وقيل: قد صار بالعرف من الأسماء المقيدة للتعظيم، وهو الحق؛ لأنه لو كان على القول الأول لما صح الترضية إلا عمن يقطع بأنه لم يأت معصية قط، وذلك يؤدي إلى أن لا يرضى عن أحد حتى الأنبياء.
ومنها: قولنا قاصد ومختار إلا أنهما لا يستعملان إلا في فعل النفس بشرط المقارنة أو ما في حكمها، وقد يستعمل الاختيار في إيقاع الفعل لا على وجه الإكراه.
وأما ما يجري عليه بمعنى كونه كارهاً فنحو قولنا ساخط وهو نقيض الراضي يفيد وقوع الفعل المكروه، ومتى علق بالفاعل نحو قوله تعالى: {أن سخط الله عليهم}، فمعناه كراهة المنافع وإرادة المضار، وفيه من الخلاف ما تقدم، والحق أنه قد نقل إلى ما يفيد الذم والاستحقاق لولا هذا لما جاز إطلاقه على أحد قط؛ لأنه ما من مكلف إلا وقد فعل واجباً أو ترك قبيحاً.
وأما الغضب والبغض فيصح أن يكون من باب إرادة المضار، ويصح أن يكون من باب كراهة المنافع، وكذلك المعاداة من الله تعالى لعباده.
وأما المعاداة من العباد لله تعالى فمعناه معاداة أوليائه بإرادة مضارهم والاستخفاف بهم أو كراهة منافعهم وإعظامهم.
وأما البراءة من الله تعالى فإن علقت بالفعل فالمراد أنه كراهة نحو: إن الله بريء من الكفر وإن علقت بالفاعل نحو: إن الله بريء من المشركين، جاز أن يكون بمعنى كراهة فعله، وجاز أن يكون متفق له إلى معنى الذم والاستخفاف.
وأما الغيظ فلا يجوز إجراؤه؛ لأنه يفيد ضرباً من التغير وفوران النفس.
القول في أن الله تعالى غني
الغني في اللغة: من استغنى بما في يده /135/ عن ما في أيدي الناس، ومنه القناعة رأس الغنا. وفي اصطلاح الفقهاء هو من ملك النصاب أو ما قيمته نصاب، وقيل من ملك الكفاية.
وفي اصطلاح المتكلمين هو الحي الذي ليس بمحتاج.
والحاجة ضربان: حاجة الأثر إلى المؤثر، وتقدم نفيها عن الله تعالى في ذاته وصفاته وحاجة دعاء وصرف، وهي ما يدعو الحي إلى جلب نفع له أو نصرته عن جلب ضرر إليه، والداعي: هو ما يرجح وجود فعل على عدمه من غير تأثير.
وينقسم إلى داعي حكمة، وهو علم الحي أو ظنه، واعتقاده بأن للغير في الفعل نفع أو دفع ضرر مع حسنه. وقلنا: مع حسنه، احترازاً من إثابة أهل النار وداعي حاجة، وهو كداعي الحكمة إلا في اعتبار الحسن، وفي أن النفع ودفع الضرر هنا عائدان إلى نفس الحي، ولهذا امتنع في حقه تعالى، والصارف ما يرجح عدم الفعل على وجوده من غير تأثير، وقسمته كقسمة الداعي إلا أن تعلقه على العكس والمنفعة هي اللذة والسرور أو ما أدى إليهما أو إلى أحدهما، ويفارق النعمة مفارقة الأعم للأخص من حيث أن النعمة منفعة مخصوصة، والمضرة هي الألم والغم أو ما أدى إليهما أو إلى أحدهما، ويفارق النقمة والظلم مفارقة الأعم للأخص أيضاً، واللذة والألم هما المعنى المدرك بمحل الحياة فيه، لكن إن قارنه شهوة سمى لذة، وإن قارنه نفار سمي ألماً، فبهذا التدريج صارت الحياة ملازمة للشهوة والنفار اتفاقاً بين الشيوخ، وإنما اختلفوا في علة امتناع الشهوة والنفار عليه تعالى. فقال أبو هاشم: لأنهما يلازمان الزيادة والنقصان من حيث يزداد جسم أحدنا يتناول ما يشتهيه وينقص بتناول ما ينفر عنه.
واعترض بأن الزيادة والنقصان يقعان بمجرى العادة من الله تعالى وأيضاً فقد يكون الأمر بالعكس مما ذكره.
وقال الشيخ أبو إسحاق بن عياش والجمهور: لأنه لو جاز أن يشتهى لكان إما أن يشتهي لذاته أو لما هو عليه في ذاته أو بالفاعل والمعنى، والأول باطل، وإلا وجب أن يشتهى جميع المشتهيات فيكون ملجأ إلى فعلها دفعة واحدة، وإلى أن يوجد أكثر مما أوجد، وأكثر وقيل الوقت الذي أوجد فيه، وقيل: لتوفر دواعيه إلى جميع ذلك.
والثاني: باطل لما تقدم من أن القديم لا فاعل له ولا لشيء من صفاته، ولأن تأثير الفاعل لا يتعدى الحدوث وتوابعه أي الأحوال، ولأنه كان يلزم أن لا ينحصر تعلق هذه الصفة؛ لأنه لا ينحصر تعلق الصفة إلا لمعنى فيلزم ما تقدم.
والثالث: باطل لأن المعنى إن كان قديماً أو معدوماً لزم ما تقدم في كونه مشتهياً لذاته، وإن كان محدثاً لزم ذلك أيضاً وزيادة، وهو أن يكون ملجأً إلى إيجاد الشهوات على الحد الذي يكون ملجأ إلى إيجاد المشتهيات، ومثل هذا يجيء الكلام في أنه تعالى لا يجوز /136/ أن يكون نافراً إلا في كونه نافراً بنفار محدث، فإنه يقال لو جاز عليه النفار المحدث لجازت عليه الشهوة المحدثة إذ لو قلنا كان يلزم أن يكون ملجأ إلى أن لا يخلق شيئاً من النفرة ولا من المنفر لكان لقائل أن يقول أنه يخلق لنفسه نفرة عن منفرات لم يخلقها ولا يخلق نفرة عن المنفرات التي خلقها.
القول في أن الله تعالى ليس بجسم ولا عرض ولا يجوز عليه ما يجوز عليهما
أما أنه لا يكون جسماً فقد خالف فيه فرق كثيرة.
فقال هشام بن الحكم وغيره: جسم له أعضاء وجوارح، وهو خمسة أشبار بشبر نفسه.
وقال بعض الحشوية: إنه سبيكة ملقاة فوق العرش.
وقال مقاتل بن سليمان وداود الجواربي أنه على العرش كبعض ملوك البشر لحم ودم.
وقال قوم: إنه فضاء منثبت والأجسام كلها فيه، قالوا: وهو لا يحتاج إلى مكان؛ لأنه مكان في نفسه.
وحكي عن بعض الحنابلة القول بأنه جسم طويل عريض عميق وعليه جل أهل الحشو.
وقالت الثنوية: إنه نور لا يتناهى إلا من جهة السفل، وبه قال بعض الكرامية، وقال البعض الآخر: إنه جسم قائم بذاته لا طويل ولا عريض ولا عميق.
وحكى عنهم الرازي القول بأنه في مكان.
وقالت الفلاسفة: إنه جوهر بسيط غير مركب.
وقالت النصارى: جوهر، وأكثر هذه المقالات هو بين لا يعقل فضلاً عن أن يشبته الحال فيه.
لنا أن كل جسم متحيز وكل متحيز محدث والله تعالى قديم.
أما إن كل جسم متحيز فلأن هذا هو المعقول من الجسم بالضرورةن وأما إن كان متحيز محدث فلما تقدم في دليل الدعاوي.
وأما أن الله تعالى قديم فتقدم أيضاً،و قد يورد هذا الدليل على وجه آخر وهو أن الأجسام متماثلة لاشتراكها في أخص أوصافها، وهو التحيز، ولالتباسها على المدرك مع العلم بتغايرها والمتماثلات لا يجوز افتراقها في القدم والحدوث، ولا يقال إن الجوهرية تقتضي القدم في حقه تعالى دوننا؛ لأنا نقول إما أن تقتضيها لا بشرط فيجب أن تقتضيها لنا، وإما أن تقتضيها بشرط، فكان يصح حصوله لنا إذ لا يصح حصول المقتضى، ويستحيل شرط الاقتضاء على الإطلاق، وأيضاً فلا بد أن يكون ذلك الشرط بعض صفاته الأربع، وكلها قد استحققتا قبيلها.
دليل: كل جسم مؤلف بالضرورة، وكل مؤلف محدث من حيث لو كان قديماً لكانت أجزاؤه قديمة، فيكون كل جزء منها قادراً عالماً لمشاركته للجملة في صفة ذاتية، وهي القدم، فيودي إلى التمانع.
دليل.
لو كان تعالى جسماً لاستحال أن يكون قادراً عالماً؛ لأنه لا يصح أن يستحق هذه الصفات لذاته، وإلا لزم في كل جسم مثله، ولا لمعان لما تقدم في فصل الكيفية ولا بالفاعل لتأدية ذلك إلى أن يكون محدثاً، دليل كل جسم، فهو متناهي المقدار في المساحة والعدد وكل متناه محدث.
دليل: كل جسم مركب، وكل مركب عليه، وفي ذلك صحة خروجه عن كونه قادراً وحياً ونحوهما وهو محال.
دليل: لو كان جسماً لكان كائناً في ما لم يزل، فتكون هذه الصفة واجبة فتشاركه فيها جميع الأجسام؛ لأن المتماثلات /137/ لا يجوز افتراقها في ما يجب أو يجوز أو يستحيل مما يكون وجوبه وجوازه واستحالته راجعاً إلى الذات، ألا ترى أنه يجب له التميز في كل حال ويجوز عليه التنقل في كل حال، ويستحيل عليه الكون في جهتين في وقت واحد على كل حال واحترزنا عن ما يكون وجوبه وجوازه واستحالته راجعاً إلى غير الذات كوجوب القادرية عند وجود القدرة وصحة الموت عند حصول الحياة واستحالة الحياة عند فقد البنية.
دليل: كل جسم فإنه إنما يفعل الفعل مباشراً ومتعدياً، والله تعالى يفعل مخترعاً، فيجب أن لا يكون جسماً، أما أن كل جسم لا يفعل إلا مباشراً أو متعدياً فذلك ضروري في الشاهد، فإن كل عاقل يعلم أن الجسم لا يفعل إلا في محل قدرته أو بواسطة فعل في محلها، والأول هو المباشر والثاني هو المتعدي، وأما أن الله تعالى يفعل مخترعاً فدليله أنه يفعل الأفعال الكثيرة في الأماكن المتباعدة في الوقت الواحد، ولأنه يفعل الأفعال الكثيرة فينا ولسنا محلاً لقدرته، ولا يحسن لمماسة لمحل قدرته.
دليل: لو كان جسماً لما صح منه فعل الأجسام لأنه إما أن يفعلها مباشرة أو متعدية أو مخترعة.
والأول: باطل لتأديته إلى تداخل المتحيزات أو حلول المتحيز.
والثاني: باطل لأن الفعل لا يتعدى إلى الغير إلا بالاعتماد والاعتماد لا تأثير له في توليد الأجسام، وإلا وجب مثله في الاعتماد الذي نفعله فيفعل أحدنا لنفسه بالاعتماد ما شاء من الأموال.
فإن قيل: إن الاعتماد الذي يولد الأجسام غير مقدور لكم.
قلنا: أنواع الاعتمادات ستة فقط بحسب الجهات الست وكلها تقدر عليه.
فإن قيل: إنما لم يفعل أحدنا الجسم لمانع.
قلنا: لا مانع يعقل إلا أن يقال إن الجهات مشغولة، ولو كان كذلك لما صح من الله تعالى أيضاً ولتعذر علينا التصرف.
والثالث: باطل لأنه لو صح الاختراع من بعض الأجسام القادرة لصح لصح من سائرها لتماثلها، ولأنا نعلم بالاختيار وتعذره ولا وجه لذلك، إلا كونها أجساماً ولما تقدم.
دليل: لو كان جسماً لكان قارداً بقدرة إذ لو كان قادراً لذاته لوجب ذلك في جميع الأجسام لتماثلها، ولو كان قادراً بقدرة، وقد ثبت أنه يصح منه فعل الأجسام لكان يصح منا أيضاً لأن مقدورات القدر منحصرة متجانسة، فلأنا نعني بكونها وتجانست لكونها قدراً، فلو كان تعالى قادراً بقدرة لوجب انحصار مقدورها وتجانسه، فهذه ثلاثة أصول.
إما أن مقدورات القدر منحصرة متجانسة فلأنا نعني بكونها منحصرة أنها مقصورة على الأجناس العشرة، وذلك معلوم من حالها، ونعني بتجانسها أنه ما من جنس من هذه العشرة يصح أن يفعل بقدرة إلا ويصح أن يفعل بسائر القدر، وذلك ظاهر أيضاً، وإنما يشتبه الحال في هل يصح تعلق قدر الجوارح بأفعال /138/ القلوب أم لا، والعكس، وذلك صحيح بأن يدخل الله آخر الجوارح في تضاعيف أجزاء القلب أو العكس.
وإما أن العلة في هذا الانحصار والتجانس هو كونها قدراً، فلأن هذا الحكم بدور مع كونها قدراً ثبوتاً وانتفاء مع فقد ما هو أولى بتعليق الحكم.
واعترضه ابن الملاحمي باعتراضين:
أحدهما: انه ليس المقدر بكونها قدراً صفة يشملها فيصح التعليل بها.
ويمكن أن يعارض بما ذكر في مسألة عالم مستدلاً على أن كونه تعالى متبيناً للأشياء أمر زائداً على ذاته، فقال: قد صح منه الفعل المحكم، فإما أن يصح منه لأنه ذات مطلقة أو لأنه ذات مخصوصة، والأول باطل؛ لأنه كان يجب أن يصح الفعل المحكم من كل ذات فيقال له ليس للذوات بكونها ذواتاً صفة يشملها فيصح التعليل بها.
فإن قال: لها حكم وهو صحة كونها معلومة. قيل له: وللقدر حكم وهو صحة الفعل بها.
فإن قال: إن صحة كونها معلومة حكم متماثل وصحة الفعل حكم مختلف على أصلكم في اختلاف القدر.
قيل له: إما من يجوز مقدوراً بين قادرين فلا يتوجه إليه أيضاً، وأما من لا يجوزه فنقول: لا معنى لكون صحة العلم حكماً متماثلاً إلا أن يشتبه إلى الذوات نسبة واحدة، وكذلك نسبة صحة الفعل إلى جميع الأجناس نسبة واحدة، وهذا كاف لنا لأنا إنما نعلل التجانس والانحصار لا التساوي في أعيان المقدورات فصحة الفعل وإن اختلفت نسبتها إلى الأعيان فهو أمر زائد على ما قد حصل به الغرض وهو اتحاد نسبتها إلى الأجناس.
الاعتراض الثاني: إن قال: كيف تعلل تعذر فعل وهو الجسم ونحوه بصحة فعل آخر وهو الأجناس العشرة.
ويمكن أن يجاب بأنا لم نعلل التعذر بالصحة وإنما عللنا التعذر بكونها قدراً، ثم استدللنا بصحة فعل الأجناس العشرة على صحة التعليل بكونها قدراً، ودليل صحة العلة غير العلة، ثم يقال له: قد ثبت أن الله تعالى قادر فما أنكرت أن يكون معنى ذلك أن له بنية صحيحة، واعتدال في الامتزاج يصح معه فعل الأجسام والاختراع دوننا، فما أجاب به فهو جوابنا، وقوله: إن إثبات ذلك إثبات ما لا طريق إليه غير مستقيم؛ لأن الخصم يقول الطريق إليه عندي هو صحة الفعل منه، وتعذره على غيره، فلا يكون لأبي الحسين بد من الرجوع إلى قول الجمهور.
دليل: من جهة السمع لا شك أن القرآن والسنة مشحونان بنفي التشبيه نحو قوله تعالى: {قل هو الله أحد}، و{ليس كمثله شيء}، وهو معلوم ضرورة من الدين والاستدلال بالسمع هنا إنما هو من طريق الجدل على من يقر بالسمع، فأما من جهة العلم فالحق أنه لا يصح؛ لأن صحة السمع تنبني على العدل إذ العدل ينبني على أنه عالم لذاته وغني لذاته والجسم ليس كذلك.
واعلم أن هذه الأدلة إنما توجه إلى من يثبت له الجسمية حقيقة، فأما من يخالف في العبارة /139/ فالمرجع في إبطال كلامه إلى الوضع وقد وجدنا أهل اللغة لا يستعملون الجسم إلا في ما كان طويلاً عريضاً عميقاً، ولو سلمنا استعماله في غيره لمعنا إطلاقه على الله تعالى لإيهامه الخطأ وليس إذا صح أن يقول شيء لا كالأشياء صح أن يقول جسم لا كالأجسام لاختلاف الفائدة كما تقدم.
فصل
في شبهة المجسمة.
أما من جهة العقل فهو أنه قادر عالم، والقادر العالم لا يكون إلا جسماً دليله الشاهد، والجواب هذا اعتماد على مجرد الوجود ولا جامع بين الموضعين، ثم نعارضهم فنقول: القادر العالم في الشاهد يجوز عليه أضداد مجرد هذه الصفات وزوالها، ولا يفعل إلا مباشراً أو متعدياً، فيلزم مثله في الغائب.
والتحقيق: أن القادر العالم في الشاهد إنما وجب أن يكون جسماً لأنه قادر بقدرة وعالم بعلم وهي تحتاج إلى محل فكان جسماً، والباري تعالى يستحقها لذاته، ولما هو عليه في ذاته فافترقا.
شبهة: قالوا: إثبات موجود ليس بجسم ولا عرض لا يعقل.
والجواب: إن معنى قولهم لا يعقل أنه لم يوجد له نظير، وهذا لا يمنع من إثباته إذا قام عليه دليل كما أنهم قد أثبتوه قديماً وقادراً على الأجسام، ويستحيل عليه الموت. وكل هذا لا نظير له.
شبهة: قال ابن الحكم ليس في المعلومات إلا حاضر أو غائب، ولا بد من الاستدلال بالحاضر على الغائب، فأما أن يسوى بينهما في كل وجه وذلك باطل؛ لأنه يقتضي حدوث الباري تعالى، وإما أن يفرق بينهما في كل وجه، وذلك يقتضي أن لا يكون الله تعالى عالماً قادراً، فلم يبق إلا أن يسوي بينهما في وجه دون وجه، وليس إلا كونه جسماً؛ لأنه فاعل قادر عالم، ولا يعقل هذه الصفات إلا للجسم فبقي الجسمية تقتضي نفيها.
والجواب: إما نجمع بين الشاهد والغائب في الوجه الذي نجمعهما عليه، ولم تكن العلة في كون الشاهد جسماً هي أنه قادر عالم بل لأنه يستحق هذه الصفات لمعان محدثة يحتاج إلى محال مبنية، ولأن الشاهد لا يفعل إلا على جهة المباشرة أو التوليد.
شبهة: قالوا: لم يشاهد حياً إلا ويجوز عليه الحس والحركة ولا ما يجوز عليه الحس والحركة إلا وهو حي(1) فيجب مثله في القديم؛ لأنه حي.
والجواب: نعارضهم بأنا لم نشاهد شيئاً إلا وهو محدث ولا محدثاً إلا وهو شيء، فيجب مثله في الباري؛ لأنه شيء، وجوابهم جوابنا.
والتحقيق: أن الذي يدل على أنه حي ليس هو الدليل على جواز الحس والحركة، وكذلك ما يدل على جواز الحس والحركة ليس هو الدليل على أنه حي قط، بل يدل على أنه جسم حي فلا يلزم في كل حي أن يكون جسماً، وكذلك الكلام في ما عارضناهم به، فإن الدليل على أن الشاهد شيء ليس هو الدليل على أنه محدث ولا الدليل على أنه محدث هو الدليل على أنه شيء فقط بل على أنه شيء وجسم أو عرض فلا يلزمهم مثله في القديم.
وشبهتهم من جهة السمع آيات، منها: {الرحمن على العرش استوى} وبما خص العرش بالذكر؛ لأنه أعظم المخلوقات. ومنها: {الله نور السماوات والأرض}.
والجواب: إن ظاهرها متروك؛ لأنه لو أراد النور بمعنى الضياء لم يكن لإضافته إلى السماوات والأرض فائدة، وأيضاً فكان لا يوجد فيهما ظلمة؛ لأن الله تعالى دائم، وكان يجب أن تقع الاستضائة دون الشمس والقمر وخلافه معلوم، وأيضاً فالنور مخلوق بدليل قوله تعالى: {وجعل الظلمات والنور}، وأيضاً فكثير من الناس يجعل النور عرضاً لا جسماً.
__________
(1) . في نسخة: جسم.