لما تقدم من أنها حاصلة مع الجواز.
وأما الثالث فباطل بما تقدم من أن الوجود مع الاجتماع كهوية مع عدمه ومع ثبوت ضده، وذلك دليل على أنه لا تأثير له وإلا لم يكن الوجود بأن يؤثر في كونه مجتمعاً أولى من كونه مفترقاً، فكان يلزم حصوله على صفتين ضدين، وكان يلزم في جميع الأجسام أن يكون مجتمعه لاشتراكها في الوجود، ويلزم أن تستمر هذه الصفة ما استمر الوجود، والرابع باطل بما بطل به الثالث، ويلزم أن لا تحدد له هذه الصفة حالة البقاء.
وبهذا الأخير يبطل الخامس وبأنه لا وجه يشار إليه بكون الجسم مجتمعاً لحدوثه عليه.
والسادس باطل؛ لأن المصحح لهذه الصفة هو التحيز، وهو مشروط بالوجود، ولأن عدمه ليس ثان يؤثر في كونه مجتمعاً أولى من ضدها بل ليس بأن يوجب الكائنية أولى من غيرها من الصفات.
والسابع باطل؛ لأن المعنى المعدوم لا يختص رأساً، ولو اختص فليس بأن يختص ببعض الأجسام أولى من بعض، ولا بأن يوجب بعض الصفات أولى من بعض؛ ولأن هذه الصفة تقف على اختيارنا بخلاف المعنى المعدوم ولأن في العدم افتراقاً كما أن فيه اجتماعاً. والذي يشتبه من هذه الأقسام أن يكون مجتمعاً بالفاعل كما يقوله أبو الحسين وأصحابه. والذي يدل على إبطاله وجوه:

الأول: أن لو قدر أحدنا على أن يجعل الجسم على صفة من دون معنى لقدر على اتحاد ذاته كالكلام، فإنه لما قدر على أن يجعله على صفة وهو كونه خبراً مثلاً من دون معنى قدر على اتخاذ ذاته، وهذا ينبني على أن الكلام ذات لا صفة، وأن له بكونه خبراً صفة وأنها مقدورة لنا وأن قدرتنا عليها علة في قدرتنا على اتخاذ الذات.
أما أنه ذات فلأنه يعلم على انفراده، وذلك هو معنى الذات، واحتياجه إلى محل، إنما يعلم بدليل منفصل، وإذا كان ذاتاً فليست ذات الجسم كما يقول النظام؛ لأن الجسم باق /53/ والكلام يعدم، ولأن الأجسام متماثلة والحروف والأصوات قد تختلف، ولأن الأجسام غير مقدورة لنا.
وأما الكلام في أن له بكونه خبراً صفة فدليله أن القائل إذا قال زيد في الدار جاز أن يكون خبراً عن زيد بن عبد الله، وجاز أن يكون خبراً عن زيد بن خالد، وهو لا يكون خبراً عن أحدهما إلا لأمر لمثل ما تقدم، وذلك الأمر إما أن يكون عائداً إلى نفس الصيغة وهو باطل؛ لأنها مع الزيدين على سواء، وإما أن يكون عائداً إلى المخبر عنه وهو باطل؛ لأن الخبر غير واقف على أحواله، ولأن الزيدين مع الخبر على سواء بقي أن يكون عائداً إلى المخبر، وهو قصده وإرادته، وتلك الإرادة إما ان تتعلق بالمخبر عنه وهو باطل؛ لأنه قد يخبر عما لا يصح تعلق الإرادة به كالماضي والباقي والقديم، وإما أن تتعلق بمجرد الصيغة وهو باطل؛ لأنها مزادة سواء أخبر عن زيد بن عبد الله أو عن زيد بن خالد، وإما أن تتعلق بالصفة على حال وهو المطلوب، وإما أن تلك الحال هي مقدورة لنا فلأنها تقف على أحوالنا ثبوتاً وانتفاء، ويتعلق بها المدح والذم وغيرهما.
وإما أن قدرتنا عليها علة في القدرة على اتحاد الذات، فلأن القدرة على اتحاد الذات تتبع القدرة على جعلها على صفة من دون معنى ثبوتاً وانتفاء مع زوال ما هو اولى من ذلك بتعليق الحكم، وقد اعترضه صاحب تعليق شرح الأصول باعتراضين:

أحدهما: أن القدرة على الذات أصل للقدرة على الصفة، فالقدرة على الذات بأن تكون علة في القدرة على الصفة أولى، ويمكن الجواب بأنه وإن كان كذلك لكنها علة كشف لا علة تأثير، فهي كجعلنا صحة الفعل علة في كونه قادراً.
والثاني: أنه قد يقدر على اتحاد الذات من لا يقدر على جعلها صفة كالساهي والنائم، وهذا الاعتراض ينبغي أن يكون اعتراضاً عليه رحمه الله في ما اختاره.
فيقال: إذا كانت القدرة على الذات أولى بأن يكون علة في القدرة على الصفة وجب حيث تحصل القدرة على الذات أن تحصل القدرة على الصفة، فينتقض عليك بما ذكرت من الساهي والنائم، فإنهما يقدران على اتحاد الذات ولا يقدران على الصفة بخلاف العكس؛ لأنه قد يوجد الحكم مع فقد العلة بأن يخلفها علة أخرى.
وهذا هو الذي رجح به ابن متويه. الطريقة الأولى وضعف الثانية، إلا أنه يمكن الجواب عن أصل الاعتراض بأن يقال أن الساهي والنائم يقدران على الصفة وإنما لم يوجد لفقد شرطها، وهو القصد لا لفقد القدرة، وقد ذكر عن المتأخرين طريقة ثالثة، وهي أن القدرة على الذات شرط في القدرة على الصفة لا علة وعلى كل حال /54/ فقد حصل الغرض من أن القدرة على الصفة ملازمة للقدرة على الذات، ومعلوم أن هذه الصفات تحدد على الجسم في حال كونه غير مقدور كحالة البقاء، فإنها حالة وجود وهو غير مقدور فيها مع تجدد الكائنية فيها.

8 / 75
ع
En
A+
A-