ومنها أنه أوَى الحكم بن أبي العاص وهو طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولا مروان بن الحكم أمر نفسه ودفع إليه خاتمه حتى أمر بقتل محمد بن أبي بكر وغيره، وكان هو السبب في الحصار، وفي أكثر الفتنى، فلم يقتله عثمان ولا عزره، وذلك فسق منه.
والجواب: أما إيواءه للحكم فلأنه روي أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رده فأذن له فلم يقبل قوله أبوب كر وعمر حتى أفضى إليه الأمر فعمل بما علم.
وأما توليته مروان فلأنه أحسن به الظن كغيره ممن تقدم ذكره، وأما أنه الذي كتب في قتل محمد بن أبي بكر وغيره فلعله لم يتوضح لعثمان ذلك من حاله /422/ وإنما وجد خط وعليه خاتم عثمان فخلف عثمان ما كتب ولا أمر فصدقه الصحابة وعذروه وطلب أهل الحصار أن يدفع إليهم مروان لغلبة ظنهم أنه الذي كتب لأنه يشبه خطه والخاتم كان معه، فلم ير عثمان تسليمه إليهم؛ لأنه لم يتيقن ذلك من حال مروان وإن غلب في ظنه، وذلك هو الواجب؛ لأنه كيف يدفع إليهم رجلاً يقتلونه لأجل ظنهم ظنه.
ومنها ما روي أنه أحرق المصاحف وجمع الناس على قراءة زيد، قالوا: واحرق المصاحف فسق بل كفر.
والجواب: إنما يكون كفراً إذا قصد الاستخفاف، وأما إذا قصد تحصينه من الاختلاف وجمع الناس على قراءة واحدة للمصلحة فلا عتب فيه.
يوضحه أنه لم ينكر عليه أحد من الصحابة إلا ابن مسعود، وأيضاً فإذا جاز لأحدنا تخريب المسجد ليبنيه بناء حسناً جاز إحراق المصاحف للمصلحة وإن كان غير الإحراق أولى منه كالبل والتمزيق لبشاعة الإحراق وإيهامه الخطأ.
ومنها أنه ضرب ابن مسعود بالدرة وهو من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى روي أن ابن مسعود كان يكفره ويسبه.
والجواب: قال أبو علي: لم يصح أنه ضرب ابن مسعود ولا أنه كان يسبه وإنما هي رايات من يريد التنفير عن الصحابة.
قال: وقد روي أن ابن مسعود كان يغلظ الكلام على عثمان لأجل أنه عزله ونقص من عطائه.

قال: وقد روي أن بعض غلمان عثمان لما سمع كلام ابن مسعود ضربه فأنكر عثمان رضي الله عنه فعل غلامه واعتذر إلى ابن مسعود فلم يقبل عذره وكان يسلم فلا يرد ابن مسعود السلام، وهذا كله إن ثبت فالخطأ فيه من ابن مسعود؛ لأن عثمان إن كان الإمام فهو أفضل من ابن مسعود، وكان الواجب أن يقبل عذره.
وعلى الجملة، فمع هذه الاحتمالات وحسن الظن بالصحاب لا يمكن القطع على فسق عثمان.
ومثل هذا الجواب عن قولهم أنه ضرب عماراً فإنه لم يصح ذلك، قال الحاكم وأبو لعي: وقد روي أنه لما حوصر عثمان ذكر له قصة عمار فاعتذر وقال: السبب في ذلك أنه أتاني سعيد وعمار وأرسلا إلي من باب الدار أن ابرز إلينا نذاكرك في أشياء فعلتها فأرسلت إليهما أني مشغول فانصرفا إلى الغد، فانصرف سعيد وأنا عمار فأعدت الرسول مراراً فلم يذهب فيناوله الغلام بغير أمر أمري والله ما أمرت وها أنا ذا فليقتص مني عمار، وهذا غاية الاعتذار من عثمان رضي الله عنه، لا يثبت بذلك خطؤه فضلاً من فسقه.
ومنها ما روي في قصة أبي ذر أن عثمان أشخصه من الشام لهوى معاوية ونفاه إلى الربذة.
والجواب: قال أبو علي: ليس بصحيح والرواية الصحيحة أن معاوية كتب من الشام يشكوا أبا ذر فبعث إليه عثمان /423/ يسأله أن يصير غلى المدينة، فلما وصل المدينة قال له عثمان ما أخرجك إلى الشام؟ قال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج عنها، فلذلك خرجت، قال: فأي البلاد أحب إليك بعد الشام قال: الربذة، قال: فصر غليها إن شئت، وقد روي أنه قيل لأبي ذر، أعثمان أنزلك الربذة؟ قال: لا بل اخترت ذلك، وروي أنه قال: أخبرني عثمان أن أنزل حيث أشاء فاخترت الربذة، قال: ولو قدّرنا صحّة ما رووه من جميع ذلك فللإمام أن يفعله إذا رآه مصلحة وأن يؤدب من أغلظ له الكلام، وربما أنه رأى إخراجه صلاحاً لئلا ينفر الناس من طاعته ويصغر هيبته وقدره عند الناس.

ومنها: ما رووا أنه عطل الحدود فعطل الحد في عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان بعد إسلامه، فلم يقده منه، وكان أمير المؤمنين يطلبه للقصاص فلحق بمعاوية وأراد أن يطل الحد في الوليد بن عقبة حتى حدَّه أمير المؤمنين.
والجواب: قال أبو لعي: لم يكن للهرمزان ولي يطلب بدمه، والإمام ولي من لا ولي له، وحينئذٍ فللإمام أن يقتل وله أن يعفوا.
وقد روي أنه استشار الصحابة في العفو عنه ورأى العفو وعلّل ذلك بأن قال: يبلغ العدو أن الملمين قتلوا إمامهم وابنه إمامهم وابنه فيشمت أهل الكفر واستحسنت الصحابة ذلك فعفا عنه وأخذ منه الدية إلى بيت المال، قال: ولم يثبت أن أميراً المؤمنين كان يطلبه ليقتله؛ لأنه لا يجوز قتل من قد عفا عنه ولَّى المقتول، وإنما روي أن أمير المؤمنين ، قال: لو كنت مكان عثمان لقتلته، وذلك كان أقوى في الاجتهاد عند أمير المؤمنين رضي الله عنه.
وقال: وأما الوليد بن عقبة فإنما حده علي بأمر عثمان.
ومنها أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة وأنه دفع إلى أربعة نفر أزواج بناته أربعمائة ألف دينار والتبذير في بيوت الأموال فسق.
والجواب: أنه ثبت أنه أعطاهم، فلم يثبت أنه أعطاهم من بيت المال، وجائز أن يعطي من ماله، فقد كان له مال عظيم كغيره من الأكابر.
على أنه لا يمتنع أن يراه مصلحة أن يعطى من بيت المال أو لعله استقرض ذلك من بيت المال وأكثر ما فيه أنه أخطأ فلا دليل على الفسق.
ومنها ما رووا أنه منع الناس من الرعى في أرض مخصوصة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الناس سواء في الماء والكلا)).
والجواب: إن ثبت ذلك فقد روي أنه قال: (منعتها لإبل الصدقة) وذلك جائز إذا رآه صواباً وأكثر مافيه الخطأ.
وقد روي أنه لما أنكر عليه ذلك استغفر الله وتركها بعد أن اعتذر أنه منعها لإبل الصدقة.
ومنها أن أكابر الصحابة كانوا بين قاتل له وراض بقتله وخاذل له، وذلك دليل على فسقه ومخالفته.

والجواب: قالت المعتزلة: المشهور أن الصحابة لم يقتلوه ولا أمروا بقتله وإنما لم يقاتلوا معه لأنه أمرهم بترك القتال خشية انتشار الفتنة، ولم يعلم ولا علموا /424/ أن الأمر ينتهي إلى القتل، والمروي أن الحسن والحسين كانا يقاتلان معه في الدار، فلما تضايق الأمر أرسل عثمان الحسن إلى أبيه أن قل له يأتيني فحين نهض ليأتيه أتاه العلم بقتله فقاتل القتلة وقال: اللهم إني أبرأ إليك، وروى أنه رضي الله عنه سأل عن سبب خذلانه لعثمان، قال: إن عثمان قال: من سل سيفاً في هذه الوقعة فليس مني، فلذلك تركناه ولم نعلم أن الأمر ينتهي إلى القتل، ثم قال: اللهم العن قتلة عثمان في البر والبحر.
فإن قيل: لماذا نسب إلى علي القتل؟
قلنا: نسبه إليه أهل الغواية ليجدوا سبيلاً إلى مخالفته وطلب الدنيا كمعوية وأشباهه.
فإن قيل: فما باله لم يعد من قتلة عثمان.
قلنا: لوجهين: أحدهما أنه لم يتعين قالته وإنما دخل عليه أعلاج لم يدر أيهم قاتله.
الثاني: أن علياً كان الإمام وليس للإمام أن يعيد من قتله إلا بعد أن يخاصم أولياؤهم ويقيموا الشهادة على قاتله ولم يكن شيء من ذلك، ولهذا روي أنه رضي الله عنه قال لبني أمية: إن كان لكم دمٌ عند أحد فخاصموه إلي حتى أقضي فيه بحكم الله تعالى.
فصل [فيما يطعن به أهل الزيغ على أمير المؤمنين رضي الله عنه]
اعلم أنه أجل قدراً وأشهر فضلاً من أن يطعن عليه أو يدعي كفره أو فسقه، لكنا نجيب عما قالوه ليظهر بطلانه وضعفه، وقد نقموا لعيه وجوهاً منها قتاله لأهل الصلاة من أمة محمد عليه السلام.
والجواب: قد قامت الأدلة على صحة إمامته وعظم سابقته ، بل على عصمته فالخطأ على من قاتله لا عليه.
وبعد، فقد قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..} إلى قوله: {فقاتلوا التي تبغي} ولا بغي أعظم من الخروج على إمام المسلمين.

وبعد، فقد قال النبي عليه السلام: ((سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)) وقال عليه السلام: ((سيكون هنات وهنات بعدي فمن أراد أن يفرق بين هذه الأمة وهم جمع فاضربوه بالسيف كائناً نم كان)) ولا فرقة أعظ من الخروج على الإمام.
وبعد، فقد قال أبو بكر رضي الله عنه: إنكم تقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وتضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما من قوم يعلمون بالمعاصي ثم لا يغيرون إلا ويوشك أن يعمهم الله بعقاب)) وأمير المؤمنين إنما قام في تغيير المنكر حتى قال الفقهاء: لو لا سيرة أمير المؤمنين في البغاة ما علمنا كيف يحكم فيهم.
وبعد، وقع الإجماع على صحة مقاتلة اللصوص وهم من أهل الصلاة، فكذلك أهل البغي أولى وأحرى، ولهذا قال عليه السلام: (ليس إلا مقاتلتهم أو الكفر بما أنزل على محمد) وقال: (والله ما لمن فارق الحق إلا ضرب العنق).
وبعد، فقد تابعه على فعله أكابر المهاجرين والأنصار أهل بدر وغيرهم، وروي أنه قال لأصحابه: (أتروني عدلاً؟ قالوا: نعم ولو كنت غيرة لك لقومناك /425/ بأسيافنا، فقال: الحمد لله الذي جعلني بين قوم لو أردت غير الحق لقوموني بأسيافهم).
ومنها أنه أراد أن يتزوج من بني المغيرة ومعه فاطمة فاستأذن النبي صلى الله عليه وآله ولسم فغضب فصعد المنبر وقال: ((إن ابن أبي طالب يستأذنني أن يتزوج من بني المغيرة ولا آذن بم لا آذن وغنما فاطمة مني يزينني ما زانها ويؤذيني ما آذاها اللهم إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم)).

والجواب: أنه لا يصح شيء من هذه الروايات وإن صح فإنما أراد أن يستأذن النبي فإن أذن فعل وإلا فلا، ومن البعيد أن ينكر النبي هذا الإنكار في أمر هو له حلال من الله وأكثر مافيه أنه هفوة من لعي أن يجمع بين فاطمة وبين بنت أبي جهل أو يرضى بها بدلاً منها، ولهذا رووا أنه قال النبي في آخر كلامه: ويأبى الله أن يجمع بين بنت وليه وبنت عدوه.
ومنها قصة التحكيم قالوا: فحكم وهو يعلم أنه على الحق وأيضاً فإنه رضي بأبي موسى وعمر وهو يعلم قصورهما عن هذه المرتبة، قالوا: وهذا يقتضي أنه شك في نفسه وهذا خطأ.
والجواب: أنه رضي الله عنه لما غلب على رأيه في التحكيم حكم خشية المضرة على المسلمين إن أبا ذلك فقد روي أنهم أرادوا قتله وكادت الفتنة تظهر بين أصحابه وظن أنهما لا يحكمان إلا بالحق.
وبعد، فقد علم أن كتاب الله يؤكد إمامته ووجوب طاعته فعدل إليه لأنه أسهل من القتال لا سيما في دفع الفتنة بين أصحابه، وبعد، ففي الحكم بكتاب الله إزالة لشبهة المخالفين من أهل الشام فهو يجري مجرى المناظرة وهو إنما رضي يحكم الله تعالى.
وبعد، فقد أجاز الله التحكيم في كتابه فقال: {فابعثوا حكماً من أهله..} الآية، وقال: {يحكم به ذوي عدل منكم} وأما أنه رضي بمحو اسم أمير المؤمنين من صحيفة الصلح، فإنما فعله لأنه رآه أصلح، وقد صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم صلح الحديبية على مثل ذلك ولم يدل على أنه شك في نبوته وأخبر علياً يوم الحديبية بأنه يجري لك مثل ذلكن فجرى يوم صحيفة التحكيم، وأما قولهم كيف رضي بتحكيم الفسقة كعمرو وأبي موسى فلم يرض به، ولكنه أكره عليه، ولهذا كان هواه في أن يحكم ابن عباس أو الأشتر فأبا أصحابه إلا أبا موسى.

وأما الباب الثالث وهو في الآثار الواردة في النبي عن سب الصحابة رضي الله عنهم
فهي أكثر من أن تحصى، ولكنا نذكر قلياً.
منها ما روى أبو سعيد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدائحهم ولا نصيفه)).
ونه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله اختارني واختار لي أصحابي وجعل لي وزراء وأظهاراً مفن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين /426/ لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً)).
عبدالله بن المغفل عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((الله الله في أصحابي لا تتخذوهم عرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فبغضي أبغضهم)).
أنس عه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تسبوا أصحابي فإنه يجيء في آخر الزمان قوم يسبون أصحابي فإن مرضوا فلا تعودهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم)).
عبد الله بن سلام، عن أبي سعيد: ((لا تسبوا أصحاب محمد فوالله لئن سلكتم طريقتهم لقد سبقتم سبقاً بعيداً؛ ولئن أخذتم يميناً أو شمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً)).
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عنه عليه السلام: ((شرار أمتي أسبهم لأصحابي)).
جابر عنه عليه السلام: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله ومن حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة)).
أبان بن عباس، قال: أشهد أني سمعت أنس بن مالك يقول: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول وقد غضب من شيء جرى بين أبي بكر وبين رجل فقال وقد ظهر الدم في وجهه: ((ويحكم ذروا أصحابي وأصهاري واحفظوني فيهم فإنه من حفظني فيهم كان من الله عليه حافظاً)).
ابن عمر، عنه عليه السلام: ((لا تذكروا مساوئ أصحابي فيختلف قلوبهم واذكروا محاسن أصحابي تأتلف قلوبكم)).
وابن عباس عنه عليه السلام: ((كفا بالمرء نفاقاً أن يسب البدريين)).

وبالجملة فعلى المرء أن ينظر في مكانهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفضائلهم ثم ينظر في حال نفسه فإن وجدها خيراً منهم فليحمد الله على أن عصمه وجعله خيراً من أصحاب نبيه وإن وجدهم خيراً منها فليعرف لهم قدرهم ويترك الحسد والبغي والغي يعوذ بالله منه)).
وأما الباب الرابع وهو في إقامة الدلالة على تزكيتهم والترضية عليهم
فإنه إذا تظاهرت الأدلة في تزكيتهم جملة وتفصيلاً ولم يرد دليل ينقل عن ذلك بطل قول من يفسقهم، ووجب على كل مسلم يعظمهم وموالاتهم كغيرهم من سائر المؤمنين، وإنما نورد في هذا الباب اليسير من ذلك على الجملة دون ما يختص كل واحد منهم من الفضائل حسنة التطويل ونحن نذكر من ذلك ما ورد ي الكتاب والسنة والقياس وما ورد عن أفاضل أهل البيت عليهم السلام.
فصل
وأما ما ورد من الكتاب في ذلك فنحو قوله: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} ونحو قوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذا يبايعونك تحت الشجرة}، وقوله: ورضوا عنه، ونحو قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وهو خطاب مواجهة يدخل في الصحابة لا محالة، ونحو قوله: {والسابقون أولئك /427/ المقربون} ولا سبق فوق سبق المهاجرين الأولين ونحو قوله: {هو الذي أيدكم بنصره وبالمؤمنين..} الآية ونحو قوله: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا}.
فصل

وأما السنة فنحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)) وقوله: ((احفظواني في أصحابي فلو أنفق أحدكم ملئ الأرض ذهباً ما بلغ مدا أحدهم ولا نصيفه)) وقوله: خياركم القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم..)) الخبر، وقوله: ((لن تجتمع أمتي على ضلالة)) ونحوه مما يدل على أن الإجماع حجَّة ومعلوم أنه لا ينعقد في عصرهم إلا بقولهم، ولو كانوا فساقاً لا يعقد وإن خالف أحدهم، وقوله: لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالاً من ماله رحم الله عمراً يقول الحق وإن كان مراً رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة، رحم الله علياً يدور مع الحق حيث دار)). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((احفظوني في أصحابي وأصهاري لا يظلمنكم أحد منهم بمظلمة فإنها مظلمة لا توهب يوم القيامة))، وعنه عليه السلام في خطبته: ((أيها الناس إني راض عن أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن والمهاجرين فاعرفوا ذلك لهم)).
فصل
وأما طريقة الاعتبار فهو أن من فحص عن أحوالهم وجدهم قد اتصفوا بصفات ليست إلا لأهل الفضل.
منها صحبة الرسول لهم ومحبتهم له لا شك في ذلك وإلا لم يكونوا يبذلوا مهجهم بين يديه ويهون عليه قتل الإباء والأولاد والأخوة ي نصرته وهذا غاية المحبة والطاعة.
ومنها السعي في إظهار دين الله وإقامة عمود الدين خاضوا غمرات الموت في ذلك حتى أحيا الله بهم الحق وأمات الباطل.
ومنها الجهاد في سبيل الله وقتل الأقارب على الحق.
ومنها المواساة بالأموال والأنفس والإنفاق في سبيل الله حتى كانوا يتنافسون في ذلك وأنزل الله: {لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح..} الآية.
ومنها ما يختصون به في أنفسهم من العلم والزهد والصبر والسخاء والنجدة والورع والتواضع كما هو مشهور في سيرهم.
فصل

وأما ما ورد عن أمير المؤمنين فيهم فهو ضربان: جملي وتفصيلي.
أما الجملي فهو أن الظاهر من حاله رضي الله عنه المناصرة لهم والمعاضدة لهم والمشاورة والمدح والصلاة خلفهم والدعاء لهم باسم الخلافة، وخرج مع أبي بكر في قتال أهل الردة وأخذ نصيبه من الفي حتى كانت الحنفيَّة أم ولده محمد من سبايا أهل الردة والمشهور من حال عمر رضي الله عنه التعويل عليه ومشاورته والتعويل عليه في المهمات والرجوع إليه في المعضلات.
وعلى الجملة فمعاملته لهم /428/ تخالف معاملته لمعاوية وعمرو بن العاص ونحوهم ممن كان يعتقد فسقهم.
وأما التفصيلي فمن ذلك ما رواه سويد بن أبي غفلة، قال: مررت بقوم ينتقصون بأبي بكر وعمر فدخلت على أمير المؤمنين فحكيت له وقلت له: لولا أنهم يرون أنك تضمر لهم أمثل ما أظهروا ما اجتروا على ذلك، فقال رضي الله عنه: أعوذ بالله أعوذ بالله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل أخوا رسول الله وصاحباه ووزيراه، ثم نهض باكياً وصعد المنبر فخطب وقال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش بما أنا منه متنزه، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن ولا يبغضهما إلا منافق فاجر، صحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصدق والوفاء، ثم أطال في مدحهما وتهدد من يعود إلى الوقوع فيهما.
ومنه ما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده أن رجلاً من قريش أتى أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: سمعتك تقول: اللهم أصحلنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، قال: من هم الخلفاء الراشدون؟ قال: حبيباي أبو بكر وعمر إماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اقتدى بهما فقد هدي إلى صراطٍ مستقيم.

67 / 75
ع
En
A+
A-