قلنا: ليس في اعتبارهم النص الجلي ما يدل على أنهم لا يعتبرون النص الخفي، بل يعتبر الكل لكنهم اكتفوا بالجلي لظهوره عندهم.
والدليل الثاني: على أنها نزلت في علي أن الله تعالى وصفه بصفة لم يوجد في غيره وهو إيتاء الزكاة.
قال الإمام المنصور بالله: وبالاتفاق أن أحداً من لدن آدم عليه السلام لم يؤت الزكاة حال الركوع إلا علي، وقد ثبت بالنقل الظاهر المشهور في كتب أكثر المفسرين وأهل التواريخ، ومن كتب ومن طرق أهل البيت عليهم السلام، ورواياتهم أنها نزلت في أمير المؤمنين، وهو أنه تصدق بخاتمه وهو راكع.
قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب في كتابه زيادات شرح الأصول ما هذا لفظه.
ومنها النقل المتواتر القاطع للعذر أن الآية نزلت في أمير المؤمنين، وهذا تصريح منه بأنه النقل في ذلك متواتراً في زمانا هذا القصور هممنا في البحث أو لعدم أكثر التواريخ في بلدنا، ومن /445/ محاسن الأزهار للفقيه حميد رحمه الله تعالى بإسناده، قال: قال عمر رضي الله عنه أخرجت مالي صقة يتصدق بها عني وأنا راكع أربعاً وعشرين مرَّة على أن ينزل في مثل ما نزل في علي فما نزل.
واعلم أن المخالفين قد اعترضوا هذا الفصل بوجوه قالوا: نزلت والناس بين قائم وراكع وساجد، فوصف الله حالهم ولم ينزل في رجل معين.
قلنا: شهادة نفي وما تقدم يعارضها على أن الواو في قوله تعالى: {وهم راكعون} واو حال، فكأنه قال: يؤتون الزكاة حال الركوع.

وأيضاً فلو كان كما ذكره السائل لما كان لقوله: وهم راكعون فائدة؛ لأن الركوع قد دخل تحت قوله يقيمون الصلاة.
قالوا: المراد الركوع اللغوي الذي هو الخشوع.
قلنا: جمل الألفاظ على المعنى الشرعي أولى من جمله على اللغوي؛ لأن الشرعي في حكم الطارئ، فهو كالناسخ؛ ولأن طريان العرف كالعهد الموجب صرف الخطاب إليه.
قالوا: إنه إذا حمل على المعنى اللغوي كان للفظ فائدة مستقلة، وإذا حمل على الشرع كان في حكم التأكيد؛ لأن الركوع الشرعي قد دخل تحت قوله: {يقيمون الصلاة، والتأسيس في اللفظ عند أهل المعاني خير من التأكيد.
قلنا: مسلم أن التأسيس في اللفظ خير من التأكيد، ولكن عندنا أن لهذا اللفظ فائدة مستقلة إذا حمل على المعنى الشرعي وهي الخالية، وبيان أن المختص بالولاية هو المزكى حال الركوع، يوضحه أنه لم يرد اللفظ لبيان الأخبار بوقوع الركوع، بل الأخبار بأمرٍ يحصل حال الركوع.
يوضحه أنه لم يرد اللفظ لبيان الأخبار بوقوع الركوع، بل الإخبار بأمرٍ يحصل حال الركوع.
قالوا: لسنا نسلم أن الواو للحال، بل هناك إضمار وتقديره والذين هم راكعون، قلنا: الإضمار في اللفظ خلاف الأصل، فلا يعدل إليه إلا لموجب.
قلنا: هي واو العطف لا واو الحال.
قالوا: المروي خاتم ذهب والتختم به غير جائز.
قلنا: بل جائز في صدر الإسلام ويجوز أن يكون جوازه من خصائصه عليه السلام.
قالوا: كان فقيراً لكثرة كرمه فلا يجب عليه زكاة.
قلنا: اختار الله بأنه زكى أصدق من أخباركم بأنه لا يجب عليه زكاة.
على أن أحوال الكريم تختلف في الغنى والفقر وإلا فماذا يتكرم.
قالوا: مد اليد لإخراج الخاتم فعل كثير وهو يفسد الصلاة.
قلنا: صدور هذا القدر من جهته دليل على أن مثل هذا القدر كرفع اليد للحك ولتسوية الرد أو نحو ذلك.
قالوا: لفظ الذين لفظ الجمع وحمله على الواحد خلاف الأصل، فيجب أن لا يصح حمله عليه.

قلنا: بل يصح إذا قام عليه دليل، وقد قامت الدلالة على وجوب حمله على خلاف الأصل، فيجب وفائدة وروده كذلك هو أن يكون النص حفياً لوجه حكمةٍ يعلمه الله ولتعظيم المعنى بالآية عليه السلام كما في نظائره مما يرد النون فيه /456/ للعظم نحو: {إنما نزلنا الذكر} الآية وأشباهها.
قالوا: لم يرد لفظ الذين بمعنى الواحد في اللغة، وإنما ورد نحن وأشباهها، والقياس في اللغة لا يصح خاصة في المجازات.
قلنا: هو ابتداء مجاز كغيره من نظائره.
على أن قد ورد لفظ الذين في الواحد نحو قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} إلى قوله: {وعلى ربهم يتوكلون} فإنها نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين جاءه النذير في بعض الغزوات يخبره أن المشركين قد جمعوا له، فقال: توكلنا على الله وكذلك ورد في قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله..} الآية نزلت في عبد الله بن أبي وهو الذي قال: هذه المقالة وهذا شيء صريح كما ترى، وكذلك ورد في قوله تعالى: {والذين يظهرون} وإن تركت في رجل معين فذلك لا يمنع من عمومها، فكذلك هذه الآية، وإن نزلت في علي لم يمنع ذلك من عمومها عملاً بظاهر قوله والذين آمنوا.

قلنا: نعم ورود الخطاب على سبب لا يلحقه الخصوص إلا إذا قام على ذلك دليل، وقد أقمنا الأدلة على أنه لا يصح عموم قوله: {والذين آمنوا} الآية ونحن نستظهر بالزيادة فنقول: لو عمت لكان الوليّ هو المولى عليه، فيكون تقديره إنما وليكم الله ورسوله وأنتم وذلك مستهجن، وليس للخصم أن يعارضنا بنحو قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين} فنقول: كان يجب أن يكون التقدير يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون أنتم؛ لأنا نقول المراد بالولاية في الآية التي ذكرها السائل المودة والنصرة، فلم يلزم هذا التقدير خلاف هذه الآية، فإن الولاية فيها بمعنى ملك التصرف، فلا يشتبهان من حيث أن المودَّة والمناصرة مفاعلة تثبت في الجانبين، بخلاف الإمامة فإنها تثبت لشخص واحد.
قالوا: خصوص آخرها لا يمنع من عموم أولها كما في قوله: {والمطلقات يتربصن} الآية ونحوها، فيكون المراد بالذين آمنوا كل المؤمنين وبقوله: {وهم راكعون} علياً، فلا يكون مخصوصاً بالولاية.
قلنا: ليس هذا من ذاك؛ لأن قوله: {الذين يقيمون الصلاة..} إلى آخرها نعت للذين آمنوا فلا يصح أن يراد بالنعت غير المنعوت.
على أنا قد بينا أنه منع مانع من عموم أولها.
قالوا: هب أن المراد واحد، فمن أين أنه علي رضي الله عه، وما المانع من أن يكون كل واحد من المؤمنين على البدل؟
قلنا: منع منه الإجماع على أنه لم يؤت أحد الزكاة حال الركوع إلا على عليه السلام، والإجماع على أنه إن كان المراد بها واحداً فإنه علي.
وأما الأصل الثاني وهو أن المراد بالآية هنا ملك التصرف، فهذه هي عبارة أصحابنا.

واعلم أن هذه العبارة وهي قولهم ملك التصرف عبارة موهمة /447/ للملك الحقيقي الذي للإنسان بيعه وهبته، ولهذا يمكن الخصوم التشعيب فيها فيقولون: لم يرد بمعنى المالك للتصرف لا في أصل اللغة ولا في عرفها؛ لأن هذه اللفظة وإن كانت مشتركة بين المود والناصر، والأولى والرئيس الذي يلي التصرف فقد صار الغالب عليها بعرف الاستعمال الرئيس؛ لأنه متى أطلقت فقيل: فلان ولي القوم سبق إلى الأفهام أنه رئيسهم الذي يلي التصرف عليهم كما يقال: ولي الأيتام أي يلي التصرف عليهم، وولي الأوقاف والمساجد، أي يلي التصرف فيها، وعلى هذا ورد قوله: {وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون} أي وما كان لهم فيه تصرف.
وعلى الجملة فذكر الولاية بمعنى الرئاسة في اللغة أكثر من أن يحصى، وعلى ذها ورد قوله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس حين سأله الولاية نفسٌ تنجبها خير من ولاية لا تحصيا، أي م رئاسة وليس لأحد أن يقول اسم الفاعل من الولاية والي لا ولي، والمذكور لفظ الولي لأنا نقول: لا نسلم ذلك؛ لأن فعيل مبالغة فاعل.
اللهم إلا أن يكون هذا هو المستعمل في العرف، أعني مجيء اسم الفاعل في هذا الموضع على والي لا على ولي فحينئذٍ نجيب بوجه وهو أن اسم الفاعل في هذا الموضع إن أضيف إلى المولى عليهم قيل فيه: ولي بلى شبهة، فيقال: ولي القوم ولا يقال: واليهم، وإن أضيف إلى المولِّي له أي الذي جعل له الولاية قيل: والي، ولهذا يقال: والي الأمير على البلد ولا يقال: ولي الأمي على البلد والمذكور في الآية من القبيل الأول، فقال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله..} الآية ولا يصح أن يقال: إنما وليكم؛ لأن عليا ًعليه السلام إنما يكون والياً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يؤكد هذا الجملة المتقدمة ما ذكره الفقيه حميد رحمه الله تعالى في محاسن الأزهار بإسناده، قال: قال حسان بن ثابت في شأن نزول الآية بمدح أمير المؤمنين:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتهي .... وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مدحي والمخبر ضائعاً .... وما المدح في حب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذكنت راكعاً .... فدتك نفوس الناس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولايةٍ .... وبينها في محكمات الشرائع
ووجه الاحتجاج بقول حسان أنه فهم ذلك من معنى الآية ولم ينكر عليه، ومن كتاب الشافي للإمام المنصور بالله، قال: قرأ عبد الله مسعود إنما مولاكم الله ورسوله، وهذا أشد تصريحاً بما يذهب إليه في معنى الآية، فعلى هذا يجيء الكلام في تصحيح هذا الأصل، وقد علمت بما تقدم بطلان كثير مما يمكن أن يتشعب به الخصوم من نحو قولهم: إن الولي لم يرد بمعنى المالك للتصرف /448/ وقولهم أنه ولو ورد فلا دليل على كونه حقيقة، بل هو مجاز لعدم اطراده.
وقولهم: لا نسلم أن ذلك هو الغالب، بل الغالب هو المود والناصر.
وقولهم: إن سياق الآية وسببها يشهد أن المراد المود والناصر، فكلما يرد من نحو هذه الاعتراضات فأبطله بأمر واحد وه وأن يعدل عن قولنا الولي بمعنى المالك للتصرف إلى قولنا المولي بمعنى الرئيس الذي يلي التصرف، وحئنئّذٍ يتوضح كونه مستعملاً وأنه حقيقة وأنه الغالب في الاستعمال، والسابق إلى الأفهام.
ونحن الآن نذكر قاعدة تكون عوناً على صحة هذا الأصل وصحة كثير من مسائل الإمامة.
وهي أن نقول: سلمنا جدلاً أنه ليس الغالب عليها في الاستعمال ما ذكرناه من الرئيس الذي يلي التصرف، فإن من أصول أئمتنا وكثير من الناس أن اللفظة المشتركة إذا وردت ولم يكن بين معانيها تنافٍ ولا ورد دليل على تخصيص بعض معانيها من بعض، فإنه يحتملها على الكل ونحن نحمل الآية على ذلك، فثبتت له كونه موداً للمؤمنين وناصراً ورئيساً يلي التصرف عليهم؛ لأنه لا ينافي بين ذلك.

واعلم أنه قد اختل الناس في هل يصح أن يريد الحكيم باللفظ كلي معنية إذا تجرد عن القرينة حتى يصح أن يحمل عليها أم لا، والظاهر من كلام أهل البيت عليهم السلام وهو قول أبي علي والقاضي والشافعي والباقلاني أنه يصح من حيث القصد ومن حيث اللغة، وعند أبي الحسين الرازي أنه يجوز من حيث القصد لا من حيث اللغة، وعند أبي هاشم وأبي عبد الله والكرخي: لا يجوز لا من حيث القصد ولا من حيث اللغة.
لنا: أما من حيث القصد فهو إن قصد المعنيين مقدوره كما أن اللفظ مقدور وكما يجوز إرادتهما قبل وجود اللفظ يجوز حال وروده، ولا يمنع من ذلك إلا العلم بالتضاد أو ما يجري مجراه، وأما من حيث اللغة فهو أن يجر اللفظ عن القرينة قرينة توجب حمله على كل معانيه.
وبعد، فأما أن لا يحمل على واحد منها وذلك يخرجه عن الإفادة، وأما أن يحمل على بعضها ولا مخصص، وأمَّا أن يحمل على كلها وهو المطلوب، وبعد، فقد اختلف في قوله تعالى: {ثلاثة قروء} هل هو الطهر أو الحيض، وكلا القولين صواب وإنما يكون صواباً إذا أراده الله تعالى.
وبعد، فقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يقتضي حمله على الصلاة بمعنى الدعاء وبمعنى الرحمة، وكذلك قوله تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات..} الآية يقتضي حمله على السجود الشرعي وعلى السجود اللغوي؛ لأنه ليس الكل فعل السجود الشرعي.
وبعد، فإذا قال: أنت طالق إذا رأيت لوناً طلقت برؤية أي لون كان.
وبعد، فقد قال سيبويه: قول العرب الويل لك دعاء وأخبار ، وهذا تصريح بما يريده.
حجَّة أبي الحسين والرازي أنه لا يجب من وضع اللفظ على معنيين على البدل وضعه لهما على الجمع /449/ ولنا أن نجيب بأنه غير واجب كما ذكروه وإنما هو جائز وكلامنا في الجواز لا في الوجوب.

قالوا: اللفظ إما أن يوضح لإفادة الأفراد فقط أو لإفادة المجموع فقط أو لإفادة الإفراد والمجموع على الجميع أو فإفادة الإفراد والمجموع على البدل إن كان الأول فاستعماله في المجموع مجاز، وإن كان الثاني فليس بمشترك؛ لأن مفهومه يصير واحداً كالتلق وإن كان الثالث فهو محال؛ لأن معنى إفادة المجموع أنهلا يحصل الاكتفاء إلا بالمجموع، ومعنى إفادته للإفراد أنه يحصل الاكتفاء بكل واحد منها، وإن كان الرابع فاستعماله في المجموع ليس استعمالاته في جميع مفهوماته، بل تكون إفادته للمجموع بعض مفهوماته.
ولنا أن نجيب بأنا نختار القاسم الرابع ونقول: استعماله في المجموع وإن كان بعض مفهوماته، لكن كلامنا في مفهوماته التي هي إفراد المجموع، فمتى استعملناه في المجموع فقد استعملناه في جميع تلك المفهومات التي هي إفراد ذلك المجموع، وإن كان استعماله في الواحد من تلك الإفراد مفهوماً زائداً.
حجّة الشيخ أبي هاشم أن أحدنا يجد من نفسه تعذر إرادة المعنيين كتعذره الجمع بين الاستحقاق والتعظيم.
والجواب: لا يسلم أن أحدنا يجد من نفسه ذلك، بل ربما يجد من نفسه جوازه، وأما الاستحقاق والتعظيم فلأن بينهما ما يجري مجرى التضاد إذا ثبت هذا قلنا: إن لفظ الولي وإن كان مشتركاً بين معانٍ فإنا نحمله على ما ليس فيه تنافٍ منها فيحصل غرضنا من الآية اقتضت لعلي رضي الله عنه الولاية التي هي الرئاسة، وإن اقتضت غير ذلك معه.
وأما الأصل الثالث وهو أن ذلك معنى الإمامة، فالذي يدل ذلك أنا لا نعني بالإمامة إلا الرئاسة في أمور مخصوصة، وهذا واضح، والذي يمكن الخصم أن يقول: هاهناأن الآية وإن اقتضت ثبوت ولاية له عليه السلام، فإنما تقتضي ولاية مطلقة وترفاً مطلقاًن وليست تقتضي الولاية في هذه الأمور المخصوصة، وليس يلزم من ثبوت الولاية المطلقة ثبوت الولاية المقيدة كما لا يلزم من ثبوت الولاية في النكاح ثبوت الولاية التي هي الإمامة.

ولعل الجواب: هو أن نقول: إن الآية إنما تقتضي ثبوت ولاية مطلقة كما ذكره السائل، لكنه لا يلزم من ذلك أكثر من كون الآية مجملة ونحن نلتزم كون الآية مجملة ونقول: إن الإجماع قد بينها لوقوع الإجماع على أن ولاية الإمام إنما هي في أمور مخصوصة.
وبهذا تجنب ول قال القائل: إنا إنما علمنا وجوب الإمامة وأوصافها وشروطها وكونها ولاية في هذه الأمور المخصوصة بالإجماع وهو متأخر عن حال نزول الآية، ومن حق فائدة الآية أن يعلم حال نزولها فنقول: إن فائدة الآية قد علمت حال نزول الآية على الإجمال فاقتضت ثبوت رئاسة له عليه السلام مطلقة مجملة /450/ ثم جاء الإجماع بينها، ومن أصولنا جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
ويمكن الجواب عن أصل السؤالين بوجه آخر وهو أن نقول: إنها إذا اقتضت ثبوت الولاية المطلقة بشخص معين اقتضى ذلك عموم الولاية في كل شيء إلا ما خصه الدليل أو الإجماع قد أخرج ما عدا هذه الأمور المخصوصة حتى لولا الإجماع لثبتت الولاية في أمور المسلمين كلها دينيها ودنيويها، غلا أن هذا الجواب يمكن أن يعترض بأن يقال: إنه يبنى على القول بأنه لا فرق بين اللفظ المطلق واللفظ العام، والصحيح أن بينهما فرقاً.
وحاصل المسألة في الفرق بينهما هو أن يعلم أن مفهوم كون الشيء واحداً أو أكثر كالإنسان مثلاً مغاير لمفهوم حقيقة ذلك الشيء من حيث هو هو، وغنما كونه واحداً أو أكثر ملازم له بمنزلة كونه موجوداً أو معدوماً أو قصيراً أو طويلاً، والمفهومان وإن كانا متلازمين فإنهما متغايران، فمن هنا ظن كثير من الناس أنه مفهوم واحد.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن اللفظ في دلالته على ما هذه سبيله له خمس حالات تختلف عليه التسمية باختلافها:
الأولى: أن تدل على تلك الحقيقة من حيث هي هي فقط من غير أن يكون فيه قيد من قيود تلك الحقيقة.

فهذا هو اللفظ المطلق،وبهذا يعلم بطلان قول من يجعل المطلق هو اللفظ الدال على واحد لا بعينه؛ لأن كونه واحداً لا يعينه؛ لأن كونه واحداً وغير معين قيدان زائدان على الماهية.
الثانية: أن يدل على تلك الحقيقة مع قيد فردية غير معينة، وهذا هو النكرة.
الثالثة: أن يدل على تلك الحقيقة مع قيد فردية معينة، وهذا هو المعرفة.
الرابعة: أن يدل على تلك الحقيقة مع قيد كثرة معينة، وهذا هو أسماء العدد.
الخامسة أن تدل على تلك الحقيقة مع قيد كثيرة غير معينة، وهذا هو اللفظ العام.
إذا ثبت هذا عرفت أن الآية ولو اقتضت ثبوت الولاية المطلقة لأمير المؤمنين لم يكن حملها على الولاية في جميع الأمور؛ لظهور الفرق بين المطلق والعام، فيكون المعتمد في الجواب ما تقدم.
النص الثاني: مما يدل على إمامة أمير المؤمنين قوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) الخبر بطوله.
ووجه الاستدلال بهذا الخبر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أثبت لعلي كونه مولى لجميع المؤمنين كما أن الله مولاهم ورسوله والمولى هنا هو السيد الرئيس الذي يلي التصرف، وذلك هو معنى الإمامة.
وهذه الدلالة مبنية على ثلاثة أصول:
أحدها في بيان صحة الخبر.
وثانيها أن المولى هنا هو السيد الرئيس الذي يلي التصرف، وهذا أولى من أن يقول هو المالك للتصرف لما تقدم من إيهام هذه العبارة وإمكان التشعيب فيها.
/451/ وثالثها أن ذلك هو معنى الإمامة.
أما الأصل الأول وهو أن هذا الخبر صحيح، فالذي يدل على ذلك وجهان0: أحدهما إجماع العترة الطاهرة، وسيأتي بيان كونه حجة.
والثاني: النقل الظاهر المشتهر المتلقى بالقبول المخرج في الصحاح وغيرها من كتب الحديث.

71 / 75
ع
En
A+
A-