اعلم أن الأسباب لاتعلم إلاَّ بمسبباتها إذ لاشيء منها بمدرك إلاَّ عند أبي علي في الكون وإنَّما تثبت دلالته حيث تقدم علمنا به على تابعه الذي هو مسببه بشرط أن يعلم أن مسببه لايتراخى بل يقارن كالتأليف وعلمنا أنَّه لامانع من توليده ولا اختلال في شروط توليده.
قوله: (وسائرها). يعني فيمكن الاستدلال بالمقتضي على مقتضاه إذا علمناه من قبل وحصول شرط اقتضائه إذا كان منما يقف على شرط كاقتضاء الجوهرية للتحيز والحيية للإدراك، ويستدل بحصول الداعي المكثر الحاصل للقادر الممكن من الفعل غير الممنوع على وقوع الفعل منه إذ يجب وقوعه عند حصول الداعي وجوب استمرار ويستدل بالتضاد على امتناع الاجتماع ويستدل بكون صفات الله تعالى ذاتية أو مقتضاه على أنَّها واجبة.
قوله: (الاستدلال بكونه تعالى قديماً).
يعني فإنه يدل على ما هو تابع له وهو استحالة العدم.
قوله: (وبعدم المعاني على زوال تعلقها).
يعني فإن عدمها متبوع وزوال تعلقها تابع له ونحن نستدل بالعدم على زوال التعلق على ما سيأتي تحقيقه في مسألة موجود.
قوله: (ونحو ذلك).
يعني كاستدلال بالمتبوع الذي هو الوجود على تابعه الذي هو التعلق.
قوله: (والثالث). يعني الذي لايكون استدلالاً بالمتبوع على التابع ولا بالتابع على المتبوع ولكن لضرب من التلازم وقد حصر الفقيه قاسم وغيره هذا القسم في كل أمرين ثبتا لمؤثر واحد بغير شرط أو ثبتا لمؤثر بشرط واحد أو بشرطين متلازمين.

فالذي من غير شرط ما ذكره من الاستدلال ببعض أحكام التحيز على بعض أحكامه، أربعة: صحة الإدراك بحاستين، واحتمال الإعراض، و شغله للجهة، ومنعه لغيره من أن يكون بحيث هو ويمكن جعل الحكمين الآخرين واحداً ويجعل الرابع صحة الكائنية فإن هذه الأحكام لما اقتضاها التحيز على سواء من غير شرط أمكن الاستدلال بأحدها إذا علمناه دون باقيها على سائرها وكذلك الاستدلال ببعض معلولات العلة على بعض لأنها لاتقف في باب الإيجاب على شرط فإذا علمنا وقوع سكون النفس لحي إلى معتقد علمنا كونه عالماً به لأن سكون النفس والعالمية معلولان عن علة واحدة وهيا لعلم.
والذي يشرط كالاستدلال بصحة الصفة الَّتِي هي التحيز على وجوبها فإن المؤثر في صحتها وفي وجوبها الجوهرية بشرط الوجود فإذا علمنا الصحة علمان الوجوب واستدللنا بها عليه والعكس، ومثال الحكمين اللذين يؤثر فيهما مؤثر واحد بشرطين متلازمين ما نقوله في ذات من السواد ومماثلتهما لذاتين من السواد فإن المؤثر في مماثلتها أنَّها صفتها الذاتية فههنا حكمان وهما مماثلتها لهذه ومماثلتها لتلك ولهما شرطان متلازمان وهما استحقاق هذه لمثل صفتها ومشاركتها لها فيها واستحقاق هذه لمثل صفتها ومشاركتها لها فيها لأن موافقتها لأحدهما غير موافقتها للأخرى فإذا علمنا الذاتين أولاً ثُمَّ علمنا هذه الذات وعلمنا مماثلتها لحدهما علمنا مماثلتها للأخرى لامحالة هذا تلخيص ما ذكره الفقيه قاسم.

ويخرج عن هذا الحصر ما ذكره المصنف رحمه الله من دلالة صحة الصفة الذاتية على وجوبها والاستدلال بجواز عدم الاعراض على حدوثها فإنه لامؤثر ههنا بجمع الحكمين لامن غير شرط ولابشرط ولابشرطين فالأولى أن يقال في الحصر هما كل حكمين ثبتا لمؤثر من غير شرط أو بشرط أو بشرطين متلازمين أو دل الدليل على تلازمهما وإن لم يكن المؤثر فيهما واحداً كالذي تقدم ذكره مما لم يشمله ذلك الحصر وكالاستدلال بمعلول علة على معلول أخرى إذا كانت علة هذا المعلول الذي علمناه ملازماً لعلة الأخرى. ومثاله: أن يعلم هذا كون هذا الجسم مشتهياً فإنا نعلمه حياً لما كانت الشهوة لاتحصل إلاَّ في محل فيه حياة.
فصل
قوله: (قد يجب مقارنة الدليل للمدلول).
يعني في ثبوته وأما العلم فلا بد أن يتقدم العلم بالدليل.
قوله: (وقد يجوز الأمران كمسببات الأسباب) يعني فإن فيها ما يجب مقارنته وفيها ما يجب تأخره.
مثال الول: التأليف والألم فإنه يجب مقارنتهما لسببهما.
ومثال الثاني: العلم والكون والاعتماد فإنه يجب تأخرها عن أسبابها وكذلك الصوت على رأي الأكثر وتوقف فيه أبو هاشم والمقتضيات كالمسببات فإن فيها ما يجب مقارنته لمقتضيه وهو حيث لايقف الاقتضاء على شرط كالمماثلة والمخالفة وصحة كون الشيء معلوماً فإنها تقارن مقتضيها وهي الذاتية أو تقف على شرط لكنه مقارن كالصفات لامقتضاة عن صفته تعالى الذاتية وفها ما يجبت أخره لاستحالة اقتران شرطه بمقتضيه كالتحيز وصفات الأعراض المقتضاة فإن مقتضاها وهي الجوهرية وصفات الأعراض الذاتية ثابتة على رأي مثبتي الذوات حالة العدم في الأزل ولما استحال وجود الجواهر والأعراض الذي هو شرط الاقتضاء في الأزل وجب تأخر المقتضيات وكذلك كونه تعالى مدركاً فإنه يجب تأخرها عن مقتضاها لمثل ذلك.
قوله: (وكدلالة كونه مدركاً على كونه حيا).

يعني فإن الدليل الذي هو كون المدرك مدركاً قد يجب مقارنته إذا حصلت الشروط مقارنة للمقتضي ويجب تأخره إذا لم يقارن كما في حقه تعالى وأراد بدلالة كونه مدركاً على كونه حياً في الشاهد فأما في الغائب فالأمر بالعكس وقد يجوز في حقه تعالى كما لو قدرنا خلقه العلم الضروري بكونه مدركاً قبل العلم بكونه حياً فإنا نستدل بذلك على كونه حياً وفي كثير من نسخ الكتاب وكدلالة كونه حياً على كونه مدركاً وهو غير مستقيم ولعل التقديم فيه والتأخير من سهو القلم.
فصل
قال أبو الهذيل: يعرف انتقاض المنتقض من الأدلة بأحد ثلاثة أمور.
قوله: (واعتبرت صحة دعواه وفساده بحال غيره من الأفراس).
يعني فإن وجدنا أن كل ما أجري عشرة فراسخ فاستمر فهو جواد ولايوجد فرس ليس بجواد يستمر في الجري هذا القدر عرفنا صحة دعواه من كون فرسه جواداً وإن وجدنا غير الجواد يجري ذلك المقدار ووجدنا الجواد يعتبر فيه أكثر من ذلك عرفنا فساد دعواه في فرسه والعشرة الفراسخ ثلاثون ميلاً والثلاثون ميلاً تسعون ألف ذراع، والجواد من الخيل الرايع جديد الفؤاد من جاد الفرس يجود جوده بالضم فهو جواد للذكر والأنثى من خيل جياد وأجياد وأجاويد.
قوله: (سؤالنا للثنوية عن شبح رأيناه على هيئة حصان).

اعلم أن في هاتين اللفظتين وهما شبح وحصان لبساً ولم يصح سماعهما عن المصنف فقد تروى الأولى بالشين المعجمة والياء التحتانية المثناة والخاء المعجمة وقد يروى بالباء الموحدة ولاحاء المهملة والشبح بفتح الباء وسكونها هو الشخص، واللفظة الأخرى قد تروى بالحاء المهملة والصاد المهملة والنون وقد تروى بالخاء المعجمة والصاد المعجمة والباء الموحدة ولعل المراد بكون الشيخ قاعداً على هيئة حصان وفوقه منحنياً على يديه ورجليه وبهذا يعلم جحدهم للإضطرار فضلاً عن أن يكون قاعداً على هذه الهيئة وأما إذاحكم بأن تلك اللفظة خضاب بالخاء والضاد المعجمتين والباء الموحدة فلا يتأتى إلاَّ على ما ذكره بعضهم أن في هذا المثال تصحيفاً وأن صوابه أن يقال: سؤالنا للثنوية عن شيخ رأيناه قاعداً على كفيه خضاب. وهذا أحسن ما يحمل اللفظ عليه وإنَّما عرض التباس كفيه بلفظة هيئة من حيث أن الكاتب الول كتب الكاف كاللام وكتب الفاء على أثره فاختلطت بالكاف فصار على هيئة الهاء وجعل علامة الكاف هذه صورتها ء فظنت همزة ومطابقة هذا المثال ظاهرة فإن كون شيخ قد طال عليه الزمان جاعلاً خضاباً على كفيه لايمكن أن يدعى فيه أنَّه لم يزل على هذه الحال.
وقيل: بل الذي ذكره الشيخ أبو القاسم مالفظه: عن شيخ قاد على هيئة وخضاب. أتقولون أنَّه لم يزل على هيئته وخضابه في مكانه وهو مستقيم على هذا فالخلل وقع من إهمال الواو العاطفة لخضاب على هيئة ومن تصحيف لفظة خضاب.
قوله: (أقروا بالحدوث).
يعني من حيث أن القديم لايجوز عليه التغير والتنقل من حال إلى حال لأن ذلك من حكم المحدثات.
وفيه سؤال وهو أن يقال: وهب أن ذلك يوجب حدوثه فهل قالت الثنوية أن كل شيخ قديم حتَّى يلزمهم ذلك وما وجه الإلزام.

والجواب: أنهم يذهبون أو أكثرهم إلى أن النور والظلمة قديمان وهذا الشبح الذي رأيناه هو عندهم من نور وظلمة وممتزج منهما فإذا صح حدوثه بطل قدم النور والظلمة وقد نقل عنهم القول بأن العالم وإن كان محدث الصورة فهو قديم المادة.
قوله: (من ظلم وعبث وهذيان).
الهذيان مصدر هذى في منطقه هذياناً وهو الكلام الذي فيه معنى العبث لعدم الفائدة.
قوله: وإرادة كل قبيح ونحو ذلك يعني كتجويزهم تعذيب من لاذنب له وإثابة من لايستحق وإضلال المكلفين وإزاغة قلوبهم.
قوله: (بصفات الأفعال).
يعني بذلك الوجوه الَّتِي تقع عليها من كونها ظلماً وعبثاً وهذياناً ولم يرد كونها قبيحة فإنهم لايصفون أفعاله تعالى بقبح ولاحسن.
قوله: (فتزعمون أنَّه يصح أن يقول فيما لم يكن..) إلى آخره.
إنَّما ألزمهم ذلك لأنهم لا يلتزمونه إذ لايجوزون الكذب علهي تعالى ولاتكليف الجماد ولاتكليف مالايعلم وإن أجاز بعضهم تكليف مالايطاق.
فصل
كثيراً ما يجري في كتب المتكلمين ذكر ما لاطريق إليه فمرة يقولون لايجوز إتيانه ومرة يقولون يجب نفيه.
قوله: (فلا يولد النظر العلم بشيء قط).
يقال: ليس تجويز شبه قادحة بمانع من توليد النظر لأن توليده لما هو عليه في اته فلا يقف على القطع بألا شبهة.
والجواب: أن النظر يقف في توليده على العلم بالدليل كما تقدم فإذا كان كذلك وجوز ورود ما يقدح في الدليل دعاه ذلك إلى التجويز الذي لا يجامع العلم فيتغير علمه بالدليل ويزول فلا يولد النظر فيه العلم بالمدلول لاختلال شرطه.
قوله: (فلا يصح قياس الغائب).
يعني لتجويزنا أن يكون حاجة أفعالنا إلينا لا لحدوثها بل لغير ذلك فلا يعلم احتياج العالم المحدث إلى محدث ولتجويز المؤثر في صحة الفعل وصحة الأحكام غير كوننا قادرين عالمين لأجل صحة الفعل والإحكام منه تعالى بأنه قادر عالم إذ لاقطع بأن تلك هي العلة.

قوله: (ونحو ذلك من الغيوب وذلك كتجويز موت من غاب عنا والخسف فيما بعد عنا وإنزال المطر والصواعق وغير ذلك مما لاينحصر).
واعلم أن المصنف رحمه الله قد أحسن في الكلام على هذا الفصل وفي الكشف عن مراد المتكلمين لكن قد ورد على ما تضمنه هذا الفصل أسئلة أوردها ابن الخطيب في النهاية والإمام يحيى في التمهيد، وحاصل ما أورده عليه السلام أن قولكم في الشيء لادليل عليه إما أن تعنوا به أنكم لم تعلموا دليل ثبوته وكل مالم يعرف دليل ثبوته وجب نفيه فالمقدمة الأولى حق لكن الثانية ظاهرة الفساد لنه لو كان عدم العلم بدليل ثبوت الشيء دليلاً على عدمه لزم أن يكون العوام قاطعين بنفي الأمور الَّتِي لم يعلموا دليلاً على ثبوتها وأن يكون المنكرون للصانع والتوحيد والنبوة علامين بنفيها لانتفاء علمهم بأدلتها بل يلزم أن يكون الإنسان كلما كان أقل علماً بالدلائل أن يكون أكثر علماً وهذا ظاهر الفساد.
ويمكن الجواب بأن ما ذكره المصنف من التفصيل يدفع ما ذكره عليه السلام فإنهم لايقولون بأن مالم يعلموا دليلا عليه وجب نفيه مطلقاً بل لايوجبون نفيه ولايجيزون إذا كان مما يمكن أن يكون إليه طريق ولهذا غابوا على بعض المشائخ استدلاله على نفي الثاني بأنه لادليل عليه وكل ما لا دليل عليه وجب نفيه فقالوا له إن الطريق إليه لو كان ثابتاً فعله وليس فعله بموجب عنه فلا يمتنع ثبوته وإن لم يفعل فعلاً يدل عليه أما ما ألزمه عليه السلام في العوام والمنكرين للصانع فلا يلزم على ما ذكره المصنف لأن هذه المور الَّتِي لم يعلموا أدلتها مما يمكن أن يكون إليه طريق بل طرقها حاصلة، وما أمكن أن يكون إليه طريق لايجوز نفيه وعلى تقدير لزوم ما ذكره عليه السلام في العوام لايلزم أن يكون من لم يعلم الدليل أكثر علماً ممَّن علمها بل أكثر ما فيه أن يكونا متساويين في العلوم فالذي علم الدليل علم المدلول والذي لم يعلم الدليل حصل له العلم بنفي ذلك المدلول.

قال عليه السلام: وإن عنيتم ما لادليل عليه في نفس المر كان حاصل كلامكم الشيء الفلاني لادليل على ثبوته في نفس الأمر وكل ما كان كذلك وجب نفيه لكن المقدمة الأولى لم تضمن بطلان أدلة المثبت سلمنا تضمنها لبطلانها فلا يلزم من بطلانها أن لايكون الشيء ثابتاً لجواز ثبوته بدليل غير معلوم للمثيب قدرنا أنه لادليل عليه للمثبت ولاغيره فَلِمَ يجب نفيه.
ويمكن الجواب: أما قوله عليه السلام لم تضمن بطلان أدلة المثبت فإنهم لايحكمون على الشيء بأنه لادليل عليه إلاَّ بعد معرفة بطلان أدلة مثبته إن كان له مثبت فضعفها لا أنهم يقولون ذلك مع عدم معرفة بطلانها وإذا عرفوا بطلانها بالدلة لم يقدح عدم تضمن المقدمة الأولى لذلك. وأما قوله عليه السلام فلا يلزم من بطلانها .. إلى آخره.
فلهم أن يجيبوا بأن طرق الاستدلال مضبوطة منحصرة قد قررت ولم نوجب نفيه إلاَّ بعد أن علمنا عدم تأتي إحدى تلك الطرق في حقه فتجويز طريق غيرها تعسف لايقبل ولو جاز تجويز ثبوته للزم ما أشار إليه المصنف من تجويز مانع غير هذه الموانع المعقولة ونحوه، وذلك يوجب صحة تجويز أن يكون بين أيدينا فيلة وبعران وثيران وجبال ومهاو لكن منعنا من رؤيتها مانع لادليل عليه.
واعلم أن ما كانت أدلته من قبيل الموجبات كالأسباب والعلل والمقتضيات ولاسيما العلل لتعذر وقوفها في الإيجاب على شرط فلا كلام في أن عدم وجدان ما يدل عليه من موجبه يوجب نفيه إذ لو كان حاصلاً لأوجبه.

قال عليه السلام معترضاً لما أُلزِم من تجويز المانع وما يلحقه من تجويز ما لايشاهده: عدم العلم بأنه لا جبل بين أيدينا إما أن يكون متوقفاً على العلم بأن ما لادليل عليه يجب نفيه أو لايتوقف فإن كان متوقفاً عليه لم يكن حصول العلم بأن لاجبل بين ايدينا إلاَّ بعد حصول العلم بأن ما لادليل عليه يجب نفيه وإذا كان كذلك وجب أن يكون العلم بأنه لاجبل بين أيدينا نظرنا مستفاداً من دليل فيلزم من القدح فيه القدح في العلم الضروري.
ويمكن الجواب بأنه وإن لم يكن القطع بأن العلم بألا جبل بحضرتنا متوقف على العلم بأن لادليل عليه وجب نفيه فإن القول بأن ما لاطريق إليه ولايمكن أن يكون إليه طريق لايجب نفيه يلزم منه القدح في هذا العلم الضروري الذي لايقف على غيره وهو العلم بأنه لاجبل بحضرتنا ولزوم قدحه فيه ظاهر ولا انفصال عنه وناهيك بالمذهب فساداً أن يؤدي إلى القدح في العلوم الضرورية، وأن يلزم ذلك القائل به.
قال عليه السلام: وإذا كان العلم بعدم كون الجبل بحضرتنا متوقفاً على العلم بأن ما لادليل عليه وجب نفيه وهذا القائل قد بنى قوله في أن ما لادليل عليه وجب نفيه على أن القدح فيه يفضي إلى تجويز كون الجبل بحضرتنا فحينئذ يلزم الدور.

ويمكن الجواب بأن لزوم الدور غير مسلم لأنهم لم يجعلوا أنَّه يجب نفي ما لا طريق غليه دليلاً على أنَّه لاجبل بحضرتنا فإنه ضروري غنى عن الدلالة والطالب للدلالة عليه لايستحق جواباً وإنَّما جعلوه معتمداً في الأمور الاستدلالية فإذا جوز مجوز أمراً لايعلم انتفاؤه ضرورة ولم ينفه. قيل له: هذا الأمر الذي جوزته يجب نفيه لأنَّه لادليل لك على إثباته ولايمكن أن يكون إليه دليل، ولو كان انتفاء الدليل على الشيء لايوجب نفيه مطلقاً لزم ألا يقطع بصحة الاستدلال في مسألة لجواز أن يكون على ذلك الدليل سؤال قادح وذلك يقتضي ألا نثق بصحة الأدلة والبراهين لجواز أن يكون هناك ما هو قادح فيها ومبطل لها ولزم التشكيك في العلم الضروري كالعلم بأنه لاجبل بين أيدينا بتجويز ذلك وإن لم يكن إليه طريق.
قوله: (فيقول جوز صلاة سادسة وحجاً غير هذا).
يعني إا قلت أن ما لادليل على نفيه جاز إثباته فإنه لادليل على نفي إيجاب صلاة سادسة وحج آخر.
قوله: (فعناد وهوس).
العناد مصدر عاند وأصله عند يعند بالكسر عنوداً أي خالف ورد الحق وهو يعرفه ويقال أيضاً: عند عن الطريق يعند بالضم عنوداً أي عدل، والهوس طرف من الجنون هكذا ذكره الجوهري.
فصل في الاستدلال على الله تعالى
قوله: (بأفعاله المخصوصة).
أي الَّتِي لانقدر على ما هو من جنسها أو لانقدر على إيقاع جنسها على الوجه الذي وقعت عليه فأما ما كان من أفعاله تعالى يقدر على إيجاد جنسه على الوجه الذي وقع عليه فلا يمكن الاستدلال به عليه لتجويز أن يكون من فعل القادر بقدرة.
قوله: (وصحة السمع فتوقفه على معرفته تعالى).

25 / 158
ع
En
A+
A-