والفرقة الثانية حازت نقل هذه الأسماء ثم اختلفوا فقال بعضهم: منقول إلى من فعل من الطاعة ما لا يجوز عليه تعبيرٌ ونسخ بشرط التصديق بلسانه والخضوع بقلبه والاعتراف بالخطأ في ارتكابه الكبائر.
وقال بعضهم: منقول إلى من فعل الطاعات، فإذا فعلها صار مؤمناً وإن فعل المعاصي وهو قريب من الأول.
لنا: أن هذا الاسم اسم ممدح بدليل الإجماع وصحة توسطه بين أوصاف المدح؛ ولأن الله ما ذكر المؤمن والإيمان في القرآن إلا مدحه، وكل ذلك لا يصح في الفاسق.
دليل، لو كان هذا الاسم باق على أصل الاشتقاق لوجب في الكافر إذا صدق غيره أو أمنه من خوف أن يسمى مؤمناً.
فإن قالوا: مرادنا بالإيمان تصديق مخصوص.
قيل لهم: لا فصل في إطلاق الاسم بين إيمان وإيمان من حيث الاشتقاق كما لا فرق في إطلاق السارق بين سرقة وسرقة.
على أن هذا يبطل قولهم أنه غير منقول؛ لأنهم قد قصروه على بعض مدلوله، فيقال لهم حينئذٍ إذا حان للدليل قصره على بعض مدلوله فهلا جاز للدليل أن يعتبر مع التصديق غيره في إطلاق التسمية.
وبعد، فإنما منعنا من إطلاق اسم المؤمن عليه، فأما مع التعبد فخيره فنقول مؤمن بالله أي مصدق به، إلا أن هذا يشترك فيه المسلم واليهودي.
دليل، لو كان باقياً على أصل الاشتقاق لما صح أن يطلق عليه حقيقة إلا حال فعله للتصديق؛ لأن هذه حال المشتقان عند الجمهور، وكان لا يسمى مؤمناً حال السهو والنوم والموت.

دليل، لو كان الإيمان باقياً على الاشتقاق لوجب مثله في الفسق حتى لا يقال فاسق، غلا لمن خرج مطلقاً كما يقال: فسقت الرطبة أي خرج على وجه الإضرار بالغير، كما يقال للفأرة فويسقة، وكل هذا غير حاصل في الفاسق إذا شرب الخمر أو زنا، وكان يجب في المؤمن والأنبياء إذا خرجوا للإضرار بالأعداء أن يسموا فساقاً.
دليل، قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم..} الآية، وإنما للحصر، وقال في آية /385/ أخرى: {أولئك هم المؤمنون حقاً} وقال: {قد أفلح المؤمنون..} إلى قوله: {أولئك الوارثون}، وقال: {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً} {وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً} {وبشر المؤمنين أن لهم قدم صدق عند ربهم} ونحو ذلك من الآيات، ولو كان الفاسق مؤمناً لدخل تحت هذه الآيات فيسقط عن نفسه عهده التحفظ من المعاصي؛ إذ قد صدق بالله تعالى.
دليل، قال الله تعالى: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} وذلك يقتضي التنافي بين الاسمين، وقال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيماً} مع قوله: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} فلو كان الزاني مؤمناً لوجب أن ترحمه كما رحمه الله، وقال تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} وقال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} وقد قال: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..} الآية، فلو كان الفساق مؤمنين لوجب موادتهم وموالاتهم.
دليل، قال النبي عليه السلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)). وقال عليه السلام: ((الإيمان بضع وسبعون باباً)) وقال عليه السلام: ((بني الإسلام على خمسة أركان)) ولا خلاف أن الإيمان كالإسلام هنا.
شبهتهم أن قالوا: لو كان الإيمان فعل الطاعات واجتناب المقبحات للزم في الله أن يكون مؤمناً، وأن يكون فعله إيماناً.
والجواب:
هذا ينقل عليهم في البر والتقوى، فما أجابوا به فهو جوابنا.

والتحقيق أنا لم نسمه إيماناً؛ لأنه فعل واجب وترك قبيح، بل لأنه مما يستحق به الثواب.
على أنا لم نقصر الإيمان على ذلك، بل يدخل فيه المندوبات واجتناب المكروهات، وذلك مفقود في حق الله تعالى.
شبهة
قالوا: هذه الأفعال مختلفة الآن ومختلفة باختلاف الشرائع والإيمان لا يجوز أن يكون مختلفاً، وكذلك الدين والإسلام.
والجواب: إنما امتنع وصفنا للإيمان بأنه مختلف لإيهام الخطأ، ويقلب عليهم في البر والتقوى.
شبهة
قالوا: لو كان الإيمان ما ذكرتم لصح وصفه بالزيادة والنقصان وهو باطل.
والطواب: أنا لا نسلم بطلانه، بل يصح دخول الزيادة والنقص فيه ممن كانت طاعاته أكثر كان إيمانه أكثر، وعلى هذا قال تعالى: {فزادهم إيماناً} وقال: أيكم زادته هذه إيماناً وإنما لم يقل في من لم يفعل بعض النوافل أنه ناقض الإيمان؛ لأن ذلك يوهم الخطأ، وهو الذم له والحط منه حتى لو قيد لصح، وبهذا بطل ما قاله الشيخان من أن النوافل وترك المكروهات لا تدخل تحت الإيمان، قالا: لأنها لو كانت تدخل تحت الإيمان لكان لا يصح وصف أحدنا بأنه كامل الإيمان، فقيل لهما: إنما قيل فلا كامل الإيمان وإن لم يستوف خصاله لإفادة مدحه ورفع الإيهام الحاصل /386/ من قولنا ناقض الإيمان وما ذكراه رحمهما الله تعالى من أنه يلزم أن لا ينحصر الإيمان غير مستقيم؛ لأن النوافل لا تخلوا عن الانحصار، أما بالنسبة إلى تعيينها كالنوافل المؤكدة، وأما بالنسبة إلى وقتها كسائرها.
وبالجملة فهي منحصرة بالوصف لا بالتعيين ومنحصرة أيضاً بالنسبة إلى الإمكان، فنقول: الإيمان كلما يمكن المكلف امتثاله من الطاعات وهو متناهٍ لا محالة.
شبهة
قالوا: لو كانت الصلاة من الإيمان لوجب في من يتركها أن يقال أنه ترك الملة؛ لأن الملة والإيمان والإسلام واحد عندكم.

والجواب: أن هذه الأسماء قد صارت أسماء لجميع خصال الإيمان، فلا يقال في من ترك بعضها أنه قد ترك الإيمان، ولمثل هذا إذا عرض في صلاته ما يفسدها لا يقال: فسد دينه أو بطل للإيهام، وإنما يقال: فسدت صلاته أو بطلت.
والحاصل أن العبارات الموهمة لا يجوز إطلاقها.
وضحه أن الخشية حجة الله على خلقه فإذا انكسرت أو ضعف لا يقال انكسرت حجة الله أو ضعفت.
شبهة
قالوا: وردت آيات كثيرة تعطف الأعمال الصالحة على الإيمان نحو قوله: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً} ونحوها وحق العطف المغايرة.
والجواب: لا يمتنع أن يكون المراد بالإيمان هنا التصديق على أصله أو يكون العطف للتعظيم نحو قوله {على الصلوات والصلاة الوسطى} وإن كان التعظيم هنا في المعطوف عليه فأفرد الإيمان بالذكر لعظمه وإن كانت الأعمال الصالحة قد دخلت تحته.
شبهة
قالوا: قال تعالى: {وصالح المؤمنين} فبين الله أن غير الصالح يسمى مؤمناً.
والجواب: لا يدل ذلك على ما ادعوه كما لا يدل قوله {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} على أن في ما أنزل الله ليس بحسن، وكما لا يدل قوله: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} على أن في الرسل من لا عزم له.
شبهة
قالوا: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً} فسمانا حال الذنب مؤمنين.
والجواب: أنه أمرنا بالتوبة عن الصغائر وأمر بالتوبة على الإطلاق وكثرة الاستغفار، فإن ذلك عبادة مستقلة أو يكون معناه إذا تبتم، وإن كانوا حال الخطاب مؤمنين أو يكون المراد بالإيمان اللغوي أو التوبة اللغوية، وهو الرجوع أي الرجوع إليه بنية خالصة في جميع الأمور.
شبهة
قالوا: قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تعقلون}.

والجواب: المراد الإيمان اللغوي أو المراد بأيها المدعون للإيمان أو المراد النهي المستأنف أي لا تقولوا فإنه لم يقل لم قلتم وصار هذا كقولك لمن تشير عليه يا أخي لم تفعل ما يضرك ولم تحمل المشقة في كذا، ونحو ذلك.
شبهة
قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن /387/ تخشع قلوبهم لذكر الله} فسمَّاهم مؤمنين حال عدم الخشوع.
والجواب: المراد الأمر بالخشوع والحث عليه كما تقول لغيرك: ألم يأن لك أن تفعل كذا أي افعله، ويجوز أن يكون المراد تأكيد الخشوع والحث على الزيادة نحو قوله: {فما يكذبك بعد بالدين} فإن المراد تأكيد النهي عن التذكيب.
شبهة
قال تعالى: {وإن طافئتان من المؤمنين اقتتتلوا} فسماهما مؤمنين وإحداهما باغية.
والجواب: هذا نظير قوله: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن يدنه} ولا خلاف أنهم حال الردة غير مؤمنين فيحمل على تسمية الشيء باسم ما كان عليه تقديره وإن كان طائفتان ممن كان مؤمناً.
شبهة
قال تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فسمى من لم يصدق ما عاهده الله عليه مؤمناً.
والجواب: ليس من للتبعيض هنا، فلا تدل على ما قالوه، كما لا يدل قوله: {واجتنبوا الرج من الأوثان} على أن فيها ما ليس برجس.
فصل
وأما الذي يدل على أن الفاسق لا يسمى كافراً كما تقوله الخوارج فهو أن الكافر كان في الأصل التغطية، وصار في الشرع اسماً لمن يستحق العقاب العظيم مع أجزاء أحكام بخصوصه كالمنع من المناكحة والموارثة والدفن في ما قبر المسلمين ونحو ذلك مما لا يجري على الفاسق بالإجماع، وهذا هو المعلوم من حال الصحابة، بل ربما نصوا على فساد هذه المقالة، كما روي أن أمير المؤمنين رضي الله عنه سئل عن الخوارج أكفارٌ هم؟ فقال: من الكفر فرُّوا، قيل: أفمسلمون؟ قال: لو كانوا مسلمين ما قاتلناهم، كانوا إخواننا بالأمس فبغوا علينا، فمنع من يسميهم كفاراً ومؤمنين ولم ينكر عليه، فكان إجماعاً، هذا إذا لم يكن قوله حجة.

دليل، شرع الله اللعان بين الزوجين، ومعلوم أن أحدهما فاسق، فلو كان الفسق كفراً لوقعت البينونة بنفس الفسق، فلا يصح اللعان إذ لا ملاعنة بين أجنبيين، وكان أيضاً لا يحتاج غلى أن يفرق بينهما الحاكم، وكان يلزم إذا شرب الروح أو زنا أن يفرق بينه وبين امرأته وأن يستتاب، وإلا قتل كالمرتد وهم يلتزمون هذا الأخير.
شبهتهم قوله تعالى: {فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى} قالوا: والفاسق ممن يصلي النار فيجب أن يكون وضعها الله تعالى، وإنما هي نار منكرة غير معيَّنة.
وبعد، فلسنا نحكم بدخوله النار لأجل هذه الآية، بل لمثل قوله تعالى: {فأما الذين شقوا ففي النار} والفاسق شقي وإن لم يكن أشقى.
وبعد، فالإجماع أن الفاسق لم يكذب ولا تولى، فكان يلزم أن لا يدخل النار رأساً.
وبعد، فالظاهر يقتضي أن لا يدخل إلا أعظم الناس كفراً؛ لأنه هو الأشقى.
شبهة
قالوا: قال الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} والفاسق قد يكون فسقه بالحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
والجواب: لا تعلق في ظاهرها لاقتضائه أن يكون ما أنزل الله آلة في الحكم.
والمعنى: ومن لم يحكم بصحة ما أنزل الله وبكونه حقاً ولم يترك الحكم به مستحلاً لتركه.
على أنها واردة في اليهود /388/ ودليل قصرها عليهم أنه تعالى لما قال في أول الآية: {أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ يحكم بها النبيون} كان فيها صفة محمد ويبان ما نازعوا فيه محمداً عليه السلام كأن قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} عائداً إلى ما ذكره في التوارة، ولا شك في كفر اليهود؛ لأجل إنكارهم الحق ونبوة محمد وتغييرهم التوارة.
ووجه آخر وهو أن قوله: {يحكم بها النبيون} إنما ينصرف إلى حكم سبق فيه الأنبياء، وليس ذلك إلا العدل والتوحيد والنوبات، فلا جر ممن لم يحمك بما أجمع عليه النيبئون من ذلك فهو كافر.

شبهة
قال تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر} قالوا فبين أن تارك الحج كافر.
والجواب: أن قوله تعالى: {ومن كفر} كلام مستأنف، وإن سلمنا أنه غير مستأنف فالمراد ومن كذب بوجوبه.
قالوا: قال تعالى: {هو الذين خلقكم فمنكم مؤمن ومنكم كافر} قالوا: والفاسق ليس بمؤمن، فيجب أن يكون كافراً والحوادث ليس في إثبات صفتين دليل على نفي الثالثة، كما قال تعالى: {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع} ولم يدل ذلك على نفي الزائد.
ومثله هذا الجواب عن قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الآية، فلسنا نسلم أن كل معذب يسود وجهه.
على أن قوله تعالى: {أكفرتم بعد إيمانكم} تسقط تعلقهم؛ لأن فيمن كفر من كفر لا يعد إيمان.
شبهة
قال تعالى: {والذين كفروا بآياتنا أولئك أصحاب المشأمة} والفاسق من أصحاب المشأمة، فليكن كافراً.
والجواب: إنما بين أن الكفار أصحاب مشأمة ولم يبين أنه ليس في أصحاب المشأمة غيرهم، نظيره قول القائل: أصحاب أبي حنيفة هم العلماء، فإنه إنما يدل على عموم العلم يهم ولا يد لعلى أن غيرهم ليس بعالم.
شبهة
قال تعالى: {ومن كفر فأولئك هم الفاسقون}.
والجواب: مسلم أن كل كافر فاسق، فمن أين أن كل فاسق كافر.
شبهة
قال تعالى: {وهل يجازي إلا الكفور}.
والجواب: لا بد من ترك ظاهرها؛ لأن المؤمن يجازى وسائر المكلفين، كما قال تعالى: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} وأيضاً فالكفور مبالغة، فكان يلزم في من أتى بكفر واحد أن لا يجازى.
والمعنى: وهل يجازى بعذاب الاستئصال إلا الكفور كما نقيضه سياق الآية.

تنبيه
وأما ما يحكى عن الناصر عليه السلام وبعض الإمامية من أن الفاسق كافر نعمة، فهو باطل؛ لأن كفر النعمة يقابل شكرها وشكر نعمة الله تعالى إنما هو بإظهارها والاعتراف بها واعتقاد تعظيمه عليها والعزم على إظهار ذلك عند التهمة، فيجب أن يكون كفر النعمة ما يقابل شكر هذه الأمور من الستر لها والجحود والاستخفاف بحقه تعالى والعزم على ترك الإظهار المذكور عند التهمة، والله أعلم، ولا شبهة في كون هذا كفراً صريحاً، وليس ذلك أيضاً حال الفاسق، وأما ما ورد في الأخبار من كون هذه العبادات /389/ شكراً فإنما هي على جهة المجاز، ولولا ذلك لعرف وجوبها قبل الشرع، وعلى هذا يحمل قوله عليه السلام: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) فإن غرضه الاستكثار من الطاعة تعظيماً لله ولنعمة.
فصل
وأما الذي يدل على أن الفاسق لا يسمى منافقاً كما يحكى عن الحسن البصري، فهو أن المنافق وإن كان في الأصل لمن يظهر أمراً وينظر خلافه مأخوذ من النافقا أحد حجرة اليربوع حيث كان يخفي أحد نابيه ويظهر الآخر، فقد صار في الشرع اسماً لمن يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وليس هذه حال الفاسق، فإن أحدنا يعلم من نفسه أن يقدم على المعصية مع إقراره، والله يعرف وعيده ، ومع الخوف الشديد، لكن تؤثر الشهوة ويؤمل العفو إن كان من أهل الإرجاء ويسوف التوبة إن كان من أهل الوعيد.
وبعد، فلا خلاف في أن كل منافق كافر فكان يلزم أن يكون الفاسق كافراً كما نص الله على أن المنافق كافر، فقد نص على أنه من أشد الناس عقاباً، فقال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}.

شبهة
إن المنافق يستحق الذم واللعن وكذلك الفاسق، فليجر إجراء اسم المنافق عليه.
والجواب ما تقدم من أن هذا قد صار منقولاً بالشرع غلى من يبطن الكفر، فلا يجب من مشاركته للمنافق في الذم واللعن مشاركته له في هذه التسمية، والأصح أن يسمى كافراً، وخلافه معلوم، وبهذا يبطل قوله: إذا قال إني إنما أخالف في العبارة دون المعنى، وأما قوله عليه السلام: ((المنافق إذا وعد أخلف))، فإنما يدل على أن المنافق يحلف في وعده ولا يدل على أن من أخلف في عده فهو منافق.
شبه أخرى
قالوا: لو لم يكن في اعتقاده خلل وكان مؤمناً بالله ووعده ووعيده لما ارتكب الكبيرة كما لو كان بين يديه نار مؤججة، وقال له من يقدر عليه إذا واقعت الكبيرة أوقعتك في هذه النار، وكذلك إذا علم أن في الحجر صرة دراهم وحيَّ ة تهلك لسعتها، فإنه لا يدخل يده للصرة، والحال هذه.
والجواب: ما تقدم من أنا نعلم من حال الفاسق أنه لا خلال في اعتقاده حال إقدامه على المعصية، وما ذكره من المثال ليس وزاناً للمسألة؛ لأن من وصف اعتقاده حاله يكون ملجأ إلى ترك المعصية والحال هذه، وليس هذه حال المكلف؛ لأنه يجوز العفو أو التوبة، ووزان مسألة الحية أن يكون معه تِرْياق يعلم أنه ينفع من اللسعة أو يجوز أن الحية لا تلسعه، فإنه والحال هذه يدخل يده للصرة.

الكلام في ما تعبد بآية من الأحكام في أهل الوعد والوعيد
ليس يخلو المكلف إما أن يقطع بكونه من أهل العقاب أو يظن ذلك أو يقطع بكونه من أهل الثواب أو يظن ذلك لظاهر حاله، وإن كان لا طريق إلى القطع في الطرفين غلا السمع إن قطعتا على أنه من أهل الثواب، فالذي وجه علينا السمع مدحه وتعظيمه وموالاته ونصرته والدعاء له، وكل ذلك على القطع في الحال فقط إن قطعنا على أنه يستحق الثواب في الحال فقط، وعلى الإطلاق، إن قطعنا بذلك على الإطلاق كالأنبياء /390/ بأن يعلم أن ماله إلى الجنة، وهذا المدح والتعظيم إنما يجب إظهاره باللسان بهمة كان يجري ذكره، ويكون سكون السامع موهماً أن اعتقاده فيه غير شديد، وإلا لم يجب كشكر النعمة، وأما بالقلب فيجب عند الذكر أن يعتقد عظم حاله والتمييز بينه وبين غيره ويعزم على إظهار ذلك عند التهمة، وإن لم يقطع على استحقاقه، ولكن يظن ذلك الظاهر حاله، فالمدح والتعظيم والدعاء له يكون مشروطاً بالاستحقاق وسلامة الحال، وهذا الشرط كالملفوظ وإن لم يتلفظ به، وأما نصرته وموالاته والذب عنه فيجب من غير شرط.
فإن قال: كيف يصح الشرط في المدح الواقع والشرط إنما يدخل في المستقبل من الأمور.
قيل له: ليس الشرط في المدح الواقع، وإنما هو في مقتضاه ومضمونه، وهو ما يفعله الله من الثواب والإعظام.
فإن قال: هل يجري حال أحدنا على نفسه في المدح والإعظام مجرى حاله مع غيره.
قيل له: نعم مالم يقصد بذلك المفاخرة، وهذا في ما عدا الدعاء، فأما الدعاء فيجوز أن يدعوا لنفسه ودفع الضرر عنها، ولهذا جاء في التشهد السلام على نبينا وعلى عباد الله الصلاحين، فإنه يدعو لنفسه على الإطلاق ولعباد الله تعالى شرط الصلاح.

61 / 75
ع
En
A+
A-