فيه نظر لأن السائلين له صلى الله عليه وىله وسلم قريش، وإنَّما اليهود المرشدون لهم إلى السؤال والقصة في ذلك أن قريشاً لما عظم عليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشق عليهم ما جاء به من عند الله أرسلوا النظر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى اليهود بالمدينة يسالانهم عن أمره صلى الله عليه وآله وسلم فقال اليهود لهما: سلوه عن ثلاث إن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فهو متقول سلوه عن فتية ذهبوا في أول الدهر وما كان أمرهم يعنون أهل الكهف، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان خبره، وسلوه عن الروح ما هو فأقبل النضر وعقبة حتَّى قدما على قريش وأخبراهم بما قيل لهم فأقبل قريش إليه صلى الله عليه وآله وسلم وسألوه عن ذلك فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن بإن شاء الله فانصرفوا عنه فمكث صلى الله عليه وآله وسلم خمس عشرة ليلة لم ينزل عليه في ذلك وحي فأرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً واليوم خمس عشرة ليلة فأحزنه صلى الله عليه وآله وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما تكلموا به ثُمَّ جاءه جبريل بسورة الكهف وفيها خبر ما سألوا عنه من الفتية والرجل الطواف وأما الروح فاقتضت الحكمة عدم الإخبار به، فقال تعالى: {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلا}، وقال تعالى لرسوله: {ولاتقولون لشيء إني فاعل ذلك غداً إلاَّ أن يشاء الله}، وفي الكشاف أن اليهود بعثوا إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وأبهم الروح وهو مبهم في التوراة فندموا على سؤالهم.
قوله: (وكذلك قولهم علمت شيئاً معدوماً) يعني ظاهره يقتضي الرجوع إلى شيء معين ومما يمكن الاستدلال به لصحة مذهب المثبتين أنا إذا أردنا إيجاد شيء فإرادتنا متعلقة ولابد من تعلقها بأمر متميز عن غيره يقتضي ثبوته في تلك الحال.
واعلم أن للنافين حججاً وقد ذكرها الإمام يحيى في التمهيد وغيره، فمنها: إن قالوا أن الذوات المعدومة إما أن تكون متناهية أو غير متناهية إن قلتم هي متناهية لزمكم أن تكون مقدورات الباري تعالى متناهية ثُمَّ أنَّه لاقدر يصح الوقوف عليه من ذلك، وإن قلتم غير متناهية فغير متأت لكم لأن الله تعالى لما خلق العالم لم يكن بد من أن تكون الجواهر المعدومة أقل مما كانت فإنا لو صممنا حمله من الذوات إلى جملة أخرى لكان حال تلك الجملة مع غيرها ليس كحالها بانفرادها بل لابد من ظهور التفاوت في زيادتها ونقصانها وكل ما دخلته الزيادة والنقصان فهو مبناه وهذه حجة قوية لايمكن دفعها إلاَّ بما لايخلو عن تكلف كان يبجي الجمهور بأني قولوا بل هي غير متناهية ولانسلم أن يخلق العالم ينتقص الجواهر المعدومة لما ذكرته من أن ما لايتناهى لايدخله الزيادة والنقصان والمثال الذي أوردته إنَّما يتصور ويصح بضم جملة إلى جملة فيما يتناهى وكلامنا فيما لايتناهى، فإن فرضت الكلام فيه لم يسلم ما ذكرته وفيه نظر.
ومنها: أن السواد إذا طرى على البياض فإما أن يبطل ذاته أو يبطل وجوده إن قلتم يبطل ذاته فهو الذي نقول وإن قلتم يبطل وجوده لا ذاته فإما أن يبطله بوجوده وهو محال لأن الوجود لايضاد الوجود أو يبطله بسواديته فيلزمكم أن تكون السوادية مضادة للوجود فيستحيل في السواد أن يوجد لأن ساوديته يجب أن تضاد وجوديته إذ لافرق بين وجود ووجود ولعل الجمهور يجيبون بأنا قنلو بمضاده هية السواد الَّتِي هي صفة مقتضاه له يقتضي جمع الشعاع لهيئة البياض الَّتِي تقتضي تفريقه فطرو السواد لايبطل ذات البياض ولكن يبطل صفته المقتضاه الَّتِي هي الهيئة وإذا بطلت بطل الوجود أو يستحيل ثبوته وثبوت المقتضي هيئة مع عدم حصولها لأن حصو لالمقتضي والشرط وعدم المقتضي محال، وإذا كان كذلك وجب انتفاء الوجود لئلا يؤدي استمراره إلى ما لايجوز من ثبوت المقتضي والشرط مع عدم المقتضي وهذا فيه تعسف ويؤدي إلى أن عدم الشرط مسبب عن عدم المشروط وتابع له وهو عكس ..... الشرط والمشروط فلا يصح.
ومنها: أن مقالتكم هذه تمنع من كون الباري تعالى موجداً للموجودات وهذا خطأ لأنكم إن جعلتم تأثيره في الذوات فهي عندكم ثابتة في الأزل غنية عن التأثير فيها، وإن جعلتم التأثير في الوجود فغير صحيح لأنَّه عندكم صفة والصفات لاتوصف بأنها مقدورة ولامعلومة ولعلهم يجيبون بأنا لانسلم ذلك بل نقول يختص تأثيره تعالى بإخراجها من العدم إلى الوجود وإكساب هذه الذوات هذه الصفة ولامانع من ذلك فإن من مذهبكم أن الأعراض وصفات الأجناس صفات بالفاعل يؤثر فيها القديم تعالى.
وأما قولكم أن الصفات غير مقدورة فذلك لاغرض لكم فيه يجعل المقدور نفس الذات الَّتِي يصح إكسابها صفة الوجود إذ حقيقة المقدور ثابتة فيها ويلزم على قولكم هذا ألا يكون للعباد مقدور لأنكم تجعلون الأعراض صفات ولا تثبتون إلاَّ ذات القديم وذات الجوهر وقد قلتم بأن الصفة غير مقدورة وأما قولكم أنَّها غير معلومة فإن أردتم قبل إيقاع الذات عليها فمسلم ولا مانع من ذلك، فإنكم مع نفي ثبوت الذوات وقولكم بأن تأثيره تعالى في نفس الذات لابد لكم من القول بأنها غير معلومة قبل الإيجاد وإن لم يسلموه فهو لازم لكم كما تقدم وإن أردتم أنَّها غير معلومة بعد إيقاع الذات عليها فلا ..... لكم في ذلك مع أنَّها بعد حصولها يعلم الذات عليها.
ومنها: أن الوجود لو لم يكن نفس الذات وكان صفة ومزية لها على ما يقولونه لكان العلم بوجود الأشياء نظرياً لاضرورياً وهذه سفسطة، وإنَّما قلنا أنه يلزمكم ذلك لأنَّه إذا كان صفة زائدة كان يلزم عند مشاهدة الذات أن يتوقف العلم بوجودها على اكتساب تصور الوجود واكتساب التصديق باتصاف الذات به فيكون العلم بوجود الأشياء نظرياً، وإنَّما قلنا بأنه ضروري لأنا إذا شاهدنا جسماً أو عرضاً علمنا ضرورة وجوده، والذي علمناه حصوله وثبوته.
ويمكن الجواب بأن العلم بالشيء تفصيلاً على جهة الاكتساب لايمنع من علمه على سبيل الجملة ضرورة، ونحن نقول: بأنا عند مشاهدة الجسم نعلم ضرورة وجوده على سبيل الجملة ونعلم حصوله على صفة الوجود واختصاصه بها لكونه متحيزاً وقد علمنا أن شرط التحيز هو الوجود ولامانع من ذلك فإنا عند مشاهدة الجسم ذي اللون نعلم لونه على سبيل الجملة ضرورة مع أنا لانعلم أن لونه ذات مستقلة إلاَّ بالاستدلال وكذلك لايعلمونه صفة بالفاعل إلاَّ بالاستدلال وكذلك المدعي لكونه بعض الجسم فهلا علمنا الوجود على الجملة ضرورة وإن لم نعلم أنَّه صفة زائدة أو نفس الذات إلاَّ بالاستدلال وقول الإمام يحيى عليه السلام في هذه الحجة لأنا إذا شاهدنا جسماً أو عرضاً إلى آخره يلزم منه كون العرض ذاتاً وهو لايقول به.
ومنها: أن قولكم هذه تقتضي أن يكون مع الله تعالى في الأزل أشياء وهو خرم لقاعدة التوحيد، وأجاب الحاكم بأنا نقول أنَّه تعالى يعلم الأشياء ولايقول معه أشياء لأن مع للمقارنة فيقتضي الوجود.
ومنها: قوله تعالى {وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً}، وقوله عليه الصلاة والسلام: <كان الله ولاشيء ثُمَّ خلق الذكر>.
وأجاب أصحابنا بأن هذا معارض للدلالة القاطعة فيجب تأويله فنقول: أما قوله تعالى: {ولم تك شيئاً} فالمراد ولم تك شيئاً موجوداُ ينتفع أو ينتفع به لأن ذلك من توابع الوجود أو يكون المراد لم تكن شيئاً مذكوراً كما قال في آية أخرى وذلك لن الكلام ورد للامتنان ولا منه في أن يسمى شيئاً وكذلك الحديث إن صح فالمراد ولاشيء موجود ولامانع من أن يورد الإسم لبعض ما يستعمل فيه.
فصل
قوله: (إذا ثبت أن المعدوم شيء فكلما كان من الألفاظ لايفيد الوجود لفظاً).
يعني كموجود ولامعنى يعني كمحدث وقديم وباق ومعاد فإن هذه تفيد الوجود مع وجه زائد فمحدث يفيد الوجود بعد عدم وقديم يفيد الوجود في الزل وباق يفيد استمرار الوجود وقتين فصاعداً، ومعاد يفيد حصول وجوده بعد عدم تقدمه وجود.
قوله: (جاز إطلاقه عليه في حال العدم) كقولنا جوهر ولون ونحو ذلك من الأسماء الَّتِي لاتفيد إلاَّ بأنه نوع من نوع ككون وطعم ورائحة وتأليف وحياة وشهوة وقدرة وبالجملة كلما كان من أسماء الأجناس لايفيد الوجود لأن قولنا: جوهر لايفيد إلاَّ أنَّه شيء متحيز عند الوجود وكذلك قولنا: لون لايفيد إلاَّ أنَّه شيء يكون هيئة لمحله عند وجوده وكذلك قولنا كون لايفيد إلاَّ أنَّه يوجب كون محله في جهة عند وجوده وكذلك سائرها بخلاف ما كان من أسماء الأجناس يفيد الوجود على وجه فإنه لايجوز إجراؤه حال العدم نحو قلنا في التأليف البزاق ومماسة وصكة وخشونة ولين وفي الشهوة جوع وعطش وعشق وكقولنا قدرة على الكون فإن تعليقها بالكون يفيد وجودها، إذ لايتعلق بالكون إلاَّ بعد الوجود وكقولنا جسم فلا يجوز إجراؤه على مسماه حال العدم، لأن الجسم لا بد فيه من تأليف مخصوص بأن يكون في جهة الطول والعرض والعمق، وكذلك شخص ونحوه: كجرم وجائي وذاهب وآكل وشارب.
وقد ذهب أبو الحسين الخياط إلى أن المعدوم يجوز تسميته جسماً وحكي عن قوم أنَّه يوصف في حال العدم بأنه جسم وجرم ويوصف بالمجيء والذهاب والأكل والشرب، وهذا إفراط في إثبات الذوات في العدم وعلو جاوز الحد، وأعظم من ذلك تجويز بعضهم رجلاً راكباً على فرس في العدم، فأما أبو القاسم فقد ذهب إلى أنَّه لايسمى في حال العدم جوهراً ولاعرضاً بل يسمى شيئاً ومعلوماً ومخبراً عنه ومقدوراً ونحو ذلك، وكلامه أرجح وأوضح والله أعلم.
الكلام في التوحيد
قوله: (والتحريك ليس عبارة عن الحركة وإنَّما هو عبارة عن فعل الحركة).
فيه سؤال، من وجهين:
أحدهما أن يقال: ظاهره إثبات قسم غير الحركة والمتحرك والمحرك، وهو التحريك الذي جعلته فعل الحركة فما أردت به؟
ويجاب عنه: بأن المراد به إيجاد الحركة.
وثانيهما: أنا لانسلم فرق أهل اللغة بين التحريك والحركة لأنهم لايعقلون كون الحركة معنى ولايفصلون بينهما والحد لغوي لا اصطلاحي.
قوله: (وفي اصطلاح المتكلمين هو العلم بالله). أي بذاته حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وإلاَّ فإن كل واحد من علوم التوحيد علم بالله تعالى.
وقوله: (وما يجب له من الصفات) تشمل الصفات الذاتية كالصفة الأخص والمقتضاة ومن جملتها كونه تعالى مدركاً لأنها واجبة مقتضاة وإن كان وجوبها عقيب استحالة ويخرج بهذا القيد كونه مريداً وكارهاً لنهما جائزتان في حقه تعالى وقد جعلهما رحمه الله من مسائل التوحيد اللهم إلاَّ أن يكون مراده وما يجب إثباته له تعالى من الصفات فهما يدخلان على هذا.
وقوله: (وما يستحيل عليه منها). يدخل فيه العلم بنفي أضداد الصفات الثابتة له تعالى عنه ونفي الحاجة والجسمية والرؤية.
قوله: (وأنه لاثاني له يشاركه في ذلك) أي في صفاته الإثباتية ...
وقوله: (على الحد الذي يستحقه) يحترز من مشاركة الواحد منا له تعالى في نفس القادرية والعالمية والحيية والوجود فإنه وإن شاركه فيها فلم يشاركه فيها على الحد الذي يستحقه وهو الوجوب.
واعلم أن التوحيد فيحق الله تعالى بالنظر إلى ما وضع له في اللغة ليس إلاَّ نفي الثاني لكنه قد صار بالاصطلاح موضوعاً لما ذكره كله، ومن أصحابنا من جعل صدر الحقيقة ألا ثاني له تعالى، وهو السيد الإمام ومنهم من جعله آخر الحقيقة وقربه بعبارة توهم أنه غير أصل في التوحيد، وإنَّما يدخل فيه وينضم إليه وهو الشيخ أحمد بن الحسن، واختار المصنف جعله آخر الحقيقة لتأخره في العلم، وعلى حسب ترتيب المسائل وحذف تلك العبارة الموهمة.
فصل
قوله: (ومضمون هذا الباب) إلى آخره.
يعني باب التوحيد وهذا الفصل يشتمل على تعداد مسائل هذا الباب وتعيينها وذكر طرف من الخلاف فيها وترتيبها.
أما تعدادها فهي خمس عشرة مسألة.
وأما تعيينها فقد عين المصنف منها أحد عشر مسألة وأهمل أربعاً كونه موجوداً لدخولها في مسألة قديم والصفة الأخص وكونه مريداً وكارهاً وهما جائزتان غير واجبتين إلى ... لكونها تتصل بالصفات الأربع المقتضاة عنها وتتبعها وكان الأولى ذكرها.
قوله: (وما يتصل بكل واحد من هذه المعارف). يعني من حكاية مذهب أو ذكر شبهة أو سؤال وجواب أو إدخال فائدة أو تقعيد قاعدة كالكلام في الصفات والأحكام أو تفريع كالكلام في جيري عليه تعالى من الأسماء ويقيد الصفات المذكورة.
وأما الخلاف في تعداد هذه المسائل فقد ذهب الجمهور إلى أن صفات الإثبات ثمان وهي كونه قادراً وعالماً وحياً ومدركاً وقديماً ومريداً وكارهاً والصفة الأخص وأما كونه موجوداً فداخل في كونه قديماً وكونه سميعاً بصيراً راجع إلى كونه حياً وإنَّما يفيد زيادة قيد وهو كونه لا آفة به وذهب أبو علي إلى أنَّها سبع لنفيه الصفة الأخص.
وقال أبو القاسم: بل صفات الإثبات أربع وحذف الصفة الخص وكونه مدركاً مريداً كارهاً.
وقال أبو الحسين وابن الملاحمي: بل صفاته الإثباتية ثلاث كونه حياً وقادراً وعالماً، وإن كان هذه الصفات الثلاث المرجع بها عندهما إلى أحكام كما سيأتي، فالأحكام صفات بالمعنى الأعم وإنَّما اقتصرا على هذه الثلاث لأنهما لايثبتان الصفة الأخص والوجود عندهم نفس الذات وكونه مدركاً المرجع به عندهما إلى كونه حياً وكونه مريداً وكارهاً المرجع بهما عندهما إلى الدواعي والصوارف فهما من باب العالمية.
فأما مسائل النفي فهي أربع باتفاق بين العدلية وهي المذكورة في الكتاب، وأما أضداد صفات الإثبات فهي لاتفتقر إلى أفرادها بالذكر لأن أدلة الصفات الثابتة كافية في نفي ما عاكسها.
وأما ترتيبها فاعلم أن مسائل الإثبات مقدمة على مسائل النفي لأن الإثبات أهم من النفي وأحوج إلى الإستدلال فلا بد لكل مثبت من دليل علىما أثبته ونجد كثيراً من المنفيات لايحتاج إلى دليل ولأن في مسائل الإثبات ما هو الأصل في مسائل النفي كمسألة إثبات الصانع فإن من لم يعلمه تعالى لم يمكنه نفي صفة عنه وفيها ما هو دليل عليها فإنا إذا أردنا الاستدلال على أن الله تعالى غني قلنا: قد ثبت أنَّه تعالى حي لس بمحتاج، ومسألة حي من مسائل الإثبات وإذا أردنا الاستدلال على أنَّه لايشبه المحدثات قلنا لو أشبهها تعالى عن ذلك لكان محدثاً مثلها وقد ثبت أنَّه تعالى قديم وكونه قديماً من مسائل الإثبات، وإذا أردنا الاستدلال على أنَّه تعالى لايرى قلنا لو صحت رؤيته في حال من الأحوال لرايناه الآن لأنَّه موجود والحواس سليمة والموانع مرتفعة وكونه موجوداً من مسائل الإثبات، وإذا أردنا الاستدلال على أنَّه لا ثاني له. قلنا: لو كان معه تعالى ثان لشاركه في القدم وكونه قديماً من مسائل الإثبات.
فقد عرفت دلالة كونه حياً وموجوداً وقديماً على مسائل النفي وتوقف مسائل النفي عليها، فيجب تقدمها عليها، وكذلك كونه قادراً وعالماً يجب تقدمهما من هذا الوجه لأنهما دليل كونه حياً وموجوداً، وإذا وجب تقديم الدليل فأولى ما يدل عليه وما عدا هذه المسائل من مسائل الإثبات فهذا الوجه لايشملها ولأن الصفات الإثباتية صفات بالمعنى الأعم والمعنى الأخص، وصفات النفي جميعها صفات بالمعنى الأعم فقط، فتكون مسائل الإثبات أجدر بالتقديم من مسائل النفي للوجوه المذكورة وأما ترتيب صفات الإثبات بعضها على بعض وصفات النفي كذلك فسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
القول في أن للعالم صانعاً
لاكلام في وجوب تقديم هذه المسألة على سائر مسائل الإثبات إذ الكلام على كل واحدة منها لايتأتى إلاَّ بعد تحقيق هذه المسألة فإنه قد تقرر وثبت أنَّه لايمكن العلم بالحال إلاَّ مع العلم بالذات والمراد بالعالم المخلوقات من السموات والأرض والحيوانات وغيرها.
قال الجوهري: العالم الخلق والجمع العوالم، والعالمون: أصناف الخلق.
قلت: أراد بالخلق المخلوق.
قوله: (قد اتفق الناس على أنه لابد من مؤثرٍ ما. اختلفت أصحابنا هل من العقلاء من ينكر أن للعالم مؤثراً ويزعم أنه حاصل لاعن تأثير، مؤثراً ولايوجد في ذلك مخالف على الجملة وإنما الخلاف في التفصيل وهو هل هو المؤثر فاعل مختار أو موجب، فقال قاضي القضاة: لايوجد من قال بنفي المؤثر في العالم جملة وتفصيلاً، وقال القول بنفي المؤثر جملة تشبه مذهب السوفسطائية خلا أنه حدث جماعة من الوراقين وضعوا مقالة لم نذهب إلياه أحد فقالوا: بأن العالم قديم ولامؤثر فيه و.... هذا القول ... وابن الروندي وهكذا ذكر الفقيه حميد وابن الملاحمي وأشار إليه صاحب المحيط وبنى عليه المصنف والذي عليه الجمهور أن الخلاف واقع في المؤثر جملة كما أنه واقع فيه تفصيلاً وأن من الناس من لم يثبت مؤثراً قط فقد روى نفي المؤثر عن الملحدة والدهرية والفلاسفة المتقدمين والطبايعية، وقال القاضي: لم ينف الفلاسفة القدماء إلا المؤثر المختار دون الموجب.
قوله: (وبعض عباد الأصنام). هؤلاء فرقة منهم أقرت بالله تعالى وبالبعث والرسل وعبدوا الأصنام معتقدين أن عبادتها تقربهم إلى الله.
قوله: (فقال أهل النجوم التأثير لها ولحركاتها).