فصل
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط.
الأول: أن يعلم أن الذي يأمر به معروف والذي ينهى عنه منكر، وغلا لم يأمن أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف؛ ولأن ذلك يتضمن الخير بكون المعروف معروفاً والمنكر منكراً، والخير لا يكون إلا عن علمٍ، وغلا لم يحسن؛ ولأن وجوب الأمر والنهي يترتب على وجوب الفعل والكف عنه، فكما لا يجب فعله إلا عند العلم بوجوبه أو التمكن من ذلك، ولا يجب الكف إلا عند العلم بقبحه أو التمكن، كذلك الأمر والنهي.
فإن قيل: أليس قد يدخل النكير في مسائل الاجتهاد، وليس بمقطوع بها.
قلنا: إنما ينكر ما تعلمه منكراً وهو أن يفعل المجتهد ما يخالف اجتهاده أو يفعل المقلد خلاف مذهب إمامه، وكل ذلك مقطوع بكونه منكراً.
وأما الإنكار على من يكلم امرأة في السوق مع عدم القطع بكونها أجنبيه، فإنما هو من جنب وقف موقف تهمة، وذلك مقطوع بكونه منكراً.
الثاني: أن يعلم أن يغلب على ظنه أن لأمره ونهيه تأثيراً، فإن علم أو غلب على ظنه العكس فاتفقوا على أنه لا يجب، وإن اختلفوا في الحسن فقيل: يحسن ويتنزل منزلة استدعاء الغير إلى الدين وإقامة الحجَّة عليه وإزاحة علته، وقيل: يصير عبثاً فيقبح، وفرق هؤلاء بينه وبين الاستدعاء إلى الدين وتكليف من المعلوم أنه يكفر أن الغرض بهذا الاستدعاء والتكليف بقوة إلى التمكين /410/ والإعلام وأزحة العلة، وذلك حاصل، وإن علم أنه لا يقبل والغرض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقع المعروف ولا يقع المنكر، فإذا علم أو غلب عل ظنه زوال الغرض صار الأمر والنهي عبثاً، فيزول الحسن مع زوال الوجوب كالشرط الأوَّل، فأما إن لم يعلم ولا غلب على ظنه أحد الأمرين، بل يجوِّز أن يكون لأمره ونهيه تأثيراً وأن لا يكون، فهاهنا يجب. وقيل: يحسن فقط.
الثالث: أن يعلم أو يغلب في ظنه أن المعروف الذي يريد الأمر به لم يفت والمنكر الذي نهى عنه لم يقع؛ لأن الغرض وقوع المعروف وأن لا يقع المنكر، فمتى علم أو غلب على ظنه زوال هذا الغرض لم يجب ولا حسن.
نعم، يحسن الوعظ والتذكير والزجر عن مثله والامر بالتوبة ونحو ذلك.
فإن قال: ما المانع أن يجب أو يحسن للتعريف بكونه منكراً أو معروفاً كما يجب أو يحسن لغرض الإيقاع أو الامتناع.
قيل له: المعرفة حاصلة من قبل.
فإن قال: ألستم قد جوَّزتم أن ينهى الله تعالى الشرع عن الظلم من يعلم أنه لا يفعله وأنه عالم بقبحه، فما فائدة هذا النهي.
قيل له: فائدته تأكيد قبحه، وأن السمع مطابق للعقل في ذلك.
فإن تردد فلم يعلم ولا غلب على ظنه فوات المعروف ووقوع المنكر ولا عكسه، فالكلام ما تقدم من أنهم اتفقوا على الحسن واختلفوا في الوجوب.
الرابع: أن لا يخاف تلفاً ينزل به تلفاً ينزل به أو بأطرافه أو بماله المجحف، فإن خاف ذلك لم يجب عليه اتفاقاً؛ لأن عند هذا الخوف قد أباح له الشرع فعل ما هو منكر كأكل الميتة وشرب الخمر والأخذ من مال الغير والتلفظ بكلمة الكفر ونحو ذلك، فبالأولى أن يبيح له ترك الأمر والنهي عند هذا الخوف.
واختلفوا في الحسن إذا زال الوجوب، فقال القاضي: لا يحسن، وفرق بينه وبين ظهار الإسلام عند الضرورة، والامتناع من التلفظ بكلمة الكفر بأن في الثبات على الإسلام إعزاز للدين، وهذا غير حاصل في الأمر النهي والحال هذه.
وذكر السيد في شرح الأصول أنه قد يكون في الأمر والنهي والحال هذه إعزاز للدين، فيحسن كما فعله الحسين في خروجه.
والأقرب أنه لا فرق بينما فعله الحسين وبين ما يفعله غيره في كونه إعزازاً للدين، فيحسن من غير تفصيل؛ لأنه لا معنى لكونه إعزاز الدين إلا أنه إظهار للمعروف ورفع لشعار الإسلام، واحتمال المشاق في ذلك، وهذا حاصل فيكل أمر بمعروف ونهي عن منكر كحصوله في ما فعله الحسين عليه السلام كحصوله في الثبات على كلمة الإسلام، فلا وجه للتفصيل.
يؤيد هذا أن الله تعالى أمر بالصبر على ما يلحق الإنسان في ذلك، فقال تعالى: {حاكياً عن لقمان يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك}، وقال صلى الله عليه وآله وسلم /411/: ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) ولا شك أن الوجه في جميع ذلك كونه إعزازاً للدين وصبراً على ما يلحق من المضار بسببه، وإن اختلف هذا الإعزاز باختلاف الناس فبعضهم يكون إعزازه عظيماً كما فعله الحسين وأهل بيت النبوة عليهم السلام وبعضهم يكون إعزازه دون ذلك، فثبت أن ما هذا حاله يحسن على كل حال ممن غير تفصيل.
اللهم إلا أن يعلم أو يغلب على ظنه أن المعروف لا يقع والمنكر لا يزول مع حصول هذا الخوف من حصول ضرر، فربما يصير ذلك مؤكداً لزوال الحسن، فأما إذا علم أو غلب على ظنه حصول الغرض بالأمر والنهي، لكن المنكر في الضرر الذي يصل غليه أعظم من المنكر الذي يزيله، فالكلام فيه سيأتي.
الخامس: أن لا يعلم ولا يغلب على ظنه أن أمره ونهيه يؤدي إلى تضييع معروف آخر وفعل منكر آخر فإن علم أو غلب على ظنه ذلك فقيل: لا يجب، ولا يحسن؛ لأن فيه مفسدة؛ ولأنه يكون في حكم المعين على المنكر الآخر.
وقيل: بل لا يسقط الوجوب، ولا الحسن؛ لأنه يكون بذلك مقيماً للحجة ومعزاً للدين، ومتى فعل المأمور المنهي منكراً آخراً وضيع معروفاً فإنما أتي في ذلك من قبل نفسه عناداً ومكابرة، ولا يوصف الأمر الناهي أنه معين له؛ لأن الإعانة تحتاج إلى الإرادة.
وقيل: إذا كان ما يقع من المنكر أو يضع من المعروف أعظم مما نهي عنه أو أمر به لم يحسن؛ لأن الغرض بالأمر والنهي تقليل المنكر وتكثير المعروف، والأحسن ووجب.
وقيل: إن كان المنكر الذي يحصل عند الأمر والنهي ضرراً يرجع إلى الأمر الناهي لم يزل الحسن وإن زال الوجوب لقوله تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك} ومعلوم أن الذي يصيبه منكر آخر.
وأيضاً: فمعلوم من حال الأنبياء والصالحين أنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مع علمهم أنه يلحقهم من المضار في ذلك ما يقتضي كفر فاعله أو فسقه.
فصل
اعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضربان: أحدهما يكون ضرورياً ظاهراً، فهذا يجب الأمر فيه والنهي من دون تعريف، والثاني لا يكون ظاهراً، بل يجوز خفاءه، فهذا لا يحسن الأمر فيه ولا النهي إلا بعد التعريف، وهذا لا شبهة فيه، وإنما يقع الاشتباه في كيفية الإكراه على الفعل إن كان معروفاً، وعلى المنع منه إن كان منكراً.
وهذا ينبغي التفصيل فيه، فنقول: إما أن يكون ذلك المعروف والمنكر من أفعال القلوب أو من أفعال الجوارح إن كان من أفعال القلوب لم يمكن الإكراه فيه ولا المنع عنه، فلا يكون ذلك تكليف علينا؛ إذ لا نطيقه نحو الاعتقادات الصحيحة والفاسدة وغير ذلك من أفعال القلوب، وإنما يكون الأمر والنهي مما /412/ هذا حاله بإقامة الدلالة وحل الشبه وإبطال التقليد وإيضاح الحجج في جميع ذلك، فمن اهتدى فلنسفه ومن ضل فعليها، ولا يكلف أكثر من ذلك، وإن كان من أفعال الجوارح فأما أن يقف على أفعال القلوب كالشهادتين فإنهما يقفان على الاعتقاد كالصلاة فإنها تحتاج إلى النيّة ونحو ذلك، وما هذا حاله فقد اختلف فيه أئمتنا عليهم السلام.
فقال بعضهم: لا يتصور الإكراه في ذلك، ويكون كالذي قبله في الأمر والنهي، وإنما يكون بإقامة الأدلة وتكرار ما ورد من الوعد والوعيد في ذلك.
وقال بعضهم: يتصور الإكراه في ذلك.
وهذا هو الحق، والمراد بذلك أنه يجب علينا أن يكرهه على فعل ماله تلك الصورة، وأن يظهر من نفسه أنه أتى بها على الوجه الصيح فيكرهه مثلاً على فعل ما هو بصورة الصلاة حتى يفعلها ويظهر من نفسه فعلها على تقويم نيّة الغير مقام نيته، فأما إذا كان كذلك فلا شبهة في تصور الإكراه في ذلك ويكون مؤيداً لما ذكرناه كالزكاة وعلى الذي أكرهه أن ينوي عنه كالإمام ومن تلا من قبله، وغن كان مما لا يحتاج إلى أفعال القلوب فهو ضربان أيضاً: أحدهما: لا يكون للاجتهاد فيه مجال، وهذا يجب الأمر فيه والنهي بغير التعريف، ولا يحتاج إلى معرفة حال فاعله في هل هو مقلد أو مجتهد.
والثاني: أن يكون للاجتهاد فيه مجال فلا يحسن الأمر والنهي إلا بعد أن يعلم هل مذهبه أو مذهب إمامه جواز ما فعل أو ترك أو لا، فإن كان الأول لم يحسن أمره ولا نهيه، وإن كان الثاني حسن، ولهذا ليس لأحد أن ينهى الحنفي عن شرب المثلث، وعلى الحنفي أن ينهى الشفعوي عن شربه.
نعم، يتصور الإنكار هنا من طريقة أخرى، وهي أن يسلك المجتهد في اجتهاده في ذلك طرقاً ظاهرة البطلان مع ظهور ما هو أقوى منها، فيعلم أن ما وفى الاجتهاد حقه فيكون لنا أن ننكر عليه ذلك الفعل وإن ادعى أن اجتهاده ساقه إليه، وكذلك ينكر على المقلد في المسألة الاجتهادية إذا قلد من ليس بأهل لأن يقلد، أما لفقد العقل أو لتساهل في النظر.
وعلى الجملة فإذا عدل المجتهد أو المقلد عن ما كلفاه في المسألة صح الإنكار عليهما وإلا لم يصح.
فإن قلت: كيف لا أنكر على الحنفي شرب المثلث وهو عندي حرام، وإنما هو حلال عنده فقط، فأما أنا فمحرم عندي.
قلنا: بل هو حلال عندك وعنده، أما عنده فظاهر؛ لأنه مذهبه، وأما الذي أداه إليه اجتهاده أو اجتهاد إمامه، وأما عندك فلأنك تذهب إلى أن كل مجتهد مصيب، فأصلك يقتضي تحليل المثلث في حق من أداه إليه اجتهاده، وإن كان حراماً في حق غيره.
الكلام في أحوال الأئمة في حق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
اعلم أن في من يدعي حب أهل البيت عليهم السلام قوماً يركنون في حق الصحابة رضي الله عنهم خطراً عظيماً وضلالاً بعيداً، فتارة يكفرون وتارة يفسقون ولعلَّ المزري عليهم /413/ لو نظر في حال نفسه بغير الإنصاف لوجدها لا تساوي أثر نعالهم، ولرأى فيها قصوراً عن مراتبهم في العلم والعمل، وكيف وقد أثنى الله عليهم ورسوله وبشرهم بالجنة مع ما لهم من السابقة في الإسلام والجهاد في سبيل الله والصبر على الشدائد وإحياء معالم الدين.
ونحن نرتب الكلام في أربعة أبواب بمن يتكلم في الإمامات:
الأولة في شبهة المفسقين لهم على الجملة. والثاني في الرد على الطاعنين في كل واحد على انفراده. والثالث في ما ورد في النهي عن سبهم. والرابع في تزكيتهم والترضية عليهم.
أما الباب الأول وهو في الجواب عما ذكروه في فسق الصحابة رضي الله عنهم.
فاعلم أنا قد أوضحنا أنه لا يجوز إثبات كفر ولا فسق إلا بدليل قاطع، وكل شيء يذكرونه من الشبه في ذلك أكثر ما يقتضي إن صح أنهم اخطئوا، ومهما لم يقم دليل على كون الخطأ كفراً أو فسقاً لا يمكن القطع بواحد منهما.
وبد، فنحن نعلم بالضرورة ظهور إسلامهم وقوَّة أديانهم وعدل سيرتهم وطريقتهم وحرصهم على إظهار كلمة الحق ومحبة الرسول إياهم وموالاته لهم وانتصاره بهم في المواطن وحسن الثناء عليهم وبشارتهم بالجنة، فيجب أن يقطع بصحة إسلامهم وقوَّة إيمانهم مالم ينقل عن ذلك دليل قاطع.
وبعد، فأهل هذه المقالة من الإمامية وغيرهم يثبتون هو سبهم على أن على الأئمة نصوصاً جلية يعلم قصد النبي بها ضرورة وأن الصحابة خالفوا في ذلك وسنوضح فساد هذه المقالة.
إذا ثبت هذا فقد تعلقا في فسق الصحابة رضي الله عنهم بشبه كلها مبنية على أنهم أخطئوا في التقديم على أمير المؤمنين، فكل من لا يعتقد خطأهم في ذلك لا يتوجه لعيه شيء من هذه السبة، إنما موضع مكالمته إثبات خطأهم، وغنما يقع الجواب عن هذه الشبه على رأي من يعتقد خطأهم بالتقدم وهو المذهب.
الشبهة الأولى قالوا: أن حق علي رضي الله عنه في الإمامة والنفع بها أعظم من شرقة عشرة دراهم، فإذا وجب الفسق بأخذ عشرة ومضرتها يسيرة وجب الفسق بأخذ الإمامة؛ لأنها أعظم.
والجواب: هذا يبنيى على أن العلة في فسق سارق العشر كونها مضرة بهذا القدر، وهذا باطل، وإلا لزم القطع في المختلس والغاصب والسارق من غير حرز، وقد تقدم أنه يجوز أن يكون في السرقة على هذه الصفة من المفسد ما ليس في غيرها.
وعلى الجملة فالتفسيق لا يثبت بقياس ظني.
يوضحه أن في العلماء من ينكر القياس رأساً، وخبر الواحد والضرر في هذا الإنكار أعظم الضرر في سرقة عشرة دراهم وهو لا يفسق به.
وبعد، فالضرر الذي ادعوا أنه لحق علياً عليه السلام، أما أن يكون في أمر دنياه وهو باطل؛ لأن الإمامة لا يقصد بها أمر الدنيا وشهواتها أو في أمر دينه، وذلك لا دليل عليه لجواز أن يكون صبره عل جنايتهم والعفو عنهم والإعراض عن طلب الرئاسة والكف عن ذلك أعظم ثواباً مما كان يحصل له، وأما /414/ أن يدعو الضرر على الأمة، فذلك إنما يثبت لو كان خير؛ ولأن الأمر ظلموا وتعدوا وعطلوا الحدود، فأما وقد شادوا منار الدين وأحيوا سنن المرسلين فلا ضرر على الأمة من قبلهم.
الشبهة الثانية أن قالوا: التصرف في الإمامة بالأمر والنهي والحل والعقد وإقامة الحدود وأخذ الأموال يصرف في حق غيرهم على وجهٍ يتضرر به، فيجب أن يكون فسقاً.
والجواب: أنهم قد اعتقدوا أنهم أهل لذلك وفعلوا مثل الذي يفعله الإمام المنصوص عليه، فما المانع أن يكون تصرفهم على وجه الصواب مع اعتقادهم الأهليَّة لذلك بعضهم على الفسق وعلى الخصم أن يورد دليلاً قاطعاً على الفسق.
الشبهة الثالثة: قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً} ونحوه من الآيات، قالوا: ولا شك أن من جلس مجلس الإمام وهو لا يستحق ذلك فهو عاص لله ورسوله، فيجب فسقه.
والجواب: أن ظاهرها متروك بإجماع المحققين، فإن صاحب الصغيرة والتائب غير داخل في الوعيد، وإن وصفا بأنهما عاصيان لله ورسوله كما قال تعالى: {وعصى آدم ربه} فبقي أن الداخل في الوعيد هو صاحب الكبير فعلى الخصوم بيان أن الصحابة قد فعلوا كبيرة.
الشبهة الرابعة: في قوله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} قالوا: ومن جلس مجلس الإمام فقد ظلمه، فيكون ملعوناً ولا يستحق اللعنة إلا فاسق.
والجواب: ما تقدم من أن ظاهرها متروك بالتائب وصاحب الصغيرة فإنهما يوصفان بأنهما ظالمان كما قال تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا}.
وبعد، فأما أن يجعلوا اسم الظالم على كل من فعل معصية صغيرة كانت أو كبيرة فلا يمكن القطع على أن كل ظالم ملعون، وأما أن لا يطلق هذا الاسم إلا من فعل الكبيرة، فليدلوا على أن الصحابة فعلوا كبيرة بالتقدم.
الشبهة الخامسة: قوله عليه السلام في علي رضي الله عنه: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه..)) الخبر، قالوا: ومن أخذ الإمامة عليه فقد عاداه.
والجواب: أن هذا الخبر وإن كان متلقى بالقبول فهو أحادي، والتفسيق لا يثبت إلا بقاطع.
وبعد، فليس يقال في من جهل إمامة غيره وجلس مجلسه معتقداً أه أحق من فقد عاداه، وإنما المعاداة هي أن يخرج لعيه ويحاربه أو يبغضه أو يسلب عنه ما يتحقق أنه حق له، وكذلك الحد؛ لأنه ضد النصرة، فلا يكون خاذلاً إلا من استنصره الإمام، فلم ينصره فلا يكون الصحابة خاذلين له رضي الله عنه إلا بعد أن تثبت لهم إمامته ويستنصرونه فلا ينصرونه ولم يثبت لهم شيء من ذلك إلا بعد قتل عثمان رضي الله عنه. وبعد فقد سأل أمير المؤمنين /415/ عن الذين تخلفوا عنه بأيام صفين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر أفسَّاق؟ فقال: لا بل خذلوا الحق ولم ينصرا الباطل.
الشبهة السادسة: قوله عليه السلام: ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)) قالوا: وقد جهلت الصحابة إمامة علي رضي الله عنه.
والجواب: أنه أحادي وقد أجمع أهل التحقيق أن معناه: من مات ولم يعرف الشروط التي يختص بها الإمام ليتمكن من اختاره ومعرفة إمامته بدليل أنه يجوز خلوّ الزمان عن إمام.
وبعد، فالصحابة رضي الله عنهم يعتقدون أنهم يعرفون إمام زمانهم ويعتقدون أن علياً رضي الله عنه لم يكن إمام حتى مات عثمان رضي الله عنه، وأكثر ما فيه أنه يكون اعتقادهم خطأ، فغير ممتنع أن يخرجوا به عن الفسق كما مر ي نظائره.
بوعد، فظاهر الخبر بما يقتضي من مات على هذه الصفة فمات على نوع من الجهل وليس فيه أنه يموت كافراً أو فاسقاً، ولهذا لا يقطع أهل التحقيق على فسق من لم يعرف شروط الإمامة.
الشبهة السابعة قوله عليه السلام: ((من آذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن ينتقم الله منه)) قالوا: وقد آذاه من أخذ الإمامة عليه.
والجواب: ما تقدم من التفسيق لا يثبت إلا بالأخبار الأحادية، وإنما يثبت بدليل قاطع.