افتض الجارية أي اقترعها، وذكر الإمهار ثُمَّ بين أن مهر المشنة ليس كمهر المشبه به، بل صافي الأفكار أي الأفكار الصافية وهي الأنظار الخالصة عن الأكدار الَّتِي لا يشوبها ظن ولا تخمسين بل مقدماتها معلومة باليقين، فلا تصدنك عنه صعوبة مركبة أي لا يصدفنك عن تعلمه واكتسابه ما في ذلك من المشقة والتصعب وعبر ذلك بما مشقته محسوسة وهو يعسر الركوب كما يتعسر ركوب الفرس الصعب ونحوه، والمركب هنا إما بمعنى الركوب، وإما اسم لمكانه وهي طهر المركوب، فأصعب من ذلك عاقبة الجهل به؛ لأن من جهله بالكلية كان كافراً صائراً إلى النار، وأما الجهل ببعض فقد يؤدي إلى الكفر وقد يؤدي إلى الفسق، وكل ذلك عاقبته أصعب وأشق من تحصيل العلم اليقين في هذا الفن الجليل، ولا يلتفت إلى الدين يهون عن تعلمه إشارة إلى قوم يعتمدون في عقائدهم الإلاهية على ظواهر القرآن والحديث ويطرحون ما وراء ذلك ويعقتدون أن الإعتناء بهذا الفن والإشتغال به مما لا يليق وتوقع صاحبه في الخطأ ويعتقدون أن هذه الطريقة منجية وما نظروا إلى شرف هذا العلم وعظم موقعه في الإسلام فإنه يقل إن هارون لما منع عن الجدال في الدين وأمر بحبس أهل هذا الفن كتب إليه ملك السند: إنك رئيس قوم لا ينصفون وشيمتهم تقليد الرجال، فإن كنت على ثقة من دينك فوجه إليّ من أناظره فإن كان الحق معك اتبعناك وإن كان معي اتبعتني، فوجه إليه قاضياً وكان عند الملك رجل من السمنية وهو الذي حمله على هذه المكاتبة، فلما وصله القاضي أكرمه ورفع مجلسه فقال له السمني: أخبروني عن معبودك هل يقدر على أن يخلق مثله، فقال القاضي هذه المسألة من علم الكلام وهو بدعة وأصحابنا فلان وفلان وعد جماعة من الفقهاء ينكرونه فقال السمني: الآن تيقنت يعني الملك ما أخبرتك به من جهلهم وتقليدهم يكتب الملك إلى الرشيد إني كنت بدأتك بالكتاب على غير يقين مما حكى عنكم فالآن تيقنت ذلك بحضور القاضي وحكي له ما جرى فقامت قيامة

الرشيد وقال: ألاَّ مناضل عن هذا الدين فقيل: يناضل عنه الذين منعتهم عن الجدال وفي حبسك جماعة منهم، فأمر بإحضارهم وسألهم عن جواب ذلك السؤال، فقال صني منهم هذا السؤال مجال؛ لأن المخلوق محدث والمحدث لا يكون مثل القديم فقد استحال أن يقال يقدر على أن يخلق مثله أولا يقدر كما استحال أن يقال بقدر أن يكون عاجزاً أو جاهلاً ثُمَّ أنَّه أمر معمراً إلى السند ليناظرهم، فلما قرب محاق السمني الفصحة دس من سمه في الطريق.

قلت: وفي جواب الصني المذكور نظر وكان الأولى أن يقال مثل القديم لا بد أن يقدر قدمه ولا يصح أن يكون مجدثاً ومالا يصح أن يكون محدثاً فلا يصح أن يكون مقدوراً؛ لأن المقدور هو ما يصح فعله ولا بد أن يتقدم وجوده حاله عدم تثبت صحة إيجاده فيها، فإذن ليس مثل القديم مقدوراً بل هو مستحيل وما كان مستحيلاً لم يصح وصف القديم بالقدرة عليه، وقد ورد في الأثر عن أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لله عباداً هم الخصماء للصادين عن دين الله يخاصمونهم بحجة الله هم قادة الحق والدعاة إلى الله والدابون عن جريمة والقائمون بأمره فمن أتبعهم سلم ومن خالفهم خسر أولئك بنيت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً، وإذا تؤمل معنى هذا الخير عرف أن المراد بهم أهل علماء الكلام إذ تلك أوصافهم والله أعلم. ويدعون عظم الخطر في تفهمه. عُظْمِ الشيء كثرته، والخطر له معانٍ المراد منها هنا الإسراف الهلكة، ومن معانيه القدر خَطَرُ الرجل قدره، فلم يجهلوا والله قدره أي لم يحملهم على ذلك التمنِّي وتلك الدعوى جهلهم بقدر هذا الفن وعظيم نفعه، بل ما يأتي ذكره وليس هذا على عمومه فكم جاهل القدرة معتقد لضره غير مطلع على حقيقة أمره ولا جحدوا بذلك، فحده الفخر الإفتخار وعدَّ مفاخرة الآباءة وفيما ذكره بطرقائهم جاحدون لفخره لا محالة إلاَّ أن يريد به لم يحصل لهم ما حاولوه انكتام فخره وسرف محله، أو ممَّن جحدوا معنى ستروا أو غطوا ولكن رأوا بعد شأوة الروية هنا بمعنى العلم والشأو الغاية إلى فوق وعز مناله أي تصعب نيله أو مكان نيله وهو إدراكه فأظهر وانجلد إكراهه وصالة التجلد التكلف والإظهار للجلد وهو الصلابة وهو هنا مفعولا له، والمعنى أظهر وإكراهه هذا الفن والإعتلاق به، والوصال ضد المصارمة تجلداً منهم وبعداً عن الإعتراف بالعجز عن إدراكه لبعد شأوه وتكلموا فيه بلسان قاصر أي تكلموا في النَّهي عنه ودعوى

الخطر فيه والصد عن تعلمه بلسان عاجز عن بلوغ ما أراد وأمن ذلك وقلت حائر أي متحير في أمره.
فهم في ذلك كما قال الشاعر:
وثب الثعلب يوماً وثبة ... طلباً منه لعنقود العنب
ثُمَّ لما لم ينله قال ذا ... حامض ليس لنا فيه أرب
الأرب هنا بمعنى الحاجة فهو سننه حسن ملائم مطابق ولكن الحكم على المنحرفين عن علم الكلام كلهم بأن هذا هو السبب في وضعهم منه وصدهم عن ليس على عمومه، فكم في أولئك من فطن اللبيب ولفظٍ أريب متمكن من خوض غماره والإطلاع على غوامضه وأسراره والله سبحانه أعلم، نعم كما أن النفع بهذا الفن كثير فإن خطر الجهل فيه غير يسير. نعم حرف إيجاب ولها معان أقربها هنا أعلام مستجير كان سائلاً سأله فهل في هذا الفن على كثرة نفعه خطر؟ فقال: نعم كثرة خطره ككثرة النفع فيه فالمقدم عليه كراكب البحر المتلاطم أي الذي تلاطمت أمواجه؛ لأنَّه في تلك الحال ركوبه أخطر ما يكون وذلك لأن الخائض في هذا الفن لا يأمن أن يزل قدمه عن الحق فيه بألا يوفي النظر حقه فيهلك والمحجم عنه في ظلام متراكم أي في جهل متكاثر بعضه فوق بعض ومن ثُمَّ عظم التكليف به والثواب عليه أي ومن أجل كونه يصعب الإقدام عليه ويوقع الأحجام عنه في الهلكة عظم التكليف به في المشقة معظم الثواب عليه لعظم المشقة مع عظم الموقع الموجب له وهو اللطفية الَّتِي هي السبب في إدراك السعادة الأخروية، واستندت الأديان في كل زمان إليه أي ولا حل ما ذكر كامن خطر افقدام عليه والإحجام عنه استندت الأديان إليه فصار إضلالها إذ لا يصح حصولها على الوجه النافع إلاَّ مع حصوله ولهذا ألم يختلف في حق كل شيء وأهل كل سريعة وفيه نظر كأن السبب في استناد الأديان غليه ليس عظيم الخطر فيه بل كون شيء منها لا يصح إلاَّ مع حصوله سواء فرضت سهولته أو صعوبته فستنبذ العاقل أن ينظر فيه نظر متعرف لا نظر متعجرف أي فطريق العاقل الَّتِي يبتغي أن سيلكها نظره في هذا العلم نظر طالب لمعرفة الحق

فيه لا نظر متكبر عن اتباعه أنفة عن أن يكون تابعاً أو خارجاً عن مذهب سلفه أو نحو ذلك ويطلبه طلب متعرف أي طالبٌ للعون من الله لا طلب متعصب لمن سيفه من سلفه والعصب معناه أن يتكلف أن يصير لمن يتعصب له ويحتمي عليه كالعصبة الذين هم قرابة الأب ويوطن نفسه أي يلزمها ويحملها على قبول الحق من حيث ورد من صغير أو كبير فوثب أو يعتد صديق أو عدو وقد أشار إلى ذلك الخبر المآثور حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: <من أتاك بالحق فاقبله ولو كان بعيداً نعيصاً ومن أتاك بالباطل فأردده ولو كان حبيباً قريباً ولا يعتمد في أمر دينه على أحد أي لا يرتكن في شأن دينه على تقليد واحد من الناس فيكون أي فيتسبب اعتماده على التقليد إلى أن يكون قد حقب دينه الرجال أي جعل دينه من الرجال بمنزلة الحقيبة من الجمال وهو وعاء من آدم ونحوه يجعله الراكب خلفه وجمعه حقائب، وذهب معهم من يمين إلى شمال إشارة إلى الخير المأثور عنه صلى الله عليه وآله وسلم: <من أخذ دينه عن أفواه الرجال ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال وكان من دين الله على أعظم زوال فمثله كمثل رجل خلق له عينان فأطبقهما وانخرط في سلك العميان> أي في أمر دينه على غيره تقليداً وتارك طلب اليقين بطراً واستدلالاً كمثل من له عيناه يرى بهما ويدرك المحسوسات فأطبقهما واعتمد على قائد يأخذ بيده لا يدري أيسير به في الطريق أو يرمى به في مرمى سحيق والسلك هو الخيط الذي ينظم فيه اللؤلؤ وغيره، قسم الله لنا من توفيقه الخط الأسنى. التوفيق ما لأجله مفعل المكلف ما يحلفه والخط هو النصيب والأسنى الأرفع تفصيل السني وهو الرفيع وختم لنا ولكل مسترشد بالحسنى أي وجعل خاتمة أمرنا وأمر كل مسترشد أي طالب للرشد وهو نقيس الغي، الحسنى تأنيث الأحسن أي الَّتِي هي أحن الخواتم عند الله.

الكلام في معرفة الصانع:
هذا شروع في الكلام على هذا الفن وبدا منه بالكلام في معرفة الصانع لأنها الغرض المهم من؛ إذ الكلام على ذاته وصفاته أحق بالتقديم من الكلام على عدله وحكمته وفي وعده ووعيده بلا شك لكن لا عينه عن ذكر المقدمات الَّتِي قدمها أو توقف الفن عليها أو استمداده منها ظاهر قوله لما ستعرف من أن علم التصور مقدم على علم التصديق يعني ماذا كان علم التصور متقدماً على علم التصديق، احتيج إلى تقديم معرفة ماهية العلم لتمكنك الحكم عليه بأنه واجب وغير ذلك من الأحكام ومعلوم أنَّه إذا لم يعرف ماهية العلم لم يمكن ذلك فلهذا احتيج إلى تقديم هذه المقدمة وبهذا يعلم أن معرفة الله تجب تقديم الكلام فيها على الكلام في الله قادر ونحوه؛ إذ لا يمكن الحكم بأنه قادر قبل أن تعرف ذاته وتعرف معنى القادر، وهذه قاعدة محتاجة.
قوله: والثانية في وجوب معرفة الله قد وقع في بعض كتب أصحابنا تقديم الكلام في وجوب معرفة الله .... في بعض كتب أصحابنا تقديم الكلام في وجوب النظر وإدخال الكلام في وجوب المعرفة، ضمنا في ذلك، والذي ذكره المصنف أولى لأن المعرفة للأصل في وجوب النظر.
قوله: والرابعة في الدلة لأنهما متعلق النظر لا كلام في أن النظر من التعلقات وأن متلقة الأدلة لا المستدل عليه وللنظر تعلقان:
أحدهما عام وهو تعلق التسمية وهي ما يجده الناظر من الفرق بين ماهو ناظر فيه وما ليس بناظر فيه وثانيهما تعلق خاص وهو تأثيره في كون الإعتقاد الموجب عنه علماً، وقد يوجد النظر غير متعلق، كأن ينظر في هل البقا باق أو غير باق، وحو ذلك، وسيأتي الكلام على المتعلقات.

القول في ماهية العلم وقسمته
هذا هو الكلام على المقدمة الأولى، قوله: وما يتصل بذلك، يعني من الكلام في الحد والرسم وأحكام العلم وبيان أن العلم من قبيل الإعتقاد وبيان ما يعرف به كون الإعتقاد علماً وبيان ما يعرف به سكون النفس وغير ذلك كما سيجيء. قوله: والفقه الذين يجري في كتب أصحابنا أن الفقه فهم معنى الخطاب الذي يدخله بعض غموض فتارة يقولون لغة وتارة يقولون عرفاً، قالوا: ولهذا الإنفعال فقهت أن السماء فوقي، ولا يقال للعم بمعنى قول من قال أن السماء فوقه فقه، قال السيد الإمام: والأصل أن الفقة عبارة عن فهم عرض المتكلم وقد اشار ابن مثوبة إلى ذلك، وذكر أيضاً أن الفهم علم بمعاني الكلام، وقد صار الفقه في الإصطلاح عبارة عن العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدل على أعنانها بحيث لا يعلم ضرورة لكل أحد، ولهذا الحد يفصل موضوعه علم الأصول ومن أسماء العلم ذكاء وفطنة وتحقق ونفس وطلب ودرية، ودراية وإنَّما لم يذكرها المصنف لأن هذه الأسماء تقيد مع معنى العلم معاني أخر، قوله بدليل أنَّه لا يصح إثبات بعضها ونفي البعض إشارة إلى حجة الجمهور على أنَّها أسماء مترادفة وذهب المنطقيون وبعض المتكلمين إلى أنَّها غير مترادفة؛ لأنَّه لا يرادف إلاَّ مع اتحاد المعنى من كل وجه بغير زيادة ولا نقض، وليس هذا حال هذه الألفاظ، فإن الفقه معناه العلم بالحلال والحرام والفهم معناه سرعة العلم، والفطنة العلم بالأمور الغامضة وعلى هذا فقس، والأقوى والله أعلم، ما ينسب إلى الجويني من كونهما في الأصل مترادفة في العرف، صارت لها معانٍ مختلفة فيها اختلاف قوله، وفي الإصطلاح هو الإعتقاد، هذا جنس الحد؛ لأنَّه يدخل فيه سائر الإعتقادات من علم وجهل وتقليد وتنحيب، وهذا تحديد على غير رأي أبي الهذيل؛ لأنَّه لا يجعل العمل إعتقاداً ولا يلزم التحديد بما تشمل المذاهب بل التحديد على ما صح من المذهب وظاهر كلام ابن مثوبة المنع من تحديد العلم بالإعتقاد، قال؛ لأن الإنابة

لا تقع به؛ لأن التساوي يقع بين العلم وبين غيره في كونه اعتقاداً وهو ضعف؛ لأن الحد م نحقه أن يكون مركباً من جنس ووصل وقد حده بما هو أبعد من ذلك وهو المعنى الذي يقتضي سكون النفس، ومثل كلام ابن مثوبة. ذكر السيد الإمام فقال: الشارحون هل يريد أنَّه يبين بياناً كاملاً فمسلم لكن لا يجب عند اهل صياغة الحدود بيان كمال المعنى المحدود بأول لفظه من الحد أو يريد لا يبين بالإعتقاد بعض بيان فليس كذلك بل قد بان بذلك عن جميع سائر أجناس المقدورات. قوله: وقلنا على ما هو به الذي ذكر في لفظ الجد على ما يتناوله قال صاحب العناصة وهو اولى من أن يقال على ما هو به؛ لأن المعتقد على ما هو به، سواء كان الإعتقاد علماً أو جهلاً. قوله: وقلنا مع سكون النفس لتخرج التقليد والتنحيب يعني فإنهما إذا طابقا فسون النفس لا يحصل معهما على الصَّحيح؛ لأن سكون النفس خاصة العلم وذهب الشيخ أبو القاسم إلى أن التقليد إذا طابق الحق فهو علم. قوله: اعتقاد الشيء لمجرد أن الغير قال به. اعلم أن التقليد له حدود كثيرة، وقد قيل فيه قبول قول الغير من غير حجة ولا شبهة رائدة على حال من قلده بقوله من غير حجة احتراز من قبولنا لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه للحجة وهي المعجزة. وقوله: ولا شبهة احتراز من اتباع المخالفين لقادتهم، فإنهم اتبعوهم لشبههم الَّتِي حرزوها فلا يعد تقليداً وقوله زائدة على حال من قلده ليدخل في التقليد اعتقاد من يتبع غيره لما يعتقده فيه من المعرفة والعفاف والفضل والمعنى مقارب. قوله: في حقيقة التنحيب هجوماً وخبطاً لا لأمر يعني لا لحجة ولا شبهة ولا لأن الغير قال به فيخرج سائر الإعتقادات، مثاله اعتقاد أن جبريل في السماء السابعة لا لأمر ونحو ذلك قوله، وأردنا بالمعتقد ما كان شيئاً إلى آخره، اعلم أن المعتقد هو متعلق الإعتقاد ولا يكون متعلقاً للإعتقاد إلاَّ ما أمكنت الإشارة غليه بعدم أو وجود، فإذا كان كذلك

فهو معتقد ومعلوم أن أوجب إعتقاده سكون النفس وما لم يمكن الإشارة غليه بعدم أو وجود فليس بمعتقد ولا معلق، والإعتقاد المتناول له غير متعلق، مثال ما لا متعلق به من العلوم العلم بأن لا ثاني للقديم، فإن هذا علم غير متعلق ولا معلوم له، وقد منعت الحشيدية من أن يؤخذ علم غير متعلق ولا معلوم له، وهو الذي يظهر من كلام أبي القاسم، قالت الأحشيدية: والعلم بأن لا ثاني علم بعدم معدوم، والمنع من وجود علم لا معلق له هو الذي يجري في كلام الإمام يحيى، ودليلهم على أن في العلوم ما لا متعلق له أن متعلق العلم بألا ثاني لا يخلوا ما أن يكون أمراً موجواً ولا معدوماً محال أن يكون موجوداً؛ لأنَّه لا وجود للثاني وهو متعلق به على النفي وليس متعلقاً بالله كما أشار إليه أبو علي في بعض أقواله؛ لأنا نعلمه على سائر أوصافه ولا نعلم هل له ثان أولا وليس له بكونه واحداً حال فيقال: يتعلق به هذا العلم على هذه الصفة، ومحال أن يتعلق بأمر معدوم، وإلاَّ كان يصح وجوده على بعض الوجوه فلم يبق إلاَّ أنَّه لا متعلق له ولا معلوم. قوله ولفظ الإعتقاد والسكون محاز. المجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة والذين وضع له الإعتقاد والسكون ما ذكره من عقد الخبط والسكون المقابل للحركة والعلاقة أن المعتقد كأنه عقد قلبه على ما اعتقده، والساكن النفس كأن قلبه سكن إلى ما اعتقده فلم يتحرك إلى غيره. قوله: لكن إضافته إلى النفس قرينة يعشر بالمراد يعني فلا يقال لم حدّ بالمجاز مع أنَّه نقض في الحد؛ لأنا نقول: إنَّما يكون نقضاً إذا لم يقترن بقرينة موضحة للمراد منه، فأما إذا اقتربت به قرينة صار كالحقيقة بل حقيقة عند بعضهم. قوله: في اعتراض خد أبي الحسين فغير صحيح أي فهذه الدعوى غير صحيحة؛ لأن أحدنا قد يكون عالماً بشيء ثُمَّ يختار الجهل به لشبهة تدعوه إلى ذلك، كما كان في حق ابن الراوندي وغيره، فضلاً عن التجويز فإن أحدنا قد تجوز خلاف ما

علمه قطعاً وفيه نظر. قوله: في المسائل الإستدلالية يحترز عن الضرورية، فإنه لا يجوز أن يختار الجهل بدلاً عن الضروري ولا يجوز خلافه. قوله: وإن أراد يمتنع أحدنا من التجويز أي لا يفعله مع القدرة عليه فغير صحيح أي فالحد غير صحيح؛ لأنَّه يدخل في العلم ما ليس منه وهو اعتقاد جهل بمعتقد اعتقد أن اعتقاده علم، وأنه صحيح، فإن مع اعتقاده هذا في اعتقاده يمتنع من تجويز خلافه مع أنَّه غير علم. قوله: حتَّى يتميز به الظهور الحقيقي وغير الحقيقي أما غير الحقيقي فهو هذا المعنى الذي استعمله فيه أبو الحسين، وأما الحقيقي فالظهور مصدر ظهر الشيء ظهوراً، أي تبين وظهرت على الرجل ظهوراً غلبته وظهرت على البنت ظهوراً أي علوته، ذكره الجوهري والأغلب في الظهور لغة أنَّه الوضوح وأنه يختص المتخيرات.
واعلم أن الإختلاف قد كثر في حد العلم، فمنهم من حده بأنه إثبات الشيء على ما هو به، وهو يبطل بالتقليد، وبان في العلوم ما لا معلوم له، والذي ذكر هذا الحد الشيخ أبو القاسم لمخالفته في هذين الأصلين، وقالت الصفاتية: العلم ما يوجب كون العلم عالماً، وقالت الأوائل: بل إدراك النفس للحق وغير ذلك، ولكها واضحة البطلان، وقد قال الإمام يحيى في التمهيد إنَّما اختلف الناس في حد العلم لبلوغه في الوضوح إلى حد لا يمكن معرفته وبيانه من وجهين:
أحدهما أنا نعلم وجود أنفسنا بالبديهة ومن علم شيئاً بالبديهية أمكنه أن يعلم كونه عالماً به بالبديهية، والعلم بكونه عالماً بذلك الشيء مسبوق بالعلم بحقيقة العلم، فإذاً العلم بحقيقة العلم سابق على علمنا البديهي، والسابق على البديهي أولى بأن يكون بديهياًن فإذاً العلم بحقيقة العلم بديهي.
وثانيهما أن ما عدا العلم إنَّما تكتشف حقيقته بواسطة العلم فما يكون كاسفاً لما عداه كيف لا يكون حقيقية منكشفة بنفسها. انتهى كلامه عليه السلام.

5 / 158
ع
En
A+
A-