واعلم أن العلماء مختلفون في هل يصح تحديد العلم أو لا، فمنهم من قال لا يحد ثُمَّ اختلفوا، فقال الرازي ومحمود بن الملاحمي: لا يحد لخلائه، واحتج الرازي بالوجه الثاني من الوجهين اللذين ذكرهما الإمام عليه السلام، وقال الجويني والغزالي وغيرهما: لا يحد لغموضه والجمهور على أنَّه لم يبلغ في الجلاء والغموض إلى حد يمنع التحديد فلا بد من تحديده.
فصل
والعلم ضربان، الضرب أخفص من النوع، فالعلم نوع من أنواع الإعتقاد وهو ضربان تصور وتصديق. قوله: إنَّه يجعل في ذهن الإنسان، الذهبن لغة الفطنة والحفظ. قوله: والتصديق هو العلم بالنسب الحاصلة بين تلك المفردات بإثبات أو نفي الإثبات كقولنا العلم محدث والنفي كقولنا العالم ليس بقديم ففي الأول نسبت الحدوث إلى العالم بمعنى أضفته إليه وحكمت به عليه، وفي الثاني حكمت عليه ينفي القدم. قوله: ويسمى تصديقاً لصحة دخول التصديق في الخبر المطابق له أي المطابق للعلم التصديقي كما إذا قال العالم محدث فإن التصديق يصح دخوله على هذا الخبر.
فإن قيل: فهلا سمي تكذيباً لصحة دخول التكذيب في الخبر الغير المطابق له؟
قيل: لا اختيار الأشرف النسبيين وذلك هو الأولى في الأسماء.

تنبيه:
التصديق ضربان، تصديق باللسان وهو قول القائل للمجبر: صدقت وما كذبت ونحوهما وتصديق بالأفعال كإظهار المعجز فإنه تصديق، وكأن يقول: غلام الملك علامة صدفي، فبما قلت أن الملك ينزل من فوق سريرة أو يضح التاج فوق رأسي، ثُمَّ يفعل ذلك على ما ذكر. قوله: احترازاً من أن يفعل الله إلى آخره يعني فإنه لم فعله تعالى عن ذلك لكان اعتقاداً لا يقف على اختيار المختص به لكن يخرج بأنه لا سكون معه وإنَّما لا تحصل معه السكون؛ لأنَّه من خواص العلم وفي الحد بطر؛ لأنَّه يقال: لِمْ لَمْ تَقُل العلم الذي لا يقف على اختيار المختص به، ويكون العلم جنساً أقرب؛ لأنَّه يشتمل عليه وعلى المكتسب ولا يحتاج إلى احتراز بسكون النفس كيف والتحديد بالأبعد معيب ونقص في الحد.
فصل
وطريق اكتساب علم التصور الحد إن كان المطلوب العلم بالماهية ففصلاة الحد في اللغة بمعنى الذات، وبمعنى طرف الشيء، وبمعنى الحاجز بين الشيئين، وبمعنى المنع قال: {ومن يتعد حدود الله..} أي ما منع من،والحقيقة في اللغة بمعنى الذات، وبمعنى نقيض المجاز وهي ما استعمل فيما وضع له في الأصل، وبمعنى الراية قال: عامر بن الطفيل:
لقد علمت علياً معدٍّ بأنني ... أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر
أي رايته وهما في الإصطلاح بمعنى واحد وظاهر كلام المصنف أن الرسمي واللفظي ليسا من أقسام الحدِّ وهو خلاف ما ذكره أهل التعاليق من الأصحاب، فإنهم بنوا على أن الرسمي واللفظي من الحد ولهذا فإنهم قسموا الحد إلى ذاتي ورسمي ولفظي، فجعلوا الحد جنساً يشتمل على هذه الأنواع، وهو كلام صاحب المنتهى فإنه قال: الحد حقيقي ورسمي ولفظي وكلام المصنف موافق لما يجري في بعض كتب المنطق كالرسالة وسرجها وغيرهما، وقد وقع بي كلامه من بعد ما يخالف قوله هاهنا فإنه قال: الحملي هو ما حصل بالحد اللفظي.

واعلم أن هذا الفضل يستدعي أموراً ثلاثة، أحدهما بيان حقيقة الحد وأسمائه وقسمته، وثانيها بيان شروطه. وثالثها بيان طرق صحته.
أما الأمر الأول، فقال المصنف: الحد قول مؤلف من ذا ثبات الشيء، وهذا بناء منه على أنَّه لا يسمى حداً إلاَّ الحقيقي، والمراد بذا بيان الشيء هاهنا ما لا يكون هو ما هو إلاَّ به، قال الحاكم: الحد عندنا هو اللفظ الذي يكون أوضح من المحدود، وتحضر فائدته، ومعناه يمنع ما ليس منه أن يدخل فيه وما هو منه أن يخرج منه وعلى هذا لا يكون اللفظي حداً، وقال بعض أهل المنطق: هو كلام وجيز جامع دال على تميَّز الشيء ما سواه، قال الحاكم، وهذا غير صحيح؛ لأن الحد قد يكون وجيزاً، وقد يكون الإهمام بكلام طويل، فلا بد من ...... في الحدود، وقال الإمام يحيى في التمهيد: الحد تعيين حقيقته متصورة في الذهن تصوراً تفصيلياً من غير أن يحكم على تلك الحقيقة بنفي ولا إثبات، وقال صاحب الغياصة: هو كل لفظ حليّ يكشف عن معنى لفظ خفي على وجه المطابقة ثُمَّ اعترضه بأنه يخرج من اللفظي وهو من أقسام الحد ومن أسماء الحد حقيقة ومعنى وماهية وما ... فسمي حداً لمنعه عن أن يدخل في المحدود ما ليس منه أو يخرج منه ما هو منه، وهذا هو وجه السنة بين اللغة والإصطلاح، وسمي حقيقة لكشفه عن ذات الشيء ومعناه وسمي ماهية للسؤال عنه بما هو وما.... للسؤال عنه بأي شيء هو ومعنىً لأنَّه يكشف عن معنى الشيء وقسمته على ما اختاره أصحابنا إلى لفظي وهو الشرع، قال المصنف: وهو إيراد لفظ مرادف للفظ آخر أجلي منه عند السائل فقوله: مرادف للفظ آخر أجيز أو من أن يكون مبائناً له كما إذا قال: ما الذابل، فقال السيف، فإنه كشف لفظه بلفظه أجلى عند السائل، لكنه مبائن له، وعن هذا وقع احتراز صاحب الغياصة بقوله على جهة المطابقة والمعتبر في الجلاء بحال السائل وسأله ما أورده في الكتاب.

واعلم أن اللفظي لا يؤتى به إلاَّ لمن عرف المعنى وجهل العبارة وهذا الحد مبني على وقوع المترادف في اللغة وهو صحيح، ووقوعه ظاهر وإن خالف فيه من أئمة اللغة تغلب وابن فارس، وقولهم هو حال عز الفائدة غير صحيح لحصول التوسعة في الروي والرنة، ونحو ذلك، ومعنوي وهو لفظ مركب يكشف عن معنى لفظ مفرد على وجه المطابقة بأن يكون جامعاً مانعاً، وينقسم المعنوي إلى: حقيقي ورسمي. والحقيقي ينقسم إلى: ذاتي، وهو ما يتناول ذاتيان الشيء المقوَّمة لماهيته كقولنا في الجسم أنَّه طويل عريض عميق وإلى ما يجري مجرى الذاتي وهو ما يناوله توابع المحدود ولوازمه الراجعة إلى غيره التي لا يكون هو ما هو إلاَّ بها. مثاله: ما يقوله في حقيقة التكليف هو إعلام الغير بأن له في في أن يفعل إلى آخرها، فهذه أوصاف راجعة إلى الغير، ولكنها أشبهت الذاتيات من حيث أنَّها لا تعقل إلاَّ بها. ومثاله: ما ذكره في الكتاب وهو ما جود من رسم الدار وهو أثرها لما كان تعريفاً بالخاصة اللازمة الَّتِي هي من آثار الشيء، والمثال الذي أورده يجعله أهل المنطق مثالاً للرسم الناقص، فأما الرسم التام فهو عندهم ما نزلت من جنس الشيء فخواصه اللازمة كالحيوان الضاحك في تعريف افنسان وإنَّما سموه تاماً؛ لأنَّه وضع فيه الجنس وقيد بأمر يختص بالمحدود وسموا ما مثل به المصنف ناقضاً لعدم ذكر بعض أجزاء الرسم التام فيه الَّتِي تقع بها المساهمة بينه وبين الحد التام. قوله: وهذه العرصات تنقسم إلى آخره لعلم ان العرصى تنقسم إلى ملازم وغير ملازم والملازم ينقسم إلى ما يلازم في الوجود والعدم كالمماثلة والمخالفة والروحية والفردية للعدد وإلى ما يلازم في الوجود فقط كالظل وغير الملازم ضربان: زائل وغير زائل. فغير الزائل كسواد الغراب، فإنه لا يزايله بعد وجوده وهو غير ملازم؛ لأنَّه يكون في الصغر ولا سواد وما هيته ترتسم في الذهن، وإن قدرنا زوالا سواده. والزائل ينقسم إلى بطئ الزوال

وسريع الزوال، فبطيء الزوال كزرقة العين وصفرة الذهب، فإنهما قد يزولان بعلاج سديد وسريع، الزوال كحمرة الحجل، هي الحاصلة عند .... أو خضر وصفرة الوحل وهو الحزن أو الجواب هذا ما ذكره بعض أصحابنا المتأخرين قوله كالولادة للإنسان والزوجية والفردية للعدد، يقال: اما الزوجية والفردية فصحيح ما ذكر به فيها إذ لا يتصور إنفكاك العدد عنها، وأما الولادة للإنسان فغير لازمة، فإنه يتصور إنفكاكه عنها، وقد وقع ذلك في آدم، وأما المر الثاني فشروطه خمسة، اثنان يعمان اللفظي والمعنوي، وثلاثة تخص المعنوي، أما اللذان يعمان اللفظي والمعنوي، فأحدهما أن يكون الحد أجلى من المحدود؛ لأن العرض بالحد هو الكشف والإبانة وثانيهما أن يكون كاشفاً عنه على وجه المطابقة، فلا يتناول غير المحدود ولا حيل بشيء منه، وأما الشروط الَّتِي تخص المعنوي وأحدها أن يكون مركباً من جنس وفضل، والجنس لفظ مقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان، والفصل لفظ يقال على الشيء في جواب أي شيء هو في ذاته كالناطق بالنسبة إلى الإنسان، وجه اشتراط ذلك أنَّه يكون أقرب إلى الفهم، فيتبين به المحدود للسال درجة درجة، كما إذا سئل عن الأسد فقيل: السبع فتعرف أولاً بذلك أنَّه من نس السباع ثُمَّ تفصله للسائل بأوصافه الأخر عن سار السباع. وثانيها أن يكون مركباً من الجنس البعيد كالجسم بالنسبة إلى الإنسان ويسمى ما كان جنسه بعيداً في عرف أهل المنطق الحد الناقص وسموه ناقصاً لعدم ذكر بعض الذاتيان فيه، والأول الحد التام وسمَّوه تاماً؛ لأن الذاتيان مذكورة فيه بتمامها، ووجه اشتراطه أن الإنسان بالجنس القريب يكون أيسر للسائل وثالثها أن يكون محتناً عن التكرار في المعنى واللفظ؛ لأن الغرض في الحدود هو الإفادة ولا فائدة في التكرار بل ربما يسبق فهم طالب الحد إلى أن فيه فائدة فيكون تلبيساً، وقال بعض المتاخرين: إن هذا الشرط الثالث يعم

اللفظي والمعنوي، وفيه نظر؛ لأن اللفظي إذا كان كشف لفظه بلفظه لم يحتج إلى اشتراط هذا الشرط فيه؛ لأن في تعريفه ما يعنى عنه. وأما الأمر الثالث فاعلم أن طرق صحته ثلاث:
الأولى: أن يطرد وينعكس، قال: أصحابنا والطرد الإبيان، بلفظ المحدود إلى جانب كل، والحد بعد ذلك، والعكس عكسه، مثال الطرد كل جسم فهو طويل عريض عميق، ومثال العكس: كل طويل عريض عميق فهو حسم، فإن أطرد ولم ينعكس ككل حسم فهو طويل عريض أو انعكس ولم يطرد ككل طويل عريض عميق أسود فهو جسيم لم يكن حداً الثانية إلاَّ يثبت لفظ الحد ويبقى معنى المحدود أو يثبت معنى المحدود وينتفي لفظ الحد، فإن كان كذلك فهو غير صحيح، وإن ثبتا معاً أو انتفيا معاً فهو صحيح وصرح في المنتهى وغيره بأن هذا هو معنى الطرد والعكس التالية أن يكون الحد في كشفه عن المحدود قريباً إلى أفهام أهل الفن من علمائهم ومتعلميهم والفرق بين الطرق والشروط من وجهين أحدهما أن الشروط موضوعة تحمله أجزاء الحد المركب هو منها والطرق أمور خارجة عن الحد، وإنَّما هي معبار لطحنه كالميزان في معرفة قدر الموزون ذكر هذا الوجه بعض المتأخرين.
الوجه الثاني ذكره الفقيه محمد بن يحيى بن حنش، والفقيه قاسم أنَّه لا بد في الشروط من اجتماعها بخلاف الطرق فإن إحداها كافي.
قيل: لأنهما يستلزم ثبوت صاحبتها معها وأورد على الطرق اعتراضان:

الأول: على الأوليينِ وهو أننا نركم ما قد أطردوا بعكس، ولم يجر إثبات لفظ الحد ونفي المحدود لا العكس، ومع هذا فليس بحد، وقد قلتم أن الطريق الواحدة كافية في معرفة صحة الحد، وهو كل جسم، فقد علم الله أنَّه جسم، وكل منا علم الله أنَّه جسم، فهو جسم فنلزمكم أن يكون هذا حد للجسم. وأجيب بأنا لم نعتبر الطرق إلاَّ مع اجتماع الشرائط وهي غير مجتمعة هاهنا بل محتلة، وقيل: نحن نلتزم كون هذا حداً صحيحاً وإن كان غيره أوقع وسباق لفظه أعدت وفيه نظر، الإعتراض الثاني على الطريقة الثالثة وهو أن اعتباركم لها في معرفة صحة الحد غير صحيح؛ لأن صحة الحد وفساده تعتبر بإجماع شرائط الصحة فيه واحتلالها لا بما ذكرتموه من كونه أقرب إلى إفهام أهل ذلك الفن، فإن هذا أمر خارج عن الحد وأفهامُ ذَوي الأفهام يختلف قرب كامل الشروط من الحدود حسن التأليف متضح المعنى لا يفهمه ذو اللب السقيم كما قال المتنبي:
وكم من عائب قولاً صحيحاً ... وافيه من الفهم السقيم
ويلحق بها تقدم فائدة وهي مما يحد وما لا يحد، وما يحد بهوما لا يحد به، أما الذي يحد فهو ما كان له معنى خفي. نجيب: أنَّه يعرف تأثير الحد في جلائة، فهذا يجب تحديده. وأما ما لا يحد فهو كأسماء الأعلام لأنها غير موضوعة لمعنى يصح تحديده بها، والحدود موضوعة للمعاني فلا يتصور تحديدها وهاهنا قسم وهو ما يصح أن يحد، ولكن لا حاجة إلى تحديده نحو الأشياء الطاهرة كالسماء والأرض والحجر والسحر وحو ذلك، فإن العلماء يضربون عن تحديد ما هذا سبيله لمعرفتهم بطهوره. وأما ما يحد به فهو كل لفظ جلي له معنى مفرد دل على معنى خفي. وأما ما لا يحد به فهو أسماء الأعلام.
وهاهنا قسم ثالث. وهو ما يحد به في حال دون حال، وذلك كالمجاز والألفاظ المشتركة، فإن حصلت قريبة يفهم بها المعنى المجازي أو يخصص بعض المعاني المشتركة جاز التحديد بها، وإلاَّ لم يجز.
فصل

ولا بد أن ينتهي الإكتسا إلى ضرورة في طرفي التصور والتصديق، أما التصور فلا كلام في أنَّه إذا حد المفرد بلفظ غير متصور ضرورة احتاج إلى أن يحد ذلك الحد مرة أخرى حتَّى ينهى طالب الحد إلى متصور ضروري، وأما التصديق فهو مما اختلف فيه كلام الشيوم، فالذي ذكره أبو هاشم عن نفسه عن أبيه أنَّه ليس يجب في كل علم مكتسب أن يكون له أصل ضروري، وحكى خلاف هذا عن أبي علي، والمحكى عن البغداديين وجوب أن يكون لكل علم مكتسب أصل ضروري، قال الشيخ ابن مثوبة: ....... والصحيح أن يقسم فيقول: إذا جرى في كلام شيوخنا أنَّه يجب أن يكون للمكتسب أصل ضروري فمرادهم في شيء بعينه، وإذا أجازوا خلافه ففي شيء معين أيضاً، ثُمَّ صرح بما حكاه المصنف.
واعلم أن احتجاج ابن مثوبة وهو قوله: لأن إثبات الصانع مستند إلى كون أحدنا فاعلاً لتصرفه، وأنت لا تعرف ذلك ضرورة تقضي بأن الخلاف في المسألة لا تتمحص؛ لأن لا يجهل أنَّه ينتهي إلى ضروري، وإن كثرت مراتبه، فلعله يمكن حمل كلامه على أنَّه لا يجب في الأدلة استنادها إلى أصل ضروري قريب من غير وسائط فيكون كلامه عائداً إلى ما نصره المصنف، ولهذا قال ابن مثوبة في تذكرته: ولسنا نريد أن أصول الأدلة غير معروفة ضرورة حتَّى يحوج إلى إقامة دليل على كل دليل بل أصولها معروفة باضطرار، وإنَّما الغرض هاهنا أنَّه لا يجب في كل حكم ثبت في موضع بدلالة أن يثبت نظيره في موضع آخر ضرورة وكلامه هذا صحيح متفق عليه، فلعل الخلاف لفظي والله أعلم. وقد قال بعض أصحابنا: والأقرب أن الخلاف في أقرب مقدمتي الكتسب، قال: فإنه لا بد أن ينتهي المكتسب إلى ضروري وإن بعد، وإلاَّ استحال وجودده لوقوفه على ما لا يتناهى. قوله: (وإلا لم ينقطع تنقطع المطالبة بما في التصورات ويلم في التصديقات). قال أصحابنا: أمهات المطالب أربع:

أحدها ما يتساءل بها عن المعاني المفردة وجوابها بالتحديد إذا أراد المسؤول إشغاف السائل، فإذا قال: ما الجسم؟ قال: الطويل العريض العميق.
الثانية: لم ـ وهي للسؤال عن الدليل والتعليل ـ كأن يقول قائل: لم كان الجسم محدثاً. فيقول المجيب: لأنَّه لم ينفك عن العراض المحدثة إلى آخره. ولما كان الجسم محتركاً؟ فيقول المجيب: لحلول الحركة فيه.
الثالثة: هل ـ وهي للسؤال عن المركبات، وجوابها بلا أو بنعم، وتقدرير ذلك للسائل بالدليل ـ كأن يقول: هل الله قادر؟ فيقول المجيب: نعم، ونقرره بأن يقول: لأنَّه صح منه الفعل.
الرابعة: أيّ ـ وهي للسؤال عما علمت حملته وجهل تفصيله ـ كأن يقول السائل عند علمه بأن الأسد من السباع ـ أي السباع هو؟ فيجيب المجيب بأن يقول: هو الشجاع العريض الأعالي، وما عا هذه من الألفظان الَّتِي يسأل بها عائداً إليها.
قوله: (واستدلالنا هذا لا شك مستند إلى الضرورة وهي الوجدان من النفس، فإنا حين نظرنا فيه وجدنا أنفسنا عالمة عند النظر فيه برد على هذا سؤال وهو أن يقال: أن هذا الوجدان خارج عما نحن فيه؛ لأن الكلام في منع حوار دليل لا ينتهي إلى أصل ضروري يعرفه المطالب والمجيب، وأما ما ذكرته من هذا الوجدان فهو حاصل من أول وهلة، فإنا حين نظرنا في صحة الفعل علمنا أن الله قادر ووجدنا من أنفسنا إبطال ذلك النظر لنا إلى العلم الذي حصل به سكون أنفسنا، وهذا غير محل النزاع والكلام فيه خارج عما نحن فيه، وليس ينقض لكلام ابن مثوبة والذي أوجبت أن ينهى الخصم إلى ما يعلمه ضرورة، بحيث ينقطع مطالبته بلم، وليس هذا بحاصل هنا، فإنا وإن علمنا من أنفسنا ضرورة أنا حين نظرنا حصل لنا العلم إن صح ذلك فلم يطلع المطالب على ذلك ولا حصل له هذا الوجدان فال تنقطع مطالبته.

فصل
وعلم التصور معدم على علم التصديق.
الكلام في هذا الفصل واضح فإن من لم يعلم ما هية المحدث فحقيقية ولا ماهية العالم وحقيقته ولا ما هية القديم وحقيقته، لم يمكنه أن يحكم على العالم بأنه محدث أو ليس بقديم، فإن معرفته لذلك مع جهل المغررين محال.
فصل
وينقسم علم التصديق إلى: عقلي وشرعي، هو على ما ذكر، وكما مثَّل.
قوله: (وينقسم إلى ما يحصل لا عن طريق كالبديهيَّ وعلم المنتبه) هذان مثالان أفردهما للعقلي الحاصل لا عن طريق أحدهما ضروري، وهو البديهي، وذلك كالعلم بأن العشرة أكثر من الخمسة، ومعنى كونه بديهياً أنَّه معروف ببديهة العقل من غير طريق. وثانيهما استدلاللي كعلم المنتبه من رقدية المتذكر للنظر والإستدلال فإن علمه ...... عن طريق، كما سيأتي بيانه.
ثُمَّ أورد لما يحصل عن طريق أربعة أمثلة، مثالين لما يحصل عن طريق موجبه.
أحدهما: (ضروري وهو العلم الحاصل عند المشاهدة) والمشاهدة تستعمل مفردة ومضافاً إليها، فإذا أفردت فهي الإدراك بإحدى الحواس، هذا في الأصل والأغلب إنَّما يستعمل في الإدراك بحاسة البصر، وإذا أضيف إليها العلم فقيل: علم المشاهدة فالمراد به العلم المستند إلى الإدراك بإحدى هذه الحواس، وفي الأغلب إنَّما يستعمل في العلم المستند إلى الإدراك بحاسة البصر فقط، ذكره السيد الإمام وإيجاب المشاهدة للعلم غيجاب عادي فلا يكاد العلم ينفك عنها وليس بإيجاب تأثير فإن خلق العلم متوقف على اختيار الله، ويصح ألا يوجد الله. العلم للمشاهد لكن لا يصح ذلك مع بقاء كونه عاقلاً؛ لأن من العلم لعقل العلم بالمدركات.

6 / 158
ع
En
A+
A-