والجواب: أتريدون أنه إثبات للعلم فقط أو إثبات للذات على العلم الأول باطل؛ لأنا نعلم بالضرورة أن قولنا عالم وصف للعالم لا للعلم، ولولا ذلك لكان العالم هو العلم والقادر هو القدرة، وإذا كان إثباتاً لذاته على علم فما ألزمتموناه في كونه إثباتاً لذاته على حال فهو لازم لكم في كونه إثباتاً لذاته على علم فجوابكم جوابنا.
ثم يقال لهم: ولا يلزم إذا كان قولنا عالم إثبات للذات على حال أن يكون قولنا ليس بعالم نفياً للذات وللحال، بل إنما يكون نفياً للحال فقط، ثم يقال لهم: هذا اعتماد على مجرد عبارة أهل اللغة وهب أن قولهم عالم إثبات للعلم، فهل علموا ما أثبتوه بالضرورة، فكان يجب أن يشاركهم أو بالدلالة، فما هي تلك الدلالة.
وقريب من هذه الشبهة قولهم: علمنا بكونه تعالى عالماً، أما أن يتعلق بذاته أو بها على حال أو بمعنى غيرها إلا أن في هذا إقراراً تكون هذه المعاني أعياناً لله.
شبهة، قالوا: يصح الأمر بأن يعلم والأمر إنما يتعلق بإحداث شيء، وذلك ليس إلا المعنى؛ لأن الصفة ليست مما يوصف بالحدوث، وإذا لم يتعلق الأمر إلا بالمعنى فكذلك الخبر في قولنا زيد عالم والله عالم.
والجواب: أما أبو عبد الله فجعله أمراً بأن نجعل أنفسنا على صفة العالمين، ولكن لما لم يتم ذلك إلا بالعلم كان الأمر بالصفة أمراً به.

قال: وقولهم لا يتعلق الأمر إلا بالأحداث غير مسلم، بل يكفي في ذلك ان يتعلق بما يتجدد؛ لأنه إنما حسن تعلق الأمر بما يحدث؛ لأن الحدوث يتعلق بنا، فكذلك يحسن في كل صفة تتعلق بنا، وإن كانت بواسطة معنى، وإذا كان كذلك كان الخبر أيضاً يتعلق بهذه الصفة، فحيث لا يثبت إلاَّ لمعنى يتعلق الخبر به أيضاً وحيث يثبت من دون معنى يتعلق الخبر بها فقط، وأما سائر الشيوخ فيقولون مسلم أن الأمر إنما يتعلق بإحداث شيء وهو العلم دون الصفة، لكن لم زعمتم أن الخبر كذلك في قولنا الله عالم أو ليس الخبر يصح تعلقه بما هو ثابت مستقر سواء كان ذاتاً أو صفة، وتتعلق بالأحداث وبغيره وبالموجود والمعدوم، والثابت والمنتفي والقديم والمحدث.
وبعد، فيجب أن يعلم أولاً أن العالم عالم بعلم حتى يحسن منا الأمر بذلك المعنى، وإذا تقدم العلم بالمعنى على حسن الأمر بطل الاستدلال عليه بحسن الأمر.
ويقال لهم: كيف تقولون أن الأمر لا يحسن إلا بإحداث شيء، وعندكم أن القدرة المحدثة إنما تتعلق بالاكتساب لا بالأحداث، فهلا كان الأمر بأن /115/ يعلم أمراً باكتساب الحال أو باكتساب الذات على حال.
فإن قالوا: كيف يتعلق بناء ذات الجسم. قلنا: بأن يكتسبوها ويحدثها الله كما في سائر الأفعال، شبهة.
قالوا: العالمية تقتضي العلم في الشاهد بمجردها، فكذلك في الغائب.
الجواب: أن الصفة إذا حصلت مع الوجوب ولم تكن متجددة لم يحتج إلى أمر يعلل به، فضلاً عن أن يكون ذلك الأمر معنى.
وبعد، فإما أن يقتضيه اقتضاء إيجاب أو اقتضاء دلالة، والأول باطل اتفاقاً؛ لأن العلم لو ثبت لكان هو الموجب للعالمية لا العكس، والثاني باطل؛ لأنه إنما يتم لهم دلالتها بمجردها إذا أبطلوا كون الدال حصولها مع الجواب كما تقدم.
شبهة، قالوا: لو كان عالماً لذاته لكان كل عالم كذلك كما أن الجوهر لما كان جوهراً لذاته كان كل جوهر كذلك.

والجواب: يقال لهم: إذا كان تعالى موجوداً لذاته وجب مثله في كل موجود، وجوابهم جوابنا. والتحقيق أنه إنما يجب المشاركة في صفات الذات وتوابعها إذا وقعت المشاركة في الذات وذوات الجوهر متماثلة بخلاف ذوات العالمين.
شبهة، قالوا: العلم علمه لهذه الصفة في الشاهد، فلو حصلت الصفة من دون علم لقدح ذلك في كونه علة كما أنها لما حصلت من دون الشهوة مثلاً دل ذلك عل ان الشهوة ليست علة فيها.
والجواب: أن هذا مبني على أن الصفة معللة في كل موضع، وأنها إذا عللت في موضع بعلة عللت بها في كل موضع ونحن لا نسلم واحداً من الطرفين فنقول إنما تعلل الصفة بأمر منفصل إذا حصلت مع الجواز وتجددت بعد إن لم تكن وعالمية الباري تعالى كم يحصل كذلك فلا يعلل بأمر منفصل، وعن هذا يهرب وهو محل النزاع.
ثم إن سلمنا أنها تعلل فلا نسلم أنها تعلل في كل موضع بالعلم؛ لأن العكس لا يجب عندنا في العلل، وما أنكرتم أن تحصل الصفة بعلة غير العلم ومتى حصل العلم كان علة أيضاً كما أن فساد الصلاة قد تحصل مع زوال الحدث ولا يدل ذلك على أن الحدث ليس بعلة إذا وجد، وكذلك انتفاء السواد قد يكون بالبياض تارة وبالحمرة أخرى وإن لم تكن عللاً حقيقة.
وأما ما ذكروه في الشهوة، فإنما لم يكن في العالمية لا لأنها وجدت من دونها بل لأن الشهوة ليست بصفة العلم وإنما توجب العالمية في الشاهد ما كان بصفة العلم.
فإن قالوا: كيف لا يجب عكس العلل ونحن نعلم أن المتحركية توجد بوجود الحركة وتزول بزوالها، ولا يجوز أن تخلفها علة أخرى.
قلنا: إنما وجب ذلك في الحركة؛ لأن المتحركية لا تعقل إلا في متحيز /116/ وكان الدليل على ثبوت الحركة شاملاً لكل متحيز، ومنع الدليل من صحة أن يكون الجسم متحركاً لذاته أو لغير الحركة.

وبعد فوجود الصفة من دون العلم إنما تدل على أنه ليس بعلة فيها في ذلك الموضع فقط، فمن أين أنه ليس بعلة فيها في غيره، وبعد فوجود الباري تعالى لا يتعلق بالفاعل في الشاهد. وبعد ففي المقدور علوم كثيرة، فهلا دل فقد بعضها على أنه ليس بعلة إذا حصل وخلافه معلوم.
شبهة، قالوا: لو كان عالماً لذاته لكان بصفة العلم لأن العلم إما تبين عما ليس بعلم بإيجابه الصفة.
والجواب لم نرد بقولنا لذاته طريقة التعليل ولو أردناه لما لزمنا ما ذكروه؛ لأن اشتراك الشيئين في الإيجاب لا يقتضي التماثل إلا إذا أوجبنا على حد واحد، وهو غير حاصل هنا؛ لأن ذاته تعالى لو أوجبت الصفة لأوجبتها لنفسها، والعلم يوجبها لغيره، فاختلف الإجابان. وبعد فإنما يقتضي الإيجاب التماثل في حق الذوات التي تكون أخص أحكامها الإيجاب، والباري تعال يخالف مخالفه بأمر أخص من الإيجاب. وبعد فلو كان الاشتراك في الإيجاب يقتضي التماثل لكان علمه تعالى مثلاً لعلومنا بل هذا ألزم لهم لإيجاد الإيجاب.
فإن قالوا: إنا أردنا في أول الشبهة أن يكون تعالى بصفة العلم في كونه علماً لا في المماثلة وهذا حاصل في علمه وعلومنا.
قلنا: إذاً لا يلزمنا ذلك؛ لأن العلم يكون علماً لوقوعه على وجه، لا لإيجابه الصفة.
وقولهم في الشبهة أن العلم إنما تبين عما ليس بعلم بإيجابه الصفة غير مسلم، بل باقتضائه لسكون النفس.
شبهة. قالوا: مخالفة القدرة للعلم ليس بأكثر من مخالفته تعالى للعلم، فكما لا توجب القدرة العالمية فذلك لا توجبها ذاته.
والجواب: ما قدمنا ذكره في الشهوة، ومن أن المراد ليس طريقه التعليل، ومن المعارضة بالوجود ونعارضهم أيضاً فنقول: ليست مخالفة القدرة لعلومنا بأكثر من مخالفة علمه لعلومنا، فكما لا يوجب القدرة العالمية لا توجبها علم مخالفة لعلومنا، وجوابهم جوابنا.

شبهة، قالوا: دلالة العقل المحكم في الشاهد إما أن يكون دلالة على ذاته وهو باطل بالاتفاق أو على حال لذاته، وتكون تلك الحال دالة على العلم، وهو باطل؛ لأنه ليس بأولى من عكسه، وهو أن يدل على العلم والعلم يدل على الحال وهو المطلوب.
والجواب: بل ما ذكرناه أولى من العكس؛ لأن صحة الأحكام صدر عن الجملة، فلا يصح أن يدل على العلم؛ لأنه يختص بعض الجملة، ويجب أن يدل على أمر راجع إلى الجملة، وهو الصفة، ثم يستدل بحصول الصفة مع الجواز على ثبوت العلم. ثم يقال لهم: إذا لم يكن للشاهد فعل فكيف يصح الاستدلال بالأحكام من جهته على أن له علماً، ثم يقاس الغايب عليه، هذا ما لا يتأتى لكم.
شبهة /117/، قالوا: لو كان قادراً عالماً لذاته لكان الذي به قدر هو الذي به علم، وفي ذلك كونه قادراً على ذاته كما أنه عالم بذاته.
والجواب: وهي ليس يلزم إذا كان المقتضى لصفتين واحداً أن يكون حكمهما واحداً.
يوضحه: أن التحيز يقتضي أحكاماً كثيرة كاحتماله للغرض وصحة إدراكه بحاستين، وشغله للجهة، ومعلوم كون هذه الأحكام مختلفة، وتحقيقه أنه إنما يكون قادراً لذاته على ما يصح كونه مقدوراً، ويعلم لذاته ما يصح كونه معلوماً، وذاته يصح كونها معلومة، ولا يصح كونها مقدورة.
شبهة: قالوا: يستحيل حصول العالمية من دون ما يصححها، وهي الحييه، فكذلك يستحيل حصولها من دون ما يوجبها، وهو العلم؛ لأن الموجب أقوى من المصحح.
والجواب: أن كونه حياً يصحح العالمية شاهداً وغائباً، وأن العلم لا يوجبها شاهداً وغائباً، وقولهم: أن الموجب أقوى من المصحح لا نسلمه؛ لأن المصحح يوجب صحة الحكم، ويلزمه صحة الحكم، كما أن الموجب يوجب الحكم ويلزمه الحكم فهما سواء، وإن سلمنا أن الموجب أقوى فذلك لا يقتضي تساويهما في محل النزاع، والعبرة في ذلك بالأدلة.

وبعد فنحن نقول يستحيل حصول العالمية من دون ما يوجبها، لكن الموجب لها في حقه تعالى يخالف الموجب لها في حقنا، وهو ذاته تعالى كما أن المصحح قد يختلف اتفاقاً. يزيده تأكيداً، أن المصحح لقيام المعاني بنا هو التحيز، وفي حق الباري تعالى عندهم هو الذات.
شبهة: قالوا: لو علمنا بكونه تعالى قادراً يخالف علمنا بكونه عالماً، فلا بد أن يكون متعلق هذين العلمين مختلفاً، وليس إلا العلم والقدرة؛ لأن الذات واحدة.
والجواب: إنما اختلفا لأن كل واحد منهما تعلق بالذات على حال في حكم المخالفة للأخرى، ثم يقال لهم: هذا إقرار بأن المعاني القديمة متغايرة؛ لأن المخالفة أبلغ من المغايرة، وبعد فقد قال الرازي في كتاب الأربعين مستدلاً على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات أنه تعالى حي، ومن كان حياً صح أن يعلمها أجمع، قال: والموجب لعالميته هو ذاته ونسبة الذات إلى الكل على السوية، فانظر كيف رجع إلى قول المعتزلة عند صدق الخناق، وهو ممن يثبت المعاني، فهلا قال بأنه عالم لذاته وترك معانيه هذه.
شبهة سمعية، قالوا: قال تعالى: {أنزله بعلمه} ولا يضع إلا بعلمه، {ولا يحيطون بشيء من علمه}.

والجواب: أن العلم بصحة السمع يقف على العلم بأنه عالم لذاته؛ لأنه إذا كان عالماً بعلم، انحصرت معلوماته، فلا يكون عالماً بكل القبائح، وبعد فالعرب إنما يستعملون العلم بمعنى العالم أو بمعنى المعلوم، فيقولون: جرى هذا بعلمي أي وأنا عالم به، ولا يعقلون المعنى الذي يثبته المتكلمون؛ لأنه إنما يعرف بتأمل كبير /118/ والله تعالى إنما يخاطبهم بما يعقلونه، وتقديره أنزله وهو عالم به، ولا يضع إلاَّ وهو عالم. وبعد فالظاهر متروك؛ لأن الباء في مثل هذا للالصاق بما هو آلة للفعل نحو كتبت بالقلم، فلو كان المراد بالعلم المعنى لكان علمه تعالى آلة في الإنزال والوضع، وأما قوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه} فالمراد من معلوماته تعالى كما يقال هذا علم أهل البيت عليهم السلام، وعلم أبي حنيفة رضي الله عنه، أي معلومة، وكقولهم: اللهم اغفر علمك فينا أي معلومك، ولأن من للتبعيض والمعنى الذي يثبته المتكلمون لا يتبعض، ولأن الاستثناء لا يصح إلا إذا حمل على المعلوم، وتقديره بشيء من معلومه إلا بما شاء، فلولا ذلك لكنا قد أحطنا بنقص علمه القائم بذاته، وهو محال.
وأما معارضة أصحابنا لهم بقوله تعالى وفوق كل ذي علم عليم، فلا يستقيم؛ لأن لهم أن يقلبوا علينا فيقولوا عندكم أن العلم هنا بمعنى العالم، فيلزم أن يكون فوق كل عالم عليم، فلا يكون بد من التأويل.
واحتجوا لإثبات القدرة بقوله تعالى: {ذو القوة المتين}، وقوله: {هو اشد منهم قوة} ونحو ذلك. والجواب ما تقدم من أن العرب لا يعقلون معاني المتكلمين وإنما يستعملون للقدرة بمعنى الإقتدار، فيقولون القدرة لله تعالى، أي الاقتدار، ويقولون لفلان قدرة على كذا، أي هو قادر عليه، ولأن الظاهر متروك من حيث أن الشدة والمتانة إنما يستعملان في الأجسام.
فصل

في أنه لا يجوز أن يستحقها لمعان محدثة كما يقوله هشام بن الحكم في كونه عالماً، والذي يبطله أن هذه الصفات ثابتة لم تزل فلا يؤثر فيها ما هو متأخر عنها، ولأن محدثها لا بد أن يكون هو الله تعالى، وهو لا يحدثها إلا بعد أن يكون مختصاً بهذه الصفات، والذي يشتبه ما يقوله ابن الحكم وأبو البركات من الفلاسفة من أنه عالم بعلم محدث ويبطله أن العلم اعتقاد واقع على وجه مخصوص كما تقدم، ولا يصح وقوعه على ذلك الوجه إلا من عالم؛ لأنه كيف يقع من ناظر أو متذكر نظر أو ملحق لتفصيل يحمله من دون عقل، وعلم بالدليل، ووجه دلالته، ومن دون علم بالتفصيل، والجملة وكيفية الإلحاق.
فإن قيل: إنه يعلم المعلومات الأزلية لذاته، وإذا كان عالماً بها صح أن يحدث علماً بهذه المعلومات المحدثه، قلنا إذا كان عالماً بعض الأشياء لذاته علم جميع المعلومات إذ لا اختصاص للذات بمعلوم دون معلوم، فلا يحتاج إلى علم محدث، ولأنه لو أحدث لنفسه علماً لأوجده لا في محل كالإرادة، ولو قدر على علم لا في محل لقدر على جهل لا في محل، إما بدلاً من العلم وإما متعلقاً بغير ما يتعلق به العلم، فيوجب له ذلك الجهل كونه جاهلاً، وهو محال بالاتفاق.
شبهتهما /119/ من جهة العقل أنه تعالى لم يكن عالماً بوجود الأشياء لم يزل، وإنما يعلم وجودها حال يوجد؛ لأن العلم تابع للمعلوم.
واختلف في الجواب، فقال الشيخ محمود المرجع بكونه تعالى عالماً إلى تعلق ذاته، وهذا التعلق يتجدد بتجدد المتعلق فذاته تعالى توجب له هذا التعلق بشرط ثبوت المتعلق، وبهذا نفارق القائلين بالعلم المحدث لأنهم يثبتونه معنى بالفاعل.
وقريب من هذا قول أبي الحسين إلا أنه يقول ببقاء التعلق الأول، قال: لأنه تعالى يعلم للشيء حالة عدم، ثم حالة وجود بعد ذلك العدم، وهو مستمر.

وحكي عن الشيخ أبي علي ما هذا لفظه: أنه وإن كان عالماً لنفسه فإنه إنما يوصف بأنه عالم بوجود زيد عند وجوده من حيث تعلق علمه بوجوده كما أنه وإن كان مدركاً لنفسه فإنه إنما يوصف بأنه يدرك المدركات عند وجودها لتعلق كونه مدركاً بوجودها.
وهذا الكلام يحتمل وجهين: أحدهما أن يريد أن العالمية متجددة بتجدد التعلق كالمدركية، وذلك لا يقدح في كونها للنفس أو مقتضاة؛ لأنها متعلقة، والمتعلقة تتجدد بتجدد متعلقها ككونه مدركاً. ومتى قيل له هذا يؤدي إلى خروج الموصوف عن صفته المقتضاة أو الذاتية أجاب بأن الصفة إذا كانت مشروطة بثبوت المتعلق لم يمتنع زوالها عند زواله، وإن كانت ذاتية أو مقتضاة، وهذا الوجه غير سديد؛ لأنه مع مخالفته لأصول الجمهور، فإنه يؤدي إلى أن يكون له بكونه عالماً صفات كثيرة.
الوجه الثاني أن الصفة واحدة مستمرة والتعلق يتحدد فتكون متعلقة بأن الشيء سيوجد، فإذا وجد زال التعلق الأول وصارت متعلقة بوجوه، وهذا قريب، وقد صرح به ابن الملاحمي في (الفائق) عن أبي علي، وما ذكره الفقيه قاسم بن حميد صاحب تعليق شرح الأصول من أنه لو تجدد التعلق لكان لا بد أن يتماثل التعلقان، وإنما يتماثلان باتحاد المتعلق، ومع اتحاده لا يحتاج إلى تحدد التعلق فهو غير سديد، ولقائل أن يقول: إن مماثلة التعلق الثاني للأول لا يمنع من ثبوت الثاني إذا قام عليه دليل، وقد قام الدليل هنا فإنا إذا علمنا أن الشيء سيوجد ثم علمنا وجوده، فإنا نجد مزية لم تكن فلا أقل من أن تكون تلك المزية الحاصلة تعلقاً متجدداً للصفة إذا بطل أن يكون المتجدد هو الصفة. ثم يقال له: وما أنكرت أن يختلف التعلقان لاختلاف متعلقهما من حيث أن أحدهما تعلق بأنه سيوجد والآخر تعلق بأنه وجد.
فإن قال: هذا يؤدي إلى أن العلم بأنه سيوجد غير العلم بأنه وجد.

قيل له: إن أردت أن العالمية غير /120/ العالمية فلا نسلمه، وإن أردت أن التعلق غير التعلق فهو محل النزاع، فلم منعت منه؟ وقد أجاب جمهور الشيوخ عن أصل الشبهة بأن العلم بأن الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد وخالفهم أبو الحسين، فقال هما علمان.
واستدل الجمهور بأنا إذا علمنا أن الشمس ستطلع غداً ثم قدرنا بقاء هذا العلم حتى طلعت لم يكن بد من أن يتعلق؛ لأن في خلاف ذلك انقلاب جنسه، فإما أن يتعلق بأنها ستطلع وهو محال؛ لأنها قد طلعت، وإما أن تتعلق بطلوعها، وهو المطلوب، وهذا الدليل لا يستقيم في علم الشاهد؛ لأن عند الجمهور أن العلوم لا تبقى، وإذا كان كذلك لم يكن بد من أن يكون العلم بوجوده غير العلم بأنه سيوجد؛ لأن العلم بأنه سيوجد قد عدم في تأتي وجوده، فأما في عالمية الباري تعالى فالدليل قوي، لكنه لا بد من أن يبنى على تجدد التعلق.
واستدلوا أيضاً بأنهما لو كانا علمين لكانا متولدين عن نظر واحد حيث يكونان نظريين ولجاز أن يجهل وجوده مع العلم أنه سيوجد. ويمكن اعتراضه بأن للخصم أن يجعلهما نظريين، ويلتزم جواز الجهل بوجوده مع العلم بأنه سيوجد، ولهذا لو أخبرنا نبي صادق بأن زيداً سيموت إذا ظهر على نبي معجز، فإنا من يأتي حال الخبر يشك في هل مات زيداً أم لا مع أنا لا نشك في أنه سيموت، فإذا نظرنا فعلمنا أن الله أظهر معجزاً على هذا المدعي للنبوة علمنا وقوع الموت بعلم ثان، كما إذا نظرنا في أن الفعل ظلم علمنا قبحه بعلم ثان.
حجة أبي الحسين أن العلم بأن الشمس ستطلع لو كان علماً بطلوعها لعلمنا ذلك، وإن كنا في بيت مظلم.
ويمكن الجواب بأنا إنما لم نعلم طلوعها والحال هذه؛ لأنه لم يتجدد لعلمنا تعلق بطلوعها، ونحن قد بينا أنه لا بد أن يتجدد تعلق لهذا العلم حال وجود المعلوم، ومتى قيل فهل يجوز ان يكون تعلق العلم بأنها ستطلع باقياً حال طلوعها.

18 / 75
ع
En
A+
A-