وعلى الجملة: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشهر من هذا الخبر؛ فلأن أمكن إنكار صحة ما هذا احله ليمكننّ في جميع الأحاديث، والمعلوم خلافه، وقد ذكر الإمام المنصور بالله عليه السلام في الشافي يزيد على مائة إسناد من صحيح البخاري ومسلم والنسائي وأبي داود ومسند ابن حنبل ومناقب ابن المغازلي وتفسير الثعلبي وغير ذلك مما يطول ذكره، ثم رفع ذلك إلى اثني عشر ممن سمع النبي صلى الله عليه بقوله.
قال عليه السلام: وهذا قد تجاوز حد التواتر، وظاهر كلامه عليه السلام دعوى الضرورة في هذا النقل وهو الظاهر من كلام أهل البيت عليهم السلام، أعني دعوى التواتر في هذا النقل، ولا أقل من أن يصدقهم في حصول ذلك لهم، فمن حصل له التواتر من أهل زماننا فحسن، ومن لم يحصل له التواتر بأن لا يجد من نفسه العلم الضروري لم يكن له نفي التواتر لجواز أن يكون فقد ذلك في حقه، إما لقصور همته في البحث، وإما لتعذر بعض الطرق التي حصلت للأولين، وهذا ممكن فإن ما طريقة النقل فالضرورة فيه مشروطة بالبحث عن التواريخ والسير، ولهذا لو سألت كثيراً من العقلاء هل حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة بنفسه أم لا لما أمكنه دعوى العلم فضلاً عن الضرورة ومعلوم أن هذا ضروري عند أهل السير والتواريخ.
وأما الأصل الثاني هو أن المولى هنا هو السيد الرئيس الذي يلي التصرف، فدليله أن هذه اللفظة وإن كانت مشتركة بين الناصر والمود وابن العم والمعتق والمعتَق والأولى ونحو ذلك، فقد صار الغالب عليها ما ذكرنا من الرئاسة وولاية التصرف بدليل سبق الفهم إلى ذلك عند قولنا فلان ولي القوم فإنه لا يفهم منه إلا أنه رئيسهم الذي يلي التصرف عليهم يسبق ذلك إلى أهل كل زمان.

وبعد، فلو سلمنا أنه لا يغلب ذلك فقد حصل في الحال واللفظ قرائن تدل على أنه …… إذا ما القرينة الحالية فهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم نزل يوم الغدير نزل مهتم بأمر عظيم، وليس إلا الأخبار بأن علياً مولى لمن هو صلى الله عليه وآله وسلم مولاه، وذلك إنما يكون إذا كان المراد الرئاسة وولاية التصرف؛ لأن ما عدا هذا من المعاني منه ما يعلم بطلانه نحو كونه معتقاً لمن أعتق وكونه ابن عم للناس، ومنه ما هو داخل تحت ما ذكرناه من ونه ناصراً لهم وموداً؛ لأن الأخيار بمثل ذلك لا يحتمل بعظم الموقف والنزول في غير وقته وموضعه وإن احتمل أن /452/ يدخل تحت قوله رئيساً لهم يلي التصرف؛ لأن رئيس القوم أشد الناس عناية في نصرتهم ومودتهم وجلب النفع إليهم معروف عند أهل كل زمان، وأما القرينة اللفظيَّة فهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه)) فإن قوله ألست أولى بكم من أنفسكم قرينة تقتضي أن علياً رضي الله عنه ألوى بهم من أنفسهم أيضاً، وغلا لم يكن في ذكر هذا فائدة.
وقول المخالفين أن سبب ذلك أن زيد بن حارثة قال لعلي في كلام وقع بينهما: لست مولاي وإنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باطل بأن زيد بن حارثة قتل يوم مؤتة، وخبر الغدير بعد حجة الوداع، وأيضاً فلم يكن يخفى على أحد أن مولى الرجل مولى لان عمه، ولهذا يقال: مولا بني فلا، ,عن كان الذي أعتقه واحداً منهم، وإنما الذي يمكن أن يعترض به هاهنا هو أن يقال: إنه صلى الله عليه وآله وسلم أثبت لهم ولاية في أنفسهم في قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم إلا إذا كان لهم في أنفسهم ولاية معه، وإذا كان كهذا لم يصح أن يحمل على معنى الإمامة؛ لأن الأمور التي يليها الإمام ليس لأحد فيها ولاية معه.

والجواب نقول: ليس هذه سبيل أفعل التفصيل في كل بل قد يستعمل مع عدم المشاركة في مافيه التفضيل نحو قواهم الناقص والأشح أعدلا بني مروان، فإنه ليس المراد أن الكل عادل وإن هذين اختصاص بزياة وإنما المراد أنهما العادلان من بينهم، وكذلك قولهم: صهيب أشعر أهل جلدته أي هو الشاعر من بينهم لا أن فيهم شعراً قد فضلهم، وكذلك قولهم: الله أكبر فإنه ورد على جهة المفاضلة وأمثال هذا كثير، ومنه قول الشاعر:
إن الذي سمك السماء بنا لنا .... بيتاً دعائمه أعز وأطول
فإنه لم يرد المفاضلة بعلي هذا يجيء الخبر، فيكون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألست أولى بكم)) بمعنى ألست مولاكم دون غيري.
وبعد، فهب أن الغالب ليس ما ذكرناه ولا في اللفظ قرينة تدل على ما ذكرناه ولا على غيره، فالواجب أن نحمله على ما ليس فيه تناف من هذه المعاني، فنقول: المراد أنه المد والناصر لمؤمنين والذي يلي التصرف عليهم لما تقدم من وجوب حمل اللفظ على كل معانيه إذا زال التنافي والقرينة.
وأما الأصل الثالث وهو أن ذلك هو معنى الإمامة فالذي يدل على ذلك أن لا يعني بالإمامة إلا الرئاسة في هذه الأمور المخصوصة، وهذا ظاهرن والذي يمكن أن يعترض به هاهنا هو ما تقدم من أن ثبوت الولاية المطلقة لا يقتضي ثبوت الولاية المقيدة، فإنا لا نعلم أن الإمام ولاية في هذه /453/ المخصوصة، وهذا ظاهر، والذي يمكن أن يعترض به هاهنا هو ما تقدم من أن ثبوت الولاية المطلقة لا تقتضي ثبوت الولاية المقيدة، فإنا لا نعلم أن الإمامة ولاية في هذه الأمور المخصوصة من ظاهر الآية ولا من ظاهر الخبر، وإنما علمناه بالإجماع المتأخر عن حال ورود الخبر.
والجواب: نجيء عل نحو ما تقدم من أن الخبر يكون مجملاً وبيانه وقع بالإجماع كغيره من مجملات الشرع.

على أنا ندعي أنهم فهموا من قصد النبي صلى الله عليه وسلم المعنى الذي نريده، ولهذا قال عمر لعلي: هنيئاً لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. ولو كان المراد المودة والنصرة لكان لا مزيّة له عليه ي ذلك، ولكان لا معنى للتهنئة بذلك؛ لأن المسلمين كلهم يتوادون ويتناصرون، ولولا هذا لكان عمر رضي الله عنه قد أقر بهذا القول على نفسه إنه لا يود المؤمنين ولا يناصرهم؛ لأن ظاهر كلامه التهنئة لعلي عليه السلام بشيء اختص به، وليس لأحد أن يقول: لو فهموا ذلك من قصده صلى الله عليه وآله سولم لكان النص جلياً إذا فهم ذلك من قصده صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة، فأما إذا فهم استدلالاً بالقرائن فجائز أن يذهب بعضهم عنه، وأن يحمله بعضهم على معنى آخر، وان يخالفه بعضهم باجتهاده وأن يظن بعضهم أنه ليس فيه دلالة على الرئاسة المطلقة.
وعلى الجملة فليس الخطأ في مخالفة النص لأحد هذه الوجوه بمستحيل عليهم وفي محاس الأزهار للفقيه حميد رحمه الله تعالى بإسناده قال: قال حسان بن ثابت في شأن خبر الغدير:
يناديهم يوم الغدير نبيهم .... بخمٍ وأسمع بالرسول منادياً
وقال: فمن مولاكم ونبيكم؟ .... فقالوا ولم يبدوا هناك تعاماً:
إلهك مولانا وأنت نبينا .... ومالك منا في الولاية عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني .... رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
هناك دعا اللهم وال وليَّه .... وكن للذي عادى علياً معادياً
قال رحمه الله تعالى: وهذا دليل على أن حسان فهم من لفظ المولى معنى الإمامة، وفيه بإسناده إلى جعفر بن محمد أنه سئل عن معنى الخبر، فقال: سئل عنه والله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه)).

وفي الشافي للإمام المنصور بالله من تفسير الثعلبي في معنى قوله تعالى: {سأل سائل بعذابٍ واقعٍ} بإسناده إلى جعفر بن محمد، قال: بلغ الحارث بن النعمان الفهري خبر الغدير فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا /534/ أن نصلي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه، وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، هذا شيء منك أم من الله تعالى تعالى؟ فقال: ((والله الذي لا إله إلا هو إنه من أمر الله فوّل الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقوله محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم، فما وصل الحارث راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دربه، ونزلت الآية. فهذه الأمور كلها تدل على أنهم فهموا ما ذكرناه.
النص الثالث مما يدل على إمامته عليه السلام قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).
ووجه الاستدلال بهذا الخبر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أثبت لعلي جميع منازل هارون من موسى إلا النبوة، ومن منازل هارون من موسى استحقاق الخلافة كما قال تعالى: {واخلفني في قومي وأصلح}.
وهذه الدلالة مبنية على أربعة أصول:ـ إحداها في أن الخبر صحيح. والثاني: أنه صلى الله عليه وآله وسلم أثبت لعلي جميع منازل هارون إلا النبوة. وثالثها: أن من جملة المنازل استحقاق الخلافة. ورابعها أن ذلك هو معنى الإمامة.
أما الأصل الأول: وهو في صحته فعليه دليلان: أحدهما إجماع العترة الطاهرة. والثاني: النقل المشهور.

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: فيه من الكتب المشهورة الصحيحة عند المخالفين أربعون إسناداً من غير رواية الشيعة وأهل البيت، ثم قال بعد ذلك: والخبر مما علم ضرورة وفي زيادات شرح الأصول للإمام أبي طالب، قال: أجمع المسلمون على قبوله وتلقيه، والعمل به ولم يذكر التواتر ولا لفظ الضرورة.
قال السيد صاحب شرح الأصول في ساداتنا من ادعى أن الخبر متواتر وفيهم من قال أنه متلقى بالقبول وهو الصحيح هذا كلامه.
وعلى كل حال، فمن ادعى الضرورة فيه من أئمتنا وعلمائنا صدقنا، ومن لم يحصل له الضرورة كفاه الشهرة ولم يكن له نفي التواتر فيه لجواز أن يكون أتي في فقد العلم الضروري من جهة فله البحث وفقد مثل هذا الطرق أعني طرق المدعيين للضرورة.
وأما الأصل الثاني وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أثبت لعلي جميع منازل هارون من موسى إلا النبوة، فذلك ينبني على أن لفظ المنزلة يقتضي الاستغراق.
قال أبو طالب: والعادة جارية باستعمال مثل هذا الخطاب وإن كان المراد المنازل الكبيرة، ألا ترى أنهم يقولون منزلة فلان من الأمير كمنزلة فلان، وإن أشاروا إلى أحوال مختلفة ومنازل كثيرة، قال: ولا يكادون يقولون بدلاً مما ذكرناه /455/ منازل فلان من الأمير كمنازل فلان، هذا كله كلامه عليه السلام.
والذي يمكن أن يعترض به هنا هو أن يقال: أن لفظ إلا ليس للاستثناء هنا، وإنما هي للإستدارك بمعنى لكن، وهذه دعوى؛ لأنا نقول: ظاهر إلا الاستثناء وأكثر ما يرد كذلك وما ذكره الخصم خلاف الظاهر ولا دليل يقتضي العدول عن الظاهر.
وأما الأصل الثالث وهو أن من منازل هارون من موسى استحقاق الخلافة.
فاعلم أن من منازل هارون من موسى كثيرة.
منها الأخوة، ودليل ثبوتها لعلي رضي الله عنه ما هو معلوم مشهور من حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنه آخا بين كل اثنين من الصحابة وجعل علياً أخاه.

ومنها الوزارة وشد الإزر، وهذا أيضاً معلوم ضرورة، فإنه كان عليه السلام أحسن الناس بلاء في الإسلام وجهاداً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي فدى النبي بنفسه وكشف الكرب عنه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها أن هارون كان أحب الناس إلى موسى، وكذلك كان علي أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الأخبار ولحصول أسباب المحبة من الاخوة والموازرة والنسب والمصاهرة وغير ذلك بل هو عندنا أحب الخلق إلى الله تعالى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما ثبت من أن الأفضل، لوما روي في خبر الطائر حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك)) الخبر.
ومنها المشاركة في الأمر أي النبوة، وهذه المنزلة هي التي استثناها صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنها الخلافة كما قال تعالى: {واخلفني في قومي} كما هو مشهور في سبب قصة هذا الخبر، فيجب ثبوت جمي هذه المنازل إلا النبوة، ومن جملتها الخلافة.
وقد اعترض المخالف هذا بأن قالوا: إنما كان ثبت ذلك لعلي من محمد صلى الله عليه وآله وسلم لو كان عاش هارون بعد موسى كما عاش علي بعد محمد.
والجواب: إن في هذا الاعتراض ركة ظاهرة، فإنه ليس من حق اشتراكهما في هذه المنازل أن يشتركا في جميع الأحوال، ولهذا لا يجب أن يشتركا في الطول والقصر ولا في اللون ولا في حسن الصورة ولا في الولادة ولا في كثير من الأمور، فكذلك لا يجب أن يشتركا في العمر، وكان الوجه في كل ذلك أن هذه الأمور خارجة عن المقصود بالمشاركة.
وبعد، فبالاتفاق أن هارون لو كان عاش لكان خليفة بعد موسى، فكذلك علي عليه السلام.
وبعد فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إلا أنه لا نبي بعدي)) إشارة إلى أن علياً يفارق هارون في هذه الخصلة /456/ التي هي كونه يعيش بعد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك محال.

والجواب: أن أئمتنا اختلفوا في ذلك، فقال الجمهور: الدليل قد خص وقت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو الإجماع على أن ليس لأحد أن يتصرف في حياته.
وقال أبو طالب: بل يستحق التصرف في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان غائباً على الحد الذي يستحقه الخليفة من المستخلف، ولكن لا نسميه إماماً حينئّذٍ؛ لأن وقوف يه يد أخرى واتفق الكل من أئمتنا عليهم السلام على أن الاستحقاق ثابت من حال حصول الأدلة الدالة على ولايته عليه السلام، وإنما الخلاف المذكور في نفاذ التصرف.
وأما الأصل الرابع وهو أن ذلك معنى الإمامة، فالذي يدل على ذلك أنه لا فرق في عرف الشرع بين الإمامة والخلافة، وهذا الأصل الذي يمكن الخصوم أن يشعثوا فيه فيقولون: إن الذي ثبت لهارون من موسى هو الخلافة اللغويَّة، فأما هذه الخلافة الشرعية فلم تثبت لهارون من موسى، ولا لموسى ولا لمحمد وإنما الذي ثبت لهم الجميع هو النبوة والإمامة غير النبوة، فأما الخلافة اللغويَّة فقد ثبت لهارون من موسى فلا حرم يثبت لعلي م نمحمد، وغذا كان كذلك لم يصح أن يقال: إن ذلك هو معنى الإمامة؛ لأن الإمامة أمر شرعي ثبت في شرع محمد فقط، بل لم يثبت إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الإمامة وأوصافها وشروطها إنما علمت بالإجماع وهو متأخر عن موت النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي يمكن أن يجاب به هنا هو أن يقول: إنه إذا ثبت الخلافة في الشر هي الولاية المخصوصة، فيجب أن يحمل الولاية المستفادة من الخبر على المعنى الشرعي؛ لأنه الطارئ كما تقدم هذا إن لم يحملها على المعنيين جميعاً، فإنه لا ينافي بينهما بل الواجب ذلك في هذا المكان؛ لأن المعنى اللغوي قد صار داخلاً تحته المعنى الشرعي.
تنبيه

اعلم أن هذه النصوص الثلاثة هي معتمد أهل البيت لظهورها وتأديتها إلى العلم، فأما ما يوصل إلى الظن من النصوص إما بأن تكون دلالته ظنية، وإما بأن تكون مثبتة ظنياً فهي كثيرة نحو خبر الطائر وخبر هويَّ النجم وخبر الأترنجة وخبر المؤاخاة والأخبار الدالة على عصمته /457/، والخبر المروي في قصة قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون الخليفة من بعدي))؟ فقال علي رضي الله عنه أنا، حتى قالها ثلاث مرات لا يجيبه إلا علي ونحو خبر قصة براءة وخبر فتح خيبر وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت سيد العرب)) وكخبر النور وهو ما ذكره الإمام المنصور بالله إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم لم يزل ينتقل من الآباء إلى الأبناء حتى قسمه الله جزئين فجزأنا وجزء علي ففيّ النبوة وفي علي الخلافة)) واستيفاء مثل ذلك يطول.
فصل [في الاستدلال على إمامته عليه السلام بالوصاية]
وذلك ينبني على أصلين، أحدهما: أنه رضي الله عنه وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أن غير الوصي لا يصح أن يكون إماماً مع وجوده.
أما الأصل الأول وهو أنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالذي يدل على ذلك إجماع العترة ومن طريق النقل قد بلغ في الشهرة حداً يقارب التواتر، ذكر المنصور بالله في الشافي ذلك من ست طرق، واستدل على ذلك من جهة الشرع بأن الله أوجب الوصية وحث عليها جميع المسلمين وكيف فيجوز أن يخل صلى الله عليه وآله وسلم بأمر أوجبه على سائر المسلمين.

والمشهور التعارف بين أهل كل زمانٍ أن علياً هو وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا لو سألت المميّز من العوام: من وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ لقال: علي، والإجماع أيضاً على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كان أوصى فإنما أوصى إلى علي رضي الله عنه، ولهذا لا تجد أحداً يضيف الوصية إلى غيره.
وأما الأصل الثاني: وهو أن وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الإمام دون غيره، فالذي يدل على ذلك وجوه أربعة:
الأول: أنه صلى الله عليه وسلم بل الطارف من المسلمين إنما يوصي إلى أعدل الناس عنده وأولاهم بالقيام مقامه في جميع الأمور التي كان إليه التصرف فيها.
والثاني: أن عند الخصوم أن مال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث، وإذا كان كذلك فما الأمر الذي يكون إلى علي الوصاية فيه إذا كان لا يتصرف في أمور المسلمين.
الثالث: أنه قد ثبت في الشريعة أنه إذا كان للرجل ولاية في شيء من الأمور من وقف أو مسجد أو أيتام أو نكاح أ غير ذلك ثم أفضى إلى غيره فإن الولاية في كل شيء تنتقل إلى الوصي، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يلي التصرف في أمور المسلمين فيجب أن ينتقل التصرف إلى وصيه.
الرابع: ما روي عنه عليه السالم أنه لما حكى له يوم السقيفة أن الأنصار قالوا: منا أمير ومنا أمير، قال: فهلا احتججتم عليهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى علي بن أن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم.
قيل: وما وجه الحجة عليهم في هذا؟ فقال رضي الله عنه: لو كانت الأمارة فيهم لم تكن الوصية بهم وهو دليل على أن الإمارة /458/ إنما هي في من أوصاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ثبت أنه رضي الله عنه.

72 / 75
ع
En
A+
A-