وقلنا: ولا يثبت إلا كذلك احترازاً من كونه كائناً، فإنها تستدعي بمجردها ثبوت حكم وهو أنه لا بد أن يكون بين الجوهر المختص بها وبين ما يماثله بون ومسافة أو لا يكون لكنها قد ثبتت من دون هذا الحكم بأن تقدر أن الله تعالى لم يخلق إلا جوهراً واحداً بخلاف الصفات المتعلقة، فإنها لا تثبت إلا متعلقة، وإن كان بعضها يصح أن يوجد في نوعه ما لا يتعلق ككونه معتقداً وكونه مريداً ونحو ذلك، لكن المتعلق منها لا يثبت إلا متعلقاً، وهذا الاحتراز أحسن من قول أصحابنا، وإن كانت مخالفة؛ لأن للقائل أن يقول: معنى قولكم وإن كانت مخالفة هو أن هذا الحكم يثبت ببينها وبين ذات أخرى سواء كانت تلك الذات الأخرى مماثلة أو مخالفة، فلا يندفع لاعتراض بالكائنية، ويلزم كونها متعلقة؛ لأن ظاهر كلامهم يصدق معه أن تكون الصفة /79/ متعلقة وإن استدعت الحكم بين ما اختص بها وبين ما يماثله.
يوضحه: أن كون أحدنا عالماً صفة متعلقة، وإن علم أحدنا ما يماثله فثبوت حكم الكائنية بين الجوهرين كثبوت حكم العالمية بين أحدنا وبين ما يماثله، وقد حصل من هذا أن جميع صفات الباري كلها تتعلق إلا الصفة الأخص، وكونه موجوداً وحياً. وأما صفات الجسم فما كان منها راجعاً إلى الآحاد فكلها لا تتعلق إلا التحيز، فإنه يتعلق باعتبار احتماله للعرض، وما كان راجعاً إلى الجملة فكله تتعلق إلا كونه حياً.
تنبيه
والصفات المتعلقة تنقسم، فمنها ما لا يوجد في نوعه إلا ما يتعلق، وهي أربع، كونه قادراً ومدركاً ومشتهياً ونافراً، فهذه لا توجد في نوعها شيء غير متعلق بمعنى أنه لا يثبت القادرية إلا وهناك مقدور محققاً، وكذلك سائر الأربع، ومنها ما يوجد في نوعه ما لا يتعلق، وهي خمس، كونه معتقداً ومريداً وكارهاً وظاناً وناظراً، فكل هذه تصح أن لا يكون لها متعلق حقيقي، نحو أن يعتقد البقاء أو يريده وهو ليس بمعنى.

واعلم أن هذه الصفات الخمس تشترك في أنها تتعلق على سبيل الجملة والتفصيل وأنها تتعدى المتعلق الواحد على الجملة ولا تتعداه على التفصيل.
وأما الأربع النافية فتشترك في أنها لا تتعلق إلا على التفصيل ثم تختلف، فمنها: ما لا يتعدى الواحد، وهو كونه مدركاً، ومنها ما يتعداه في المتماثلات فقط، وهو كونه مشتهياً ونافراً.
ومنها ما يتعده في المختلفات مطلقاً ويتعداه في المتماثلات بشرط اختلاف الوقت أو المحل أو الوجه، وهو كونه قادراً.
القول في أن الله تعالى قادر
القادر هو المختص بصفة لمكانها يصح أن يفعل وأن لا يفعل مع سلامة الحال.
وقال بغاة الأحوال من شيوخنا: هو المتميز تميزاً لأجله يصح أن يفعل إلى آخره، وسيتضح موضع الخلاف.
فصل
ذهب أهل الإسلام والكتابيون وغيرهم إلى أن الله تعالى قادراً.
وقالت الباطنية: لا قادر ولا غير قادر، وقال برغوث معنى كونه قادراً، أنه ليس بعاجز. وألزمت المطرفية أن لا يكون قادراً لإضافتهم التأثيرات إلى غيره، فلا يبقى طريق إلى كونه قادراً.
وقالت الفلاسفة: هو قادر، ولكنه موجب لفعله، قالوا: لأن الموجودات تنقسم إلى موجود بالفعل وهو ما قد حصل كالأجسام ونحوها، وموجود بالقوة، وهو ما يصح أن يحصل كالعلم موجود في الطفل والنخل موجود في النواة.
قالوا: والقوة ضربان، قوة انفعال كليونة الشمع القاتل للتنفس.
وقوة فعل، وهي ضربان، قوة طبيعة: وهي ما يحصل به الشيء /80/ دون نقيضه كقوة النار على الإحراق، وقوة إرادية: وهي ما يحصل بها الفعل ونقيضه، كقوة أحدنا على الحركة والسكون، وكقوة الباري تعالى على الفعل والترك، وهذه عندهم هي القدرة التامة.
قالوا: فمتى حصل معها إرادة تامة ولم يحصل مانع خرج الشيء من القوة إلى الفعل على جهة الوجوب بطبع تلك الذات.

قالوا: ولا يتخلف إلا القصور في الطبع أو في الإرادة أو في الذات والقصور مستحيل على الله تعالى، بل إرادته تامة، وذاته تامة، ووجوده وحكمته حاصلان في كل حال، فلذلك حصل فعله في الأزل إذ لو تخلف لاحتاج إلى أمر متجدد يخرجه من القوة إلى الفعل، ومتى حصل ذلك الأمر صار واجباً وإلا احتاج إلى أمر آخر، وتسلسل هذا تحرير مذهبهم.
لنا أن الفعل قد صح منه، والفعل لا يصح إلاَّ من قادر، أما أنه قد صح منه فلأنه قد وقع، فإما أن يكون وقوعه على جهة الوجوب وهو باطل وإلا لزم حصوله في الأزل دفعة واحدة، ولزم قدمه ونحو ذلك مما تقدم فساده أو على جهة الصحة، وهو المطلوب، ونعني بالصحة إمكان أن يفعل وأن لا يفعل بحسب اختياره، وإن استعملت في غير هذا المكان بمعنى الآخر أو بمعنى البرء من المرض وبمعنى الصدق وبمعنى التأليف المخصوص، وإما أن الفعل لا يصح إلا من قادر، فلأن ذلك هو معنى القادر وهو معلوم على الجملة ضرورة، فإن العقلاء يصفون من أمكنه أن يفعل وأن لا يفعل بحسب اختياره بأنه قادر، ويوجهون إليه المدح والذم ونحو ذلك، والمعتبر في الدلالة هي الصحة دون الوقوع؛ لأن معها بدون العلم بالقادرية ثبوتاً وانتفاء بخلاف الوقوع، وإن كان بالوقوع تعرف الصحة.
فصل
وطريقه التفصيل في ذلك أنا نفرق في الشاهد بين الحي الذي يصح منه الفعل والحي الذي لا يصح منه، فلا بد من أمر تعلل به هذه التفرقة، وليس ذلك الأمر إلا صفة ترجع إلى الجملة، فهذه ثلاثة أصول.
أما التفرقة فضرورية، وأما أنها معللة بأمر فلحصول طريقة التعليل وطريقة التعليل هي أن تقبل الحكم مؤثراً من فاعل أو علة او سبب أو بعمل ما يجري مجرى المؤثر من مقتض أو شرط أو داع.

وقيل: هي أن يحصل الحكم مع الجواز أو يثبت بعد انتفاء أو يقع فيه افتراق بعد الاشتراك في غيره، وقيل: هي أن يتحدد الحكم بعد إن لم يكن أو يضاف إلى ذات دون أخرى، وكله متقارب، وقد نظرنا في صحة الفعل فوجدناها مما يقبل المقتضى ومما يحصل فيه افتراق بعد الاشتراك في غيره، ومما يضاف إلى ذات دون أخرى فيجب تعليله بأمر.
وإما أن ذلك الأمر صفة راجعة إلى الجملة فقد خالف فيه أبو الحسين وأصحابه وكثير من غيرهم /81/.
لنا أنه إما أن يصح منه الفعل لمجرد ذاته أو بالفاعل أو لوجود معنى أو لعدم معنى أو للطبع أو لزوال المنع أو للبنية والصحة أو لصفة ترجع إلى الجملة على ما نقوله، لا يجوز أن يكون لمجرد ذاته وإلا لزم في كل ذات مثله، وأن يكون قادراً في حاله العدم وأن لا يخرج عن كونه قادراً.
ولا يجوز أن يكون بالفاعل لأنه إنما يؤثر على جهة الصحة والكلام في تلك الصحة كالكلام في هذه، ولأن هذه الصحة تتجدد والذوات بما لها وما كان بالفاعل لا يتجدد إلا بتجدد الذات.
ولا يجوز أن يكون لوجود معنىً من دون إيجاب صفة للجملة؛ لأن المعنى يختص المحل والصحة، حكم صدر عن الجملة.

ولا يجوز أن يكون لعدم معنى أولى وأخرى؛ لأن عدم المعنى لا يختص رأساً فضلاً عن أن يختص بذات دون ذات. ولا يجوز أن يكون للطبع؛ لأنه غير معقول، وإن أريد به اعتدال البنية والصحة فسنتكلم عليه، ولا يجوز أن يكون لزوال المانع؛ لأن المانع إنما يمنع من حكم صححه مصحح، وذلك يقتضي حصول مصحح غير زوال المانع، وهو المطلوب؛ ولأن زوال المانع يشترك فيه القادرون، فكان يلزم اشتراكهم في صحة الفعل المعين، وفيه صحة مقدور بين قادرين، ولأن صحة الفعل يقبل التزايد وزوال المانع لا يقبله، ولأن الشيء إنما يتزايد بتزايد المؤثر فيه أو مقتضيه أو شرط الاقتضاء ولأن المنع إنما يكون بضد أو ما يجري مجراه، ولو حصل ضد في من(1) تعذر عليه الفعل لكان كما تعذر عليه تحريك نفسه يتعذر علينا أيضاً تحريكه، ولأن زوال الموانع نفي، وصحة الفعل حكم ثابت، فلا نعلل به تعليل تأثير.
فأما تعليل الكشف فيصح فيه تعليل النفي.
والثاني كتعليل قبح الظلم لكونه لا نفع فيه ولا دفع ضرر، ولا استحقاق.
والثالث: كتعليل كونه تعالى لا يفعل القبيح بكونه عالماً بقبحه وعالماً باستغنائه عنه.
ولا يجوز أن يكون للبنية المخصوصة، واعتدال المزاج كما ذهب إليه أبو الحسين؛ لأن البنية تأليف مخصوص، والتأليف مقصور على المحل بدليل صحة وجوده في الجماد، وصحة الفعل حكم صدر عن الجملة، والجملة والمحل في حكم الغيرين كزيد وعمرو، فلا يصح الفعل من الجملة لأمر يرجع إلى المحل كما لا يصح من زيد لأمر يرجع إلى عمرو، واعترضه أبو الحسين بأنكم إن أردتم أن الفعل صدر عن الجملة أنه وقع بكلها فباطل؛ لأنا نعلم أن البطش وقع باليد مثلاً، وأنه لا يؤاخذ في جميع الجملة.
__________
(1) . في نسخة: بمن.

وإن أردتم أنه وقع بحسب كون الجملة مريدة ومعتقدة ونحو ذلك، فهذا لا يمنع من كونه وقع باليد لا بالجملة؛ لأنه يجوز أن يعلم الجملة نفعاً في /82/ فعل اليد ويريده فيقع باليد؛ لا بالجملة نوضحه أنه لا بد من استعمال محل القدرة، ومن كونه مبنياً بنية مخصوصة، وإذا وقفت صحة الفعل على بنية اليد فهلاكها ذلك من دون اعتبار صفة راجعة إلى الجملة.
ويمكن الجواب بأنا نريد بصدوره عن الجملة ما هو المعقول عند جميع العقلاء من أن المعنى الذي عبروا عنه بقولهم فعل زيد وقال زيد ونحو ذلك، ولم يقولوا فعلت يد زيد وتكلم لسان زيد، ولههذا يتوجه المدح والذم والثواب والعقاب إل الجملة، ولسنا ننكر أن الفعل وقع باليد، ولكنها آلة للجملة فالفعل واقع من الجملة بآلتها والآلة لا بد من استعمالها سواء كان فيها قدرة أم لا، إلا أن الآلة التي فيها قدرة لا بد فيها من بنية مخصوصة ليصح وجود القدرة فيها، فالذي وقف على البنية هو وجود القدرة لا صحة الفعل حتى لو كان أحدنا قادراً لا بقدرة، لما احتاج إلى بينة كالباري تعالى.
دليل: المرجع بالبنية المخصوصة عند الجمهور إلى أمور كثيرة من تأليف ورطوبة ويبوسة وحرارة وبرودة واعتدال في ذلك، والأمور الكثيرة لا تؤثر في الحكم الواحد، وليس بعضها بأن يكون مؤثراً والآخر شرطاً أولى من العكس.
واعترضه ابن الملاحمي بأنه وإن كان كذلك إلا أن المؤثر شيء واحد؛ لأن عند اجتماع أجزاء رطبة وأجزاء يابسة ونحو ذلك يحصل شيء واحد معتدل تقف الصحة عليه.

ويمكن الجواب بأنه إن أراد بذلك الشيء الواحد نفس الأجزاء المجموعة لم يصح؛ لأنها هي جملة الحي التي صح منها الفعل، فكأنه قال: يصح الفعل من الجملة للجملة او لكونها جملة ونحن فرضنا الكلام في حين اشتركا في كونهما جملتين، وإن أراد بذلك الشيء الواحد البنية المخصوصة لم يصح للاتفاق على أنها أمور كثيرة، وهي أول المسألة، وإن أراد شيئاً غير البنية والمبني لم يخل ذلك الشيء إما ان يرجع به إلى الآحاد فالكلام فيه كالكلام في البينة، وهو أيضاً غير معقول، وأما أن يرجع به إلى الجملة وهو المطلوب.
قال رحمه الله تعالى: أوليس صحة كون الأجزاء حية تقف عندكم على البنية وإن كانت أموراً كثيرة والصوت يقف على الصلابة وهي بنية مخصوصة، فكذلك وقوف صحة الفعل عليها.
ويمكن الجواب بأن لا ينكر وقوف هذه الأشياء على البنية المخصوصة، ولكنه وقوف المشروط على الشرط لا وقوف الأثر على المؤثر؛ لأنه يمتنع في الشيء الواحد أشياء كثيرة، ولا يمتنع أن يشرط الشيء الواحد بأشياء كثيرة، فوزانه أن تجعل البنية شرطاً في صحة الفعل، والمؤثر غيرها، وهو المطلوب. على أن صحة كون الأخرى حية لا عن الجملة؛ لأنها لم تكن جملة حينئذ، فيجوز أن يؤثر فيه ما يرجع إلى المحل وهو البنية /83/ إلا أن هذا لا يدفع ما ذكره من أن المؤثر في هذه الصحة أمور كثيرة، فالأولى ما تقدم.
دليل: يمكن أن يقال لأبي الحسين إذا كان المرجع عند الجميع بالبنية المخصوصة إلى التأليف والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك فأي شيء التأليف والرطوبة إذا كنت لا تثبت المعاني.
فإن قال: هي صفات ثبتت بالفاعل كالسواد والبياض. قيل له: هب أنه كذلك، فلِمَ كانت هذه الصفات بأن تقتضي صحة الفعل أولى من السواد والبياض والجميع بالفاعل.
فإن قال: قد تكون الصفة بالفاعل ولها حكم يختصها كما يقولونه في الوجود فإنه بالفاعل، وله حكم، وهو أنه تظهر عنده الصفات والأحكام المقتضاة عن صفة الذات.

قيل له: إن الوجود عندنا شرط، والمؤثر في الحقيقة هو الصفة الذاتية، فوزانه أن يجعل هذه البنية المخصوصة شرطاً، والمؤثر في الحقيقة هو صفة القادر، وكذلك نقول.
ثم إن سلمنا أن الوجود هو المؤثر في الحقيقة فهو لا يختلف بل كل وجود يؤثر في وجود ذلك، ونحن ألزمناه أن لا تختلف الصفات التي بالفاعل بل يستوي في التأثير في صحة الفعل، فما الجواب عنه.
دليل: ويمكن أن يقال له: قد يكون أحد الحيين أصح بنية من الآخر، وأشد عافية منه، وأكثر سمناً وأطيب مأكلاً، ليس به مرض، ويكون الآخر دونه في كل ذلك، ثم يقهره ويستبد بالفعل عليه، فلولا اختصاصه بأمر زائد على البنية والحياة لما صح ذلك.
فإن قال: بل بنية الذي استبد بالفعل أكثر خصافة وأشد اعتدالاً.
قيل له: المرجع بالخصافة عندك إلى كثرة الأجزاء، ولا شك أن السمين أكثر أجزاء، وأما شدة الاعتدال فليس الطريق إليه إلا حصول العافية وزوال الأمراض، وقد فرضنا الكلام في حين زالت عنهما الأمراض.
فصل
إذا ثبت أن للقادر بكونه قادراً حال، فهي لا شك غير كونه حياً، وكونه مشتهياً ونحو ذلك من صفات الجمل؛ لأن جميع ذلك قد يحصل لمن تعذر منه الفعل، وقد لا يحصل راساً مع حصول التفرقة، أعني ما عدا كونه حياً، ولأن هذه الصفات قد تماثل والقادرية لا تماثل لاستحالة إيجاد متعلقها، ولأنها لا تختص فعله دون فعل غيره، بخلاف القادرية.
فصل
والطريق إلى هذه الحال في الشاهد هو صحة الفعل كما علمت، فيجب ثبوتها للباري تعالى لحصول طريقها في حقه. واعترضه ابن الملاحمي بأنه إنما يصح ذلك لو دلت صحة الفعل بنفسها على هذه الصفة في الشاهد لكنها تدل عليها بطريقة السير، وقد أبطلتم /84/ أن يصح الفعل من الشاهد لذات الجملة، فدلوا على أنه لا يصح الفعل من الباري تعالى لذاته المخصوصة ليتأتى لكم إثبات صفة زائدة.

ويمكن الجواب بأن يقال له أتريد أن يصح من الباري تعالى لمجرد ذاته أو لذاته المخصوصة إن كان الأول لزم مثله في كل ذات، وليس لك أن تقول هي مخالفة لسائر الذوات؛ لأن الذات لا تخالف غيرها لمجرد كونها ذاتاً، بل لا بد من أمر زائد على ذلك كما سلف، وإن كان الثاني قيل له فما معنى كونها مخصوصة عندك، أتريد أنها مخصوصة بكونها قادرة، فهو الذي نقول، فإنه يقتضي أن الذي خصت به زائدة عليها كما تقوله أنت في إثبات التبين أمراً زائداً على ذات الباري تعالى في مسألة عالم أو تريد أنها مخصوصة بأمر غير كونها قادرة، فما هو، أو تريد أنها مخصوصة بكونها ذاتاً، فهذه الخصوصية ثابتة لكل ذات.
قال أصحاب أبي الحسين: فيجب في هذه الحالة التي يرجع إلى الجملة في الشاهد أن يرجع إلى الجملة في حقه تعالى، ويدل على كونه جملة.
قال أصحاب أبي هاشم، إن رجوع الحالة إلى الجملة ليس هو مجرد الحالة وخسيتها، ولا ملازم لها حتى يلم من الاشتراك في الحالة الاشتراك في رجوعها إلى الجملة، بل هو أمر زائد يتبع الدليل.
وتحقيق هذا أن الحالة إنما رجعت إلى الجملة ؛ لأن الحكم صدر عن الجملة التي هي مجموع أجزاء قد صارت بالحياة في حكم الشيء الواحد، وهذا مفقود في حق الباري تعالى.
فصل
وهذه الحالة معنوية في الشاهد لثوبتها مع الجواز، والحال واحدة والشرط واحد كما تقدم في الكائنية، ويختص هذا المكان حصول التزايد في هذه الصفة، فلا بد أن يستند إلى ما يتزايد، وليس إلا المعنى.
فصل
وحكم هذه الصفة مطلقاً صحة الأحداث وتعلقها بالضدين على البدل وحكمها إذا استحقت للذات صحة الاختراع والتقديم والتأخير على متعلقها واستحالة انحصار متعلقها في الجنس والعدد واستحالة خروج الموصوف عنها واستحالة المنع ونحو ذلك وبالعكس من هذا إذا استحقت لمعنى.
فصل في ما يجري عليه تعالى من الأسماء بمعنى كونه قادراً

اعلم أولاً أن كل لفظة تفيد معنى على جهة الحقيقة، وحصل معناها في حق الله تعالى، ولم يكن إطلاقها يوهم الخطأ، فإنه يجوز إطلاقها عليه تعالى، ولا يحتاج أذن سمعي.
وقال أكثر البغدادية: لا بد من أذن.
لنا أنا نعلم بالعقل حسن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، ولا يتم ذلك إلا بأن ندعوه بالأسماء التي ثبتت معناها في حقه.
ولأنه متى لم يكن في العبارة وجه قبح ولا ضرر على أحد /85/ جوز العقل إطلاقها كسائر ما أصله الإباحة، ولأن التفاهم بالألفاظ يتبع المواصفة، وإذا جاز للمتواضعين أن يصفوا أسماء تفيد التعظيم على مسميات من دون إذن جاز أن يطلقوا تلك الأسماء إذا أرادوا تعظيم الله تعالى، وذكره لاحتياجهم إلى ذلك، ولهذا قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وهذا كله في الحقائق، فأما المجازات فإنه لا يجوز إجراؤها على الله تعالى، إلاَّ بإذن اتفاقاً، ويقر أيضاً حيث ورد بها الأذن، فلا يقاس عليها بحق لفظ الخداع والمكر والاستهزاء والنسيان في قوله: {نسوا الله فنسيهم}، والفراغ في قوله: {سنفرغ لكم أيها الثقلان}، وأشباه ذلك، وهكذا ما طريقه الألقاب المحضة لا يجوز إجراؤها عليه تعالى اتفاقاً لخروجه عن حد الإفادة، وكقيامه مقام الإشارة.
وأما قولنا شيء، فليس من هذا القبيل، بل له شبه بالمفيد من حيث يفهم منه ما يصح العلم به والخبر عنه، فيجوز إجراؤه على الله تعالى، وعلى هذا قال تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله}. وإذا تمهدت هذه القاعدة فمن الأسماء التي تجرى عليه تعالى بمعنى كونه قادراً، قولنا: القادر والمقتدر والقدير، وفي هذين الأخيرين مبالغة لإفادتهما استحالة المنع.
ومنها: القوي، كالقادر سواء، واستعماله في الشديد مجاز. ومنها: المقيت، أي المقتدر، وقيل: خالق الأقوات. ومنها: القاهر، عند أبي علي، قال: ويجوز إجراؤه في ما لم يزل، وكأنه راعا صحة القهر لا وقوعه، ومثله الغالب، وغيره راعا فيهما الوقوع.

13 / 75
ع
En
A+
A-