يعني من حيث أن وجه دلالة صدوره عن عدل حكيم ومالم يعرفه تعالى لم يمكنا معرفة عدله وحكمته فلو قدرنا جواز أن يعرف عدل من صدر السمع من جهته وعدم جواز الكذب عليه قبل معرفة الله لأمكن الإستدلال بالسمع عليه تعالى لكن ذلك غير ممكن وقد ذهبت الجبرية والحشوية إلى صحة الاستدلال عليه تعالى بالسمع وهو باطل لما ذكرناه.
قوله: (والأخبار المتواترة) إلى آخره.
فيه نظر لأنها ليست من أنواع الأدلة وإنَّما هي طريق إلى العلم الضروري وليس هذا مما ينبغي ذكره هنا.
فصل
وكما أن الدليل على ذاته تعالى هو أفعاله فهي الدليل أيضاً على صفاته.
قوله: (وليس الأحكام هنا واسطة لرجوعه إلى نفس الفعل).
هذا احتراز عن أن يقال أن دلالة الفعل على كونه تعالى عالماً بواسطة الأحكام. فأجاب بأنه راجع إلى الفعل وبيانه أنا لم نعلم الأحكام بواسطة دلالة الفعل عليه ثُمَّ دلنا الأحكام فقط على كونه تعالى عالماً إذ الواسطة ما دل على ما بعده ودل عليه ما قبله وليس كذلك ههنا وإنَّما الفعل هو الدليل فلا يلزم أن تكون الأحكام واسطة على هذه الكيفية.
قوله: (أو بثلاث وسائط كدلالته على الصفة الأخص) إلى آخره.
يرد عليه سؤالان، أحدهما: أن يقال أن وجوب كونه حياً ليس بواسطة لرجوعه إلى كونه حياً إذ الوجوب كيفية لهذه الصفة كما قلتم في الأحكام. فإن قلت: لولا الوجوب في كونه حياً لما دلت على الصفة الأخص فكان الوجوب واسطة. قلنا: وكذلك فلولا الأحكام في الفعل لما دل على كونه عالماً فيلزمك كونه واسطة.

وثانيهما: أن يقال سلمنا أن وجوب كونه حياً واسطة فظاهر كلامك يقضي بأن الصفة الأخص لايدل عليها الفعل إلاَّ بهذه الثلاث الوسائط وليس كذلك فإنه يمكن الاستدلال عليها بواسطتين وهما كونه قادراً ووجوب كونه قادراً أو كونه عالماً ووجوب كونه عالماً إذ إحدى الصفات مع وجوبها كافية في الدلالة على الصفة الأخص إلاَّ أن يريد أنَّه يمكن أن يجعل دلالة الفعل عليها بثلاث وسائط مع عد الوجوب واسطة فمسلم إلاَّ أنَّه لايمكن دلالته عليها إلاَّ بثلاث وسائط فإنه يمكن بواسطتين كونه قادراً ووجوبها بل في التحقيق بواسطة واحدة وهي كونه قادراً إذ الصح أن الوجوب ليس بواسطة.
قوله: (ثم هي واسطة في سائر صفاته).
فيه سؤال: تقريره أن قولك يقضي بأنا إذا أدركنا المتحيز علمنا تحيزه ثُمَّ استدللنا به على كونه كائناً موجوداً وليس كذلك فإنا عند مشاهدة الجسم نعلم كائنيته ووجوده ضرورة وإنَّما يتصور الاستدلال بالتحيز على الكائنية والوجود إذا أخبرنا صادق بثبوت متحيز غائب عنا فإنا حينئذ نستدل بتحيزه على ما ذكرته.
والجواب أن مراده أنَّه لولا إدراكنا للمتحيز وعلمنا بتحيزه لما علمنا كائنيته ووجوده فالادراك أصل للعلم بالتحيز وطريق إليه لا إلى الكائنية والوجود والعلم بالتحيز أصل للعلم بالكائنية والوجود والعلم بالكائنية والوجود مترتب عليه وإن لم يكن بطريق الدلالة ومعنى تضمن التحيز للكائنية أنَّه لايثبت التحيز إلاَّ مع شغل الجهة، ولايقع شغل الجهة إلاَّ مع الكائنية.
فصل
والذي يصح الاستدلال به على الله تعالى هو كل ما يختص بالقدرة عليه.
قوله: (كالجواهر والألوان ونحوهما).
المراد بنحوهما سائر الأجناس الَّتِي لايقدر عليها القادر بالقدرة كالطعوم والروائح وسائرها.
قوله: (كالألم الزائد عند لسع العقرب).

يعني فإنه وإن كان من جنس ما يقدر عليه لأن الألم من مقدوراتنا فإنه وقع على وجه وهو كثرته مع قلة التفريق بحيث أنَّه لايمكنا إيجاد مثله مع مثل ذلك التفريق.
وفيه سؤال وهو أن يقال: ما أنكرت أن هذا الألم الموجود عند لسع العقرب هو لنفرات كثيرة أكبر مما يجده الملسوع لو كان الغارز غير العقرب لا لأن الألم بلغ مبلغاً لايصح من أحدنا فعله على ذلك الوجه.
وأجيب بوجهين، أحدهما: أنا نعلم بالضرورة وجود شيء ندركه في موضع الغرز والنفرة محلها القلب فعلمنا أن هذا المر المتزايد غير النفرة، وفيه نظر من حيث أنَّه لايصح القطع بأن النفرة لاتوجد في غير القلب.
وثانيهما أنَّه يصحل بما ذكرته غرضنا لأن النفرة لايقدر عليها فحينئذ يستدل بها عليه تعالى إلاَّ أن هذا انتقال من دليل إلى دليل وقد جرى في كلام أبي القاسم ما يقضي بأنه يقول بأن جميع الآل الموجودة عند لسع العقرب متولدة عن الغرز واحتج به على توليد السبب لأكثر من مسبب من جنس واحد في وقت واحد.
فائدة
الصَّحيح أن الألم الزائد على مثل ما يعتاد من مثل ذلك الغرز من جهته وكذلك ما شاكل هذا فهل يجب على الله تعالى العوض المستحق عليه لأنَّه فعله أو يجب على العقرب لنها فعلت ما قد أجرى الله العادة بخلق ذلك الألم عنده.
قال في المحيط: عوض الألم الزائد على ما يعتاد من مثل ذلك الغرز لو صدر من غير العقرب على الله تعالى وأما ألم الغرز الذي يكون مثله من غرزنا فعوضه عليها. وقيل: بل الجميع على العقرب ويكون كمن وضع غيره في نار فإن العوض يستحق عليه لأنَّه في الحكم كأنه من جهته وفي أصل هذه المسألة خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: (وحركة المرتعش).
هو من نزلت به الحما الشديدة فحصلت فيه عندها رعشة ومن الرعشية ما يصيب الإنسان في بعض الأوقات من اهتزاز الجسد وقيام الشعر.
قوله: (والعروق الضاربة). قيل: هي عروق في الرئة ومفصل الكف من الساعد فإنها لاتزال تحترك ولاتقف.

قوله: (ونحو ذلك) يعني التأليف الموجود في النبات والحيوانات فإنه مع أن جنسه داخل تحت مقدورنا لايتأتى منا على هذا الوجه.
قوله: (لوقفت على أحوالنا). يعني فيوجد بحسب قصودنا ودواعينا وينتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا ومعلوم أن أحدنا لو دعاه داع إلى أن يفعل لنفسه أو لغيره علماً لما أمكنه.
قوله: لكانت إنَّما تصدر عن اعتماد). يعني لن أحدنا لايقدر على تعدية الفعل عن محل قدرته إلاَّ بالاعتماد إذ لو صح فعله في الغير من دون اعتماد لكان اختراعاً فكان يلزم أن يفعل أحدنا في الأجسام النائية عنه سكوناً لايقدر معه على أن يتحرك إن كانت أحياء أو لايقدر غيرها على أن يحركها إن كانت جمادات.
قوله: (إن يتغير حاله في الاعتقاد). يعني فيحصل له بسبب ذلك الاعتماد اعتقاد لم يكن حاصلاً من قبل ومعلوم خلافه.
فإن قيل: ما أنكرتم أن اعتماده على صدره يولد العلم في قلبه بأن بعض المحال قد اعتمد عليه.
قلنا: لو صح ذلك للزم توليده له وإن كان المعتمد على صدره ساهياً فليس السهو بمانع عن التوليد إذ ليس بمعنى، وقد ذهب أبو القاسم إلى أن يفعل العلم في الغير وزعم أن علم المعتمد على صدره بأن من بعض المحال قد اعتمد عليه يتولد عن اعتماده وهو كلام في غاية الركة ويلزمه إذا رمى واحد بسهم أن يكون علمه بأن لارامي رماه متولداً عن رميه وإذا شج بحجر فكذلك ونحو ذلك.
قوله: (وإن تولد ما لايتناهى). يعني لأنَّه لا اختصاص له بتوليد بعض الاعتقادات دون بعض بخلاف النظر في توليده للعلم فإن له اختصاصاً بتوليد العلم الذي يولده من حيث تعلق بدليل معلومه دون غيره من أدلة سائر المعلومات.
قوله: (على أنَّه ليس بأن يولد اعتقاداً أولى من ضده) يعني فليس اعتماد أحدنا على صدر الغير بأن يولد اعتقاد أن بعض المحال اعتمد عليه. كما قال أبو القاسم أو غيره من الاعتقاد أولى من أن يولد اعتقاد أنَّه لم يعتمد عليه محل مثلاً إذ لامخصص وليس مطابقة أحدهما مخصصة بتوليده .

قوله: لأنَّه كان يولد لابشرط يستحيل اجتماعه فيفارق توليده للكن. هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: أليس الاعتماد في الجهة الأولى يولد الكون في الجهة الثانية ولم يلزم من توليده له أن يولد لاضدين وهما الكون في الجهة الثانية والكون في الجهة الثالثة والرابعة والخامسة مثلاً فكذلك لايلزم من توليده الاعتقاد أن يولد معه ضده وإلاَّ لزمكم في توليده للكون إذ لافرق.
وتقرير الجواب أن توليد الاعتماد للكون واقف على شرط فلا يصح توليده لكونين في جهتين لأن شرط توليده في الجهة هذه وفي الجهة الأخرى الذي يقف عليه توليد الاعتماد فيهما يستحيل اجتماعه وذلك الشرط أنَّه لايولد في جهة إلاَّ بشرط أن يكون محله في الوقت الأول في الجهة الَّتِي قبلها وهو يستحيل أن يكون في وقت واحد في الجهة الَّتِي قبل هذه، وفي الجهة الَّتِي قبل هذه بخلاف توليده للاعتقاد فإنه لايمكن الإشارة إلى بيان شرط يستحيل اجتماعه في توليده لهذا وهذا.

ويلحق بهذه الجملة تحقيق الاستدلال على الله تعالى بهذه الأفعال الَّتِي تدخل في أجناس مقدوراتنا ووقعت على وجه لايصح وقوعها عليه منا ولتفرد الكلام في واحد منها فنقول: قد ثبت أن حركة المرتعش حادثة فلا بد من أمر أثر في حدوثها وإلاَّ لم تكن بأن تحدث أولى من ألا تحدث، وإذا ثبت أنَّه لابد من مؤثر فيها فلا يخلو إما أن يكون من وجدت فيه الفاعل وليس كذلك لأنها تقع بغير اختياره أويكون المؤثر فيها غيره فهو إما عرض ولايصح لأن من حق الفاعل أن يكون حياً قادراً وليس كذلك العرض أو جماد ولايصح لما ذكرناه في العرض أو من جسم حي قادر غير من وجدت فيه ولايصح لأنَّه لايتعدى منه الفعل إلى غيره إلاَّ بالاعتماد والمرتعش لا يحس باعتماد معتمد عليه فلم يبق إلاَّ أن المؤثر فيها ليس من قبيل الأجسام والأعراض وهو صانع العالم عز وجل ، وعلى هذا فقس إلاَّ في الكلام الموجود في الحصى والشجر فإنك تقول: ولايجوز أن يكون المؤثر فيه جسم حي قادر لن من شروط صدور الكلام منه حصول آلة من فم أو ما يتشكل بشكله وليس كذلك الحصى والشجر.
فصل
قوله: (وكيفية الاستدلال بأفعاله تعالى).
يعني سواء الجسام منها والعراض فإن ترتيب دلالتها على هذا النسق.
قوله: (لأن ثبوتها ضروري جملة وتفصيلاً) . أي ثبوتها معلوم ضرورة والمراد بالجملة أن ههنا أمور أو أشياء، والمراد بالتفصيل أنَّها ذوات مستقلة بأنفسها.
قوله: (وثبوت الأعراض استدلالي جملة وتفصيلاً). العلم الاستدلالي الجملي في ثبوت الأعراض الَّتِي ليست بمدركة العلم بأن ههنا أمراً ما فإنا لانعلم أن ثُمَّ أمراً زائداً على الجسم إلاَّ بالاستدلال ولهذا خالف فيه بعضهم، وقال: ليس إلاَّ مجرد الجسم. والتفصيلي أنَّها ذوات معلومة بانفرادها وأنها ليست صفات على ما يقوله أبو الحسين.

قوله: (وتفصيلاً إذا كانت مدركة). يعني فأما على الجملة فهي معلومة ضرورة فإنا عند إدراك السواد مثلاً نعلم أن ثُمَّ أمراً بل هو ذات معلوم بانفراده عرض ليس بجسم كما يقوله النظام ولا صفة كما يقوله أبو الحسين بل هو ذات معلوم بانفراده عرض ليس بجسم كما يقوله الجمهور، وكذلك الكلام في سائر الألوان والمدركات.
قوله: (ولأن الاستدلال بالأجسام يتضمن حدوث الأعراض) وذلك لأن الاستدلال بالأجسام لايكون إلاَّ مع العلم بوجه الدلالة وهو حدوثها ومع علمنا بأن هذه الأعراض موجودة فيها نعلم حدوثها لأن حدوث المحل يتضمن حدوث الحال أي يستلزمه ولاعكس إذ حدوث الحال لايتضمن حدوث المحل إلاَّ بدليل وهو أن المحل لم يتقدمه ولم ينفك عنه ولأنا إذا استدللنا بالأجسام فلا بد من أن يستدل أو لا على حدوث الأكوان.
قوله: (ويتضمن العلم بنفي التشبيه). يعني لأنا إذا علمنا حدوث الأجسام علمنا أنَّه تعالى ليس بجسم إذ لو كان جسماً لوجب أن يكون محدثاً مثلها، وقد ثبت قدمه ومالم يعلم حدوثها لم يكن الاستدلال على نفي التشبيه بهذه الدلالة وكذلك فما لم نعلم حدوثها من جهته تعالى لم يكن لنا أن نستدل على أنَّه ليس بجسم بأن الجسم قادر بقدرة فلو كان تعالى جسماً لكان قادراً بقدرة والقادر بقدرة لايقدر على فعل الجسم دليله القادر بقدرة في الشاهد معلوم أنَّه تعالى قد أحدث الجسم فهذا معنى تضمن العلم بحدوثها للعلم بنفي التشبيه لأن المراد أنا عند العلم بحدوث الجسام نعلم أنَّه تعالى ليس بجسم فليس كذلك إذن لما جسم أحد من المعترفين بحدوثها، وفيه سؤال وهو أن يقال: وكذلك العلم بحدوث الأعراض يتضمن العلم بنفي التشبيه بهذا الاعتبار ومعناه أنا إذا علمنا حدوث الأعراض علمنا أنه تعالى ليس بعرض وإلاَّ لكان محدثاً.

والجواب من وجهين، أحدهما أن الأعراض غير متماثلة فلا يلزم من حدوث هذه أن يكون محدثاً لو كان عرضاً تعالى عن ذلك فهذه طريقة غير معتمدة بخلاف الأجسام فإنها متماثلة فلا يجوز أن تختلف في قدم ولاحدوث.
وثانيهما: أن العلم بحدوث الجسام يتضمن العلم بحدوث العراض فعند العلم بحدوثها ثبت أنَّه ليس بجسم ولا عرض وإلاَّ لزم حدوثه بخلاف ما إذا علمنا حدوث الأعراض فإنه لايستلزم العلم بحدوث الأجسام.
ومما رجح به الاستدلال بالجسام أن فيه من الفوائد وشحذ الخواطر بالأسئلة والأجوبة والمجاراة في ميدان المناظرة مالايحصل عند الاستدلال بالأعراض ورجحه قاضي القضاة بأنا إذا استدللنا بالأعراض كان لمشغب أن يشغب علينا فيقول: ما أنكرتم أنَّها حدثت بطبع المحل فيحتاج إلى إيراد الحجة على إبطال الطبع ولايرد ذلك إذا استدللنا بالأجسام.
فصل
وقيل: الاستدلال بالأجسام وغيراه يتكلم في حقيقة الشيء وأقسامه.
قوله: (لن معرفة ذلك مما يحتاج إليه). يعني لعروضه في أثناء المسائل فلا تكاد مسألة تخلو منه أو من ذكر شيء من أقسامه.
قوله: (ثابتاً كان أو مستحيلا). لابأس بزيادة: صفة كان أو ذاتاً.
قوله: (فالمعدوم هو المعلوم الذي ليس بموجود). هذا بناء على مذهب الجمهور من أن المعدوم معلوم وقد خالف في ذلك جهم وهشام بن الحكم. واحتج الجمهور بأنه لابد لكل ذات من أن يختص بصفة تبين بها من مخالفها في حالة العدم والوجود والعلم يتعلق بالشيء على ما هو به فيجب صحة أن يعلم في الحالين. واعلم أن المعدوم ينقسم إلى أصلي وهو الذي لم يتقدم عدمه وجود وفرعي وهو ما تقدم عدمه وجود.
قوله: (والموجود أظهر من أن يحد). اختلف العلماء في حاجة الموجود إلى أن يحد مع اتفاقهم على صحة تحديده فذهب السيد الإمام وغيره من العلماء واختاره المصنف إلى أنَّه لايحتاج إ‘لى تحديده إذ لايراد بالتحديد إلاَّ تجلية المحدود والموجود في غاية الجلا وكل ما يذكر في حده فهو أخفى منه.

وقال بعضهم: بل لابد من تحديد لتقع معرفته تفصيلاً. فقيل في حده: المختص لاختصاصه بصفة بها يظهر صفته المقتضاة عن الصفة الذاتية غير صفة الوجود. والاحتراز بقوله غير صفة الوجود عن صفة الوجود في حقه تعالى فإن وجوده مقتضى عن الصفة الذاتية عندهم ولا يكون شرطاً في نفسه.
قوله: (وينقسم إلى متحيز وغير متحيز) أي ينقسم المحدث.
قوله: (خلافاً للفلاسفة....).
اعلم أن الفلاسفة كما سيأتي قسموا الأشياء إلى حالٍّ لايقوم بنفسه وهي الأعراض وإلى قائم بنفسه تحله الأعراض وهي الأجسام وإلى قائم بنفسه يؤثر في الأجسام وهي النفوس وإلى قائم بنفسه يؤثر في النفوس وهي العقول وإلى قائم بنفسه يؤثر في العقول وهي العلة الأولى، فأثبتوا قسمين زائدين على الأجسام والأعراض والعلة الَّتِي هي عندهم الآلة وهما النفوس والعقول لكن فيما ذكره نظر لأنَّه جعل خلافهم في قسمة المحدث وهذه الأشياء غير محدثة عندهم فليس خلافهم إلاَّ في إثبات غير الأجسام والأعراض لا في تقسيم المحدث.
قوله: (في حقيقة المتحيز ويحتمل العرض) . يقال: قد وقع الاكتفاء في التحديد المميز له بقولك يمنع مثله من أن يكون بحيث هو فهلا اقتصرت عليه أو زدت حكم الثالث.
قوله: (فهو الجوهر الفرد). لفظ الجوهر مغني عن زيادة الفرد لكن أراد زيادة الإيضاح والجوهر في اللغة أصل الشيء وسنخه الذي يتخذ منه شاهده قولهم جوهر هذا الثوب جيد ومنه قول ابن دريد:
من الأولى جوهرهم إذا أنتموا ... من جوهر منه النبي المصطفى
وفي الاصطلاح المختص بصفة يقتضي تحيزه عند وجوده، وفي هل يقبل التجزئي أو لا خلاف، الصَّحيح أنَّه لايقبله ومذهب النظام أنَّه لاينتهي إلى حد إلاَّ ويمكن تجزئة فيه.

قوله: (وإن قبله في جهة الطول). حقيقة الطول ائتلاف الجوهرين أو الجواهر في سمت الناظر، قيل: ولايحتاج إلى أن يقال في سمت الناظر بل يكون طولاً وإن لم يكن في سمته وهو الولى وإلاَّ لزم إذا لم يكن في سمته أن يخرج عن كونه طولاً فإذا تحول عن مكانه فسامته أن يصير طولاً ولأنه يلزم أن يخرج ذلك الائتلاف عن كونه طولاً وعرضاً وعمقاً فماذا يكون فإنه لا قسم زائد.
قوله: (وإن قبله في جهة الطول والعرض) حقيقة العرض ائتلاف الجوهرين أو الجواهر عن يمين الناظر أو يساره.
واعلم أن العرض يستلزم الطول ولا عكس فلايكون عرض من دون طول، ويصح حصول طول من دون عرض ومجموعهما يسمى سطحاً كما ذكره وصفيحة.
قوله: (والعمق). حقيقة العمق: ائتلاف الجوهرين أو الجواهر من أعلى إلى أسفل مع حصول الصفيحة.
قوله: (فهو الجسم). حقيقة الجسم الطويل العريض العميق، وقد عرفت بهذا التقسيم والحقائق أن أقل ما يتركب الجسم منه ثمانية أجزاء وهو مذهب الجمهور. قالوا: لأنَّه لايرى من جميع جهاته طويلاً عريضاً عميقاً إلاَّ إذا تركت منها بأن يكون اثنان طولا واثنان عرضا وأربعة عمقا وقد وجدنا أهل اللغة لايطلقون لفظ الجسم إلاَّ على ما كان طويلاً عريضاً عميقاً وذهب أبو الهذيل إلى أنَّه يتركب من شبه اثنين طولا وواحد إلى جانب أحدهما وثلاثة فوقها عمقاً وذهب الشيخ أبو القاسم إلى أن الجسم يتركب من أربعة اثنين طولا وواحد إلى جانب أحدهما وواحد فوق أحدها وذهب الأشعري إلى أن الجوهرين جسم إذ الجسم المؤتلف مطلقا وذهب النظام والكرامية والصالحي إلى أن الجوهر الواحد جسم وذهب ضرار وحفص إلى أن الجسم من مجموع أعراض باقية كاللون والطعم والرائحة.
قوله: (هو العرض) حقيقته في أصل اللغة ما يعرض في الوجود ويقل لبثه جسماً كان أو غيره وفي الاصطلاح ما لايشغل الحيز موجوداً كان أو معدوماً مع صحة العدم عليه.

26 / 158
ع
En
A+
A-