قلنا: مع صحة العدم عليه احتراز من الباري فإنه وإن كان لايشغل الحيز فإنه لايصح العدم عليه.
قوله: (وهو اثنان وعشرون جنساً).
اعلم أن في إثبات الأعراض خلافاً بين المتكلمين وبين المثبتين لها خلافاً أيضاً فالخلاف فيها من جهتين، الجهة الولى: ذهب جمهور الزيدية والمعتزلة والمجبرة إلى أنَّها ذوات مستقلة في المعلومية وذهب الشيخ أبو إسحاق بن عباس وأبو الحسين وابن الملاحمي والإمام يحيى إلى أنَّها صفات وأحوال بالفاعل وذهب بعض الفلاسفة والأصم وحفص وهشام إلى أنَّها ليست بأمور زائدة على الجسم.
الجهة الثانية: ذهب الجمهور من ثبتها إلى أنَّها اثنان وعشرون جنساً وهي الَّتِي عدها المصنف، وخالف بعضهم في الزيادة وبعضهم في النقصان، أما الزيادة فذهب أبو علي إلى أن الموت والعجز والعزم والغم والسرور والحاجة أجناس مستقلة وكذلك الشبع والري، ووافقه أبو هاشم وأبو القاسم فيهما وكذلك السهو ووافقه أبو هاشم فيه وكذلك الشك وقال: بأن الكلام جنس غير الصوت. وقال أبو الهذيل المباعدة معنى غير الافتراق، وزاد القاضي اللطافة وزاد أبو القاسم اللين والخشونة، وقال: هما غير التأليف وزاد أيضاً الخفة فجعلها معنى مقابلاً للنفل وغير ذلك من الخلاف، وأما النقصان فقال بعضهم: ليس الفناء معنى. وقال أبو هاشم: ليس الظن جنساً برأسه من قبيل الاعتقاد. وقال النظام: ليس الثوت معنى بل هو من قبيل الأجسام. قال الإمام يحيى: وهو وهم في النقل عنه وأظن أن سبب الوهم أن النظام لما كان يذهب إلى أن الصوت لايدرك إلاَّ بوصول الهواء الحاصل له إلى الصماخ ظن الناقل لذلك أنَّه يذهب إلى أنَّه جسم. انتهى.
وبعضهم يذهب إلى أن التأليف المرجع به إلى المجاورة، والبغداديون جعلوا الشهوة والإرادة جنساً واحداً والنفرة والكراهة جنساً واحداً، وللكلام في الدل على إثباتها على التفصيل وإبطال قول المخالفين في النفي والزيادة والنقصان مواضع هي أخص بذلك في فن اللطيف.

إذا عرفت ذلك فمن اللائق ذكر حقائق هذه الأجناس المذكورة وطرف من أحكام كل جنس منها على انفراده قد ذكر أصحابنا لها حقائق وضعوها للإيضاح وتقريب المعنى وإن لم تكن كلها جارية على مايعتبره أهل صناعة الحدود ولاجامعة لشرائط الحد وطرقه وهي ما نذكره الآن:
فاللون، حقيقته: المعنى الذي يكون هيئة لمحله. وقيل: المعنى المدرك بحاسة البصر، وأنواعه خمسة: أسود ويؤكد بحالك، وأبيض ويؤكد بيقق، وأحمر ويؤكد بقاني، وأخضر ويؤكد بباضر، وأصفر ويؤكد بفاقع، هذه أنواعه الخالصة ولاسادس فيما علمنا وإن كان يجوز دخوله في المقدور.
والطعم حقيقته: المعنى الذي يدرك باللهوات وأنواعه خمسة حلاوة وحموضة وهما ظاهران ومرارة كطعم الصبر وملوحة كطعم الملح وحرافة كطعم الفلفل والزنجبيل ونحوهما.
والرائحة حقيقتها المعنى المدرك بالخيشون وينقسم إلى رائحة طيبة ورائحة خبيثة ويتميز كل واحدة من الروائح بحسب ما تضاف إليه.
والحرارة حقيقتها: المعنى المدرك بمحلالحياة في غير محلها.
والبرودة: حقيقتها كذلك والتفرقة بينهما ضرورية.
فمن أحكام اللون أنَّه مدرك وذهب أبو القاسم القرميسي إلى أن الألوان غيرم دركة وإنَّما المدركة المتحيز وعاكسه الصالحي فقال المدرك اللون لا المتحيز والصحيح أنهما معاً مدركان.
وأنه باق، وأنه غير موجب، وأنه يدخل فيه التماثل والتضاد دون الاختلاف من غير تضاد وأنه لايوجد إلاَّ في محل ويشاركه في هذه الأحكام الطعم والرائحة والحرارة والبرودة.
والرطوبة، حقيقتها: المعنى الموجب انغماز المحل ومن أحكامها أنَّها باقية غير مدركة خلافاً لأبي علي موجبة لحكم يدخلها التماثل دون الاختلاف، والتضاد ذكره بعض أصحابنا واختلف كلام أبي هاشم في ذلك وتوقف ابن متويه والأقرب أنَّها مختلفة إن لم تكن متضادة ويستحيل وجودها لا في محل.
واليبوسة المعنى الموجب لنبو المحل وهي تشارك الرطوبة في تلك الحكام إلاَّ أنَّها متماثلة.

والشهوة: المعنى الموجب كون لاحي بحياة مشتهياً ومن أحكامها أنَّها غير مدركة وغير باقية وموجبة صفة للحملة ويدخلها التماثل والاختلاف، دون التضاد وتحتاج إلى محل فيه حياة مبني بنية مخصوصة كبنية القلب ولم يقطع ابن متويه على ذلك بل توقف فيه.
والنفرة المعنى الموجب كون الحي بحياة نافراً و تشارك الشهوة في تلك الأحكام.
والحياة: حقيقتها المعنى الموجب كون الواحد منا حياً أو المعنى الموجب كون الأجزاء الكثيرة في حكم الشيء الواحد ومن أحكامها أنَّها باقية غير مدركة موجبة صفة للجملة يدخلها التماثل دون الاختلاف والتضاد وتحتاج إلى محل مبني بنية مخصوصة.
والقدرة: حقيقتها: المعنى الموجب كون الحي بحياة قادراً ومن أحكامها أيضاً باقية غير مدركة موجبة صفة للجملة يدخلها الاختلاف دون التماثل والتضاد وتحتاج إلى محل مبني بنية زائدة على بنية الحياة.
والفناء: حقيقته المعنى الموجب عند وجوده انتفاء الجواهر ومن أحكامه أنَّه غير باق غير موجب ويدخله التماثل دون الاختلاف والتضاد ويستحيل وجوده في محل وتوقفوا فيه هل يصح أن يدرك أو لا.
والكون: حقيقته المعنى الموجب كون محله كائناً في جهة ومن أحكامه أنَّه باق غير مدرك خلافاً لأبي علي فإنه ذهب إلى أنَّه مدرك ويوجب لمحله صفة ويدخله التماثل والتضاد دون الاختلاف من غير تضاد ولايوجد إلاَّ في محل.
والاعتماد، حقيقته: المعنى الموجب بدافع المحل في بعض الجهات وينقسم إلى لازم ومجتلب واللازم ينقسم إلى علوي كاعتماد النار وسفلي وهو النقل كاعتماد الحجر والمجتلب يقع في الجهات الست ومن أحكام الاعتماد أنَّه غير باق في جنسه وإن صح بقاء اللازم منه لاقتران الرطوبة واليبس ولامدرك وإن خالف أبو القاسم فقال بإدراكه لمساً يوجب لمحله حكماً ويدخله التماثل والاختلاف دون التضاد ولايوجد إلاَّ في محل.

والتأليف، حقيقته: المعنى الموجب لصعوبة التفكيك عند مقارنة الرطوبة واليبوسة بحدوثه ومن أحكامه أنَّه باق غير مدرك خلافاً لأبي علي، ويوجب لمحله حكماً، ويدخله التماثل دون الاختلاف والتضاد، ويستحيل وجوده إلاَّ في محلين.
والصوت، حقيقته: المعنى المدرك بحاسة السمع ومن أحكامه أنَّه مدرك غير باق وغير موجب ويدخله التماثل والاختلاف دون التضاد ويستحيل وجوده لا في محل.
والألم، حقيقته: المعنى المدرك بمحل الحياة في محلها مع مقارنة النفرقة فإن قارنت جنسه الشهوة فهو اللذة ويشارك الصوت في تلك الأحكام إلاَّ واحداً وهو أنَّه يدخله التماثل دون الاختلاف والتضاد.
والاعتقاد، حقيقته: المعنى الموجب كون الواحد منا معتقداً وقد تقدم ذكر أنواعه ومن أحكامه أنَّه غير باق موجب لصفة ومنه ما يوجب مع الصفة حكماً، غير مدرك، يدخله التماثل والاختلاف والتضاد ، لايوجد إلاَّ في محل فيه حياة مبني بنية مخصوصة.
والإرادة، حقيقتها: المعنى الموجب كون الحي مريداً ومن أحكامها أنَّها غير باقية موجبة لصفة غير مدركة خلافا لأبي علي ويدخلها التماثل والاختلاف دون التضاد ويصح وجودها في محل وفي غير محل.
والكراهة، حقيقتها: المعنى الموجب كون الحي كارهاً وتشارك الإرادة في تلك الأحكام.
والظن، حقيقته: المعنى الموجب كون الواحد كارهاً ويشارك الإرادة في تلك الأحكام إلاَّ واحداً وهو أنَّه لايصح وجوده إلاَّ في محل.
والفكر، حقيقته: المعنى الموجب كون الواحد منا متفكراً وأحكامه كأحكام الظن.
تنبيه
قد عرف بما ذكر تسمية كل عرض معنى ولهذا جعل لفظ المعنى جنساً لحقائقها والمعنى في اللغة المراد من غنيت كذا أي أردته وفي الاصطلاح الذات استعمل أولاً في كل ذات ثُمَّ قصروه على الأعراض وعليه تثبت هذه الحقائق وقد تقصر في اصطلاح خاص على المعاني الموجبة.
قوله: (وينقسم إلى مقدور لله تعالى فقط).

وهي الاثنا عشر الأولة هذا هو الصَّحيح وذهب أبو القاسم وغيره من أصحابه إلى أن اللون والحرارة والبرودة والشهوة والنفرة من مقدورات العباد وحكى عن أبي الهذيل مثل ذلك في الحرارة والبرودة.
قوله: (وإلى مقدور للعباد).
اعلم أن المراد أنهم يقدرون عليها وليس المراد أنَّه لايقدر عليها إلاَّ هم فإن الباري تعالى يقدر من أجناسها في الوقت الواحد وفي المحل الواحد على ما لانهاية له.
قوله: (وإلى ما يوجب وهو سائرها).
اعلم أن غير المدركات منها ما يوجب صفة وحكماً وليس إلاَّ العلم فإنه يوجب سكون النفس وكون من اختص به عالماً. ومنها ما يوجب صفة فقط: وهي ما عداه من المعاني الراجعة إلى الجملة والأكوان فقط مما يرجع إلى المحل، ومنها ما يوجب حكماً فقط: وهو التأليف فإنه يوجب حكماً وهو صعوبة التفكيك والاعتماد فإنه يوجب حكماً وهو مدافعة محله لما يماسه والرطوبة فإنها توجب حكماً وهو انغماز المحل واليبوسة فإنها توجب حكماً وهو نبو المحل.
قوله: (وينقسم إلى باقٍ..) إلى آخره.
اعلم أن جميع مقدورات العباد العشرة غير باقية إلاَّ الكون والتأليف وجميع ما يختص تعالى بالقدرة عليه باق إلاَّ الشهوة والنفرة والفناء ولم يعد المصنف الرطوبة واليبوسة من الباقيات والظاهر من كلام الجمهور أنهما باقيتان لأن دليلهم على بقاءجميع الباقيات شامل لهما وإن كان قد يخص البعض أدلة على انفراده وهو عدم انتفائها إلاَّ بضد أو ما يجري مجراه.
قالوا: الاعتماد في جنسه غير باق، ولكن إذا صادف حال حدوثه حدوث الرطوبة منعته من العدم وكان اعتماداً لازماً باقياً سفليا وإذا قارنته اليبوسة كان لازماً باقياً علوياً وهذان الجنسان من الاعتماد اللازمان سفلاً وعلواً من فعل الله تعالى ويصح وقوعهما منا على ضرب من التقدير وهو أن يصادف فعلنا للإعتماد حدوث رطوبة أو يبوسة.
قوله: (إلى غير ذلك من القسمة).

اعلم أن للأعراض قسماً كثيرة موضع استيفائها علم اللطيف وقد ذكر ابن متويه رحمه الله منها كثيراً ومن ذلك انقسامها إلى شرط ومشروط فيه، وإلى ما ليس بشرط ولامشروط فيه، وإلى مشروط فيه غير شرط، وإلى شرط غير مشروط.
فالأول: كالحياة فإنها شرط في وجود العلم وغيره مشروط بالبنية.
والثاني: المعاني الراجعة إلى المحل كالأكوان والألوان.
والثالث: العلم والإرادة والكراهة ونحوها فإنها مشروطة بالحياة وهي غير شرط.
والرابع: البنية فإنها شرط في الحياة غير مشروطة بشيء.
وينقسم إلى سبب ومسبب وهو الاعتماد والكون ومسبب غير سبب وهو التأليف والصوت والألم العلم، وإلى سبب غير مسبب وهو النظر إلى ما ليس بسبب ولامسبب وهو سائرها على الصحيح.
فصل
قوله: (والمعدوم شيء عند الجمهور).
اعلم أن مذهب الجمهور من الزيدية والمعتزلة أن المعدوم شيء وأن في العدم ذوات ثابتة لا نهاية لها وخالف من شيوخ المعتزلة من ذكره المصنف ومن غيرهم الدهرية والفلاسفة المتقدمون وبعض الفلاسفة الإسلاميين وذهب من أئمتنا إلى نفيها الإمام عماد الإسلام وقال في التمهيد: ذهب المحققون من جماهير العلماء إلى أن المعدوم ليس بشيء ولا عين ولا ذات في حال عدمه وإنَّما هو نفيم حض والله تعالى هو الموجد للأشياء والمحصل لذواتها وحقائقها.
قلت: وهذا هو الحق الذي لاريب فيه ولعمري أن إثبات ذات العدم لها صفة وأحكام ويتعلق بها بعض المتعلقات مما لاينبغي أن يكون معقولاً وأنه أبعد في التعقل من الطبع والكسب ونحوهما.
وههنا جهة أخرى من الخلاف:
ذهب جمهور المثبتين للذوات في العدم إلى أن الصفات الذاتية تثبت لها في حال عدمها، وقال أبو إسحاق..... مع اعترافه بأنها أشياء وذوات لايستحق في حال عدمها شيئاً من الصفات وسيأتي تحقيق ذلك في فصل الصفات.
قوله: (وقال أبو القاسم شيء وليس بذات).

اعلم أنَّه لافرق بين قول أبي القاسم وقول من نفى الذوات في حالة العدم لن مراده أن المعدوم شيء من جهة اللغة ولاخلاف في ذلك لأنَّه ذات يصح العلم به على انفراده.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن هذه قاعدة تنبني على صحتها كثير من مذاهب البهشمية والدلة فيها متصادمة من الجانبين وكثير من الذاهبين إلى النفي يشنعون في الإثبات ويزعمون أنَّه في غاية الخطر لن فيه نفي تأثير الباري في الذوات وكثير من الصفات بل إثبات ذوات لانهاية لها معه في الأزل حتَّى أن منهم من يقول لافرق بين القول بإثبات الذوات في حالة العدم وإثبات المجبرة للمعاني القديمة في شناعة القول وخطره وظهور بطلانه.
قوله: (فإنا نعلم الجنة والنار والقيامة).
أما القيامة وما يكون فيها فلا كلام في أنَّه الآن معدوم، وأما الجنة والنار فيتأتى هذا على القول بأنهما لم يخلقا وهو مذهب بعضهم وإليه ذهب أبو هاشم وقاضي القضاة وغيرهما في جنة الخلد ونار الخلد وإن ذهبا إلى أنَّه قد وقع خلق الجنة ونار، وأما على مذهب أبي علي ومن تابعه وهو القول بأن الجنة والنار مخلوقتان فلا يتأتى ذلك.
قوله: (لاسيما على أصلك في أن العلم بأن الشيء سيوجد ليس علماً بوجوده إذا وجد).
يعني فإذا كنت تذهب إلى ذلك فأولى ألا يكون العلم بالمعدوم في حال عدمه أي العلم بصورته وماهيته علما به حال وجوده أي علماً بصورته وماهيته حال وجوده ولفظه لاسيما معناها إثبات الحكم للمذكور بعدها بطريق الزيادة في معناه مثل أحسن إلى القوم لاسيما عمرو فقد أمرت بالزيادة لعمرو ويجوز فيما بعدها الرفع والجر، قيل: والنصب وعدها بعض النحاة من الاستثناء وبعضهم قال: ليست كذلك لعدم الإخراج.

وفيه سؤال وهو أن يقال: إذا كنتم تقولون أن العلم بأن الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد مع أنَّه حال وجوده لايعلم أنَّه سيوجد لنه قد وجد فأولى أن يكون العلم بصورة المعدوم وماهيته علماً بذلك عند وجوده لنه مع وجوده العلم بماهيته وصورته حاصل.
قوله: (وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم: <فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر> .
ورد هذا في وصف الجنة وأراد المصنف أنا عند اخبار الرسول لنا بهذا نعلمه على انفراده ولايمكن ابن الملاحمي أنَّه يقول أن علمنا أنه علم بالصورة عند وجود أمثاله لن في الخبر تصريحاً بأن أمثاله لم توجد.
قوله: (ومعلوم أن صحة وجود المقدور أمر زائد على المقدور ومزية له).
أصحابنا يجعلون صحة وجود المقدور حكماً يعلم بين غير وهو ذات المقدور وما يجري مجرى الغير وهو صفة الوجود.
وفيه سؤال وهو أن يقال: إذا كان هذا الحكم معلوماً بين ذات المقدور ووجوده مع أن الوجود غير حاصل ولاثابت وقد علم بين الذات وبينه فهلا كان كذلك وإن كانت الذات غير حاصلة وقد تضمن الدليل الجواب عن هذا السؤال لأن صحة الوجود مزية قد ثبتت حالة العدم والمزايا لاتقوم بأنفسها ولاتستقل بالمعلومية وإنَّما تثبت تبعاً لغيرها فلا بد من ثبوت الذات ليقوم بها هذا الحكم.
قوله: (فإنا لم نشترط أن يكون بين غيرين حقيقتين).
أي لم يشترط أن يكون الحكم معلوماً بين ذاتين تثبت بينهما المغايرة الحقيقية بل أن يكون معلوماً بين غيرين حقيقتين أو غير وما يجري مجراه بأن نعلم بين ذات وصفة وإنَّما لم تكن الصفة غيراً حقيقيا لأن الغيرين كل معلومين ليس أحدهما هو الآخر ولابعضه وليس الصفة بمعلومة.
قوله: (وفي ذلك لزوم أن يكون يأتي القديم واجتماع الضدين ذوات).
يعني مع أنكم لاتقولون بأن يأتي القديم ذات لا موجودة ولامعدومة ومع أن اجتماع الضدين المرجع به إلى وجودهما في المحل الواحد وليس ذلك بذات.
قوله: (ولكن نقول يستحيل أن يثبت).

فيه سؤال وهو أن يقال: وما الفرق بين قولنا يستحيل أن يوجد وبين قولنا يستحيل أن يثبت؟
والجواب: أما القائلون بنفي الذوات في حالة العدم فلا يفرقون بين الوجود والثبوت بل يجعلونهما بمعنى وأماا لمثبتون لها فيجعلون الثبوت أعم من الوجود فقولنا: يستحيل أن يثبت نفي لكونه ذاتاً في العدم والوجود ويكون بمنزلة قولنا: يستحيل أن يكون ذاتاً، وقولنا: يستحيل أن يوجد لايتضمن استحالة كونه ذاتاً فإن كثيراً من الذوات تكون ثابتة عندهم مع استحالة وجودها كالذي يقضي وقت إمكان وجوده من مقدورات القدر ولم يوجد فيه وكالذي لايبقى في الأوقات الَّتِي بعد وقت وجوده أو إمكان وجوده.
قوله: (فلا تكون الاستحالة حكماً).
في هذا المكان يقال: بل القرب أنَّها ليست بحكم مطلقاً لأن المرجع بها إلى نفي الصحة والنفي لايكون حكماص.
قوله: (ولهذا جعل أصحابنا نفي الثاني مما يستحيل على الله).
أي حكموا بأن مسألة نفي الثاني من صفات الله بالمعنى الأعم الَّتِي هي مستحيلة عليه لا أن المراد أن نفس نفيه مما يستحيل عليه تعالى فذلك غير صحيح بل المستحيل ثبوته فلا يؤاخذ بظاهر العبارة.
قوله: (فهي تستند إلى ذواتهما وصفاتهما).
يعني فإذا علمت استحالة اجتماع الضدين فقد علمت تلك الاستحالة بين ذاتي ذينك الضدين وصفتيهما المقتضاتين اللتين لجلهما استحال اجتماعهما.
قوله: (فلا بد أن يكون المقدور ذاتاً أو صفة ليعلم الحكم بينه وبين القادر).
يقال: ليس من شرطه أن يكون ذاتاً أو صفة في الحال كما ذكرته فإن صحة وجود المقدور حكم علم بينه على ما تقدم وبين الوجود مع عدم ثبوت الوجود في الحال.
قوله: (يوضحه أنَّه قد وقع الاتفاق على صحة إعدام المكلفين وعلى صحة إعادتهم).

فيه نظر لأن الاتفاق لم يقع على ذلك بل ذهب أبو الحسين والفلاسفة والكرامية إلى أنَّه لايصح من القديم تعالى ولاغيره إعادة شيء مما عدم ولابد لهم من ذلك مع القول بنفي الذوات في حالة العدم، قالوا: وإذا عدمت صارت نفياً محضاً غير متعينة في أنفسها ولا متميزة في ذات بينها ولهذا ذهب أبو الحسين إلى أنَّه لايجوز منه تعالى إعدام المكلفين ويجعل الفنا يبدد أجزاءهم كما سيأتي، والإعادة جمعها وضم بعضها إلى بعض وإن كان ابن الخطيب الرازي مع قوله بنفي الذوات في حالة العدم قد ذهب إلى صحة الإعادة فالدليل قائم عليه والأظهر أنَّه لايمكنه الجمع بين القولين.
قوله: (ونحو ذلك).
يعني مما يقضي من السمع بكون المعدوم شيئاً نحو {إنما أمره إذا أراد شيئاً}، {إن زلزلة الساعة شيء عظيم). واعترضه الرازي من قبيل تسمية الشيء باسم ما يؤول إليه كما سمى زلزلة الساعة شيئاً عظيماً ولايمكن أن يكون عظيماً في حالة العدم وإنَّما المعنى أنَّها تكون شيئاً عظيماً إذا وجدت ويؤول إلى ذلك ولكن لايثبت له التأويل إلاَّ بعد أن يثبت له عدم الشيئية في العدم إذ لايوجب تأويل الدليل السمعي إلاَّ مصادمة البرهان العقلي لكن لهم أن يعارضوا تلك الأدلة السمعية بنحو قوله تعالى: {ولم يك شيئاً}. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: <كان الله ولاشيء ثُمَّ خلق الذكر>. وتأويلهما أيضاً ممكن بتقدير وصف محذوف أي ولم يك شيئاً موجوداً، أو معتداً به، أو مذكوراً، ويقدر في الحديث: كان الله ولاشيء موجود فالمعتبر البراهين القاطعة وما إخال شيئاً من أدلتهم جميعاً بدليل قاطع ولاببرهان ساطع والله أعلم.
قوله: (وهو الجواب على اليهود السائلين عن قصة أصحاب الكهف).

27 / 158
ع
En
A+
A-