ومنها الظاهر، أي الظاهر اقتداره وغلبته، كقوله: {فأصبحوا ظاهرين}، وقيل: معناه الظاهر بالدلالة الباطن المشاهدة.
ومنها: المالك، والملك والمليك، كله يفيد المقتدر على الكمال، ولهذا لا يقال للوكيل مالك لما لم يملك التصرف التام. وقيل: هو مأخوذ من الربط والشد، ومنه قولهم: أملك الرجل بالمرأة، أي ربط عليها، ثم نقل إلى معنى الاقتدار، وملك ومالك عند الشيخين على سواء، قالا ولهذا قري بهما. وقال غيرهما: أما من طرية اللغة فملك أبلغ؛ لأنه مأخوذ من الملك، ومالك مأخوذ من الملك، ولهذا يقال: مالك الدار ولا يقال ملك الدار، واتفقوا على أن مليك مبالغة فيهما مثل قدير.
ومنها: الرب معناه المالك المدبر. ومنه قول صفوان بن أمية: لئن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن، أي يملكني.
ولا يصح إجراؤه على غير الله تعالى، إلا مقيداً، فيقال: رب الدار ورب الإبل ونحو ذلك.
ومنها: السيد، أي المالك، والمولى مثله /86/، وكذلك الصمد، إلا أنه يفيد زيادة تعظيم، وقيل: هو أنه مصمود(1) إليه في الحوائج.
ومنها: العزيز، معناه القادر الذي لا يغالب، مأخوذ من قولهم: أرض عزاز إذا كانت صليبة يمتنع تفريق أجزائها. ومثله قولنا: كريم وإن كان لها معنى آخر، وهو كثرة العطاء، فيكون من غير هذا الباب.
ومنها: الجبار، وهو أبلغ من العزيز مأخوذ من قولهم: نخلة جبارة إذا فانت اليد وامتنعت من أن تنال.
وقيل: هو مأخوذ من الجبر وهو الإصلاح، فيكون من صفات الأفعال، وإنما كان ذماً في أحدنا؛ لأنه يدعي ما لا ينبغي له ويتشبه بمن يستحق هذا الوصف، ومنها الكبير معناه المالك المقتدر كما يقال: فلان كبير قومه، ولا يراد بذلك كبر الجرم. ومثله العظيم والجليل. وقيل: هذه الثلاثة تفيد في حقه تعالى جميع صفات الإلهية، وتنْزيهه عما لا يجوز، وأما المتكبر فهو مبالغة في الكبير، وهو ذم في العباد لمثل ما تقدم في الجبار.
__________
(1) . في نسخة: مقصود.
قيل: ولولا السمع لما صح إطلاقه عليه تعالى؛ لأنه مفيد في الشاهد نوعاً من التكليف، ولهذا لا يطلق عليه تعالى متحيزا بمعنى جبار.
ومنها المستولي، ولا يستعمل ما في معناه كالمستوي لإيهامه الاستقرار وتقر حيث ورد نحو على العرش استوى.
ومنها: العلي والعالي والمتعالي معناها المقتدر اقتداراً لا يصح معه المنع، ويستعمل بمعنى المتنزه عما لا يجوز، ومتى خشي المطلق لهذا الاسم إيهام علو المكان وجب عليه التقييد، ولا يصح أن يطلق عليه تعالى ما في معناه كالرفيع والشريف لكونهما أدخل في الإيهام، ويقر حيث ورد نحو رفيع الدرجات.
ومنها الإله، ومعناه القادر على أصول النعم التي لأجلها تحق له العبادة. قيل: ولهذا لا يوصف بأنه إله إلا لمن تصح عليه النعم كالأحياء، فلا يقال إنه إله الجمادات والأعراض ويحمل قولهم إله الأرض والسماوات على حذف المضاف تقديره إله أهل الأرض والسماوات. ومثله قولنا: الله، لأن أصله الإله حذفت الهمزة التي بين اللامين وبقي بلامين متحركين، أدغمت الأولى في الثانية، وقيل: الله.
ومنها: المستطيع، في نحو قوله تعالى: {هل يستطيع ربك..} الآية.
تنبيه
وأما قولنا مطيق فلا يجوز إجراؤه عليه تعالى؛ لأن فائدته ترجع إلى الجهد، وكذا قولنا مطلق ومخلا لأنهما يفيدان جواز المنع عليه، وكذلك قولنا: شديد ومتين؛ لأنهما يفيدان الصلابة، وقوله تعالى: {ذو القوة المتين} مجاز يقر حيث ورد.
القول في أن الله تعالى عالم العالم
هو المختص بصفة لمكانها تصح منه الأحكام تحقيقاً أو تقديراً، أو الإحكام هو إيجاد فعل عقيب فعل أو مع فعل على وجه لا يتأتى من كل قادر ابتداء، والمحكم هو المترتب لذلك، ونريد بالتقدير ما لا يكون مقدوراً كفعل الغير، أو يكون مقدوراً، لكن لا يصح إحكامه كالفعل الواحد، فإنما هذه حالة يصح إحكامه تقديراً بمعنى أنه لو كان مقدوراً، ومما يصح ترتيبه لا حكمناه.
وقال أبو الحسين وابن الملاحمي: هو المتبين لأمر من الأمور تبيّناً يمتنع معه في نفسه تجويز خلافه، وهو لا يصح كما تقدم؛ لأن هذا اللفظ لا يطلق إلا على من يتعرف الشيء بمشقة وتجويز، وأيضاً فهو لا يفيد حصول المعرفة، ولهذا يقال: تبينت الشيء فما عرفته أي طلبت معرفته؛ ولأن المتبين أخفى من العالم فلا نحد به.
فصل
وذهب أهل الإسلام وأهل الكتاب وغيرهم إلى أن الله تعالى عالم. وقالت الباطنية وابن غوث بمقالتهم في كونه قادراً. وقالت الفلاسفة هو عالم.
ثم اختلفوا، فقال أوائلهم هو عالم بنفسه فقط، ولا يعلم غيره، قالوا: والعلم والعالم والمعلوم شيء واحد؛ لأنه لو علم غيره لاقتضى ذلك التكثر في ذاته، ومن هاهنا اقتضى علمه بنفسه صدور العقل الأول منه، فلو علم غير نفسه لصدر عنه غير ذلك العقل، وقال أواخرهم كابن سيناء والفارابي وابن الراوندي: هو شيء يعلم مع ذاته الأمور الكلية دون الأمور الجزئية المنقسمة بانقسام الزمان إلى الماضي والحاضر والمستقبل؛ لأنها متغيرة، والعلم بها مختلف متغير، فلو علمها لاقتضى التغير في ذاته، قالوا مثاله الكسوف، فإن له ثلاث حالات، حالة عدم وحالة وجود وحالة عدم بعد ذلك الوجود، فأحدنا يعلمه أولاً معدوماً، ثم إذا وجد علمه موجوداً، ثم إذا عدم علمه معدوماً، وكل واحد من هذه العلوم غير الآخر، فإذا حصل تغير الآخر وتغير العلوم يقتضي تغير العالم، قالوا: فلا يعلم تعالى الأمور المفصلة لا ما كان ولا ما هو كائن، ولا ما سيكون، وإنما يعلم علماً كلياً، وهو أن الأرض مثلاً متى توسطت بين الشمس والقمر أكسف القمر، فأما إنه قد أكسف القمر أو سيكسف، فلا يعلمه، هذا تحرير مذهبهم، وسيتضح بطلانه في آخر فصل الكيفية، وإن كان لا طريق لهم إلى إثباته تعالى عالماً، وقد أضافوا الأفعال المحكمة إلى العقول والأفلاك.
لنا: إنه تعالى قد صح منه الفعل المحكم والفعل لا يصح إلا من عالم.
أما أنه قد صح منه الفعل المحكم فذلك ظاهر /88/ في ملكوت السماوات والأرض، فإن في ذلك من عجائب الصنعة وغرائب الحكمة ما تقصر عنه الأوصاف وتحتار فيه الأفكار من أنواع النبات وأصناف الحيوانات وأجناس المخلوقات، وتفاصيل ذلك بحسب مصالح المكلفين من غير زيادة ولا نقص.
فإن قيل: ما أنكرتم أن الله تعالى أوجد هذه الأشياء وأحكمها غيره.
قلنا: ذلك الغير، إما أن يكون قديماً وهو محال؛ لأنه لا يأتي لله، وإما محدثاً، وهو إنما يكون، قادراً بقدرة، وعالماً بعلم، وذلك يحتاج إلى بنية مخصوصة يحتاج إلى غاية الإحكام، فيجب في فاعله أن يكون عالماً، وذلك كاف في حصول الغرض؛ لأن فاعله هو الله، وإلا لزم التسلسل.
وإما أن من صح منه الفعل المحكم فهو عالم، فلأن ذلك هو معنى العالم وهو ضروري على الجملة بدليل أن العقلاء يصفون من هذه حاله بأنه عالم.
فصل
وطريقة التفصيل فيه أنا وجدنا في الشاهد قادرين صح من أحدهما الإحكام دون الآخر، فلا بد من أمر له صح، وذلك الأمر ليس إلا صفة ترجع إلى الجملة في الشاهد وإلى الحي في الغايب، وتصحيح هذا يجري على نحو ما تقدم في مسألة قادر، وقد خالف أبو الحسين وابن الملاحمي وغيرهما في إثبات حالة للعالم على الحد الذي يثبته سائر الشيوخ، وأثبتا له تعالى تعلقاً، وهو التبين، وجعله ابن الملاحمي حكماً للقلب في الشاهد، وللذات في حق الباري تعالى، والفرق بين كلامه وبين كلام الجمهور أنهم يثبتون حاله وتعلقاً زائداً عليها، وهو أثبت التعلق فقط، وجعله حاله، واستدل على أنه حالة للقلب بأنه لا يعقل من دون القلب، ولو كان حاله للجملة لتساوت أجزاؤها فيه كما تساوى الأجزاء السود في السواد.
قال: ونحن نجد هذا التبين في ناحية الصدر ولا نجد الأعضاء متساوية فيه.
ويمكن أن يعترض فيقال إن كونه لا يعقل من دون القلب لا يقتضي كونه حالاً للقلب وإلا لزم أن تكون الكتابة حالة لليد لأنها لا تعقل إلا بها.
وبعد، فما تريد بقولك لو كانت حالة للجملة لتساوت أجزاؤها، أتريد بكون كل جزء منها عالماً، فليس ذلك من قولنا بخلاف السواد فإنه يختص المحل أو تريد أن يقال زيد عالم ولا يقال قلبه عالم، فذلك الذي نريد مما يلزم منه، وأما أنا نجد هذا التبين في ناحية الصدر فمسلم لكن العالم هو الجملة كما أن قدرة الكتابة توجد في اليد والكاتب هو الجملة، واستدل على أنه حالة لذات الباري تعال بأن قال إن كونه تعالى مقيساً أمراً زائداً على ذاته تعالى، ولا يعقل من دون ذاته، فكان حاله له، وأما أنه أمر زائد على ذاته فلأنه قد صح منه الفعل المحكم أن يصح منه؛ لأنه ذات مطلقة /89/ أو لأنه ذات مخصوصة أو لأن ذاته تبين للأشياء.
قال: والأول باطل وإلاّ لزم صحة الفعل المحكم من كل ذات.
قال: وأما الثاني فيقال لهم أصح منه؛ لأنه ذات مخصوصة بكونها متبينة أم لا إن قالوا لا قيل لهم، فقد صح الفعل المحكم ممن لم يتبين وهو محال.
قال: وأما الثالث فباطل؛ لأن ذاته لو كانت تبيناً للأشياء، وهذا التبين حاصل لنا لكان يلزم أن يكون مثلاً لتبينا.
قال: وأما أن التبين لا يعقل من دون ذاته، فهو ظاهر، فثبتت بذلك كونه حالة لذاته تعالى، هذا ما حكاه الشيخ محمود.
ويمكن أن يقال له: هذا الدليل الذي ذكرت هو الذي يستدل به أصحاب أبي هاشم على إثبات الحالة، فهو موضع وفاق، لكنهم يثبتون للعالم تعلقاً بالمعلوم غير هذه الحالة، وهو صحة اتحاد المعلوم من جهته محكماً تحقيقاً أو تقديراً، وهذا مما لا يمكن إنكاره، ثم يقال له: لم لا تقبل هذا الدليل في إثبات حالة للقادر، وما الفرق بين الموضعين، فأما الشيخ محمود فاستدل على أن هذا التبين حكم لا حالة، بأن قال: إن التعلق بين العالم والمعلوم لا يعقل من دونهما، والحالة لا يعتبر فيها الغير.
ولنا أن نقول: إن هذا التعلق نحن نسلم أنه حكم، ولكنا نستدل على الحالة بما ذكرته عن أبي الحسين ولم تبطله.
وقد استدل شيوخنا لإثبات هذه الحالة مع ما تقدم بأن قالوا: يستحيل حصول العلم بالشيء في جزء من العلم والجهل به في جزء آخر، ولا وجه لهذه الاستحالة إلا حصوله على صفتين ضدين؛ لأن المعاني لا تتضاد إلا على المحل.
واعترضه ابن الملاحمي بأنه مبني على إثبات المعاني، ويمكن الجواب بأنا لا نحتاج في ذلك إلى ذكر المعاني، بل يكفي أن نقول: يستحيل أن يكون أحدنا عالماً بالشيء جاهلاً، ولا وجه لهذه الاستحالة إلا حصوله على صفتين ضدين، إذ لو لم يكن إلا مجرد التعلق لما استحال أن يتعلق القلب بالشيء على ما هو به، وعلى ما ليس هو به، ألا ترى أن المحور قد تعلق قلبه بالشيء على ما هو به، وعلى ما ليس هو به، وليس له أن يفرق سكون النفس؛ لأنه لا يثبته، ولأنه من أحكام العلم.
قال أصحابنا: ولو لم يكن إلا ما في القلب من التعلق وفي اليد من البنية لما صح وقوع الفعل ولا أحكامه باليد لداع في القلب كما لا يصح بيد زيد لداع في قلب عمرو.
قالوا: ولا يصح الفرق بأن اليد متصلة بالجملة؛ لأنه لا حكم للاتصال إلا إذا كان المؤثر راجعاً إلى الجملة.
واعترضه أبو الحسين بأنه يلزم أيضاً أن لا يصح الفعل المحكم باليد لحال العالم؛ لأن العالم هو الجملة دون اليد، وهذا لا يستقيم؛ لأن الفعل المحكم عندنا وقع من الجملة باليد من حيث هي آلة، فالفعل واقع من الجملة لحال الجملة.
قال ابن الملاحمي /90/ في الاعتراض على أصحاب أبي هاشم أن يقال ليس يمتنع وقوع الفعل بالجملة لما يختص ببعضها، وهو التعلق الحاصل في القلب من حيث أن اليد آلة متصلة أعصابها، وعروقها بالدماغ وبالقلب بخلاف يد زيد وقلب عمرو، فلا اتصال بينهما.
ويمكن الجواب بأن يقال له لست تعترض على البهشمية في إثبات الحالة للجملة بأنه يعلم العالم عالماً والقادر قادراً من لا يعلم هذه الحالة، وهذا متوجه إليك هنا، فيقال: إنه يعلم التفرقة بين وقوع الفعل بيد زيد لداع في قلبه ووقوعه في يده لداع في قلب عمرو من لا يعلم اتصال عروق اليد وعصبها بالدماغ والقلب، بل هذا أخفى وأحق أن لا تعلل به هذه التفرقة.
ثم يقال له: يلزم إذا ألصق الله ظهر زيد إلى ظهر عمرو وواصل بين عروق الظهرين أن يصح الفعل بيد زيد لداع في قلب عمرو؛ لأن يد زيد قد اتصلت بما يتصل بدماغ عمرو وقلبه، فثبت بهذا أن للعالم حالة راجعة إلى الجملة، وهذه الحالة إنما تشتبه بكونه معتقداً وظاناً وناظراً ولا يصح رجوعها إلى شيء من ذلك؛ لأن جميع هذه الأشياء قد تحصل مع تعذر الأحكام، فيجب أن يكون غيرها، وهي كونه عالماً.
فصل
وإذا ثبتت هذه الحالة في الشاهد فهي تثبت للباري تعالى؛ لأن الطريق واحدة، وتصحيح هذا على نحو ما مر في مسألة قادر، وليس عدم الأحكام في بعض الأفعال يدل على فقد هذه الصفة لجواز أن تكون الحكمة في أن لا يكون محكماً، ألا ترى أن كثيراً من أفعال الباري تعالى لا يكون محكماً، وإن كان حكمةً لحصول غرض فيه مع حسنه.
فصل فيما يجوز أن يجرى عليه تعالى من الأسماء بمعنى كونه عالماً وما لا يجوز
أما الأسماء الجائزة، فمنها: العالم والعليم والعلام، وفي الأخير من مبالغة تفيد استحالة الجهل.
ومنها: العارف إذ لا فرق بين العلم والمعرفة، لكنه أقل استعمالاً من العالم، وأيضاً لا يتأتى فيه من المبالغة ما يتأتى في العالم، فلا يقال عراف لاتهامه الخطأ.
ومنها: الداري، أي العالم، قال الشاعر:
لا هم لأدرى وأنت الداري
وهو وإن كان أصله من دريت الصيد إذا توصلت إليه بحيلة، فأصل الاشتقاق لا يراعى في الألفاظ إذا وقع التعارف على وجه معنى صحيح كالحال، فإن أصله التغير والانقلاب، ثم استعمل في الصفات، ومنها البصير كما يقال: فلان بصير بكذا أي عالم به، وإن كان يستعمل بمعنى كونه حياً لا آفة به، ويستعمل مبالغة في المبصر.
ومنها: الحكيم، أي العالم، قال تعالى: {وآتيناه الحكمة} وقال: {ومن يؤت الحكمة} أي: العلم، ويستعمل بمعنى المحكم أي فعل الحكمة /91/ فيكون من صفات الأفعال، ويستعمل أيضاً بمعنى المحكم بالفتح نحو: والقرآن الحكيم.
ومنها: الواجد عند بعض شيوخنا، ومنه قوله تعالى: {ووجدك ضالاً فهدى}. وقيل: يقر حيث ورد لإيهامه الخطأ من حيث لا يطلق الوجدان إلا بعد طلب.
ومنها: الرائي لا بمعنى المشاهدة، لأن الرؤية كما تستعمل حقيقة في المشاهدة تستعمل حقيقة في مطلق العلم، وعلته قوله تعالى: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة}، ونحوه ألم يعلم.
ومنها الخبير، أي العالم بكنه الشيء كالعلم، وقيل: معناه المخبر كالسميع بمعنى المسمع في نحو قوله: أمن ريحانه الداعي السميع.
ومنها: الرقيب، نحو: {كنت أنت الرقيب عليهم}، وقد تعورف به في العالم بتفاصيل الأحوال، وإن كان أصله من الارتقاب لحال غيره، ومثله الحفيظ، وإن كان يستعمل بمعنى الحافظ، فيكون من صفات الأفعال.
ومنها: الشهيد، مبالغة في الشاهد، أي العالم الذي لا تخفى عليه الأسرار، ويستعمل بمعنى المدرك، فيكون من بابه.
ومنها: المطلع عند بعض شيوخنا؛ لأنه قد تعورف به في العالم، وقيل: يقر حيث ورد لإيهامه المشاهدة من المكان المرتفع إلى المكان المنخفض.
ومنها: الواسع، قيل: معناه العالم. وقيل: معناه الغني. وقيل: معناه المكثر من العطاء. وقيل: يقر حيث ورد لإيهامه الخطأ، إلا أن يفيد نحو: واسع الرحمة والعطاء، ونحو ذلك.
وأما الأسماء التي لا تجوز في هذا الباب: فنحو قولنا طبيب؛ لأنه قد تعورف به في من يتعاطا صناعة مخصوصة، وكذلك الفقيه؛ لأن الفقيه إنما يستعمل بالعرف في ما يدخله بعض غموض، وكذلك الشاعر؛ لأنه يفيد ضرباً من التفطن لمعاني الكلام وقوافي الشعر، ولأنه لا بد فيه من تجدد، فلا يستعمل إلا في ما علم بعد جهل، وكذلك الفطن؛ لأنه يفيد استدراك معاني الكلام مع نوع صعوبة من فكر أو استنباط، وكذلك المتقين لإفادته حصول العلم بطلب بعد إن لم تكن، ومثله المتحقق والمتبصر والمتيقن، كلها تقيد حصول العلم بعد البحث، فيرتفع الشك، وكذلك لا يوصف الباري تعالى بأنه يحسن الأشياء. قال أبو علي: لأنه يفيد أول العلم بما يدركه المرء ويشاهده، وهو تعالى مستمر علمه بالأشياء.
وقال ابن هاشم: بل لأنه يفيد إدراكه للأشياء بحاسة، وكذلك الحاذق؛ لأنه يفيد نوع معالجة، ولأنه في الأصل اسم للقاطع يقال سكين حاذق، وخلّ حاذق أي قاطع، وكذلك الذكي، لا يستعمل إلا في ذي قلب سريع التلقن، وكذلك الحافظ بمعنى العالم لإيهامه حفظ الدرس بخلاف الحفيظ، وكذلك العاقل /92/ لأن هذه العلوم إنما سميت عقلاً لمنعها صاحبها عما ينزع إليه نفسه مأخوذ من عقال الناقة، والمنع يستحيل على الله تعالى، وكذلك المعتقد؛ لأنه مأخوذ من عقد الخيط كان المعتقد بعقد قلبه على شيء، وكذلك المحيط لا يصح إجراؤه إلا مع التقييد نحو أحاط بكل شيء علماً لإيهامه الجسمية، وكذلك لا يقال: ساكن النفس لإيهامه السكون المعاقب للحركة، ولأنه مجاز، وكذلك المتعجب؛ لأنه يفيد حصول العلم للإنسان بما لم يكن عالماً به مما لم تجر به العادة، وفيه غرابة.
وأما الغم والندم والأسف الحسرة ونحو ذلك فلا شبهة في امتناع إجرائها عليه تعالى؛ لأنها تفيد اعتقاداً مخصوصاً فيما يرجع إلى فوات النفع أو وقوع الضرر وهو مستحيل عليه تعالى. وقوله تعالى: {يا حسرة على العباد} مجاز. وقيل: معناه أن أفعالهم تصير حسرة عليهم. وقوله: فلما أسفونا مجاز. وقيل: تقديره فلما أسفوا أولياءنا.
القول في أن الله تعالى حي
الحي هو المختص بصفة لمكانها يصح أن يقدر ويعلم، وخصصنا أن يقدر ويعلم دون سائر ما يصححه كونه حياً؛ لأنهما يصحان لكل حي في كل وقت، وما عداهما ليس كذلك.
فصل
ذهب المسلمون وكثير من الناس إلى أن الله تعالى حي، والخلاف في ذلك على نحو ما مر في مسألة قادر وعالم، لنا أنه تعالى قادر عالم والقادر العالم لا يكون إلا حياً، أما أنه قادر عالم فقد تقدم بيانه.
وأما أن القادر العالم لا يكون إلا حياً فهو على الجملة معلوم ضرورة، ولهذا يصفة العقلاء بأنه حي.
وطريقة التفصيل فيه: أنا وجدنا في الشاهد جسمين أحدهما صح أن يقدر ويعلم بخلاف الآخر، ولا بد لهذه التفرقة من أمر، وليس إلا صفة ترجع إلى الجملة، وهي كونه حياً، وتصحيح هذه الأصول تجري على نحو ما سلف، والذي يشتبه أن يرجع بهذه الصفة إليه كونه قادراً، وذلك لا يصح؛ لأن حكمها وهو صحة الإدراك مخالف لحكم كونه قادراً، وهو صحة الفعل، ولا يقال الحكمان، وإن اختلفا يرجعان إلى صفة واحدة كأحكام التحيز؛ لأنا نقول صحة الإدراك تكشف عن صفة قد تكون متماثلة، وصحة الفعل تكشف عن صفة مختلفة بكل حال، وكشف هذين الحكمين عن التماثل والاختلاف إنما هو بحسب اتحاد المتعلق، وتعدده لا بحسب كون الحكم في نفسه متماثلاً أو مختلفاً.
فصل