فصل
وإذا ثبت أن التوبة تسقط العقاب فهب تسقطه بنفسها لا بكثرة ثوابها خلافاً لقوم.
لنا: أنها نظير الاعتذار، ومعلوم أنه يسقط الذم بنفسه لا بكثرة مما يستحق عليه من المدح، والافتراق الحال بين كثير الاعتذار وقليله في إسقاط الذم.
وبعد، فلو سقطت بكثرة ثوابها للزم أن يكون ثواب التائب من الشرك أعظم من ثواب الأنبياء بدليل أنه يحيط به، كما قال تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك}.
شبهة المخالف أنه لو أسقطته بنفسها لوجب أن تسقط في الآخرة.
والجواب: أن هذا لازم له أيضاً؛ لأن ثواب التوبة يكون أكثر من عقابه في الآخرة، كما هو كذلك في الدنيا، والتحقيق أن أهل الآخرة قد زال عنهم التكليف للإلجاء، فليس يصح وقوع التوبة منهم فضلاً عن أن يسقط بنفسها أو بثوابها؛ لأنهم يندمون لا للقبح.
فصل
وإذا سقت التوبة عقاب المعصية فليس يعود الثواب الذي أسقطته المعصية خلافاً للكعبي.
لنا: أن الثواب قد سقط في مقابلة ما توازنه من عقاب المعصية والتوبة، إنما أسقطت الزائد، فأما ما يقابل الثواب فقد أسقطه الثواب، فلا يحتاج إلى مسقط، فلا يتصور عود الثواب بالتوبة؛ إذ ليس لها في ما تقابله تأثير.
وبعد، فلو عاد ثواب /363/ التائب لكان التائب أعلى حالاً ممن لم يعص من حيث أنه له مثل ثواب الذي لم يعص وثواب التوبة أيضاً.
شبهته أن من أساء إلى غيره بعد إحسان ثم اعتذر لم يكن كاعتذار من أساء إليه لا بعد إحسان، فلو لا أن مدح الإحسان الأول يعود عند الاعتذار لما افترق الحال، كذلك الثواب عند التوبة.
والجواب: أن الفرق على أصل الجمهور هو أن المحسن قد استحق المدح على الإحسان في وقت ما، وهو قبل وقوع الإساءة، فأما بعد وقوعها فقد سقط بما يقابله من الإساءة ونفي الزائد يسقطه الاعتذار، فيكون حاصل الفرق أن اعتذار من لم يحسن أسقط دماً كثيراً أو اعتذار من تقدم أسقط ذماً قليلاً.
وقد أجاب ابن الملاحمي بأن الإساءة إنما أسقطت المدح من حال وقوعها إلى حال وقوع الاعتذار، ومن حال وقوع الاعتذار بعود المدح في المستقبل لزوال المانع من استحقاقه وهو الإساءة.
قال: وكذلك في التائب فإنه يستحق المح والثواب من حال الطاعة، فإذا أسقطت المعصية الطاعة فإنما يسقط المدح والثواب عليها إلى حال وقوع التوبة، فإذا وقعت التوبة زالت المعصية المانعة من استحقاق المدح والثواب، فيعود استحقاقهما، وأشار إلى صحة قول أبي القاسم الكعبي إن أراد هذا المعنى وجعل أيضاً التوبة عن الصغيرة بعدي المدح والثواب المستحقين عليها من حال التوبة.
فأما عند الجمهور فإنما يكون له من التوبة على الصغرة ثواب يختص التوبة؛ لأن وجوبها شرعي، فأما أنها بعيد ثواب ما أسقطته الصغيرة فلا.
ومثل هذا يجيء الخلاف في من عصى ثم أطاع فتساقط عقاب المعصية وثواب الطاعة، ثم يذم على الطاعة، هل يعود عقاب المعصية أم لا، وغن كانت الشبهة في مثل هذا أدخل.
فصل [في كيفية التوبة]
اعلم أن الذنب إما أن يكون عليه فيه تبعة أم لا إن لم يكن كفاه الندم والعزم، سواء كان من أفعال الجوارح أو من أفعال القلوب، إلا أنه إذا كان من قبيل الاعتقادات، وكان قد ابتعه أحد فيه وجب أن يظهر توبته ليرجع متبعوه عن ذلك ويبالغ في تلافي ما وقع في مصنفاته ونقضه، وإن كان على الناس أن ينظروا ولا يقلدوا، وإن كان مما عليه فيه تبعة، فإن كان بينه وبني الله كالصلاة والزكاة فإنه يكفي الندم والعزم مع القضاء بما أمكن، وغن كان بينه وبني الناس فلا بد مع الندم والعزم من تلافي ما فرط، فإن كان قتلاً أو قصاصاً أفاد من نفسه إلا أن يعفوا أهل الحق، وإن كان مالاً سلمه إلى أهله إن كان باقياً أو مثله إن كان من ذوات الأمثال أو قيمته إن كان من ذوات القيم، وإن لم يتمكن من شيء من ذلك عزم عليه، وغن كان عِرْضاً اعتذر ما أمكنه الاعتذار إن كان أو المساء إليه قد علم كلامه وإلا كفاه الندم والعزم وإظهار ذلك /364/ عند الذين اعتابه إليهم.
واختلف في من اعتذر إلى الغير ولم يتب إلى الله.
فقال الجمهور: لا يصل اعتذاره؛ لأن من حق الاعتذار أن يكون بدلاً للجهد في تلافي ما فرَّط وما لم يتب إلى الله فلم يبذل الجهد.
وقال القاضي: يصح اعتذاره؛ لأن الاعتذار إنما لزمه في مقابله كون الفعل إساءة والتوبة تلزمه في مقابلة كنه معصية وهما أمران متغايران، ولمثل هذا يصح أن يكون معتذراً إلى زيد دون عمرو.
فصل
واختلفوا في القبيح إذا تاب عنه ثم ذكر هل يجب تحديد التوبة كلما ذكره أم لا، فقال أبو لعي: يجب بناء على أن علة وجوب التوبة القبح.
قال: وغلا كان مضراً على القبح، وفسر الإضرار بترك التوبة، وإن كان قد فسَّره مرَّة بالثبات على المعصية ومرَّة بالعزم على فعلها.
وقال أبو هاشم: لا يجب تحديد التوبة بناء على أن وجه وجوبها كونها دفعاً للضرر، وقد اندفع الضرر بأوَّ توبة، ولا يجب تحديدها وإن حسن.
فصل
عند الجمهور أنها لا تصح التوبة من ذنب دون ذنب مع العلم بأن الأخرى معصية.
وقال أبو لعي: يصح أن يتوب من معصية مع الإصرار على ما ليس من جنسها. فأما إذا كانت من جنسها كأن يندم على شرب قدح خمر مع الإصرار على شرب قدح آخر، فلا يصح بالاتفاق، وإلى هذا مال الشيخ محمود
حجَّة الجمهور أنه لا يصح أن يندم على قبيح لقبحه، ولا يندم على ما سواه في القبيح؛ لأن التوبة كالترك من حيث أنها إقلاع عن المعصية، وقد تقرر في العقول أن من ترك فعلاً لعلة فإنه يجب أن يترك ما ساواه في تلك العلة، وغلا لم يكن قد ترك لتلك العلة، ألا ترى أن من امتنع من أكل رمانة؛ لأنها حامضة، فإنه يجب أن يمتنع من كل حامض، وغلا وجب كون علة الترك غير الحموضة، فكذلك إذا تاب عن القبيح لقبحه مع الإصرار على قبيح آخر، علمنا أنه ما تركه لقبحه.
واعتبرنا أن نعلم أو نعتقد كون المعصية الأخرى معصية؛ لأنه لو اعتقدها حقاً لصح أن يتوب عن غيرها دونها، ولهذا يصح توبة الخارجي عن الربا مع إصراره على الخارجية لاعتقاده كونها حقاً إلا أن توبته تكون محبطة في جنب الإصرار على الكبيرة واعتقاد جنسها.
قال الشيخ أبو علي: إنما ذكره الجمهور يؤدي إلى وجوب التوبة عن الحسن، والواجب؛ لأنه إذا أراد اليهودي أن يتوب من الكبيرة وعنده أن اعتقاد نبوة محمد قبيح واعتقاد تكذيبه حسن كان قد أوجب عليه أن يتوب عما هو حسن عنده أو واجب.
والجواب: إنما صحت توبته عن الكبيرة من حيث جهل قبح تكذيب محمد، ووجوب اعتقاد نبوته، ونحن فرضنا الكلام في من يعلم قبح المعصية الأخرى.
قال أبو علي: وقع الإجماع على صحة التوبة من ذنب دون ذنب، له كيف يصح دعوى الإجماع وقد خالف /365/ أكثر أهل البيت عليهم السلام كأمير المؤمنين والقاسم وعلي بن موسى الرضا، وخالف أيضاً من التابعين وتابعيهم واصل بن عطاء وجعفر بن مبشر وابن المعتمر.
قال أبو علي: قد بينا أن من فعل فعلاً لغرض لم يجب أن يفعل ما سواه في ذلك الغرض كما إذا تصدق على مسكين نذرهم لا يجب أن يتصدق على كل فقير، وكما إذا أكل رمانة؛ لأنها حامضة لا تجب أن يأكل كل رمانة حامضة.
وأجاب الجمهور بأنه قد تقرر في العقل الفرق بين الفعل والترك فأوجب في من ترك فعلاً لغرض أن يترك ما سواه في ذلك الغرض، ولم يوجب في من فعل فعلاً لغرض أن يفعل ما سواه في ذلك الغرض، قالوا: ولا يضر الفرق بعلة الفرق.
والحق أنه لا فرق بين الموضعين، بل كما يجب أن يترك ما حصل فيه علة الترك يجب أيضاً أن يفعل ما فيه علة الفعل لكن شرط بقاء تلك العلة وأن لا يعرض ما يزيلها.
وما ذكره الشيخ أبو علي من أن من تصدق على فقير بدرهم لا يجب أن يتصدق على غيره، وكذلك الرمانة فهو صحيح، لكن إنما لم يجب ذلك لحصول صارف صرفه عن التصدق على غيره حتى لو خلص الداعي، وبقي الغرض الذي لأجله تصدق على الأول، لوجب أن يتصدق على غيره، وإلا بطل أن يكون تصدق لذلك الغرض.
ولهذا لو سألت المتصدق فقلت: لم تصدقت على زيد لفقره؟ ولم تصدق على عمرو لفقره؟ لقال: إني لو تصدقت على عمرو وعلى كل فقير لنفد مالي وحصل على ضرر، فثبت أنه إنما لم يتصدق على غيره لحصول صارف أزال الغرض المتقدم، ونحن فرضنا المسألة مع بقاء الغرض، وكذلك من أكل رمانة لأنها حامضة إنما لم يجب أن يأكل الرمانة الأخرى وإن حصلت الحموضة لحصول صارف أو تناقض شهوة حتى لو خلص ما لأجله أكل الأولى لوجب أن يأكل الثانية.
حجَّة الشيخ محمد على ترجيح قول أبي علي أن التائب يجوز أن ينصرف عن القبيح لقبحه ولعظمه أو لقبحه ولكثرة الزواجر عنه أو لقبحه، ولكونه مكملاً لذنوب كثيرة، وإذا كان كذلك جاز أن يندم على بعض القبائح لقبحه، ولهذه الصوارف ولا يندم على ما سواه في القبح فقط دون هذه الزوائد، وصار كمن يأكل طعاماً لشهوة شديدة، فإنه لا يجب أن يأكل طعاماً لشهوة قليلة، وإن اشتركا في الشهوة.
قال: يوضحه أن الإجماع قد وقع على أن اليهودي إذا تاب عن اليهودية مع إصراره على غصب درهم صحت توبته وتجري عليه أحكام المسلمين.
واعترضه الجمهور بأن الإجماع إنما قع على أنها تجري عليه أحكام المسلم. فإما أنه يسقط عليه عقاب اليهودية فلا.
وأجاب بأنه لولم يسقط عه عقاب اليهودية لكان كافراً في نفس الأمر، ومعلوم خلافه، ولكان لا فرق بين رجوعه عن اليهودية وبين إصراره عليها /366/ على أن أصل الجمهور يقتضي أنه مالم يتب عن غصب الدرهم فهو باق على اليهودية إذ لم يصح توبته بعد، فلا يصح أن تجري عليه أحكام المسلمين.
قال: وما حكي عن أهل البيت عليهم السلام إنما هو مصروف إلى التوبة الكاملة لا إلى التبة على الإطلاق، وهذا حسن، إلا أن للجمهور أن يقولوا: إن توبة من ندم على القبح لقبحه ولعظمه أو لقبحه ولكثرة الزواجر عنه ونحو ذلك مما عدَّه غير صحيح، ولا بد أن يندم عليه لقبحه فقط؛ لأن القبح هو سبب العقاب، والعقاب سبب التبة، فلا حاجة إلى الزيادة.
زيد إن حسب بأنه إذا ندم عليه لقبحه صحب التوبة ولا يقدح في صحتها أن يندم عليه لزيادة مع القبح، وهي كثرة العقاب بذلك الذنب أو نحو ذلك، فإنه لا يشتبه على عاقل كون عظم الذنب وكثرة الزواجر مما يصرف عنه، وإذا جاز أن يندم عليه للقبح ولزيادة لم يجب أن يندم على ما ساواه في القبح فقط، فيجب صحة التوبة عن ذنب دون ذنب بأن لا يحصل في أحد الذنبين هذه الصوارف المذكورة، وهذا أقوى كما ترى لا سيما على القول بأن العزم دليل على التوبة، وليس جزءاً منها ولا شرطاً فيها.
القول في الوعيد السمعي
قد تقدم في أول الكلام ذكر ما تشتمل عليه هذه الجنبة.
فصل [في انقطاع التلكيف]
قد دل العقل على أنه لو نفى على أهل الآخرة تكليف لكان المكلف إما من أهل الجنة فيحصل عليه بالتكليف تبعيض ومشقة، وربما يعصي فيستحق العقاب، وربمَّا تتوفر على الطاعات فيصير حاله أعلى ممن كان خيراً منه في الدنيا، وكله محال، وأما من أهل النار فيجب أن يكون له سبيل إلى الانتفاع بما كلفه، فيستحق الثواب إذا أطاع أو يتوب فيسقط عقابه أو يفعل من الطاعة ما يخف به عقابه حتى يصير الكافر أخفَّ عقاباً من الفاسق، وكله محال، وكل شيء نجعل شبهة في تكليفهم من نحو شكر النعمة ورد الوديعة وترك القبح ومعرفة الله، فإنهم ملجئون غليه إما بأن يفعله الله كالمعارف أو بأن يقوِّي دواعيهم إليه كسائرها.
فصل
كان يصح من جهة العقل أن ينقطع التكليف بالموت فقط أو الجنون أو النوم أو نحو ذلك، ولكن دل السمع على أن الخلق يفنون.
اختلف الناس في معنى الفناء، فقال الجاحظ وأبو حسين وأبو حفص: هو الإماتة وتبديد الأجزاء فقط.
وقال من عداهم: هو ما عنده تعدم الأجسام.
ثم اختلف هؤلاء في كيفيَّة إعدامها، فقال النظام: يعدمها الله بأن لا يفعل إحداثها حالاً فحالاً.
ويبطله ما تقدم من استحالة تحدد صفة الوجود، هذا إن أراد الصفة، وإن أراد أن الحدوث معنى يتحدد فأظهر فساداً؛ لأنه كان يلزم أن يحتاج الحدوث إلى حدوث.
وقال أبو الهذيل: يعدمها بأن يقول: افن كما أنه يوجد الشيء /367/ بأن يقول له كن.
ويبطله أن هذا القول يتعلق بالقادر أيضاً، فكان يحتاج إلى قول آخر ويتسلسل.
على أه لو أثر قول الله تعالى افن وكن لأثر قولنا لتماثلهما.
وقال الكعبي: ومن يجعل النفاء معنى يفنى بأن لا يوجد الله بقاءها.
ويبطله أن المرجع بالبقاء ليس إلا إلى استمرار الوجود؛ إذ لو كان للنافي صفة غيرها لصح انفصالها، وكان يلزم في الفاني أن تكون له صفة زائدة على تضاد عده تضاد صفة الباقي.
وبعد، فل كان البقاء معنى لكان إما باقياً فيحتاج إلى معنى آخر أو حادثاً، فيلزم حدوث الجوهر حادثاً باقياً، وليس له أن يقول أن هذه الضفة يستحيل عليه احل الحدوث؛ لأن استحالة الصفة تتبع استحالة المعنى المؤثر فيها.
وقال أبو الحسين الخياط والغزالي وأكثر المجبرة يعدمها الله تعالى ابتداء فجعلوا الإعدام مقدوراً في نفسه ويبطله، إن كون القادر قادراً لو تعدَّى طريقة الإحداث لتعدي ولا حاضر كالاعتقاد.
وبعد، فلو كان ما تعلق القادر إحداثه تعلق به إعدامه لوجب أن يقف عدم كل شيء على اختيار موجده ومعلوم أن في المحدثات مالا يقف عدمه على الاختيار اتفاقاً كالصوت وسائر ما لا ينفى.
وبعد، فكان يصح من الباري إعدام الباقيات من دون وجود ضدها. وبعد، فكان يلزم قدرتنا على إعدام ما نقدر على إيجاده. وبعد، فليس للمعدوم بكونه معدوماً حاله، فيعلل بالفاعل.
وقال جمهور شيوخنا: يفنيها الله بمعنى يضادها بوجده لا في محل وهو الفناء.
لنا، أما على أن الأجسام تفنى فقوله تعالى: {هو الأول والآخر} وهذا يقتضي أن يوجد الله فلا شيء معه آخراً، كما وجد ولا شيء معه أولاً، وورود الموت على الأجسام، ولا يخرجها عن كونها موجودة.
على أن أكثر الأجسام لا يصح عليها الموت.
وقال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} والهلاك في الحقيقة هو العدم؛ لأنه لو أراد الموت لما شمل جميع الأشياء؛ لأن الجمادات والأعراض لا تموت.
وقال تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وما لم يعدم الأجسام فهي باقية، على أن جميع من فيه ذكر الإعادة يدل على عدم الأجسام؛ لأنه ما لم يعدم لا يصح وصفها بالإعادة، وإنما المعاد تأليفها.
وأما على أنها تعدم بضد هو الفناء فلأنها باقية وليست تحتاج في وجودها إلى شيء حتى يجب انتفاؤها بانتفائه وكل شيء هذه حاله لا ينتفي إلا بضد؛ لأنه إذا صح عليه الوجود أكثر من وقت واحد صح في جميع الأوقات إذ لا حاضر.
يوضحه إن صحة استمرار الوجود حكم ثبت لما هو عليه في ذاته، فليس بأن يستمر وجوده في بعض الأوقات أولى من بعض فيجب أن يستمر إلا عند ضر وضده.
وبعد، فإذا انتفى في حال كان يجوز ألا ينتفي فيه لم يكن بد من أمر وليس ذلك الأمر إلا الضد؛ لأنه قد تقرر أن الإعدام لا يتعلق بالفاعل /368/ فلم يبق إلا أن يتعلق بالمعنى لا يوصف بأنه علة في انتفاء الأشياء به، وكذلك سائر الأضداد؛ لأن العلة لا تؤثر إلا في معلول واحد، وهذا قد ينفي الأضداد الكثيرة؛ ولأنه قد يحصل ولا ينفي شيئاً بأن لا يصادق ضداً والعلة لا يصح انفكاكها عن المعلول؛ ولأن شرط التضاد أن يتحد المحل والعلة لا يقف في الإيجاب على شرط متفضل وإنما قلنا أنه يوجد لا في محل؛ فلأن المحل ضد له فلا يصح أن يوجد فيه.
فصل
كأن يحسن من جهة العقل أن لا يعبد الله من يستحق العقاب؛ لأن ذلك يجري مجرى العفو عنه، فأما من له ثواب أو عوض فيجب إعادته؛ إذ لا يمكن إيصال ذلك إلا بالإعادة، وقد ورد السمع بأن الله تعالى يعيد كل مكلف.
واعلم أن الذي يجب إعادته هي الجملة التي أطاعت وعصت لأجنها هي التي استحقت الثواب والعقاب وما يتصل با من الفضلات وأجزاء السِمن، فهو تبع لها يجوز أن يعاد ويجوز أن لا يعاد.
وأما البنية المخصوصة فقال أبو هاشم: يجب أعادتها؛ لأن بها يتميَّز المكلف غن غيره.
قيل: والحق أن الواجب هي أو مثلها؛ لأن التأليف متماثل..
وأما الحياة فقيل: يجب إعادتها بعينها، وقيل: يجب إعادة غيرها مما كان لا يصح أن يكون حياة إلا له.