وثانيهما: استدلالي وهو العلم الحاصل عن النظر ولا كلام في كون النظر طريقاً موجبة للعلم وتسميته طريقاً يجوز وإلاَّ فإن من حق الطريق أن تتعلق هي والمتطرق إليه بمتعلق واحد، وليس كذلك هاهنا، فإن النظر متعلقة الأدلة ومتعلق العلم الحاصل عنه هو المستدل عليه، وأيضاً فإن الطريق في الأصل ما يتوصل به إلى الأمر من غير تأثير، ذكره بعض المتأخرين وفي الإصطلاح ما يقتضى صحيح النظر فيه إلى العلم أو الظن، ذكره المصنف في العقد فعلى هذا يكون الطريق الدليل لا النظر فيه ومثالين لما يحصل عن طريق غير موجبة: ضروري، وهو العلم الحاصل عند الدرس، فإن الدرس يسمى طريقاً غليه تجوزاً، وليس بموجب فإن منهم من يدرس الدرس الكثير فلا يحفظ فخالف المشاهدة وهي طريق عادته من حيث أنَّها مستمرة في إيصالها إلى العلم، ولا بد من ذلك مع كمال العقل بخلاف الدرس، ومثال الإستدلالي وهو العلم الحاصل عن التفصيل بالجملة إذا كانت المقدمتان استلاليتين أو أحدهما إستدلالية فإن العلمين حينئذ يدعوان الواحد منا إلى فعل علم ثالث، قال بعض أصحابنا: وأكثر العلوم الإستدلالية تحصل من هذه الجهة ومثاله أن يعلم قبح الظلم ويعلم بخبريين أو دلالة أن هذا ظلم، فإنا نختار العلم بقبحه، فأما إذا كانت المقدمتان ضروريتينفالعلم بالنتيجة ضروري، وليس العلمان الأولان بموجبين لهذا العلم الحاصل عنهما إلاَّ على مذهب أبي الحسين وتسميتهما طريقاً يجوز، وإلاَّ فالصحيح أنهما ليستا بطريقين، وسيأتي تحقيق ذلك والكلام عليه إن شاء الله تعالى.
فصل
وينقسم علم التصور إلى: جملي وتفصيلي إلى آخره.
قوله: (فقال شيخنا أبو هاشم الجملي: العلم هو التفصيلي، ولكنه لم يكن متعلقاً ثُمَّ تعلق ظاهر كلام ابن مثوبة أن لأبي هاشم في هذه المسالة قولين، قال: والصحيح هو القول الذي يوافق ما ذهب غليه أبو علي من أن علم الجملة يتعلق.

قوله: (مبني على بقاء الإعتقادات) إنَّما كان مبنياً على بقائها هو لأن القول بعدم بقائها لا يتأتى معه هذا المذهب؛ غذ ما حصل من العلم في الوقت الثاني غير ما حصل في الأول، وإذا كان مبنياً على بقاء افعتقادات، وقد ثبت أنَّها لا تبقى على ما سيأتي بطل ما بني عليه.
قوله: ويعد فإذا شاهدنا السواد علمناه على الحقيقة) أي علمنا أن هاهنا أمراً وإن لم نعلم حينئذ أنَّه جسم على ما ذهب إليه النظام أو مَزِيَّة للجسم على ما ذهب إليه أبو الحسين أو ذات زائدة على ما يذهب إليه الجمهور، ولو كان العلم الجملي هو التفصيلي إلاَّ أنَّه غير متعلق، لكنا عند حصول العلم بأن هاهنا أمر إما أن يحصل لنا العلم بالتفصيل وهو أنَّه ذات مغايرة للجسم، أو يكون علمنا هذا غير متعلق بالسواد فلا يجد نسبة التعلق بين علمنا وبينه وكل واحد من الأمرين لا يصح.
قوله: (ويعد فيعلق العلم لما هو عليه في ذاته). اعلم أنَّ العلم يتعلق م نثلاثة أوجه:
الأول: عام، وهو تعلق النسبة. والثاني ـاثيره في صحة الأحكام إذا كان المعلوم مقدوراً للعالم، يقبل الأحكام. الثالث اقتصاؤه لسكون النفس، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالىز
والذي يدل على أن تعلقه لما هو عليه، ولا نعني بذلك إلاَّ التعلقين الأولين، وأما الثالث فليس لما هو عليه في ذاته على ما سيأتي.

فاعلم أن مرادهم أولاً بما هو عليه في ذاته الصفة المقتضاة عن الصفة الذاتية وتحقيق الدليل على أن تعلقه لها أن يقال: لا يجوز أن يكون تعلقه لصفة ذاته لثبوتها في حالة العدم وتعلقه حال العدم لا يعقل؛ ولأنه لا يتعلق إلاَّ بواسطة الصفة الَّتِي يوجبها هو وتَعُلِّقِها وهو لا يوجبها في حالة العدم إذ لا اختصاص له بعالم دون عالم ولا يجوز أن يكون تعلقه بالفاعل؛ لأنَّه كان يلزم أن يقف على اختياره فيجعل العلم بأن لا يأتي متعلقاً، والعلم بالله غير متعلق وهو محال، وكان يلزم إذا كان التعلق واقفاً على اختيار الفاعل أن يصح منه جعل المعاني الَّتِي ليست بمتعلقة كالحياة ونحوها متعلقة، ولا يجوز أن يكون تعلقه لوجوده وإلاَّ لزم في كل الموجودات أن تكون متعلقة ولا يجوز أن يكون تعلقه لمعنى؛ لأن المعنى لا يختص بالمعنى؛ ولأن هذا المعنى كان يحتاج في تعلقه بالعلم حيث أوجب له التعلق إلى معنى فيؤدي إلى التسلسل، وإذا جعل اختصاصه به بأن يحل محله لزم ألا يكون بأن يوجب التعلق له أولى من سائر ما يحل محله من حياة وكون وغيرهما، وهو محال وسار ما عدا هذه الأقسام لا ...... الحال فيه من عدمه، أو عدم معنى أو حدوثه فلم يبق إلاَّ أن يكون تعلقه لصفته المقتضاة المشروطة بالوجود، فإذا احصلت أوجبت تعلقه بكل حال، هذا تلخيص ما ذكره الأصحاب، وينوه على قواعدهم في الصفات والأحكام والله سبحانه أعلم.

قوله: (وهو امر منفصل فيقدح في أن تعلقه لذاته) هكذا ذكر أصحابنا أن التعلق لا يجوز وقوعه على شرط مفصل، وإنَّما يتوقف على اختصاص المعنى المتعلق وهو غير منفصل، وهو فيه نظر فإن من قواعدهم أن المنافاة حاصلة بين الضدين لما هما عليه في ذاتيهما من الصفة المقتضاة مع أنَّها واقعة على شرط منفصل وهو مصادفة الضد في المحل، وإنَّما الذي يمتنع وقوفه على شرط منفصل هو إيجاب العلل لما كان يؤدي وجودها غير موجبة إلى ألاَّ تفرق بين وجودها وعدمها، وإلى ألا يكون إلى إثباتها طريق، وليس كذلك التعلق فحكمه حكم المنافاة، فإن قلتم: أحد تعلقات العلم سكون النفس ولا ملائمة بينه وبين المنافاة بل هو صادر عن صفة العلم الَّتِي هي بالفاعل، قلنا إن صح ذلك فأبو هاشم لا يمنع من حصول السكون حال حصول العلم الجملي وإنَّما يمنع التلعق من الوجهين الأخيرين، والله أعلم، وفي قوله لكان قد وقف تعلقه على العلم بأن هذا المعين ظلم إلى آخره نظر آخر وهو أن يقال: ورود هذا الوجه ينبني على بقاء العلم، فأما مع القول بعدم بقائه فلا يتأتى؛ لأن ذلك العلم لم يقف تعلقه على حصول شرط منفصل بل عدم في الوقت الثاني فهو غير متعلق أصلاً وأنت لا يمنع من وجود علم غير متعلق، وهذا الذي تعلق هو علم ثانٍ، والجواب بل هذا الوجه متأتٍ على القول بعدم بقاء العلم؛ لأن أبا هاشم قد جعل العلم بأن كل ظلم قبيح لا يتعلق إلاَّ إذا حصل العلم بأن هذا المعين ظلم سواه فرضنا الكلام في العلم الحاصل في الوقت الأول أو الحاصل في الوقت الثاني، وإنَّما الذي ينبني على بقاء العلم الوجه الذي أورده ابن مثوبة حيث قال: فإذا كان العلم بقبح الظلم جملة هو العلم بأن هذا يعينه قبيح فكيف يجوز إلاَّ بتعلق في الأول ويقف تعلقه على وجود علم آخر بأن هذا ظلم، ولهذا قال ابن مثوبة: وهذا الفرع يستقيم على قول من يجوز بقاء العلوم، فأما تحريرز المصنف فلا يرد عليه؛ لأنَّه لا كلام في

استلزام مذهب أبي هاشم مصير التعلق موقوفاً على شرط منفصل سواء فرضاً أن الواقف تعلقه على شرط منفصل علم باق أو حاصل في الحال.
قوله: (وبعد فلو لم يتعلق العلم الجملي لما فصل أحدنا بني العشرة الَّتِي علم كون زيد فيها إلى آخره) يعني لأن هذا الفصل هو تعلق النسبة الذي هو التعلق العام فلو لم يكن متعلقاً لم يحصل هذا الفصل؛ لأن ذلك معنى كونه غير متعلق وحصول الفصل يقضي بكونه متعلقاً.
قوله: (والجواب أن من شرط التضاد إلى آخره) اعلم أن شروط التضاد بين الإعتقادين وغيرهما من المتعلقات تعاكس التعلق مع اتحاد المتعلق، والوقت والطريقة والوجه باعتقاد قدوم قدوم زيد وقت الظهر راكباً من جملة العشرة تضاد اعتقاد أنَّه لم يقدم وقت الظهر راكباً من جملة العشرة، فأما اعتقاد قدومه وقت العصر أو غير راكب أو وحده أو قدوم زيد آخر فلا يضاده لما لم تكمل الشروط بل يصح اجتماعهما فلعدم دعاء الداعي إليهما وقد ذهب أبو يعقوب البستائي إلى أنَّه لا تضاد بين الإعتقادات ولبسط الكلام في ذلك موضع هو أخص به من هذا.
فصل
قوله: (والعلم من قبيل الإعتقاد) أي عند جمهور المتكلمين فإنهم ذهبوا إلى أنَّه ضرب من جنس الإعتقاد، وبعض من أبعاضه، وليس بجنس مستقل، وقال أبو الهذيل: العلم جنس مستقل ليس من ضرورة الإعتقاد ولا من أبعاضه.

قوله: (لصح انفصاله عنه حتَّى يكون أحدنا معتقداً ساكن النفس ولا يكون عالماً والعكس) اعلم أن المصنف في إيراد هذا الوجه سالك مسلك السيد الإمام قدس الله روحه وهو معترض بأن يقال أن سكون النفس حكم صادر عن العلم وخاصة له فكيف يصح قولكم يكون معتقداً ساكن النفس فإن الخصم لا يسلم لكم أن سكون النفس يحصل مع الإعتقاد ولا أن ساكن النفس معتقد؛ لأن الخاصة وهي سكون النفس تستلزم ثبوت ذي الخاصة، فكان الأولى في تحرير الدلالة ما ذكره ابن مثوبة من أنَّه كان يلزم ثبوت الإعتقاد على أحد الوجوه ولا يكون عالماً وأن يكون علماً من دون أن يكون اعتقاداً حاصلاً على أحد الوجوه، وقد أجاب الفقيه قاسم وغيره عن هذا السؤال بأجوبة متقاربة وحاصلها أنا قد دللنا على أن العلم هو الإعتقاد مع سكون النفسن فمن حقك إذا ثبت العلم زائداً على ما قلناه أن تريثنا ثبوت العلم مع عدم ما ذهبنا إليه، فإن لم ترنا ثبوت العلم إلاَّ مع ما ذكرنا فالذي ذكرناه العلم نفسه لا أمر زائد عليه، وهو الجواب ليس القوي؛ لأن قولهم قد دللنا على أن العلم الإعتقاد مع سكون النفس إن كان هذا الدليل فهو نفس المتنازع فيه؛ لعدم تسليم حصول سكون النفس مع الإعتقاد؛ لأن الإعتقاد عند الخصم هو الجهل والتقليد والتحيب وما ذكرتموه من الإعتقاد الذي حصل عنده سكون النفس لا يسلم لكم أنَّه اعتقاد بل يقول: هو نفس ما جعله جنساً مستقلاً غير الإعتقاد وإن كان بغيره فهو انتقال ثُمَّ ما هو وهاهنا سؤال آخر وهو أن يقال: ما أنكرتم أن العالم وإن وجب كونه معتقداً فإنما هو ليلازم يبن العلم والإعتقاد ومع التلازم لا يتأتى إلزامكم لأن يكون عالماً بغير معتقد ساكن النفس. ويمكن الجواب بأن المتلازمين لابد بينهما من تعلق يقتضي التلازم والمعقول من التعلقات ، تعلقات خمسة: تعلق العلة بالمعلول ولا يتصور هاهنا لأن العلة ذات والمعلول صفة أو حكم، والعلم والإعتقاد ذاتيان وتعلق السبب بالمسبب ولا

يصح هاهنا لأن من حق كل سبب صحة انفصاله عن المسبب لحصول مانع أو تعذر شرط اعتباراً بسائر الأسبابن فكان يلزم حصول العلم من دون الإعتقاد مع سكون النفس إن جعل العلم السبب أو العكس إن جعل الإعتقاد السبب وهو محال، وتعلق المقتضي بالمقتضى وهذا أيضاً غير متصور؛ لأن المقتضي والمقتضى ليسا بذاتيين، والعلم والإعتقاد ذاتيان وتعلق الشرط والمشروط لا يصح هنا والأصح وجود ما جعل شرطاً من العلم والإعتقاد من دون الآخر؛ غذ الشرط لا يوجب المشروط ولا يستلزم المؤثر فيه، وتعلق التضمن كما يقال في الجوهر والكون، وهو غير متصور هاهنا؛ إذ ليس أحدهما حاصلاً على صفة لا يجوز حصوله عليها إلاَّ مع حصوله على غيرها من الصفات ولا يحصل على تلك الصفة الأخرى إلاَّ مع أبحاث لا آخر لها كما في الكون والجوهر، ثُمَّ أنَّه يجوز حصول ما جعل مضمناً من دون حصول المضمن به، وإنَّما لم يجز في الكون أن يحصل من دون الجوهر لما كان نحتاج إليه في الحلول.

قوله: (لأن الضد إنَّما ينفي المثلين أو الضدين) يعني ولا ينفي المختلفين، مثال: بغية للمثلين أن نظر وجزء من السواد على محل فيه جزءان من البياض أو أكثر، فإنه أو عشر أجرا ينفيهما معاً، وكذلك ما أراد عليهما؛ لأن له حظ الظروّ، وليس ينفي البعض أولى من البعض الآخر على أنَّه كان يلزم مع نفي بعضها فقط، أن يجمع هو والبعض الآخر، فلو لم ينفها معاً أدَّى إلى اجتماع الضدين ولا حظ لها من منعه؛ لأن الباقي لا يمنع ، وقد ذهب قوم إلى أن نفي الذات الواحد لذاتين لا يصح، ولذلك منعوا من وجود المثلين في المحل الواحد؛ لئلا يلزم بقية لهما معاً أو لأحدهما ووجوده مع الآخر وكلامهم واضح البطلان، فإن المثلين يصحه الإجتماع أحق من المختلفين، ويتأتى على مذهبهم نفيه للمثلين على البدل كنفيه للضدين، ومثال نفيه للضدين السواد في بقية للبياض والحمرة، فإنا لو قدرنا اجتماعهما في محل واحد وطرأ عليهما لنفاهما، وكذلك فهو ينفيهما على البدل فما صادفه نفاه، وإنَّما لم يجز في الشيء الواحد أن ينفي شيئيين مختلفين؛ لأنَّه لا ينفيهما إلاَّ إذا ضادهما وعاكسهما في الصفة، ولهذا لما عاكس السواد البياض في الصفة دون الخلاوة نفاه دوهها، فلو بقي الواحد شيئين مختلفين لوجب أن يكون قد عاكسهما إلاَّ إذا كان له صفتان تعاكس كل واحدة منهما واحداً من المختلفين، فيؤدي إلى استحقاقه أكثر من صفة ذاتية وإلى أن الضد لو طرىعليه نفاه من وجه ولم ينفه من وجه؛ لأن ضده ليس له إلاَّ صفة معاكسة لإحدى صفتيه دون الأخرى، وذلك محال، ويكفي في مضادته للمماثلات والمتضادات صفة واحدة، فلا تنقلب علتنا، ومما يدل على ذلك أن السواد إذا طرى على محل فيه بياض وجلاوه نفي البياض دون الجلاوة، ولا علة لعدم اشتراكهما في الإنتفاء إلاَّ اختلافهما؛ غذ لو كانا مثلين أو ضدين لانتفيا به، فإذا كانت العلة الإختلاف صح أن يقاس عليها ويطرد الحكم، وقد ذهب أبو علي إلى أنَّه يصح أن ينفي

المختلفين وتضادهما ذات واحدة، وقال في إرادة السواد: إنها تنفي كراهته وإرادة البياض لما ذهب إلى أن أراد في الضدين متضادان، وكذلك أبو القاسم فإنه ذهب إلى أن السهو ينافي العلم والإرادة وتضادهما، والموت تضاد الحياة، والعلم والقدرة وما تقدم تبطل ما قالاه، ولو قدرنا ثبوت الموت معنى فنفيه للعلم والقدرة ينفي ما يحتاجان إليه، وكذلك نفي السهو إن ثبت معنى للإرادة بنفي ما تحتاج إليه من الإعتقاد.
فإن قيل: ومن أين لكم نفي الضد للإعتقاد والعلم؟
قلنا: هو ظاهر فإن أحدنا لو اعتقد تقليداً أن زيداً في الدار وقدرنا بإبقاء هذا الإعتقاد ثُمَّ علم أنَّه فيها بخير بني صادق وقدرنا بقاء هذا العلم ثُمَّ طرأ عليهما اعتقاد أنَّه ليس فيها بقاهما، وكذلك فلو لم تقدر بقاؤهما فإن حصوله يمنع من تحددهما.
فإن قيل: أليس عندكم أن السواد والجوهر ينفيهما الفناء إذا طرأ عليهما.
قلنا: مسلم ولكن نفيه للسواد ينفي ما يحتاج إليه من المحل لا لمعاكسته له فلا مضادة بينهما ولا يمكن مثل هذا في العلم والإعتقاد لما كان يحتاج غليه؛ لأنَّه ليس لمحل له ولا علة فيه ولا سبب له ولا شرط فيه، وكذلك إن جعل مضادة اعتقاد أنَّه ليس فيها للعلم وانتفاء الإعتقاد يبغ لانتفائه.
قوله: (وبعد فحال العلم تلبيس بحال الجاهل والمقلد إلى آخره فيه سؤال وهو أن يقال: أليس أبو هاشم لما احتج على أن الظن من جنس الإعتقاد بأن حال الظان يلتبس بحال المعتقد بل بحال العالم، فإن السوفسطانية اعتقدوا أن علمهم بالمشاهدات ظن لما التبس عليهم العلم بالظن، قلتم في الجواب عليه: مجرد الإلتباس لا يقتضي الجنسية كالتباس الإرادة بالسهوة والتباس السواد بمحله، فهذا وارد عليكم هاهنا.

قوله: إنَّما يلزم ذلك في كل عالم يعلم هو اعتقاد) هذا هو المعتمد في الجواب عن هذه الشبهة، وحاصله أن لفظة الإعتقاد إنَّما يجوز بها في العلم وسائر أنواع الإعتقاد، فمن كان عالماً يعلم فهو معتقد لما كان عالماً يعلم هو اعتقاد، والله عالم لا يعلم بل لذاته فلا يلزم تسميته معتقداً. وقد قيل في الإعتراض على هذا الوجه أن تسمية الواحد منا معتقداً تسمية لغوية، وأهل اللغة لا يعقلون الإعتقاد الذي هو المعنى ولا يعقلون إلاَّ صفة وهي كون المعتقد منعقداً فبان أن التسمية موضوعة لحصول الصفة، وقد حصلت في حقه وقد أجيب عن أهل الشبهة بجوابين غير هذا.
أحدهما جواب الشيخ أبي عبد الله، وقد أشار غليه المصنف آخراً بقوله: ولو قدرناه علاماً بعلم إلى آخر، وإن كان مخالفاً لجواب أبي عبد الله من وجه وتحريره أن يقال فيه: ولو قدرنا أن تسمية العالم معتقداً لمجرد الصفة، فإنما إنَّما لم نسميه تعالى معتقداً؛ لإبهامها الخطأ، والفرق بينه وبين الجواب المتقدم الذي هو جواب الشيخين والجمهور أنَّه مبني على بيوت معنى المعتقد في حقه وأن المانع من إطلاقه الإيهام، والشيخان كلامهما مبني على أن معناه غير ثابت في حقه؛ إذ هو موضوع للعالم بعلم ذكره بعض أصحابنا.
والأصح جواب الشيخ أبي عبد الله لورود الإشكال على الأول، وقد صرح بأولويته السيد الإمام وثانيهما أن يقال: هذا تعويل على إثبات الأسلم من حيث الإستنفاق، والإستنفاق لفي، وكلامنا في المعاني، فلو لم يخلق الله العرب أو خلقوا خرساً بأي شيء كنت تحتج.
وجواب آخر: وهو المعارضة بلفظ فقيه وطبيبٌ، فإن معناهما قد حصل في حقه، ولم يجز إجراؤهما عليه، فكذلك الإعتقاد. فإن قال: إنَّما امتنع تسميته فقيهاً لإيهام الخطأ.

7 / 158
ع
En
A+
A-