وبعد فاسم الأذية إنما يتناول الآلام والغموم النازلة لأجل أخذ المال أو الغرض وسائر المضار، فأما ما يتعلق بالديانة والجهل بالإمامة والخطأ فيها فلا يوصف بأنه أذية، لا سيما وسنوضح من حال أمير المؤمنين ما يدل على أنه لم يكن يفسقهم ولا يذمهم، وأنه كان يواليهم ويمدحهم ويشير عليهم ويصلي خلفهم ونحو ذلك مما يدل على أنهم لم يكونوا عنده بهذه المنزلة.
الباب الثاني في الجواب عما طعنوا على كل واحد من الصحابة رضي الله عنهم، وعما يطعن به أهل الضلال في إمامة أمير المؤمنين رضي الله عنه.
أما أبو بكر فقد استدلوا على فسقه بوجوه منها: قصته مع فاطمة رضي الله عنها في فدك، قالوا: فإنه ظلمها حقها وردها خائبة واستخف بها.
والجواب: أما كون استخف بها فذلك فسق لا محالة لو ثبت، لكن من البعيد أن يستخف بابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن يقصد ظلمها في أول حكم حكم به في الإسلام لا سيما مع معرفته بعزة بني هاشم وحرمة رسول صلى الله عليه وآله وسلم وكون معه ما يغنيه عن ظلمها والاستخفاف بها، فهذا شيء لا يظن صدقه ولو حصل الظن به لم يثبت به فسق لاحتياج التفسيق إلى دليل قاطع، وأما كونه لم يحكم لها في فدك فنهاية الأمر أن يكون مخطئاً كما في مسألة الإمامة، فلا دليل على أن ذلك الخطأ فسق.

قالت المعتزلة: المروي أنها رضي الله عنها ادعت أولا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحلها فدك، وجاءت بعلي شاهداً وبأم أيمن /416/ فقال لها أبو بكر: يا ابنة الصفوة ائتيني برجل مع الرجل أو بامرأة مع الامرأة فلم تجد ذلك، ولم تكن فدك تحت يدها فتكن معها ظاهر اليد فعدلنا إلى دعوى الإرث، فروى أبو بكر الخبر: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة)) واستشهد على ذلك جماعة من الصحابة فشهدوا أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ولا شك أنا إذا فرضنا أن أبا بكر سمع هذا الخبر من رسول الله صلى الله عليه وآله ولم روى له فإنه لا يجوز له أن يحكم لها والحال هذه سواء كان الخبر ناسخاً أو مخصصاً، وعلى كل حال فإن كان عذره في دفعها صحيحاً فإنه يخرج به عن الخطأ وغلا فلا أقل من أن يخرج به عن الفسق.
فإن قيل: كيف يصح تقدير صحة عذره مع أن فاطمة رضي الله عنها معصومة لا تدعي إلا الحق.
قلنا: غير ممتنع أن يكون الواجب أن يحكم بظاهر الشرع في حق المعصوم وغيره.
وبعد، فلعله كان لا يعتقد عصمتها وليس خطأه في هذا الاعتقاد بأعظم من خطأه في اعتقاد أنه هو الإمام، وربما أن يكون قد اعتقد عصمتها، لكن عن الكبائر كعصمة الأنبياء وجوّز أن يكون في أفعالها ما هو صغير، وبالجملة فإن كان سمع الخبر من النبي عليه السلام أو غلب على ظنه صدقه فإنه ليس له أن يحكم بخلافه.
فإن قيل: أليس قال تعالى: {وورث سليمان داود} وقال: {فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب} فكيف يغلب على ظن أبي بكر رضي الله عنه صدق الخبر والحال هذه؟

قلنا: لتجويزه أن يكون المراد يرث النبوة بدليل أنه خص سليمان بالإرث دون سائر أولاد داود، بدليل قوله تعالى في الآية الثانية: {ويرث من آل يعقوب} وكما قال تعالى: {وأورثنا الذين اصطفينا من عبادنا} وقال: {وأورثنا بني إسرائيل الكتاب ونحو ذلك} وكذلك فإنه ترك السيف والبغلة والعمامة في يد علي رضي الله عنه ولم يكن له وراثة، وكذلك فلم يطالب العباس في الإرث.
على أن أبا بكر لو اعتقد أن المراد في هذه الآيات إرث المال لم يمنعه ذلك من جواز العمل على الخبر الذي سمعه أو روي له في ما عدا ذلك ويجعله مخصصاً، فكأنه قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث إلا داود وزكريا، وعلى الجملة فالخطأ في الاجتهاديات بعيد فضلاً عن الفسق، ولهذا عمل لكل على ظاهر هذا الخبر وقرره أمير المؤمنين ولم ينقض حكم أبي بكر يه، ولو كان العمل عليه فسقاً أو خطأ لما قرره علي رضي الله عنه حسين انتهى الأمر إليه وزالت النفيّة، بل كان يرد فدك إلى أولاد فاطمة رضي الله عنهما والعباس.
فإن قيل: فما وجه المصلحة والحكمة في أن الأنبياء لا يورثون لو صح الخبر.
قلنا: وجهان: أحدهما أن المال إذا صار إلى الورثة انتفعت منفعة الميت عنه، وإذا كان صدقة دام ثوابه إلى يوم القيامة، فيكون ذلك /417/ خاصاً للأنبياء عليهم السلام لجلالتهم عند الله، ويكون من عداهم ممنوعاً من ماله إلا الثلث.
الثاني: أنه لا يمتنع أن يكون علم النبي عليه السلام بأن ماله لا يصير إلى أولاده لطفاً له في الزهد في الدنيا وصارفاً له عن الاستكثار منها والجمع، فيستغنى منها باليسير ويقتصر على الكفاية فيكون ذلك زيادة في ثوابه ورافعاً لمنزلته في الآخرة.

وبالجملة فلا يلزم وجه الحكمة على التفضيل، بل الواجب على من سمع الخبر أو غلب على ظنه صدقه أن يحكم به في باب الأعمال، فإن ثبت مثل ذلك لأبي بكر خرج عن الخطأ وإلا فلا أقل أن يخرج به عن الفسق، ولهذا فإن الجمهور من أئمة أهل البيت عليهم السلام لا يفسقون أبا بكر.
ومنها: أن النبي عليه السلام مات وهو يقول: نفذوا جيش أسامة وأبو بكر من جملتهم تحت أمر غيره فعصى أمر النبي صلى فينفسه وفي عمر.
والجواب: قالت المعتزلة: الصحيح أنهما لم يكونا في جيش أسامة.
يوضحه أنه عليه السلام قدم أبا بكر للصلاة وأيضاً فلم ينكر أحد من الصحابة على أبي بكر تخلفه عن الجيش، وأيضاً فقوله نفذوا إنما هو خطاب لمن يلي الأمر بعده، وندهم أنه أبا بكر ولي الأمر بعده، وذلك يقتضي خروجه عنهم.
وعندهم أيضاً أن فيه دلالة على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه، وغلا فكان يوجه الخطاب إليه.
فإن قيل: فما باله لم ينفذ جيش أسامة بعد موت النبي عليه السلام.
قيل: من الجائز أن يرى الصواب في تأخيره لنصرة الإسلام، ولئلا يعترف المسلمون كما لو رأى ذلك الإمام المنصوص عليه لا سيما بعد اختلاف الأنصار وطلبهم للأمر، وقد جهزه من بعد لما استقر الأمر، وعلى كل حال فإن كان هذه الأعذار صحيحة وإلا فقد نجا بها عن الفسق.
ومنها ما روي أن عمر لما بويع لأبي بكر أتى منزل فاطمة وفيه بنو هاشم وغيرهم فأحرق الباب وأخرج علياً كارهاً يقاد إلى البيعة وكسر سلف الزبير وضرب فاطمة حتى ألقت جنيناً في بطنها، وأن أبا بكر قال لعلي حين وصل إليه: لئن لم تبايع لأضربن الذي فيه عيناك، قالوا: وهذا كله يدل على فسقه وفسق عمر ومن والاهما.

والجواب: قالت المعتزلة كل هذه أحاديث افتعلها الروافض لا صحة لها، وكيف يظن بالصحابة هذا على علو مكانتهم في الدين ومعرفتهم بقدر أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو وقع شيء من ذلك لأنف أكثر المسلمين لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما صبر بنو هاشم على هذه الذلة.
وبعد، فلو وقع ذلك لكان نقله ظاهراً متواتراً لعظمه وغرابته، قال المعتزلة: والمروي خلاف هذا كله، هو أن علياً رضي الله عنه حضر المسجد طائعاً وبايع ورضي البيعة وإن كان المعلوم من قصده أنه كان أولى بها.
قالوا: والمعلوم /418/ أن أبا بكر لما قال بحضرة الجماعة: أقيلوني يريد بذلك اختبار ما في قلوبهم، قال عند ذلك أمير المؤمنين لا يقبلك ولا يستقيلك وأظهر الرضى ببيعته لجميع المسلين، وقال لأبي سفيان حين أمره بالمشاقة إنك ما نصحت في الإسلام قط، وكان يغشى مجالس أبي بكر ويصلي خلفه ويدعوه بالخليفة ويشاور في الأمر ويمدحه غائباً وحاضراً.
وبالجملة فقد خالطه مخالطة الراضي.
قالوا: وذلك هو اللائق بمناصبهم الشريفة، لا سيما ومطلوبهم الجميع إحياء منار الإسلام وعدم الإلتفات إلى الدنيا والمنافسة في الرياسة، قالوا: ولو كان سكوته نفيَّة لكان ذلك يظهر من حاله وأخلاقه، ولكان يسر به خواصه، ولكان يظهره بعد موت أبي بكر وبعد موت الثلاثة، لوما كان يستجيز الصلاة خلفه ولا يشاوره ولا يمدحه، ولكان أقل الأحوال أن يظن أنه بايع كارهاً فلم يكن يمكن الصحابة تكذيبه في شيء هو صادق فيه، ولما كان يصح ذمهم وأخذ الأموال أيام الفتوح، ولا اكن يأخذ نصيبه من الفيء، قالوا: ولو ظهر ذلك من حاله لما خاف مكروهاً إذا سلك مسلك المناظرة والمحاجاة وإقامة الدليل، فلم يكن الصحابة حينئذٍ يستحسنون الإضرار به إذا أورد حجّةً قالوا: وذلك لا يمنع من اعتقاد أنه الأولى الأفضل، بل ربما يزيده ذلك فضلاً؛ لأنه يكون قد عفا عنهم وسمح بحقه وآثر ترك المنافسة.

ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُولِّ أبا بكر عملاً قط، وذلك دليل على فسقه وكونه ليس بأهل للإمامة.
يوضحه أنه لم يكن محيطاً بالعلم بأحكام الشريعة، ولهذا قع سارقاً من يساره، وسألته جدة عن ميراثها فقال: لا أجد لك شيئاً في كتاب الله فاسألي الناس حتى أخبره المغيرة بأن لها السدس، فكان يراجع الصحابة فيما ورد ويتردد في كثير من الأحكام.
والجواب: قالت المعتزلة: المشهور أنه كان من أعلم الصحابة ومن أهل الاجتهاد ، ولهذا يروى له في الاجتهاديات أقوال وفي التفسير، وأما تردد في المسائل فهو إما لورعه وشدة تثبته، وأما لاستحسانه مسلك الاستشارة للصحابة والاحتياط بقولهم، وربما يحفظ غيره ما لا يحفظ أو ما ينسخه أو ما يخصصه أو يضيق عليه وقت الاجتهاد لكثرة شغله بأمور المسلمين.
وأما قطع يد السارق فالخطأ فيه وقع من القاطع ومن البغية أن يجهل أن الذي يقطع يمينه قالوا: ولا شك أن علياً كان أعلم منه لكن ذلك لا يقتضي نفي العلم عنه.
ومنها: ما رووا أنه قال أن لي شيطاناً يعتريني، وقال: أقيلوني فإن وليتكم ولست بخيركم، قالوا: فإن كان صادقاً في كلامه فقد أقر على نفسه بالخطأ، وإن كان كاذباً فقد أقدم بالكذب على الكبيرة.
والجواب: قالت: المعتزلة إنما قال ذلك هضماً لنفسه وتواضعاً ولتخيير رضاهم، وأنه لم يكن فيه إكراه لهم فلا يثبت خطؤه فضلاً عن فسقه.
/419/ وأما قوله: إن لي شيطاناً فهو إخبار بأن الشيطان قد يستزله ويوسوس له وأنه مشفق منه خائف أن يغويه وهو في ذلك كغيره من الناس؛ لأنه ما من أحد إلا وقد يمكن الشيطان من إغوائه والوسوسة له، وقد قال تعالى في قصة آدم {فوسوس لهما الشيطان}.
وأما قوله: وليتكم ولست بخيركم فقد يريد به هضم نفسه، وقد يريد به لست بخيركم، قيل: الولاية وجائز أن يكون ذلك اعترافاً بأن علياً أفضل منه، لكن كان ممن يرى إمامة المفضول لضرب من الصلاح كالقضاء.

ومنها قول عمر رضي الله عنه كانت بيعة أبي فكر فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، والجواب: قالت المعتزلة: المعلوم أن عمر كان أشد الناس حرصاً في إمامة أبي بكر فلا يترك المعلوم من حاله للمظنون، وكيف يصح أن يكون أراد بذلك الطعن على إمامة أبي بكر وهو قد بنا إمامة نفسه على إمامة أبي بكر.
وبعد، فقوله عند الخصوم: ليس بحجَّة، وبعد فقوله وقى الله شرها يدل على أنه لم يكن يعتقدها خطية، وبعد، فمعناه بهذا الكلام إن صح أنها وقعت لا عن إجماع في تلك الحال لأنهم بادروا بها خشية الفرقة والاختلاف بخلاف وغيرها، فإن ساير الإمامات تأتي وقد تقرر الإسلام وبأن المزيد من غيره لا وجه يضطر إلى أن يبايعوا لأحد فلتة أبداً.
فصل
وأما ما طعنوا به على عمر رضي الله عنه فوجوه: منها أنه اعترف لعلي عليه السلام بالفضل وبكونه أولى بالإمامة، ثم عدل عنه حتى قال: لولا علي لهلك عمر، وقال: لا أبقاني الله لسوء لا أرى فيه أبا الحسن، وقال: ما من معظلة إلا ولها علي، وأنكر بعضهم حكماً لعلي فعلاه بالدرة، قوال: أبدري من هذا هذا مولاي ومولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة، قال: في بعض خطئه وقد مدح علياً، علي أقضانا، وقا للابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوماً، وقال: ما أظن القوم إلا استضعفوه.
والجواب عن الجميع كل هذه إنما يدل على أن علياً رضي الله عنه أفضل وغير ممتنع أن يعتقد عمر رضي الله عنه صحة إمامة المقصود، وانه كان أهلاً للإمامة وليس خطؤه في ذلك بأبلغ من خطئة في نفس لا يدل شيء من ذلك على الفسق، وكل هذا يدل على أن بعضهم كان يتولى بعضاً، وأنه لم يكن بينهم عداوة.
ومنها ما روي أنه قال عام الحديبية: ألسنا قد وعدنا دخول مكة آمنين محلقين ومقصرين، فلأن قد منعنا قالوا: وهذا تكذيب لله ورسوله.
والجواب: قالت المعتزلة له هذا من دسيس الإمامية، فلم نسلم صحته، فإن كل عاقل لا شك في صحة إسلامهم.

قالوا: والرواية الصحيحة أنه قال للنبي عليه السلام: ألسنا قد وعدنا /420/ دخول مكة آمنين كالحث للنبي عليه السلام على الحرب وأن لا يمتنع خوفاً منهم، ووثوقاً منه بما وعد الله سبحانه، فلما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت لكم من عامكم هذا فسكت.
ومنها ما رووا أنه إذا علياً حتى زوجه أم كلثوم ويهدد بني هاشم وأكرههم على ذلك، وهذا منه جرأة على الدين، ودليل على الفسق.
والجواب: قالت المعتزلة: هذا مما لا يلتفت إليه ولا يشتبه كذبه وبنو هاشم أجل من أن يكرهوا علي بن ويح امرأة، وأيضاً فالنكاح مع الإكراه لا ينعقد.
قالوا: ولو استدل بترويج على اثبته من عمر على أنه ليس يفاسق الاستقام لأنه لو كان فاسقاً لم يكن كفؤاً لها، وكذلك لو كان بينهما معاداة، ووحشه لما زوجه إياها وإنما شدد عمر في تزويجها رغبة في ابنتها ومنصبها، ولقوله عليه السلام: ((كل نسب وسبب ينقطع غلا سببي ونسبي)) فأحب التزويج من أهل البيت.
ومنها ما رووا عنه أنه قال: إذا اختلف أهل الشورى فاقتلوا من خالف عبد الرحمن بن عوف، وذلك يقتضي أنه أمر بقتل أمير المؤمنين إذا خالف عبد الرحمن وذلك فسق.
والجواب: قالت المعتزلة لا يسلم صحة هذا الخبر، وهو أجل قدر آمن أن يأمر بقتل قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه مع فضلهم العظيم الذي يعترف به لا سيما علياً وإنما شدد في عدم الاختلاف.
ومنها ما رووا أن علياً لما تخلف عن البيعة والزبير جاء إلى باب فاطمة فأحرقه وفعل وفعل، وأن فاطمة ماتت بسبب ضرب بطنها وأنها أوصت أن تدفن ليلاً ,أن لا يصلي عليها أبو بكر ونحو ذلك من الأخبار.

الجواب: ما تقدم عن المعتزلة من أنه لا يظن العاقل بالصحابة مثل هذا لا سيما مع شرف بني هاشم وعزة نفوسهم، وقد كانت العرب كلها تقوم معهم لى مثل هذا، وقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه صلى عليها وكبَّر أربعاً حتى كان هذا أحد حجج الفقهاء أن التكبير أربع، وأما دفنها ليلاً فكذلك كان يدفن أهل الفضل ليلاً، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفن ليلاً وعلياً دفن ليلاً وعمر وكثيراً من الصحابة، وكانت تلك عادة فيهم.
ومنها ما رووا أنه لما بايعه الناس فقال ابن علي فقالوا: غاب في حاجة فقال: ليأتين أو لأضربن عنقه، وهذا استخفاف بأمير المؤمنين وهو فسق.
والجواب: ما تقدم من أن هذه روايات أحادية غير مقطوع بها لا سيما والظاهر من حالهم المعرفة بقدر أمير المؤمنين واستمدادهم من علمه ورجوعهم إليه في المشكلات.
ومنها ما رووا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما احتضر، قال: هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا من بعده أبداً، فقال عمر رضي الله عنه حسبنا كتاب الله، فهذه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو فسق.
والجواب ما تقدم مرة أن هذه الأخبار لا يظن صدقها فضلاً عن أن يفسق بها.
قال شيخنا أبو الحسين أكبر هذا الأخبار /421/ وضعها بنو أمية وأسندوها إلى علي لينفروا الناس منه لعلمهم بحب الناس في الصحابة.
ومنها ما رووا أن عمر لم يكن يعلم أن رسول الله ممن يجوز عليه الموت لما قال الناس توفي رسول الله أنكر ذلك، وقال: والله ما مات محمد حتى نبهه أبو بكر بقوله: {إنك ميت وإنهم ميتون}.

والجواب: ن صح ذلك عنه فإنما ظن أن المنافقين أظهروا موته ليوهنا به الإسلام ,انهم كاذبون كما صرح الشيطان يوم أحد إلا أن محمداً قد قيل: فظن أن المنافقين أشاعا ذلك من غير حقيقة، فلما أخبره أبو بكر بفاته صدَّقه وعمر رضي الله عنه أجل من أن يجهل جوار الموت على النبي وربما توهم انه لا يموت حتى يظهره الله على الدين كله، ولم يكن قد ظهر فأخبره أبو بكر أن الضمير في قوله ليظهره عائد إلى الدين لا إلى لرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
فصل
وأما استدل به على فسق عثمان رضي الله عنه فوجوه منها أنه ولَّى أمور المسلمين من لا يصح للولاية حتى ظهر من بعضهم الفسق ومن بعضهم الخيانة وأنه قصر الولايات على قرائنه، قالوا: وهذا يوجب سقوط عدالته وفسقه.
والجواب قالت المعتزلة: أما توليته للخونة والفسقة فإنه لم يعلم ذلك من حالهم حتى ظهر، فلما ظهر عزلهم وقد كان يحسن الظن بهم كغيرهم من المسلمين ولن يجب في الإمام أن يكون عالماً بالسرائر وقد ولَّى أمير المؤمنين عليه السلام قوماً ظهر منهم الخيانة كالقعقاع بن شور فإنه ولاه نيسان وأخذ مالها ولحق بمعاوية وولاَّ الأشعث اذربيجان، ففعل في مالها ما فعل، وولا أبو موسى الحكم فخان فيه وولاَّ ابن عباس البصرة فخان في مالها.
وأما كون عثمان ولاَّ أقاربه فلا عتب في ذلك، ولعله رأى ذلك أثبت لأمره وأشد لشوكته وأهيب له ليكون أشد تمكناً من عزلهم وقد ولاَّ أمير المؤمنين أقاربه، فولاَّ عبد الله بن العباس البصرة وولا قثم مكة وعبيد الله اليمن حتى نقم عليه الأشتر وقال: على ماذا قتلنا الشيخ بالأمس.
وبالجملة: فطريق هذا الاجتهاد الاجتهاد فلا يكون له مدخل في التخطية عليه فضلاً عن الفسق.

66 / 75
ع
En
A+
A-