فصل [في الاستدلال على إمامته رضي الله عنه بكونه أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]
ووجه الاستدلال بذلك هو أنه لا يجوز إمامة المفضول لا روي أن الصحابة يوم السقيفة فزعوا إلى عد الفضائل، فقالت الأنصار: الدار دارنا والإسلام عزنا، وقال المهاجرون: نحن شجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبيضة التي تفقأت عنه.
والذي يمكن أن يعترض به هذا الدليل وجهان:
أحدهما: أن يقال: إن مجرد وقوع الإجماع على الفضل إنما يدل على حسنه، فأما إنه واجب أو مندوب أو مباح فلا يعلم ذلك غلا بدليل منفصل، فالصحابة وإن فزعوا إلى عد الفضائل فلا دليل على أنهم فزعوا إلى ذلك معتقدين أنه الواجب، وأن خلافه لا يصح بل من الجائز أن يكونوا معتقدين أنه الأولى وإن جاز خلافه كإجماعهم على فعل صلاة الوتر ونحو ذلك.
ويمكن الجواب عن هذا بأن يقول: إن ظاهر الحال يشهد بأن كلام قريش ورد على جهة الإنكار على الأنصار، وأنه جرى في ذلك الموقف ما يدل على امتناع إمامة المفضول، فإنه وطئ سعد حتى كاد يهلك، وقال قائلهم: قتلتم سعداً، فقال عمر رضي الله عنه: قتله الله إنه منافق، وهذا دليل على أنهم كانوا معتقدين امتناع خلافة الأنصار؛ لأن قريشاً تفضلهم.
ويؤيد هذا أن علياً لما سأل عما احتج به المهاجرون على الأنصار فقيل: قالوا: نحن شجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبيضة التي تفقأت عنه، فقال علي رضي الله عنه: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة، وهذا دليل على تقرير احتجاجهم، وغنما أنكر عليهم أنهم لم يفعلوا بمقتضى الاحتجاج حيث احتجوا بفضلهم على من دونهم وأهملوا فضل من فوقهم عليهم.
الوجه الثاني: مما نعترض به على هذا الدليل هو أن يقال: يذهب الجمهور من أئمتكم جواز إمامة المفضول في هذه الأزمنة، فهلا جاز مثله في الصدر الأول.
والجواب: أنهم عليهم السلام إنما جوزوا ذلك في هذه الأزمان لتعذر العلم بالأفضل حتى لو تعين لهم الأفضل مع جميع الشرائط لما عدلوا عنه.

قال بعض المعتزلة: يجوز أن يكون عدول الصحابة عن علي لمانع وهو يحسبه افتراق الناس عليه لمكان القتل الذي كان يقتله مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخاف الصحابة الانتقاد له الناس مع قرب عهدهم بالكفر، فعقدوا لغيره مع علمهم بفضله تحرياً للصلاح وتسكيناً للدهماء.
قالوا: ويجوز أيضاً أن يكون عدولهم عنه لضيق الوقت وخشية ظهور الفتنة حال مراجعته وانتظاره حتى يفرغ من تجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخافوا أن يبايع الأنصار ويشق العصا فسارعوا بالبيعة خوفاً لذلك.
والجواب: قال أصحابنا ما ذكره المخالف من كثرة قتله في الناس ما يزيده مدحاً وفضلاً ورئاسة /459/ وليس مما يصرف عنه.
وهذا الجواب ليس بالجيد؛ لأنهم يقولون مسلم ما ذكرتم، ولكن القلوب مجبولة على النفرة، فمن قتل الأقارب من الآباء والأبناء والأخوة فلا تكاد القلوب تطاوع على محبته والانقياد له والإذعان وإن كان ذلك هو الواجب، فهذا الجواب لا يشتمل السؤالين جميعاً.
وأيضاً في الجواب أن يقول إنما كان يحسن ما فعلوه من اجتهادهم والنظر في الصلاح لو كانت المسألة اجتهاديّة، فأما والإمام عليه دليل قاطع فلا مجال لاجتهادهم ولا حكم لرأيهم؛ لأنه لو علم الله الصلاح في ما أداهم إليه رأيهم لما نصب على الإمام دليلاً، ولترك المسألة اجتهادية.

فصل [في الاستدلال على إمامته عليه السلام بكونه معصوماً]
والذي يدل على عصمته هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا له على القطع من غير شرط في قله: ((اللهم وال من والاه..)) الخبر، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مع الحق والحق مع علي))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أدر الحق مع علي حيث دار)) والذي يدل على أن غير المعصوم لا يكون إماماً مع وجود المعصوم هو أن المعصوم مأمون مقطوع على مغيبة، فالنفوس إليه أشد سكوناً، والناس له أطوع لوثوقهم به في إمضاء الأمور التي نصب لها وزوال الخطأ في الإقدام والإحجام؛ ولأن المجاهدة معه أكثر ثواباً لكثرة اليقين فيا والرغبة إليها.
وعلى كل حال فهذه الخصلة معتبرة أعني حصول ما معه يكون الثقة في جميع الأمور ونزول النفرة، ولهذا اعتبر في الإمام أن يكون خالياً عن الخصال المنفرة، ولا شك أن من يقطع بإيمانه وأصابته لا تنفر عنه النفوس كنفرتها عمن يجوز عليه كل خطأ.
فصل [في الاستدلال على إمامته عليه السلام بإجماع العترة الطاهرة]
اعلم أن الكلام في إجامع أهل البيت يقع في ثلاثة مواضع:
أحدها: في أن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين وأولادهما إلى يوم الدين دن غيرهم.
والثاني: في أنهم أجمعوا أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي.
والثالث: في أن إجماعهم حجَّة.
أما الموضع الأول فعندنا وهو الظاهر من كلام المعتزلة وكثير ن الناس: أن أهل البيت المرادين في الآية بقوله تعالى: {إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت} هم علي وفاطمة وأولادهما.
وقال قوم: أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

لنا: استعمال العرف والشرع، أما العرف المتعارف بين أهل اللغة أن أهل بيت الرجل هم قرابته وعشريته، وإنما نخرج ما عدا هؤلاء المذكورين من قرابته بالإجماع، وكذلك المتعارف به بين أهل هذه الأعصار م وقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وقتنا هذا أن أهل بيت النبي هم من ذكرنا، وهو المتداول في أشعارهم حتى ما يذكر أحد أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعر أو غيره /460/ إلا وأراد به من ذكرنا.
وأما الشرع فما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما نزلت هذه الآية جمع علياً وفاطمة والحسن والحسين وخللهم بكساء قدكي وقال: ((اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) فقالت أم سلمة: وأنا منهم يا رسول الله؟ فقال: ((لست منهم وإنك لعلى خير)) وكذلك المروي أنه لما نزل قوله: {وأمر أهلك بالصلاة..} الآية كان يأتي كل غداة إلى بيت فاطمة، فيلزم يخلفني الباب ويقول الصلاة الصلاة أهل بيت النبي.
وأما قول الخصوم أن المراد زوجاته فهو قول باطل بما تقدم، ولأنهن لو كن المعنيات لكان إجماعهن حجَّة وإلا بطلت فائدة الآية وكلاهما محال؛ ولأنهن مؤنثان، فكان القياس أن يقول بتمكن أهل البيت.
قالوا: إنما لم يقل كذلك لأنه صلى الله عليه وآله وسلم داخل فيهم وعادة العرب تغليب المذكر في الجمع.
قلنا: لا يصح دخوله فيهم؛ لأن أهل بيت الرجل غيره من حيث أن المضاف غير المضاف إليه، والتقدير عنكم أهل بيتي النبي.
وبعد، فأجمع الناس على قولهم: اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، ولو كنَّ المغيبات لنيل الطيبات الطاهرات وليس لهم أن يقولوا هو صلى الله عليه وآله وسلم داخل يه لما تقدم؛ ولأنه يصلي عليه أولاً وعلى آله ثانياً، فلو كان داخلاً فيهم لكانت الصلاة على أهل بيته كافية لأنه ينهم وخلافه معلوم.

شبهتهم سياق الآية فإن أولها وآخرها فيهن، قالوا: فكذلك وسطها.
والجواب: وإن كون أولها وآخرها فيهن لا يمنع أن يكون وسطها في غيرهنَّ.
وبعد، فلسي هناك دليل قاطع يدل على أن هذه الآيات نزلت دفعة واحة بهذا الترتيب ومن الجائز أن يكون قوله: {إنما يريد الله..} الآية، نزلت في غير الوقت الذي نزل فيه قوله: {وأقمن الصلاة} الآية، ويكون عثمان رضي الله عنه أو غيره جعلها في ذا الموضع ظناً منه أنهنَّ المعنيات بها واجتهاداً في الترتيب، وليس يمكن إنكار هذا؛ لأن المعلوم أنه قد وقع اختلاف كبير في الترتيب حتى اصطلح الناس على مصحف عثمان رضي الله عنه.
وأما الموضع الثاني ه أنهم أجمعوا على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو علي، فالذي يدل على ذلك أنه الظاهر من مذهبهم والمذكور في كتبهم والمتفقة عليه بمصنفاتهم والمشهور من عقيدتهم، فلا يعلم أن أحداً منهم، قال: بخلاف هذه المقالة وليس علينا في دعوى الإجماع أكثر من هذا؛ لأن مثل هذه الطريقة يعرف نسبة المذاهب إلى أهلها والأقوال إلى قائلها، وبمثل هذا يستدل على القول بأن المعتزلة مجمعون على القول بالعدل والتوحيد.
وأما الضرورة في هذا الإجماع، فمن ادعاها من أئمتنا وعلمائنا صدقناه، ومن لم يحصل له منا العلم لا يصح له نفي /461/ التواتر لجواز أن تكون الضرورة في حقه لتقصير في البحث ولتعذر الطرق التي حصلت لمدعي الضرورة والجواز حصول الضرورة بالأخبار لبعض المكلفين دون بعض، فإن ذلك غير ممتنع؛ لأن العلم الضروري من فعل الله تعالى، فجائز أن يفعله للبعض دون البعض وإن كان صاحب المحيط قد منعه.
قال: لأمر يرجع إلى التكليف.
قال: ولولا هذا لصح أن تخبرنا القافلة العظيمة بوجود مكة فيعلم البعض دون البعض، وذلك يلزم عليه صحة أن يصدق من أخبر عن نفسه أنه لا يعلم مكة ضرورة.

وهذا الذي ذكره رحمه الله تعالى ليس بالمقنع، أما قوله يلزم حصول اللم بمكة للبعض دون البعض فهو صريح ما يجوزه الخصم، وليس بمستحيل عنده؛ لأن طريقه العادة، وأما أنا لا نصدق من أخبر عن نفسه أنه لا يعلم مكة ضرورة البعض، وكذلك لو فرض الكلام في مكة في حق أهل البلدان النائية، بحيث يتصور أن لا يخبرهم بها قافلة واحدة واحدة وقافلتان.
وما ذكر رحمه الله من امتناع ذلك لأمر يرجع إلى التلكيف فهذا صيح، لكن في حق من عليه تكليف بمخبر ذلك المخبر كالعلم بمكة، فإن التكليف المترتب عليه شامل، فما المانع أن لا يكون على بعض المكلفين تكليف يترتب على العلم بوجود الرَّي مثلاً أو غيرها من البلدان، فلا يلزم أن يخلق الله العلم الضروري بها عند خبر القافلة، وإن جاز أن يفعله في غيره.
يزيده وضوحاً أنهم قد أجازوا أن يكون في أقاضي الأرض بلد لم يحصل لهم العلم بمحمد عليهم السلام ولا بدعوته ولا يكون عليهم في ذلك تكليف وليس لأحد أن يقول: كيف يصح ذلك والمعلوم ضرورة من الدين أنه مرسل إلى الثقلين؛ لأنا نقول أن تجويز ذلك لا يخرجه عن كونه مرسلاً إليهم لجواز أن يكون شرعه عليه السلام مصلحة لهم مشروطاً بأن يبلغهم ويعلموه ضرورة كما في صدر الإسلام، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى الكل وإن تراخا علم أكثر الناس به صلوات الله عليه إلا بعد مدة، وكان الوجه في صحة ذلك هو أنه لا يمتنع كون شرعه مصلحة مشروطة بالعلم.
وأما الموضع الثالث وهو في أن إجماعهم حجَّة فهذا هو مذهبنا وغليه ذهب أبو علي وأبو عبد الله البصري.
قيل: وقاضي القضاة، وروي عن القاسم عليه السلام أنه ليس بحجة، وقد ضعفت هذه الرواية عنه وتأولها بعضهم على أن مراده أنه لا يحرم مخالفته لا على أنه لا يصح الاستدلال به وتصير بمنزلة الآيات والأخبار التي دلالتها ظنية، فإنه يصح الاستدلال بها ولا يحرم مخالفتها.

قيل: والفرق بينه وبين إجماع الأمة على هذه المقالة هو أن الوعيد ورد على مخالفة إجماع الأمة في قوله تعالى: {له ما تولى ونصله جهنم} حتى لو لم يرد وعيد لكان الإجماعان ظنيين.
والذي عليه أكثر الفرق أن إجماعهم ليس بحج.
لنا: قوله تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم..} إلى قوله /462/ {وتكونوا شهداء على الناس} والاجتباء هو الاختيار، وهو تعالى لا يختار للشهادة إلا العدول وظاهر الآية وإن تناول جميع ولد إبراهيم عليه السلام، فإنه يخرج من عدا أهل البيت بالإجماع لوقوع الاتفاق على أن قول من عداهم ليس بحجة، وإنما الخلاف في إجماعهم، فلو لم يكن حجة لبطلت فائدة الآية.
فإن قال المخالفون شهادتهم على الناس إنما هي في الآخرة وكذلك العدالة.
قلنا: الآية وردت مورد المدح لهم ولا مزيّة لهم بذلك في الآخرة؛ لأن كل أحد يومئذٍ عدل أي ملجأ إلى الصدق، فلا يحتاج إلى من يشهد عليه.
فإن قالوا: الخطاب خطاب مواجهة فلا يتناول إلا الموجودين منهم في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
قلنا: كان يلزم مثله في إجماع الامة؛ لأن قوله تعالى: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس} الآية ونحوا من أدلة الإجماع ظاهرة المواجهة.
والتحقيق أن كل خطاب يتناول أهل العصر الأول فإنه يتناول أهل كل عصر، ولولا هذا لكان لقائل أن يقول: لا يجب علينا الصلاة ولا الزكاة؛ لأن قوله تعالى: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} خطاب مواجهة لا يتناول إلا المجودين حال نزول الآية معلوم.
فن قالوا: إما أن يكون المراد الموجودين حال نزل الآية فقط أو جميع أهل البيت إلى آخر التكليف وكلاهما يبطل غرضكم.
قلنا: لا واحد من القسمين، بل المراد أهل العصر في كل عصر وإلا لزم مثله في إجماع الأمة.
فإن قيل: ما أنكرتم أن المؤمنين كلهم من ولد إبراهيم يوم نزول الآية فيكون المراد بها جميع المؤمنين فيكون أحد الأدلة على إجماع الأمة.

قلنا: لا دليل على ذلك، بل ربما أنها نزلت وقد أسلم كثير من غير ولد إبراهيم كالنجاشي وغيره.
فإن قالوا: ما أنكرتم أن المراد كل المؤمنين ولكن غلب ولد إبراهيم كالنجاشي وغيره.
فإن قالوا: ما أنكرتم أن المراد كل المؤمنين، ولكن غلب ولد إبراهيم وخصهم بالذكر لجلالتهم ولأنهم رأس المسلمين وصار هذا كالخطأ بأن المتوجهة إلى بني إسرائيل فإن المراد بها هم ومن دخل في دينهم.
قلنا: هذا خلاف الظاهر ولا وجه يقتضي العدول عن الظاهر.
فإن قالوا: إنما يكونون معصومين عن الكبائر إذ لا يزيد حالهم عن حال الأنبياء فما أنكرتم أن يجمعوا على ذنب صغير إلا يخرجهم ذلك عن كونهم عدولاً كما أنا نحكم بعدالة كثير من الناس، وإن جوزنا عليهم الخطأ قلنا: شهادتهم أن الشيء حق وليس بحق يخرج في عدالتهم فلا يجوز أن يشهدوا إلا بالحق، ولولا هذا للزم في إجماع الأمة أن لا يكون حجَّة.
دليل، قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} والخطأ رجس فيجب حمل الآية عليه؛ إذ لا يمكن حملها على ذهاب النجاسة.
فإن قيل: بل المراد بالرجس هنا العقاب /463/ في قوله تعالى: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} قالوا: نحملها عليها جميعاً؛ لأنه لا تنافي بين المعنيين ولا أحسن من أن يذهب الله عنهم الخطأ والعقاب جميعاً فهم أهل الذهاب ذلك عنهم.
دليل، لا شك أن الله تعالى أوجب وداد أهل البيت على الإطلاق في قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}، ولو جاز إجماعهم على الخطا لما وجبت مدتهم على الإطلاق لقبح مودة العصاة كما شهد به قوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..} الآية، أجمع الناس على أنها نزلت في الخمسة الأشياخ رضي الله عنهم ومن البعيد في وجوه يباهل بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع على الخطأ.

دليل، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وهذا الخبر مروي في الصحاح متلقى بالقبول، فقد آمنا صلى الله عليه وآله وسلم من وقوع الضلال في اتباعهم والتمسك بهم.
فإنق الوا: إنما يجب التمسك بقولهم إذا وافق الكتاب.
قلنا: وكذلك يجب التمسك بقول غيرهم إذا وافق الكتاب، فلا يكون لهم مزية في ذلك، والخبر ورد مورد المدح لهم .
فإن قالوا: أدلة الإجماع لم تخص قوماً دون قوم.
قلنا: صدقتم ولكن و خص إجماع أهل البيت أدلة مفردة فما المانع من ذلك.
دليل، قال عليه السلام: ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)) وهذا الخبر أيضاً متلقى بالقبول، وفيه تصريح بأن النجاة في اتباعهم والهلاك في التخلف عنهم، وفيه وعيد على مخالفة إجماعهم، وذلك يقتضي أنه حجَّة قاطعة كإجماع الأمة.
دليل، قال عليه السلام: ((أقدموهم ولا تقدموهم وتعلموا منهم ولا تعلموهم)) وهذا تصريح بأن لهم حظ السبق ولغيرهم حظ التبعية، وفي ذلك دلالة على أنهم لا يجمعون على الخطأ، وغلا لم يصح الأمر بتقديمهم والتعلم منهم على الإطلاق.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم)) وكذلك حكمه صلى الله عليه وآله وسلم بكونهم باب حطة ونحو ذلك مما يتعذر استيفاؤه ويطول، وهذه الأخبار ,عن كان فيها ما هو أحادي فإنما أردناها لأنها منفعة المعنى وصار الحال في ذلك كاستدلالنا بنحو: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة من الأخبار الأحادية)).
وقلنا: إنها متفقة المعنى كما يرى من تفاصيل سخاء حاتم وحلم قيس، فبهذا تصير هذه الأخبار دلالة على أن إجماع أهل البيت حجة لو قدرنا أنه ليس هنالك دليل غيرها.

القول في ذكر ما احتجت به المعتزلة وغيرهم
على إمامة أبي بكر رضي الله عنه
اعلم أن الكلام في هذا الباب هو مع من يقول بإمامته من جهة العقد والاختيار، فأما من يقول بها من جهة نص جلي أو خفي فالكلام معه لغو لا ثمرة له؛ غذ لا يشتبه على أحد فساد ذلك
وقد أوردت المعتزلة وغيرهم ثلاث طرق.
الطريقة الأولى: أن قالوا: الأمر الذي يعلم به كون الحال فيه هو النص الخفي أو العقد والاختيار.
قالوا: وقد بطل النص الخفي فيبقى العقد والاختيار وإلا خرج الحق عن أيدي الامة.
والجواب: أن يقول دون إبطال النصوص خرط القتاد، ونحن قد ذكرنا النصوص ووجه دلالتها، فلا نعيده.
الطريقة الثانية: هي ما استدلوا به على أن العقد والاختيار هو الطريق إلى الإمامة من الإجماعات المتقدم ذكرها، ونحن قد أبطلنا ما ذكروه وقلنا: إنه وإن وقع الإجماع على الاختيار فإنه إنما يدل ذلك على حسنه، فأما أنه الطريق إلى الإمامة فلا.
الطريقة الثالثة: هي أن قالوا: قد وقع الإجماع على إمامة أبي بكر رضي الله عنه، فإنه وإن وقع اختلاف يوم البيعة فقد زال من بعد واستقر الإجماع وسكت الكل سكوت رضى وبايع علي أبا بكر وقاتل معه وصلى خلفه وأخذ نصيبه من الفي وقرر أحكامه حين صار الأمر إليه ونحو ذلك مما يدل على أن سكوته سكوت رضى.
والجواب: أنا لا نسلم وقوع الإجماع قط، فإن كثيراً من أئمتنا لعيهم السلام رووا أن علياً ما بايع أبا بكر قط، وغنما أظهر الطاعة فقط.

73 / 75
ع
En
A+
A-