قالوا: والظاهر في كلامه عليه السلام ومناشدته يوم الشورى وخطبته الشقشقية ونحو ذلك استمرار الإنكار، والمشهور في السير أن سعد بن عبادة مات ولم يبايع وإلى هذا أشار شارعهم في قوله:
يقولون سعداً شقت الحر بطنه .... ألا ربما حققت فعلك بالغدر
وما ذنب سعداً إنه بال قائماً .... ولكن سعداً لم يبايع أبا بكر
وأما كونه عليه السلام يمدح أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه ويواليه ويصلي خلفه ونحو ذلك فذلك يدل على أنه لم يعتقد فيه إلا خيراً وأننه كان يعتقد إيمانه وتعظمه، وكذلك يقول: فإن الذي عليه جمهور أئمتنا عليهم السلام مدح الصحابة والترضية عنهم، ولسنا ندعي بإقامة الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام أن الصاحبة مستحقون الذم والبراءة، وأنه لا يجوز الصلاة خلفهم والأمر عندان بخلاف ذلك، ونحن لا نعدوا فيه ما يظهر من حال أئمتنا عليهم السلام وهو التجرم واعتقاد أنهم ظلموا حقهم وأزيلوا عن مكانتهم التي هم بها أحق /465/ فأما غير ذلك فلا تعتقدوه، وأما كونه عليه السلام قرر أحكام الشيوخ يوم انتهى الأمر إليه فذلك لا يمنع مما ذكرناه وهو بمعزل عن محل النزاع، فإن الظاهر أنهم إنما حكموا بالحق الذي يطابق قصده رضي الله عنه بحيث لو حكم عليه السلام لحكم به، وهذا مما يعتقده وبعتقده أئمتنا، أعني كون سيرة الصحابة رضي الله عنهم سيرة عادلة لم يظهر خطؤهم في شيء منها، ولهذا كانوا يفزون إلى أمير المؤمنين في المشكلات ويصدرون عن رأيه في المهمات، وكان عليه السلام يردهم من الخطأ إذا همّوا به في الأحكام كما هو مشهور في قصة: (لولا علي لهلك عمر) ونحو ذلك مما يدل على تحريهم للحق في السيرة.
القول في إمامة الحسن والحسين عليهما السلام
لا شبهة في إمامتهما خلافاً للخوارج في إمامة الحسن عليه السلام ولليزيدية في إمامة الحسين عليه السلام.

لنا: إن طرق الإمامة قد اجتمعت في حقهما وهي العقد والاختيار على أصل المعتزلة والنص والدعو عند الزيدية، وذلك النص هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وابوهما خير منهما)) وهذا تصريح بإمامتهما وإشارة إلى إمامة أبيهما رضي الله عنهم، فأما المخالفون في إمامة الحسن فهم أربع فرق.
فرقة: زعمت أنه ليس بإمام؛ لأنه كفر مع أبيه بالتحكيم ولم يتب.
فرقة زعمت أنه كان إماماً ثم كفر بتسليم الأمر إلى معاوية.
وفرقة زعمت أن معاوية هو الإمام؛ لأنه غلب وطريق الإمامة الغلبة.
والكلم على الفريقين الأولين هو ما تقدم على الخوارج ويختص هذا المكان أن يقول أنه لعيه السلام لم يسلم الأمر إلى معاوية، ولكن هادن لما رأى ضعف عزيمة أهل العراق وتفرق جيشه وخديعة معاوية لعبد الله بن العباس، فرأى أن يهادن لمصلحة علمها في ذلك وليس يجب لعيه أن يلقي بيده إلى التهلكة، ولا شبهة عند كل مسلم أن فعله لعيه السلام كان حسناً من جهة التدبير، وهذا سبيل الأئمة والملوك، بل الأنبياء، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح يوم الحديبية وأراد أن يصالح الأحزاب على بعض أهل المدينة.
وأما الكلام على القائلين بإمامة معاوية لأجل الغلبة أو لأجل أن الحسن سلم إليه الأمر فهو أن نقول: قد كان معاوية أحقر من أن يشتبه الأمر في إمامته؛ لأنه كان ظاهر الفسق، بل ظاهر الكفر. أما فسقه فمن وجوه منها أن حارب أمير المؤمنين ولا شبهة في فسق من حارب إمام الحق ليضمنه الاستخفاف كما لو حارب أبا بكر وعمر، فإنه كان يفسق عند الخصوم.
ومنها: أنه قتل الحسن عليه السلام بالسم على يدي امرأته بنت الأشعث ولا شبهة في فسق /466/ من قتل أئمة الحق أو سبب في قتلهم لا سيما أهل بيت النبوة.
ومنها أنه كان قائد الفرقة الباغية كما يشهد به قوله صلى الله عليه وسلم: ((ستقتلك الفئة الباغي)).
ومنها أنه عادى علياً بالضرورة.

وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) فهو معادٍ لله بنص الرسول صلى الله عليه وسلم ومن عاداه الله فهو فاسق أقل أحواله وأما كفره فلما روي عن أبي وائل، قال: كنت مع مسروق فمرت بنا سفينة فيها أصنام فسألنا عنها فقيل: بعث بنا معاوية لنباع في الهند، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يموت معاوية على غير ملتي ))، فروي أنه مات وفي عنقه سليب يستشفى به، وقيل للمغيرة بن شعبة: إنك كنت من معاوية بمكان، فلم تزكيه، فقال: نعم إن هذا الرجل أخبث عباد الله كنت أسايره يوماً وأحدثه حتى انبسط إليَّ، فقلت: وقد ذكر بني هاشم أعف عنهم وأرفق بهم، فإنما نلتهم ما نلتم بقرائبكم منهم، فقال: اسكت إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفى فصار هذا الامر إلى أبي بكر، فلما مات انقطع ذكره وذكر قومه وصار هذا الأمر إلى عمر، فلما مات انقطع ذكره وذكر قومه وإن جماعة هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينادَى بهم في اليوم والليلة خمس مرات فليس لهم إلا أن يلزقوا بالتراب.
وهذا كفر صريح، وقد فعل بمقتضى كلامه هذا حتى كان يسب أمير المؤمنين وأهل بيت النبوة، واشتمال على ذلك أفئدة الطعام وجعله سنة تتلى على المنابر، وحتى سمى العام الذي ابتدع فيه سبهم عام السنة وبه سمت المجبرة أهل السنة.
والمشهور أنه الحق زياداً بأبي سفيان، وهو ولد زنا بلى خلاف، فرد ما هو معلوم ضرورة من الدين بإلحاقه به.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ((معاوية في تابوت من نار))، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاضربوا عنقه))، قال: الحاكم: رواه الخدري وجابر وحذيفة، قال الحسن: فلم يفعلوا فأذلهم الله.
وعن محمود بن لبيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأشار إلى معاوية: ((إن هذا سيريد الأمر بعدي فمن أدركه منكم وهو يريده فليبقر بطنه)).

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((يطلع عليكم رجل من أهل النار)) فاطلع معاوية.
أبو ذر رضي الله عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((أول من يغير سنتي رجل من بني أمية)). وعنه أيضاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يخاطب معاوية إني وإياك لفرعون هذه الأمة)). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم وقد مر به أبو سفيان راكباً على بعير ومعاوية يسوق وعنبه يقود، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لعن الله الراكب والسائق والقائد)). وعنه عليه السلام /467/ يخاطب علياً: ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق))، وبالضرورة أن معاوية كان يبغض علياً. وعنه عليه السلام يخاطب عليا: ((ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)) ولا شك أن القاسطين معاوية وأصحابه.
والمشهور أن الحسن لعيه السلام يوم مناظرته مع معاوية وعمر وأشياعهم قرر عليهم المخزيات وقرر على معاوية أن الرسول لعنه في عشرة مواطن ولم ينكر معاوية كلام الحسن، فدل على أنه صادق فيه.
وعلى الجملة فمساويهم أجل من أن تحصى، كما أن فضائل أهل البيت عليهم السلام أجل من أن تحصى،ولهذا قال الشعبي: كان خطباء بني أمية يسبون علياً فكأنهم يرفعونه إلى السماء ويمدحون أسلافهم فكأنهم يكشفون جيفة حمار.
وأما الذين خالفوا في إمامة الحسين فهم فرقة من النواصب زعموا أن يزيد الإمام؛ لأن معاوية نص عليه وأن الحسين كان خارجياً.
والكلام عليهم هو أن نقول لهم: متى ثبت لكم أن معاوية إمام حتى يصح نصه على غيره، ولو لم يستدل على بطلان إمامة معاوية إلا بالنص على يزيد لكفى.

وبعد، فكيف يصح إمامة يزيد مع علو مكانه في الفسق ووفور حظه من الكفر، ولو لم يكن إلا قتله لأولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاكه لحرمه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا حرب لمن حاربكما سلم لمن سالمكما))، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((قاتل الحسين في تابوت من نار لعيه نصف عذاب أهل النار))، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي، إن موسى سأل ربه فقال: يا رب إن أخي هارون مات فاغفر له فقال: يا موسى لو أنك سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك إلا قاتل الحسين))، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((تجيء ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة، فتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي فيحكم لابنتي ورب الكعبة))، وعنه لعيه السلام: ((يا حسين إن لي ولقاتلك يوم القيامة مقاماً وخصومة وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصماً لمن قاتلك)) والأحاديث الواردة في قتل الحسين ولعن قاتله أكثر من أن تصحى.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذكر الحسين قال: ((مالي وليزيد لا بارك الله في يزيد))، والمشهور أنه كان لا ينفك سكران، وكان يلقب بيزيد الخمور، ويلقب السكران، وكان مشهوراً بالزنا وترك الصلاة وله في السفالة صناعة جيدة.
وروي أنه كان له قرد يسمى بأبي قيس، وكان يحضره مجلس شرابه ويسقيه فضلة كأسه واتخذ له إتاناً وحشية رِبضت له وذلِّلت وصنع لها سرج ولحام من ذهب، فكان يركبه عليها ويسابق بها الجيد يوم الحلبة، فجاء يوماً سابقاً وتناول قصبة السبق ودخل فيها قبل مجيء الخيل، وعليه قنا وقلنسوة من الحرير الأحمر لعظم لذلك عند يزيد وازداد حباً له. وقال فيه بعض شعراء الشام:
تمسك أبا قيس بفضل عنانها .... فليس عليها إن سقطت ضمان
ألا من رأى القرد الذي سبقت به .... جياد أمير المؤمنين إتان

فهذا كان حال أمير المؤمنين، فأما الحسين بن رسول الله التقى بن الأتقى، فكان خارجياً لا يصلح للإمامة، هذا هو الضلال البعيد والزيغ الشديد.
والمشهشور الذي لا يمكن جحده أنه لما حمل رأس الحسين إلى يزيد جعل ينكت ثناياه بقضيب كان معه فقال أبو بردة الأسلمي اتنكت بقضيبك ثغر الحسين؟ أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل ثناياه وثنايا أخيه ويقول: ((أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً)) أما إنك تجيء يا يزيد يوم القيامة وشفيعك ابن زياد ويجيء هذا ومحمد شفيعه، فغضب يزيد وأمر بسجن أبي بردة وجعل ينكت ثنايا الحسين بقضيبه وهو يقول مستهلاً:ـ
ليت أشياخي ببدر شهدوا .... جزع الخزرج من وقع الأسل
فأهلوا واستهلوا فرحاً .... ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من عتبة إن لم أنتقم .... من بني أحمد ما كان فعل
وهذه الأبيات لابن الزاجردي لكنه زاد فيها الخبيث، وهذا منه كفر صريح حيث جعل قتل الحسين وأهل بيت النبوة انتقاماً لما فعله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر.

القول في الطريق إلى ثبوت الإمامة بعد الحسن والحسين عليما السلام
ذهب أهل البيت عليهم السلام إلى أن الطريق إلى ذلك هو الدعوة والخروج مع جميع الشرائط، فمن اختص بالشرائط المتقدمة وقام لله داعياً إلى الحق ونابذ الظلمة واحتمل أعباء الأمة فقد صار بذلك إماماً سواء بويع له أم لا.
وقالت المعتزلة والصالحيَّة: بل الطريق إلى ذلك هو العقد والاختيار على أصلهم المتقدم.
لنا: إجماع العترة على اعتبار الدعوة وعلى اعتقاد أنها هي الطريق.
أما إجماعهم على اعتبارها فذلك مما لا خلاف فيه بينهم، بل بين الأمة ما عدا أصحاب النص، ولهذا فإن كل إمام منهم لا بد أن يقوم ويشمر لاحتمال الأمر ومنابذة الظلمة والجهاد.
وأما إجماعهم على اعتقاد أن ذلك هو الطريق إلى الإمامة؛ فلأنه هو المعروف من مذهبهم والمذكور في كتبهم والمشهور في سيرهم، ولا يلزمنا في دعوى إجماعهم عليهم السلام أكثر من ذلك وفي زيادات شرح الأصول للسيد أبي طالب عن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال: ليس منا أهل البيت إمام معترض الطاعة وهو جالس في بيته المسبل عليه ستره، وقال عليه السلام /469/ إن الله افترض طاعة أربعة: أمير المؤمنين والحسن والحسين، والإمام القائم بالسيف يدعوا إلى كتاب الله فهذا تصريح من متقدمي أهل البيت أن الدعوة طريق إلى ثبت الإمامة.

وأما المتأخرون منهم فهو معلوم ضرورة من مذهبهم.
فإن قيل: إنه كما قد وقع إجماع أهل البيت على الدعوة والخروج فقد وقع إجماعهم أيضاً على العقد والاختيار؛ لأنه ما من إمام منهم إلا وقد اختير وعقد له.
قلنا: قد قدمنا أن وقوع الإجماع على مجرد الاختيار إنما يدل على حسنه، فأما على أنه الطريق إلى الإمامة فلا، وأهل البيت وإن فعلوا الاختيار كما فعلوا الدعوة والخروج، فإنهم يعتقدون أن الطريق هو الدعوة دون الاختيار، وإنما يفعلون الاختيار على وجه التقوية لأنفسهم وتكثير أتباعهم وليعرفوا المطيع من المخالف وليؤكدوا بذلك وجوب متابعتهم وليظهروا بالبيعة قبول طاعة المطيع ونحو ذلك من وجوه الصلاح.
فإن قيل: إن ذلك لا يصح؛ لأن أحدهم ذا دعا فإما أن يدعوا بعد أن صار إماماً ففي هذا إقرارٍ بأنه لم يكن للدعوة لأنها متأخرة عن كونه إماماً، وإما أن يدعوا قبل أن يصير إماماً فكيف يدعوا إلى نفسه وليس بإمام، وكيف يجب طاعته والحال هذه؟
قلنا: بل يكون إماماً بالدعوة، فإذا دعا الناس إلى طاعته صار بذلك إماماً في تلك الحال، ولسنا نحكم بأن الإمامة متأخرة عن الدعوة ولا متقدمة عليها، بل هي مقارنة؛ لأنها طريق إليها والطريق لا يثبت مع فقد المتطرَّق غليه ولا العكس، بل يجب اقترانها في مثل هذه الصورة.

القول في أن الإمام بعد الحسن والحسين مقصورة على أولادهما.
قد اختلف الناس في ذلك فقال به أصحابنا ومنعه أكثر الناس.
لنا: العقل والسمع.
أما العقل فالمعلوم الظاهر عند جميع العقلاء أن أهل بيت الرجل أحق الناس بمكانه وأولاهم بالرئاسة بعده، وعلى هذا كان جميع الغرب من الجالهيّضة، بل كان عليه العجم وهم عليه إلى الآن حتى كانوا ينتظرون بالملك الحنين في بطن أمه، وقد يملكون النساء ويعقدون الملك للأطفال محافظة على أن يكن الأمر في أهل بيت الرجل، وذلك مشهور ظاهر من حال جميع العقلاء، ولسنا ندعي أن العقل يحيل خلاف هذا، ولكن نعي أن العقل يقضي بأن هذا هو الأولى.
هذا ولم يكن يمنعهم من العقد لأنباء ملوكهم الحمق والجهالة والظلم ونحو ذلك، بل يجعلون الملك في أولاد الملك وإن كانوا على خلاف ما ينبغي من الصفات فكيف بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هم أشبه الناس به خلقاً وخلقاً وهياً وعدلاً وكرماً وسياسة ورأفة وورعاً لا سيما مع تظاهر الأدلة.
وأما الشرع فلنا في ذلك دليلان:
أحدهما: إجماع العترة على ذلك، وإجماعهم حجة، وإنما قلنا أنهم أجمعوا على ذلك؛ لأنه الظاهر من مذهبهم المشهور في كتبهم /470/، ولا يجب علينا في يبان إجماعهم أكثر من ذلك.
فإن قيل: كيف يصح دعوى إجماع أهل البيت مع أن كثيراً منهم يدعون صقرها في ولد الحسين.
قلنا: خلاف أصحاب أهل النص مسبوق بالإجماع، ولهذا لم يظهر من أحد من أهل البيت إنكار في إمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وإبراهيم بن عبد الله وغيرهم.

على أن خلاف أهل النص لا يقع فيما ذكرنا؛ لأنهم متى ادعوا قصرها في ولد الحسين فقد وافقوا في أنها لا تجوز في غير ولد البطنين وهو المطلوب هنا، وإنما يبقى الخلاف بين أصحاب النص وبين جمهور أهل البيت، والمعلوم صحة قول الجمهور وبطلان قول أصاب النص.
الدليل الثاني: أن الأمة أجمعت بعد بطلان قول أصحاب النص على جوازها في ولد البطنين واختلفوا في من عداهم، والإجماع دليل قاطع على ما هو مقرر في مواضعه من أصول الفقه، وغنما قلنا أنهم أجمعوا عل ذلك؛ لأن من أجازها فيه ؛ لأنهم خيار الناس، ومن أجازها في قريش فقد أجازها فيهم؛ لأن خير قريش.
فإن قيل: إذا خرج أصحاب النص عن هذه المقالة فلا إجماع؛ لأنه ليس إذا بطل قول بعض الأمة وتعين الحق في الثاني يجب أن يعد ذلك إجماعاً لولا هذا النصح دعوى الإجماع في كل مسألة قطعيَّة يقع فيها الخلاف؛ لأنه لا بد أن يتعين الحق في أحد القولين.
قلنا: إنه وإن أبعد إجماعاً فقد تعين الحق فيه وصارت صحته قطعية، وغلا خرج الحق عن أيدي الأمة وسيتضح لك عن قريب أن مثل هذا القدر يكفي في حصول الغرض في هذه المسألة.
فإن قيل: أن الإجماع من عدا أصحاب النص ليس إجماعاً على محل النزاع؛ لأن محل النزاع هو جوازها فيهم، وبقي جوازها في غيرهم، ولم يجمع الناس على ذلك؛ لأن المخالف يقول بجوازها في غيرهم وفيهم، وليس لكم أن تأخذوا بعض الأقوال وتدعوا الإجماع فيه ولو صح هذا لكان لأحدنا أن يدعي أن أكثر الحيض خمسة أيام ويحتج لذلك بأن الامة قد أجمعت عليه؛ لأن القائلين أكثر الحيض خمسة عشر والقائلين أكثره عشرة أيام، فقد اتفقوا على الخمس ومعلوم أن هذا لا يصح؛ لأن القولين الأولين قد قالوا بالخمس وزيادة،وهذا قال بالخمس ونفى الزيادة، فكذلك هذه المسألة.

74 / 75
ع
En
A+
A-