وقال أبو هاشم: مع العمد؛ لأنه إما أن يقدم على الفعل مع العلم بكونه في نفسه معصية، فهذا صريح التعمد، وإما أن يقدم عليه مع الإخلال بالنظر في هل هو معصية أم لا، فيكون قد أقدم على ما لا يأمن كونه قبيحاً.
وعلى الجملة فلا بد أن يتعمد ما بعد قبيحاً.
وقال أبو علي وأبو عبد الله والقاضي: لا يصح أن يقدم على المعصية مع العمد والعلم بكونها معصية؛ ووجب عليه النظر، فذلك مما يدق ويغمض وليس المقدم على الفعل مع الإخلال بالنظر فيه واعتقاد إباحته كالمقدم عليه مع العلم بقبحه لا سيما إذا كان في حكم الذاهل عن النظر ومعتقداً للإباحة في تلك الحال.
وعلى كل حال فإقدامه مع الخطأ أليق من إقدامه مع العمد وأُبْعِد عن التنفير عنه.
تبنيه
واتفق الجمهور على أن النبي إنما يعلم كون معصيته صغيرة بعد فعلهم؛ لأنه لو علم ذلك قبل فعلها لكان في حكم المغري بفعلها، وهذا سديد عند من يقول أنه يقدم لعيها ع الخطأ أو مع السهو، فتكون حالة العلم بكونها صغيرة.
فأما على أصل أبي هاشم فيصعب القول فيه؛ لأنه إذا جاز أن يقدم عليها مع العلم وقد علم أنه لا يفعل إلا صغيراً لزم أن يكون في حكم المغرى بفعلها لا محالة.
فإذن القوي ما قاله أبو علي وأبو عبد الله من أنه يقدم مع الخطأ.
القول في صحة نسخ الشرائع
النسخ في اللغة: هو الإزالة عند أبي هاشم، كقولهم: نسخت الرمح آثارهم. والنقل والتحويل عند البستي، والقفال، كقولهم: نسخت الكتاب، ومنه تناسخ الأرواح وتناسخ القرون وتناسخ المواريث وقيل مشترك بينهما.
وفي الاصطلاح: هو رفع مثل الحكم الشرعي بطريق صادر عن صاحب الشرع متراخٍ عنه على وجه لولاه لكان باقياً.
قلنا: الشرعي احترازاً من الحكم العقلي كالبراءة الأصلية، فإنها لا تسمى منسوخاً وإن كان في صورة المنسوخ.
قلنا: رفع مثل الحكم؛ لأن رفع عين الحكم يكون بدا، وبهذا يفارق النسخ البدا.
قلنا: بطريق صادر عن صاحب الشرع احترازاً من ارتفاعه بطريق علي كالإغماء والجنون والعجز والموت، ومن ارتفاعه بطريق شرعي، لكن لم يصدر عن صاحب الشرع كإجماع الأمة على أحد القولين، فإنه رفع جواز الأخذ بالثاني بعد أن كان جائزاً.
قلنا: متراخٍ عنه احترازاً من التخصيص كتقليد الحكم بغاية أو شرط أو استثناء.
قلنا: على وجه /336/ لولاه لكان باقياً احترازاً من أن يأمر الله تعالى بفعل واحد، ثم ينهى عن مثله فلا يكون نسخاً؛ لأن مثل الحكم لم يثبت وجوبه.
وقد عرفت بمثل هذه الحقيقة الرق بين النسخ والبدا، فإن البدا لا يكون بدا إلا إذا اتخذ الآمر والمأمور والمأمور به والزمان والمكان والوجه، كأن يقول زيد لعمرو: يا عمرو صل غداً وقت الزوال ركعتين عبادة لله في مقام إبراهيم، ثم ينهاه على هذا الحد فيكون قد بدا له أي ظهر له ما كان خافياً والعكس؛ لأن البدا في الأصل هو الظهور، وذلك مستحيل على الله تعالى، فأما إذا اختل أحدها بأن ينهى عن غير ما أمر به أو على غير الوجه أو الزمان لم يكن بدا.
وحاصل الفرق يرجع إلى أنه إذا اختل أحد هذه الشروط كأن النهي متعلقاً بغير الحكم الذي يناوله الأمر فلا يكون بدا.
فصل
والنسخ جائز عقلاً واقع سمعاً خلافاً للأصفهاني من المسلمين ولليهود، وهم فرق منهم من منعه عقلاً وسمعاً.
ومنهم من منعه سمعاً فقط، ومنهم من أجازه عقلاً وسمعاً، وزعم أن محمداً عليه السلام ليس بني أو أنه نبي إلى العرب فقط.
لنا: أما الجواز فلأن الشرائع مصالح فلا يمتنع اختلافها باختلاف الأزمنة والمكلفين كما في الصحة والسقم والغنى والفقر، والموت والحياة، وكما قد يكون الرفق مصلحة للصبي في وقت والعنف مصلحة له في وقت آخر أو مصلحة في وقت آخر.
وبعد، فكما يجوز في العقل كون الفعل مصلحة في جميع الأوقات يجوز كونه مصلحة في وقت، وكونه مفسدة في وقت آخر، وغلا كان لا يجوز استثناء بعض الأوقات، كأن يقول تمسكوا بالسب أبداً إلا السبب الفلاني.
وأما الوقوع فهو أن الأدلة القاطعة دلت على نبوة محمد عليه السلام وعلم من دينه ضرورة أنه ناسخ لما تقده من الشرائع، وأن بعض شرعه تنسخ بعضاً كما قال تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها ..} الآية والأحكام المنسوخة في شرعه أكثر من أن تحصى.
وبعد، فقد جاء في التوارة أن الله تعالى قال لنوح عليه السلام عند خروجه من الفلك: إني جعلت لكل دابة مأكلاً ولذريتك وأطلقت لكم كنبات العشب ما خلا الدم، فلا تأكلوه، ثم حرم كثيراً من الدواب في الشرائع التي بعده، وكان الجميع بين الأختين جائزاً في شرع يعقب عليه السلام، ثم حرم بعده، وكان تزويج الأخ بالأخت جائزاً في شرع آدم عليه السلام، ثم حرم بعده وكان وجوب الختان في شر إبراهيم عليه السلام في حال الكبر، ثم هو في شرع غيره في حال الصغر.
ومن قوي ما يقال أن السارق كان يؤخذ بسرقته في شرع يعقوب عليه السلام اتفاقاً، وعليه حمل قوله تعالى: {ومن وجد في رحله فهو جزاءه} وقوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} ومعلوم ارتفاع ذلك في شرع موسى ليه السلام، ومن بعده، وكانت التوبة في وقت موسى بالقتل ثم ارتفع ذلك.
شبهتهم أنه كان يلزم من النسخ إما البدا أو إما الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن.
والجواب: أما لزوم /337/ البدا فباطل كما تقدم.
وأما الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن فإنما كان يلزم لو لم يجر في مثل الحسن أن يقبح، فأما إذا جاز ذلك صح الأمر به حال كونه مصلحة ويعاقبه حال كون العاقبة مصلحة، وكما يصح أن يكون شرب الدواء مصلحة في وقت دون وقت، وكما في السير يوم السبت عندهم فإنه مباح في الميل محرم في ما عداه.
قالوا: الحكم إما أن يكون الأمر به مطلقاً فلا يجب تكراره، لا يعقل النسخ فيه. وإما أن يفيد بوقت فارتفاعه بعد ذلك الوقت لا يكون نسخاً. وإما أن يكون مؤبداً فلا يجوز نسخ؛ لأن الأمر إن أراد فعله في كل وقت وجب فعله في كل وقت، وإن أراد فعله في بعض الأوقات كان ذلك تلبيساً، ويلزم عليه أن لا يوثق بتأبيد حكم قط، وأن لا يوثق بدوام شريعة محمد عليه السلام.
قلنا: يجوز نسخ ما ظاهره التأبيد، بل ذلك شرط في جواز النسخ؛ لأنه لا يعقل النسخ غلا فيما استعبد تكراره، وليس يلزم التلبيس، أما عند من يوجب الإشعار بالنسخ فلا كلام عليه، فإنه يقول معرفة أهل الشرائع المتقدمة بنبوَّة محمد والبشائر الواردة به إشعار تنسخ بكل الشرائع، وأما من لا يوجب الإشعار فيقول: أما قولهم أن التأبيد يقتضي دوام الفعل بكل حال فباطل لعلمنا بارتفاع التكليف وانقطاعه.
وأما قولهم: يلزم أن لا يوثق بتأبيد حكم قط ولا يداوم شرع محمد عليه السلام فباطل، بل يوثق بذلك بأن يعلم ضرورة من قصده ودينه التأبيد.
قالوا: لو جاز النسخ لكان إما قبل الفعل وهو باطل؛ لأن فيه ارتفاع الشيء قبل وجوده، وإما بعد الفعل وهو باطل؛ لأن ارتفاع الفعل الذي قد وجد وتقضَّى محال، وغما حال ثبوته وهو أيضاً باطل؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع الثبوت والانتفاء.
قلنا: ليس النسخ رفع الفعل نفسه، وغنما هو رفع مثله من وجوب أو ندب أو إباحة أو حظر، وبهذا أيضاً تبطل الشبهة التي قبل هذه.
قالوا: روي عن موسى عليه السلام شريعتي لا تنسخ أبداً.
قلنا: هذا شيء اختلقه ابن الراوندي ليقدح في نبوة محمد عليه السلام، ولو لا ذلك لاحتج به اليهود على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جرت به العادة من توفر دواعي الخصم إلى إيراد حججه، وهم كانوا أشد الناس حرصاً في بطال أمره عليه السلام.
وبعد، فهو أحادي والمسألة قطعيَّة؛ إذ لو كان متواتراً لعلمناه، ولعلمه من أجاز نسخ الشرائع منهم عقلاً وسمعاً.
ثم كيف يدعون التواتر وهم قد قلوا في زمان بخت تضرر عن عدد التواتر، أعني أهل النقل، وانقطعت الحجة بقولهم، ولهذا ما علمهم التوارة بعد ذلك إلا العزيز عليه السالم، وكان ذلك هو السبب في أنهم سموه ابن الله.
وبعد، فكلام موسى عليه السلام عِبراني وهم ترجموه بالعربية، فما الثقة بالمترجم، ولعله أخل بقرينة تشعر بالمراد من استثناء أو غيره أو جهلها أو علمها وكتمها أو علمها وجهلها غيره من أهل النقل بعد أو علموها وكتموها /338/ فالمعلوم أنهم قد عيروا في التوارة وبدلوا.
وبعد، فإن أرد شريعتي لا تنسخ أبداً ما لم يظهر صاحب معجز، فكذلك نقول نحن، وهو الذي ينبغي في حق كل نبي، وإن أراد شريعتي لا تنسخ أبداً، وإن ظهر صاحب معجز يدعي نسخا، فهذا يقدح في نبوته عليهم السلام؛ لأن لهم حيئنذٍ أن يكون الحق في غير ما جئت به.
وبعد فقد جاء في التوراة لفظ التأييد للمبالغة من دون دوام في مواضع.
منها قوله في العبد استخدم ست ستين ثم يعرض عليه العتق في السابعة فإن أبى فليثقب أذنه ويستخدم أبداً ثم رفع بخمسين سنة.
ومنها: قوله في السفر الثاني ربوا إلي خروفين خروفاً غدوةً وخروفاً عشية قرباناً دائماً لاحقاً لكم، ثم زال ندهم التعبد بذلك.
ومنها قوله في البقرة التي أمروا بذبحها يكون ذلك سنة أبداً ثم انقطع التعبد به.
ومنها قوله في قصة دم الفصح أمروا بأن يذبحوا الجمل ويأكلوا لحمه ملهوجاً ولا يكسروا منه عظماً، ويكون لهم ذلك سنة أبداً، ثم زال التعبد بذلك عندهم، ففي كل هذه الصور لم يدل التأبيد على الدوام، فكذلك الخبر لو كان صحيحاً.
القول في نبوة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المحقين وسلم
قد خالف أهل الإلحاد ومنكروا النبوات واليهود، واختلف اليهود في وجه كونه عليه السلام ليس بنبي، فقال بعضهم: جاء بنسخ الشرائع ، وقد تقدم الكلام على هؤلاء، وقال بعضهم: لأنه ليس له معجز، وقال أهل البله منهم: هو رسول إلى العرب فقط.
لنا: إنه لعيه السلام ادعى النبوة لنفسه وجاء بالقرآن الكريم ولم يسمع قبله من غيره وجعله معجزة له وتحدى العرب أن يأتوا بمثله، وفزَّعهم بالعجز عن ذلك، فلم يأتوا بشيء مما تحداهم به، وغنما تركوا الإتيان به لعجزهم عنه، فثبت بذلك كونه معجزة له.
فهذه ثمانية أصول، أما الأربعة الأولة وهي: أنه عليه السلام ادعى النوبة وأتى بالقرآن ولم يسمع قبله من غيره وجعله معجزة له فهي معلومة ضرورة بالتواتر.
فإن قيل: ما أنكرتم أن الله بعث نبياً وأظهر عليه القرآن فقتله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وادعى النبوة لنفسه.
قلنا: لو جاز ذلك لما وثقنا بنسبة شعر الشعراء وخطب الخطباء ولا وثقنا بنبوة نبي قط، ولا بشيء من الكتب السالفة كالتوراة والإنجيل.
ثم كيف يبعث الله نبياً ثم يمكن غيره منه قبل التبليغ. وأيضاً فقد ظهر عليه غير القرآن من المعجزات.
وأما الأصل الخامس وهو أنه تحدى العرب بالإتيان بمثله وقرعهم بالعجز عن ذلك، فذلك ضروري، لكن بعد الفحص فإن من بحث عن أحواله عليه السلام علم بالتواتر نه كان يغشى محافل العرب ويتلوا عليهم القرآن ويلتمس منهم المعارضة.
وبعد، فليس من حق التحدي النطق، وقد كان يعلم بالضرورة من قصيدة أنه كان يدعي الفصل على جميع الناس لمكان ما جاء به وهو القرآن، وإن أحداً لا يقدر على الإتيان بمثله وذلك كاف في التحدي.
وبعد /339/ فالقرآن مشحون بآيات التحدي، قال تعالى: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين} ثم أنزلهم مرتبةً ثانية، فقال: {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله} ثم أنزلهم مرتبة ثالثة فقال: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} ثم أخبر أنهم لا يأتون بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
فإن قيل: ما أنكرتم أنهم كتم آيات التحدي عن المشركين لئلا يعارضوه.
قلنا: نحن نعلم أنها نقلت على حد نقل القرآن، فلو جوزنا في بعض الآيات أنها كتمت لجوزنا في سائرها.
وبعد، فالتحدي شامل للمؤمنين والمشركين، فلو علم المؤمنون أنه كتم شيئاً لنفروا عنه.
وبعد، فدواعي المؤمنين إلى المعارضة أوفر ليؤكدوا بمعرفة العجز عنها أمر دينهم.
وبعد، فالتحدي قائم على وجه الدهر، وقد ظهرت آيات التحدي والفصحاء لا يزدادون إلا كثرة، فهلا وجد فيهم من يعارض القرآن.
يوضحه أنه قد نقل من المعارضات الركيكة مالا يلتفت عليه كمعارضة مسيلمة وابن المقنع.
وبعد، فلو وجدت معارضة يشتبه الحال فيها لوجب على الله تعالى أن يوفر الدواعي إلى فعلها؛ لأنها هي الحجَّة حينئذٍ، فكيف يخفي ويظهر الشبهة.
وأما الأصل السابع وهو أنه إنما لم يعارضوا القرآن لعجزهم عن المعارضة؛ فلأن دواعي العرب كانت متوفرة إلى إبطال أمره عليه السلام، ولا صارف لهم عن ذلك، وكانوا يعلمون أن أمره يبطل بالمعارضة، فلو قدروا عليها لفعلوها إما أن دواعيهم كانت متوفرة إلى إبطال أمره عليه السلام، فذلك لا يشتبه على عاقل، فإنه عليه السلام أدعى الرئاسة عليهم في الدنيا والآخرة في ما يتصل بالنفس والحال، وانه على الحق وأنهم على الباطل وسفَّه أحلامهم وسب آلهتهم ووعدهم على طاعته بالثواب الدائم في الإجلال والعز والشرف في العاجل، وعلى مخالفته بالعقاب الدائم في الآجل وبالذل والقتل والخلاء في العاجل ولا شيء أبلغ من هذه الأشياء في تحريك طباع البشر ودعائهم إلى إبطال أمره لا سيما العرب، فإن لهم من الحميَّة والأنفعة ماليس لغيرهم من الأمم.
وأما أنه لا صارف لهم عن ذلك فإنه إن كان صارف دين فليس من الدين ترك المعارضة /340/ لأن بها يتميز الحق لهم من الباطل، لا سيما وعندهم أنهم على الحق، وإن كان صارف ديني من رغبة أو رهبة، فذلك باطل؛ لأنه عليه السلام كان فقيراً مضطهداً.
وأما أنهم كانوا يعلمون أن أمره كان يبطل بالمعارضة فلأنه عليه السلام قد كان يصرح بذلك؛ ولأن العقلاء، بل الصبيان يعلمون أن من ادعى التمييز على غيره لمكان أمر يأتي به، فإن عواه تبطل عند الإتيان بمثل ما أتى به.
وأما أنهم لو قدروا على المعارضة لفعلوها؛ فلأنا نعلم بالضرورة أن من توفرت دواعيه إلى الشيء ولا صارف لمقته وهو قادر عليه وغير ممنوع منه، فإنه يفعله لا محالة حتى إن لم يفعله علمنا أنه غير قادر عليه.
فإن قيل: إنهم استغفلوا عن المعارضة بالقتال.
قلنا: ليس أحد من العقلاء يؤثر الأمر الصعب على الأمر السهل مع استوائهما في العرض.
على أنه ليه السلام قد لبث فيهم ثلاث عشرة سنة لا قتال فيها. وأيضاً فلم يكن القتال دائماً. وأيضاً فالقتال لا يمنع من إنشاء الكلام الفصيح، بل ربما أن حالة القتال حالة نشاط إلى ذلك، ولهذا كان عادة العرب ارتجال الشعر في تلك الحال. وأيضاً فلم يكن كلهم يحضر القتال.
فإن قيل: إنما عدلوا عن المعارضة؛ لأن الناس يكونون بين متعصب لها ومتعصب عليها فلا يحصل الغرض به، لو صرف ذلك عن معارضة القرآن لصرف عن سائر المعارضات.
على أنه ليس من حق المعارضة أن تشابه المعارض من كل وجه، بل تكفي أن يكون مما يشتبه الحال فيه وتلتبس أحدها بالأخرى على بعض الوجوه.
وأما الأصل الثامن: وهو أنه ثبت بذلك كونه معجزة، فلحصول حقيقة المعجز فيه، وهو كونه ناقصاً لعادتهم في الفصاحة، ومتعلقاً بدعوى النبوة.
فإن قال: كيف يقطعون بكونه ناقضاً للعادة مع تجويزهم أن يقدر الجن والملائكة على مثله.