وأما الطبائعية فيبطل قولهم أن /67/ الطبع غير معقول، وبعد فهو إما موجود أو معدوم، والموجود إما قديم أو محدث، القسمة الأولى بعينها وكله باطل. وبعد فالطبع شيء واحد، فما الأمر الذي اقتضى وقوع الأشياء على هذا الترتيب البديع والحكمة الباهرة ووقوعها بحسب المصالح كل وقت، وأما أصحاب النجوم فيبطل قولهم أنها غير حية لكثرة حرارتها ولاستمرار حركاتها على وتيرة واحدة؛ لأنها لا تدرك، والفعل لا يصح إلاَّ من حي، ولأنها أجسام فلا يصح منها فعل الأجسام ولأنها كانت لا تفعل إلا باعتماد أو مماسسة ونحن نعلم بحدوث أشياء فينا ولا نحس باعتماد معتمد علينا أو لأنها إن كانت قديمة، لزم قدم العالم، وإن كانت محدثة نقلنا الكلام إلى محدثها.

الكلام في الصفات والأحكام
الصفة في اللغة، هي قول الواصف كقولك: فلان كريم. وفي العرف ما أفاده، قول الواصف كالكرم مثلاً.
وفي الاصطلاح: بالمعنى العام، كل مزية للذات تعلم لا بانفرادها، وقد دخل الحكم في ذلك، وبالمعنى الخاص كل مزية للذات راجعة إلى الإثبات، نعلم الذات عليها لا باعتبار غير ولا ما يجري مجراه.
وقولنا: راجعه إلى الإثبات يخرج ما يرجع إلى النفي كنفي التجسيم والحاجة والروية والجهل وغيره، فإنها إنما تكون صفات بالمعنى العام.
وقلنا: نعلم الذات عليها؛ لأن الصفة لا تستقل بالمعلومية، وبهذا تفارق الذات. وقلنا: لا باعتبار غير، ولا ما يجري مجراه لينفصل عن الحكم.
والحكم في اللغة: هو المنع، ومنه سمى اللجام حكمه لمنعه من الذهاب، وسميت الحكمة حكمه لمنعها من القبيح، وفي العرف هو الإلزام، يقال: حكم القاضي أي ألزم، وفي اصطلاح الفقهاء هو ما يتصف به الأفعال من وجوب وقبح وندب ونحو ذلك.

وفي اصطلاح المتكلمين: بالمعنى العام كالصفة بالمعنى العام سواء وبالمعنى الخاص كالصفة بالمعنى الخاص، إلا في اعتبار الغير أو ما يجري مجراه، فإن الحكم لا يعلم الذات عليه إلا باعتبار غير او ما يجري مجراه، والذي يعلم بين غيرين أو ذاتين كالمماثلة والمخالفة ونحو ذلك، والذي يعلم بين غير وما يجري مجراه أي بين ذات وصفة كصحة وجود الشيء في نفسه يعلم بين ذات الشيء وبين كونه موجوداً، وكذلك صحة الفعل من القادر يعلم بين ذات ذلك الفعل وبين صفة القادر.
فصل
والصفة ضربان:
واجبة، وهي التي يستحيل خلافها عند إمكانها على التعيين /68/.
وجائزة، وهي التي ليست كذلك، وقلنا على التعيين احترازاً من الكائنية، فإنه يستحيل خلافها عند إمكانها، لكن لا على التعيين أي لا يجب كائنية معينة، بل ما من كائنية إلا ويجوز خروجه عنها إلى خلافها، وإن كان لا يخرج إلا إلى كائنية أخرى بخلاف الواجبة كالجوهرية والتحيز، فإنها لا تتبدل لحال.
والواجبة ضربان:
ذاتية، وهي التي تجب للذات على التعيين لا لاختصاصها بصفة أخرى كالجوهرية ومقتضاه، وهي التي يجب للذات على التعيين لاختصاصها بصفة أخرى كالتحيز فإنها تجب للجوهر لاختصاصه بالجوهرية بشرط الوجود.
وقلنا: على التعيين احترازاً من الكائنية أيضاً فإنها تجب للجوهر لاختصاصه بصفة أخرى، وهي التحيز، لكن لا على التعيين.
والجائزة ضربان:
معنوية، وهي كل صفة زائدة على الوجود يثبت لمؤثر على سبيل الإيجاب.
وقلنا: زائدة على الوجود احترازاً من وجود المسبب، فإنها صفة تثبت لمؤثر على سبيل الإيجاب، وهو السبب، وليست معنوية، وبالفاعل، وهي كل صفة تفتقر إلى مؤثر على سبيل الصحة، والاختيار.
فصل
والأحكام ثلاثة: مقتضى ومعنوي وبالفاعل ولا ذاتي في الأحكام.
فالمقتضى كأحكام التحيز من نحو احتماله لعرض وصحة إدراكه بحاستين وشغله للجهة ونحو صحة الفعل وما شأنه هذا من الأحكام المقتضاة التي يستدل بها على مقتضياتها.

والمعنوي: كسكون النفس، فإنه يثبت لمعنى وهو العلم.
والذي بالفاعل نحو كون الكل كفر خبراً أو أمراً، وكون الفعل ظلماً ونحو ذلك من وجوه الأفعال. والذي يدل على أنه لا ذاتي في الأحكام وجهان:
أحدهما: أن الذاتي هو الذي يدخل به الشيء في صحة كونه معلوماً، وقد ثبت أن الحكم لا يعلم إلا بين غيرين أو غير وما يجري مجراه، فلو كان ذاتياً لاقتضى كون الغيرين معلوماً واحداً؛ لأنه لو اقتضى كون كل واحد منهما معلوماً على انفراده لم يخل إما أن يصح العلم بأحدهما دون الآخر، وهذا يبطل كون المصحح لكونه معلوماً حكماً، وإما أن لا يصح العلم بأحدهما دون الآخر وذلك يبطل كونهما معلومين وغيرين، ويصيرهما معلوماً واحداً؛ لأنه لم يختص أحدهما إلا بما اختص به صاحبه، وهو هذا الحكم المصحح لكونهما معلومين، وما عدا ذلك من الذاتيات تابع له. هذا ما ذكره الشيخ الحسن رحمه الله تعالى في كتاب الكنفية.
ولقائل أن يقول: إن الحكم إنما يكون ذاتياً لذات واحدة لا لذاتين جميعاً، وبه تدخل تلك الذات فقط في صحة كونها معلومة، وإنما /69/ يعتبر الغير أو ما يجري مجراه في العلم بالحكم أي لا يعلم الذات على حكمها الذاتي إلا باعتبار غيراً وما يجري مجراه، وذلك لأمر يرجع إلى الحكم، والعلم به لا إلى تصحيحه لما يصححه ولا إلى كونه ذاتياً، وبعد فهب أن به يدخلان جميعاً في صحة كونهما معلومين، فما المانع من أن يصح كل واحد منهما معلوماً على انفراده، ولكن لا يعلم أحدهما دون الآخر لأمر يرجع إلى شأنه كاشف عنهما جميعاً أو أنهما معتبران في العلم به، فإذا كشف عن أحدهما فقد كشف عن الآخر كالدليل إذا دل على أمرين مختلفين، فإنه إذا علم أحدهما علم الآخر لاتحاد طريقتهما لا لاتحاد ذاتيهما.

وبالجملة فبينهما تلازم يرجع إلى ما هية الحكم ودلالته، وليس إذا تلازم العلم بأمرين لزم كونهما أمراً واحداً، يوضحه أن العلم بالمتحيز يلازم العلم بالكون على الجملة، ولم يجب أن يكون المتحيز والكون شيئاً واحداً، وكذلك العلم بأحد المتضايفين يلازم العلم بالآخر كالعلم بكون زيداً أباً يلازم العلم بأن له ابناً، ومثله المالك والمملوك، والوديعة والوديع ونحو ذلك مما لا يدل تلازم العلم به على اتحاده، يزيده وضوحاً أن أحدنا لا يصح أن يعلم الذات إلا على صفتها الذاتية ومعلوم ان العلم بالصفة تبع للعلم بالذات، فلم يدل تلازم العلم بالذات والعلم بصفتها على أنهما معلوم واحدة.
وقوله رحمه الله تعالى في آخر هذا الوجه: لأنه لم يختص أحدهما إلا بما اختص به الآخر، وهو هذا الحكم وما عداه من الذاتيات تبع له غير مسلم، بل لكل واحد من الغيرين ذاتية في حكم المغايرة لذاتية الآخر، فتكون هي الأصل، وفي تصحيحها لكونه معلوماً وفي مماثلة مماثله وفي مخالفة مخالفه، وإنما كانت هي الأصل في جميع ذلك؛ لأن الذات تعلم عليها من دون اعتبار غير ولا ما يجري مجراه، ولهذا لو لم يخلق الله إلا ذاتاً واحدة لصح العلم بها، وإن لم يوجد هذا الحكم المذكور، فصح أنها أخص من الحكم، وإن كانا ذاتيين كما أن التحيز أخص من صحة كون الجوهر معلوماً وإن كانا مقتضيين.
الوجه الثاني: ذكره أيضاً في الكيفية وهو أن الذاتي ما به يماثل الشيء مماثلة ويخالف مخالفة فلو كان الحكم ذاتياً لم يخل إما أن يقتضي تماثل الغيرين أو اختلافهما أو لا يقتضي تماثلهما ولا اختلافهما.
والأول باطل؛ لأن من حق التماثل أن يثبت لأحد الذاتيين مثل ما يثبت للأخرى، وهاهنا الثابت للآخرى هو بعينه الثابت للأخرى.
والثاني: باطل أولى وأحرى؛ لأن من حق الاختلاف أن لا يختص أحدهما بمثل ما اختص به الآخر ولا بما يماثله.

والثالث: باطل؛ لأنه إذا لم يقتض تماثلهما ولا اختلافهما خرجا عن أن يكونا مثلين ومختلفين وهو محال؛ لأنهما ذاتان، ومن حكم كل ذاتين التماثل أو الاختلاف، فإذا لم يتماثلا ولم يختلفا خرجا عن كونهما ذاتين.
ولقائل أن يقول: إن الذي يقتضي التماثل والاختلاف /70/ هو أخص الذاتيات وهاهنا ما هو أخص من هذا الحكم وهو الصفات الذاتية، فلا يقتضي هذا الحكم تماثلاً ولا اختلافاً، وليس إذا لم يقتضي التماثل ولا الاختلاف لزم أن لا يكونا مثلين، ولا مختلفين لحصول أمر سوى الحكم، هو أحق باقتضاء التماثل والاختلاف، وهو الصفات الذاتية، وبعد، فقد تقدم في الأشكال على الوجه الأول أنه إنما يكون ذاتياً لأحدهما، فلا جزم أن تقتضى مماثلتهما للذات التي يحصل لها مثله، فلا يستقيم قوله أن الذي يثبت لأحد الذاتين هو الذي يثبت للآخر.
يوضحه أن صحة احتمال الجوهر للعرض حكم يعلم بين غيرين وهما ذات المتحيز وذات العرض أو بين المتحيز وكونه متحيزاً، ومع ذلك فإنما هو مقتضى عن أحد الأمرين، وهو التحيز، فكذلك يعلم الحكم الذاتي بين غيرين، وإن كان ذاتياً لأحدهما، وهذا الكلام كله إذا كان الأمر أن اللذان يعلم بينهما الحكم غيرين حقيقيين فأما إذا كانا ذاتاً وصفة فالأشكال أظهر في أنه لا يقتضي كونهما معلوماً واحداً، وأنه لا يقتضي تماثلاً ولا اختلافاً؛ لأن الصفة لا تعلم على انفرادها سواء كان الحكم ذاتياً أم لا، وكذلك لا يثبت فيهما مماثلة ولا مخالفة.
فصل

قد عرفت بما سلف أن الصفات أربع، ذاتية ومقتضاة ومعنوية وبالفاعل، وأن الذوات ثلاث الباري جل وعز، والجسم والعرض إذا ثبت هذا فاعلم أن الجسم يستحق هذه الصفات الأربع فالذاتية له هي الجوهرية والمقتضاة هي التحيز وكونه مدركاً في حق الأحياء والمعنوية هي الكائنية والقادرية ونحوهما، والتي بالفاعل هي الوجود والعرض يستحق ثلاثاً ذاتية، وهي التي بها تماثل مماثلة وتخالف مخالفة كالسوادية مثلاً ومقتضاه، وهي التي بها يوجب موجبه ويتعلق بمتعلقه ويضاد ضده كالهيئة مثلاً وبالفاعل، وهي الوجود، ولا يستحق معنوية؛ لأنه معنى فلا يختص به معنى والباري جل وعز يستحق ثلاثا ذاتية، وهي الصفة الأخص، ومقتضاه، وهي القادرية والعالمية ونحوهما ومعنوية، وهي كونه مريداً أو كارهاً، ولا يستحق صفة بالفاعل؛ لأن الفاعل لا يفعل للذات صفة من دون واسطة إلا إذا فعل تلك الذات والباري تعالى قديم لا فاعل له. وليستدل على ثبوت هذه الصفات لهذه الذوات على التفصيل، فإنه قد خالف فيه شيخنا أبو الحسين، ولنبدأ بصفات المحدثات؛ لأن عليها يترتب العلم بصفات القديم تعالى.
فصل
والذي يدل على أن للجوهر بكونه جوهراً حال وجوه ثلاثة:
الأول: أن الجوهر يماثل الجوهر ويخالف السواد والمماثلة والمخالفة لا تصح إلا بصفة ذاتية /71/ وسيأتي تحقيقه في الاستدلال على أن الجوهرية ثابتة في حال العدم.
والوجه الثاني: أن الجوهر والسواد قد اشتركا في كونهما ذاتين، واختلفا في كون أحدهما جوهر والآخر سواد أو ما به الاشتراك غير ما به الامتياز.
واعترضه أصحاب أبي الحسين بأنهما اشتركا في أمر جلي، وهو صحة كونهما معلومين على انفرادهما، وافترقا في أنفسهما التي أضيف إليهما هذا الحكم الذي هو صحة كونهما معلومين على الانفراد، وبعد فقد اشتركت الجوهرية والسوادية في كونهما صفتين، ثم افترقا في كون أحدهما جوهرية والأخرى سوادية، ولم يلزم من ذلك تعليل هذه المفارقة بأمر زائد على مجردهما.

والجواب: قولهم افترقا في أنفسهما لا يصح لوجهين: أحدهما أن أنفسهما تصح كونها معلومة على الانفراد وكون أحدهما جوهراً والآخر سواداً لا يعلم على انفراده بل يعلم تبعاً لذاتهما، فدل على أنه زائد عليهما.
الثاني: أنه قد يعقل ذات الجوهر والسواد من لا يعقل كونه جوهراً ولا سواداً.
وأما المعارضة بالصفتين وافتراقهما بعد الاشتراك فقد قال الشيوخ فيه أن افتراقهما في مجردهما كان قبل اشتراكهما في كونهما صفتين؛ لأن كون الصفة صفة هو من توابع مجردها ولواحقه، وإذا كان الافتراق قبل الاشتراك لم يجب تعليله بخلاف اشتراك السواد والجوهر في كونهما ذاتين فإنه حاصل قبل افتراقهما بدليل أنه لا يعقل إلا تبعاً، والمراد قبلية الذهن لا قبلية الزمان.
الوجه الثالث: إن علمنا بكون الجوهر جوهر إما أن يتعلق بمجرد ذاته أو بمعنى غيرها أو بحكم لها أو بكيفية صفة أو بصفة على ما نقوله لا يجوز أن يتعلق بمجرد الذات؛ لأنا قد نعلمه ذاتاً ولا نعلمه جوهراً، ولا أن يتعلق بمعنى؛ لأن كونه جوهراً واجب، ولأن ذلك المعنى لا يختص به إلاَّ بأن يحله ولا يحله إلاَّ بعد أن يتحيز ولا يتحيز إلا بعد كونه جوهراً ولا أن يتعلق بحكم؛ لأنا نعلم المفارقة بين الجوهر وغيره من دون اعتبار غير أو لا ما يجري مجراه ولا أن يتعلق بكيفية صفة، لأن كيفية الصفة تابعة للصفة كالحدوث والقدم، فإنهما يتبعان الوجود وبقي أن يتعلق بصفة وهو المطلوب.
وربما يورد أصحابنا هذا الوجه على غير هذه العبارة فيقولون: لو أخبرنا الصادق بوجود ذات، وإنا نعلم غير الذات ونعلم وجودها ثم أخبرنا أنها جوهر فإنا نعلم ثابتاً غير ما علمناه أولاً، ولا بد أن يكون ذلك الأمر الزائد صفة للذات وهي الجوهرية. واعترضه أصحاب أبي الحسين بأن الذي تعلق به علمنا أولاً هو أنه ذات يصح العلم بها على انفرادها، ثم تعلق علمنا ثانياً بتلك الذات على التفصيل، وهو أنها ذات /72/ تخالف السواد مثلاً.

قالوا: ومعنى مخالفتها للسواد أنها شيء يدرك بحاستين، ويشغل الجهة والسواد هيئة تجمع الشعاع.
والجواب: أنه ما لم يكن كونه جوهراً أو كونه سواداً أمراً زائداً على ذاته لا يكون علمنا قد تعلق ثانياً بأزيد مما تعلق به أولاً، وخلاف ذلك ومعلوم.
قال أصحابنا: وقولهم إنه تعلق أولاً بكونها ذاتاً يصح العلم بها على انفرادها غير صحيح؛ لأن كونها ذاتاً موجودة ليس هو صحة العلم بها على انفرادها، بل صحة العلم بها على انفرادها حكم كاشف عن كونها ذاتاً، وتابع له لا أنه هو وكونها ذاتاً موجودة، ليس هو كونها ذاتاً اتفاقاً.
أما عندنا فلأنها صفة زائدة على الذات. وأما عندهم فلأن الوجود هو عين الذات وعين الذات ليس هو كونها ذاتاً بل كونها ذاتاً حكم للذات عندهم ومضاف إليها.

وحاصل الكلام: إن كونها ذاتاً ووجودها وصحة العلم بها على الانفراد قد علمناه بالخبر الأول، فلا بد أن نعلم بالخبر الثاني أمراً زائداً على ذلك وقولهم إن علمنا ثانياً تعلق بأنها ذات يخالف السواد غير صحيح؛ لأن المخالفة لا تعلم إلاَّ باعتبار المخالف، ونحن نعلمه جوهراً، وإن لم نعلم ذاتاً أخرى يخالفها الجوهر من سواد ولا غيره، وأيضاً فالبياض يشارك الجوهر في كونه مخالفاً للسواد، فكيف يكون معنى كونه جوهراً هو أنه ذات يخالف السواد، وكذلك قولهم أن معنى المخالفة هو أنها ذات يصح إدركاها بحاسة، والسواد هيئة يجمع الشعاع غير صحيح؛ لأن صحة إدراكه بحاستين يعتبر فيه الإدراك، والحاستين وكونه مخالفاً للسواد لا يعتبر فيه ذلك للسواد يعتبر فيه السواد، وصحة إدراكه بحاستين لا يعتبر فيه ذلك؛ ولأن صحة إدراكه بحاستين أمر إثباتي، وكونه مخالف للسواد أمر سلبي إذ المرجع به إلى أنه لا يسد مسده عندنا، والمرجع به إلى أنه ليس كالسواد عندهم، وكما أن صحة إدراكه بحاستين ليس هي كونه مخالفاً للسواد، فليست أيضاً هي كونه جوهر المثل ما تقدم؛ ولأن عندهم كونه جوهراً هو نفس ذاته ومعلوم أن صحة إدراكه بحاستين ومخالفته لغيره، ونحو ذلك مزايا ثابتة له ومضافة إليه وليست كونه جوهراً. يوضحه أنهم فسروا كونه جوهراً بهذه الأشياء، ولم يفسروه بكونه ذاتاً ولا بكونه جوهراً، وبعد فقد يعلم الجوهر جوهراً من لا يعلم مخالفته لغيره، وعلى الجملة مما لم يكن كونه جوهراً أو سواداً زائداً على ذاته لا يكون فرق بين علمنا أولاً وبين علمنا ثانياً؛ لأن العلم الأول قد تعلق بنفس الذات ووجودها، فبماذا يتعلق علمنا ثانياً لولا أن هناك مزية؟

11 / 75
ع
En
A+
A-