وأما الشعري فهو قياس الغرض منه انفعال النفس بالترغيب أو الترهيب فيحصل للنفس منهما قبض أو بسط فينقبض أو يرغب كما إذا قيل: الخمر قوته سيالة انبسطت النفس فرغبت في شربها، وإذا قيل: العسل مرة مهوعة انقبضت النفس عنها ونفرت. قالوا: ويريد في ذلك أن يكون على وزن الشعر، كقول الشاعر:
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبر ساحله
لاسيما إذا كان إنشاده بصوت طيب.
قوله: (وإلى أن الكلام في أصول الشريعة ظني).
أصول الشرعية الصلاة والزكاة والحج والصوم وذلك لأنهم بنوا على أن الأدلة السمعية ظنية ونحن إنَّما علمنا وجوبها بالسمع فتوصلوا بكلامهم إلى أن العلم بوجوبها ظني.
قوله: (ولنورد على الشكل الأول).
اعلم أنَّه خص الشكل الول بإيراد المثال لأنه عمدة الأشكال الأربعة وأصلها والباقية راجعة إليه، وهو عندهم ما كان الحد الأوسط فيه محمولاً في الصغرى موضوعاً في الكبرى، والمقدمة الصغرى هي الولى والكبرى الثانية والحد الوسط هو ما تكر بين مقدمتي القياس وتوسط بين طرفي المطلوب.
مثال الشكل الأول: كل ح ب وكل ب. إما بحديه الوسط ههنا ب وهو محمول في المقدمة الأولى الصغرى وموضوع في المقدمة الثانية الكبرى، قالوا: فإن كان موضوعاً في الصغرى محمولاً في الكبرى فهو الشكل الرابع، مثاله: كل ح ا وكل ا ح. قالوا: وإن كان الحد الأوسط محمولاً في المقدمة الصغرى والكبرى فهو الشكل الثاني مثاله: كل ب ح ولاشيء من ا ح، قالوا: وإن كان موضوعاً فيهما فهو الشكل الثالث، مثاله: كل ب ح وكل ب د. وتفصيل ما أجمله المصنف من اصطلاحاتهم يحتاج إلى بسط كثير، وليس بمقصود ههنا إذ المقصود الرد عليهم.
قوله: (ومثالا استثنائياً).
يقال: أن الاستثنائي لايرد بصورة الأشكال بل هو نوع آخر، ولاترد الأشكال على كيفيتها المذكورة إلاَّ في القتراني ويمكن .... بأنه أراد الاستثنائي الذي يمكن رده إلى القتراني بصورة الشكل الأول وفيه تكلف.
قوله: (سواء قسنا أو لم نقس).
أراد أن ما كان من هذا الجنس فهو غني عن القياس فلا حاجة إلى ذكر ما أوردوه وإنَّما يحتاج إلى القياس ما كان نظرياً.
قوله: (وبعد فما الثمرة في أن نعلم أنه ليس شيء من الناس حجراً وأن النهار موجود حتَّى تكلفوا له فناً من أدق الفنون).
يقال: هذا حكم ببطلان فائدة علم المنطق مع إطباق الجم الغفير على إفاته والحاجة إليه وأنه قانون يعرف به صحيح الأدلة من سقيمها وغثها من سمينها، ثُمَّ أن المصنف في كلامه مناقضة فإنه ذكر في آخر كتابه هذا أن من حق المجتهد أن يكون محوذاً في علم المنطق وأشبع الفصل في ذلك كما سيأتي.
والجواب: أن هذه مؤاخذة لهم حيث قالوا أن الأدلة اليقينية ليست إلاَّ الضرورية وأن غيراه ليس بدليل ولايقيني فأراد أن الضروري لايحتاج في معرفته إلى ترتيب مقدمات ولا إلى معرفة علوم المنطق ولايتوقف عليها فإن أخذنا بعلم عند طلوع الشمس أن النهار موجود وإن لم نسمع بذكر المنطق فضلاً عن أن نحتاج إلى مطالعته في العلم بذلك وكذلك فهو يعلم أنَّه لاشيء من الناس بحجر وإن لم يستحضر مقدمات ذلك وترتيبها.
وأما إطباق العقلاء على إفادته واشتراط المصنف له وتعويله عليه على خلاف في ذلك فإنما هو بناء على أن العلوم النظرية يقينية يمكن التوصل إليها بالأدلة فعرف المنطق لئلا يشتبه عليه اليقيني بغيره ويلتبس عليه بالدليل ما ليس بدليل، ولهذا قال رحمه الله حيث اشترط لأنَّه بالنسبة إلى العلوم النظرية كالنحو بالنسبة إلى الألفاظ فأما الضروري فهو لايلتبس بما ليس بضروري ولايحتاج فيه إلى فهم ما قالوه فبان بهذا الجواب خلوص كلامه عن التناقض.
قوله: (وههنا فضيحة للفلاسفة ننبهك عليها لتعلم أن غرضهم المكر).
الفضيحة: الاسم من فضحه يفضحه فافتضح أيا نكشفت مساويه والمراد أن مساويهم وهي تغريرهم وتلبيسهم ومناقضاتهم انكشفت بما بيناه من مقالاتهم والمكر الخديعة ولا إشكاعل في قصدهم لخديعة أهل افسلام واستمالتهم عنه.
قوله: (من استقرأ الجزئيات).
الاستقراء عندهم: الحكم على كلي بشيء لوجوده في أكثر جزئياته وسموه استقرائياً لأنَّه لايحصل إلاَّ بتتبع الجزئيات فالحكم في هذا المثال الذي أورده ارسطاطاليس هو الحكم بأن صورة افنسان لاتكون إلاَّ كما شاهد في زيد وعمرو وغيرهما فهو حاصل عن تتبع الجزئيات فإنا لما لم نجد في جنس الإنسان إلاَّ من هذه صورته حكمنا بأنه لايوجد في جنسه غير هذه الصورة.
قوله: (لايفيد إلاَّ الظن).
ذكر قطب الدين صاحب شرح الرسالة الاستقراء ومثله بقولنا: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ لأن الإنسان والبهائم والسباع كذلك وصرح بأنه لايفيد اليقين لجواز وجود جزئي آخر لم يستقرأ أو يكون حكمه مخالفاً لما استقرئ كالتمساح.
قوله: (فسموا القضايا الَّتِي تجعل مقدمات الأقيسة).
القضايا جمع قضية وهي في اصطلاحهم بمعنى الجملة الخبرية في اصطلاح النحاة، ومقدمات القياس مثل قولهم: العالم متغير، وكل متغير حادث، ونحو ذلك فهاتان المقدمتان وما شاكلهما هي المقسومة إلى هذه الأقسام.
قوله: (وأما المأخوذات فهي ما أخذ عن العلماء وعمن يحسن الظن به وما سلمه الخصم).
اعلم أنهم يسمون هذا القبيل مقبولات ومسلمات ويقسمونه إلى هذين القسمين، قالوا فالمقبولات قضايا توجد ممَّن يعتقد فيه الصدق إما لأمر سماوي من المعجزات والكرامات كالأنبياء والأولياء وإما لاختصاصه بمزيد عقل ودين كأهل العلم والزهد.
قال صاحب الرسالة: وهي نافعة جداً في تعظيم أمر الله والشفقة على خلقه وعدها من غير اليقينيات والمسلمات عندهم قضايا تسلم عند الخصم وينبني عليها الكلام سواء كانت مسلمة فيما بينهما خاصة أو بين أهل علم كتسليم الفقهاء أصول الفقه، ومثاله أن يستدل الفقيه على وجوب الزكاة في حلي البالغة بقوله عليه السلام: <في الحلي زكاة> فيقول الخصم: هذا الخبر آحادي والآحادي ليس بحجة، فيقول له: قد ثبت هذا في علم أصول الفقه ولابد من أن نأخذ ههنا. قال صاحب شرح الرسالة: والقياس المؤلف من المشهورات والمسلمات يسمى جدلاً ، والغرض منه إفحام الخصم وإقناع من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان.
قوله: (ولهذا أقسم الرازي بيمين كبيرة في محصوله).
المحصول: كتاب له في اصول الفقه قال فيه: أحلف بالله وبالأيمان الَّتِي لامخارج منها أني راجعت عقلي وذهني وطرحت الهوى والتعصب فلم أجد عقلي قاطعاً بذلك في حق من لايصح عليه النفع والضرر بل ولا ظاناً.
قوله: (ولم تجعلوا الاستدلالات يقينية).
إن أمكن حمل قولهم أن الاستدلاليات غير يقينية على أن مرادهم ليست بضرورية لأنهم ممَّن استدل وبنى مذاهبه على الاستدلال فالخلاف في عبارة وإن قصدوا أن الاستدلاليات غير معلومة فالخلاف معنوي وبطلان كلامهم يظهر بما ذكره من حصول أمارة العلم فيها لسكون النفس والمطابقة.
قوله: (ثم يقال لأهل الإسلام منهم).
أي ممَّن قال بأنها غير يقينية وهم الفلاسفة والمجبرة وهذا إنَّما يخاطب به الأشعرية أهل الإسلام فأما الفلاسفة فإنهم لايثبتون الصانع المختار أصلاً فكيف يمكن أن يراجعهم في ادلتهم عليه.
قوله: (والقسمان باطلان).
أي أن يكون متحركة أو ساكنة مع كونها أزلية ومما يعلل به بطلانهما أنَّه لايكون متحركاً إلاَّ بأن ينتقل من جهة إلى أخرى ولاساكناً إلاَّ بأن يكون لابثاً في الجهة وقتين فصاعداً.
قوله: (مما ليس بضروري وقد لاينتهي إلى أصل ضروري).
يقال: أما أنَّها ليست ضرورية فنعم وأما أنَّها لاتنتهي إلى أصل ضروري فغير مسلم ولو لم تنته إليه لم تكن معلومة وأنت تجعل هذه المسائل معلومة وقد ذكرت أنَّه لابد من الانتهاء في الأدلة إلى أصل ضروري.
قوله: (مركباً مما به المشاركة). يعني وجوب الوجود (ومما به المباينة) يعني في التعيين فإن عين هذا غير عين الآخر.
قوله: (هذا الدليل ينبني على أن الوجود زائد على الذات).
يعني حيث أثبت للوجود كيفية وهي الوجوب والكيفيات تتبع الصفات على ما سيأتي وحيث أثبته أمراً اشتركا فيه مع اختلاف عينيهما وهذا ينبني على أنَّه زائد على الذات إذ لو كان نفس الذات لم يكن أمراً مشتركاً فيه إذ لايشارك أحدهما الآخر في ذاته.
قوله: (وأكثر هذه الأصول غير صحيحة).
أراد بغير الصَّحيح كون وجوب الصفة مما به تقع المشاركة وإن اختلفت الصفة وأن التعيين مما به تفع المخالفة لأنَّه قصد بالمشاركة المماثلة ووجوب الوجود حكم لأنا ننزله في تماثل ولا اختلاف وكذلك في التعيين لايتقضي المخالفة لأن المخالفة لاتكون إلاَّ بالافتراق في الصفة الذاتية، فإننا نجرد المغايرة في العين فلا نوجب الاختلاف وكذلك قوله إن اجتماع ما به المباينة والمشاركة يقتضي الكثرة في الذات فإن أكثر ما في ذلك اجتماع صفتين تماثل بأحدهما ويخالف بالأخرى ومثل ذلك لايوجب أن يكثر الذات إذ لاتأثير للصفات في تكاثر الذوات وإنَّما الذي يلزم عليه إذا كانت الصفتان ذاتيتين مختلفتين أن تصير الذات كالمخالفة نفسها بحصولها على ما لو حصل عليه غيرها لخالفها وإن كان هذا معترضاً على ما سيأتي قوله بأن العالم ممكن الوجود لذاته المراد بهذه العبارة أنَّه غير واجب الوجود مستحيل العدم بل يجوز وجوده وعدمه.
قوله: (وقد ألزمه الفلاسفة عليه إلى آخره).
تلخيص إلزام الفلاسفة أن يقال: ليس إمكان وجود العالم بمانع عن قدمه واحتياجه إلى المؤثر لأن إمكانه وحاجته كإمكان معلول العلة وحاجته فإنه يحتاج إلى العلة حال بقائه، والعالم عندنا موجب أثر المؤثر فيه على طريق الإيجاب والمقاربة والمؤثر قديم فكذلك العالم فيكون إمكان وجوده وحاجته إلى مؤثر في حال بقائه إذ لو قدر عدم المؤثر لعدم معه ولايكون إمكان وجوده مانعاً من قدمه.
قوله: (وألزموه أن يكون الباري موجباً غير مختار) إلى آخره.
تقرير الإلزام أن يقال: إذا كنتم تذهبون إلى أن الإرادة موجبة وتقولون مع ذلك أن إرادة الله تعالى قديمة فيلزمك على هذا أن يكون كل ما تعلقت به تلك الإرادة واجباً وكذلك ما علم وقوعه ولايكون تعالى مختاراً في فعل ما تعلقت به هي والعلم بل قد صار واجب الوجود لتعلقهما به ويلزم أيضاً من قدمها تعلقها في الأزل إذ لايوجد غير متعلقة ووجوب ما تعلقت به وحصوله في الزل وهو محال.
قوله: (كما تقولونه أنتم في تأثيره على جهة الاختيار).
للرازي أن يقول: بين الموضعين فرق لأنا إنَّما قلنا بأنه يقف وجوده على حصول الوقت الذي يصح وجوده فيه لأن فاعله مختار والمختار لابد أن يتأخر عنه فعله وإذا وجب تأخره وقد ثبت أن الله تعالى قديم لزم أن يتأخر بما لو كان هناك أوقات لم ينحصر وإلاَّ لزم حدوث القديم لو انحصرت أوقات التقدم بخلاف ما إذا جعل موجباً فإنه لاوجه يقتضي التأخر والفرق بن الموضعين ظاهر.
قوله: (الذي هو من قبيل المشهورات عنده).
يقال: الأولى أن يقال: الذي هو من قبيل قياس التمثيل عنده.
قوله: (وهو لافعل له فضلاً عن أن يكون محكماً).
يعني لعدم استغنائها عن أن ترد إلى الشاهد إذ لو علمها الرازي ضرورة من غير رد لوجب أن يشاركه في ذلك ومع ردها إلى الشاهد يكون من باب قياس التمثيل على زعمه وهو لايوصل عنده إلى اليقين فيكون اعتقاد الباري وصفاته غي يقيني.
قوله: (ولم أجد لأحد من أصحابنا في الرد عليهم) إلى آخره.
أما قولهم أن الحكم يقبح الظلم والكذب ونحوهما والحكم بوجوب شكر المنعم ورد الوديعة ونحوهما قضايا مشهورة وذكرهم للأسباب القاضية بذلك فقد ذكره الإمام يحيى في التمهيد في مسألة التحسين والتقبيح ورد عليهم وأبطل كلامهم في ذلك من وجهين:
أحدهما: أنَّه إن كان الغرض بقولهم أن هذه قضايا مشهورة على معنى أن العقول قاضية بحسنها وقبحها فهو المطلوب، وإن كان الغرض بقولهم أن هذه القضايا مشهورة أنَّها اشتهرت بين العقلاء وألفتها طباعهم وانغرست في قلوبهم محبتها والميل إليها من غير علم بحسنها وقبحها فهذا هو المنكر والشناعة، فإنا على علم ويقين من حال العقلاء في رسوخ هذه القضايا في عقولهم وتحققها في أفهامهم لا لبس عليهم فيها كسائر الأمور الضرورية من النداية وغيرها مع أنا لاننكر أن العلوم متفاوتة في الظهور والخفا ولكنها مستوية في التحقيق والثبوت.
وثانيهما: أن كلامنا معهم ليس إلاَّ في بيان أن هذه القضايا مقررة في الأذهان متحققة في العقول فإذا ساعدونا على هذا التحقيق، فقولهم بعد ذلك أنَّها قضايا مشهورة وآراء محمودة وأنها تنغرس في الصبا وأوائل النشو لايضرنا بعد تسليم كونها عقلية.
قال عليه السلام: وعلى الجملة فنحن نقول أن هذه الضقايا مقررة في العقول وهم يزعمون أنَّها مشهورة ونحن نقول أن النفرة عن هذه المقبحات نفرة عقلية وهم يقولون أنَّها نفرة طبيعية مع الاتفاق منا ومنهم على أن موردها العقل ومستندها الضرورة كما ذكره المحققون من متأخريهم وأنت إذا تحققت هذا منا ومنهم عرفت أن الخلاف بيننا وبينهم في هذه القضايا يقرب أن يكون لفظياً.
قوله: (وأنه لايقدح في ذلك ما يقوله أهل الزيغ).
يريد بذلك الفلاسفة أهل الميل عن الحق القاصدين إلى القدح في الإسلام وإزاغة أهله عنه ومن تابعهم.
فصل
لابد بين الدليل والمدلول من تعلق.
قوله: (والمسبب على السبب والمقتضى على مقتضيه).
اعلم أن السبب والمقتضي كما يدخلان في قسم ما لولاه لما وجب دليله فإنهما يدخلان في باب ما لولاه لما صح لأنهما يؤثران في الصحة كما يؤثران في الوجوب بخلاف العلة فإنها لاتؤثر إلاَّ في الوجوب فقط ومعنى تأثير هذه الثلاثة في الوجوب أنَّه لايجوز تراخي وجوب تأثيرها عن جوازه وصحته بل متى جاز وجب ومتى لم يجب استحال بخلاف الفاعل فإنه يجب تقدم صحة تأثيره على وجوبه على الصَّحيح فيصح منه الفعل أولاً ثُمَّ يقع لن الفاعل يجب تقدمه، ومعنى تأثير السبب في الصحة أنَّه إذا وجد وانتفت الموانع وحصلت الشروط أصبح سببه ومتى عدم استحال حصول مسببه لأجل عدمه ولم يصح، ومعنى تأثير المقتضي في الصحة كذلك.
مثاله: الحيية فإنها متى حصلت وحصلت شروط الإدراك صح كون المختص بها مدركاً ومتى لم يحصل استحال إدراكه ولم يصح بحال بخلاف العلة فإنها لاتؤثر إلاَّ في الإيجاب والذي يؤثر في صحة موجبها غيرها فلا يوجب إلاَّ لما قد صح عليه موجبها، مثاله: الحركة فإنها لاتوجب المتحركية إلاَّ لما قد صححها له التخير وتحصل صحة موجبها مع عدمها ولو كانت تؤثر في الصحة مع الوجوب لكان يلزم أن تختص ببعض الأعراض فتصحح المتحركية له ويوجبها وهو محال وعلى ذلك فقس سائر العلل.
قوله: (إن ثبت أنهما غيران).
هذه إشارة إلى خلاف سيأتي في الدعوى الرابعة فإن منهم من ذهب إلى أنَّها هي الثالثة وإن عدم انفكاك الجسم من الحوادث وتقدمه لها ووجوب مقارنته هو معنى حدوثه وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى ويعني دخوله في باب ما لولاه لما وجب وما لولاه لما صح أن نقول: لولا حدوث الجسم لما وجبت مقارنته للحوادث ولولا حدوثه لما صحت مقارنته للحوادث وهو ظاهر، والذي في النسخة الَّتِي بخطه رحمه الله: يدخل في باب ما لولاه لصح لكنه على سبيل السهو.
قوله: (وما شابه ذلك).
يعني كدلالة التحيز في الجوهر على وجوده فإنه لولا الوجود لما وجب التحيز لأنَّه لايمكن تحيزه مع عدمه ويجب عند وجوده لحصول شرط اقتضاء مقتضيه له.
قوله: (فإنه لولاهما لما اختير).
ينبغي أن يقال: لولاهما أو أحدهما.
قوله: (وكذلك دلالة العدو في الشوك والنار على الإلجا).
يعني فإنه لولا الإلجاء إما بصاعقة أو سبع أو نحوهما لام اختير العدو على النار والشوك.
قوله: (قال أبو الحسين إلى آخره).
ذكر ابن متويه معنى كلامه وأجاب بما معناه أن كلامنا في الأدلة ودلالة كونه حياً على كونه مدركاً هو بطريقة النظر، وإن أمكن أن يقال لولا وجوب كونه مدركاً لما وجب كونه حياث فثبت فيه طريقة الوجوب وفيه نظر لأنَّه لافرق في هذا الفصل بين الدليل وطريقة النظر والاستدلال بكونه حياً وإن كان طريقه نظر فإنه لابد من أحد التعلقات وإلاَّ لم يكن بأن يدل على كونه مدركاً أولى من غيرها من الصفات.
وقوله: (لولا وجوب كونه مدركاً لما وجب كونه حياً) لاطائل تحته.
فصل
قد يكون الاستدلال بالتابع على المتبوع وقد يكون بالعكس وقد لايكون بواحد منهما.
قوله: (كدلالة الفعل ووجوهه على الفاعل وأحواله).
أما نفس الفعل فيدل على الفاعل وقادريته ووقوع الفعل على وجه الإحكام يدل على عالميته ووقوعه على الوجوه المختلفة من نحو كونه أمراً وجبراً يدل على كونه مريداً ووقوع الكلام مثلاً نهياً وتهديداً يدل على كونه كارهاً وما سوى هذه من الصفات فالفعل يدل عليها بواسطة أو بواسطتين على ما سيأتي.
قوله: (وبالمعلول على العلة).
مثاله: كونه متحركاً فإنه تابع ويدل على المتبوع الذي هو العلة وهي هنا الحركة.
قوله: (والمسبب على السبب) هو كدلالة الصوت الواقع منا على الاعتماد.
قوله: (والمقتضي على مقتضيه).
مثاله: دلالة المدركية على الحيية والتحيز على الجوهرية.
قوله: (وبوقوع الفعل من العالم المختار على الداعي).
مثاله: وقوع العالم منه تعالى فإنه يدل على حصول الداعي له تعالى لأن وقوع العالم تابع له وهو علمه بحسنه وحصول نفع للغير فيه إذ السهو والعبث غير جائزين عليه تعالى.
واعلم أن الذي يدل من الأفعال على الداعي فعل العالم المميز لفعله غير الملجئ عند الإمام يحيى وأبي الحسين وابن الملاحمي أن كل فعل يدل على الداعي حتَّى فعل الساهي والنائم إذ لافعل يصدر عندهم إلاَّ عن داع خلافاً لما ذهب إليه الجمهور.
قوله: (وباستحالة اجتماع الضدين على التضاد).
يعني فإن استحالة الاجتماع تابع للتضاد فاستحالة اجتماع السواد والبياض تابع لما بينهما من التنافي.
قوله: (وبوجوب صفات الله تعالى على أنَّها ذاتية)
يعني فلولا كونها ذاتية لم يجب له تعالى والمراد ذاتية أو مقتضاه عن الذاتية وتحرير ذلك أن يقال: قد ثبت وجوبها لله تعالى لاستحالة خلافها عند إمكانها فيجب كونها ذاتية أو مقتضاه إذ الصفة الواجبة لاتخرج عن ذلك ثُمَّ يبطل أحد القسمين ويتعين الآخر.
قوله: (على كذب المدعى).
يعني فإن عدم ظهور المعجز على ندبه تابع لكذبه إذ لولاه لظهر.
قوله: (وبظهوره على صدقه).
يعني فإن ظهوره تابع لصدقه إذ لولاه لما ظهر. مثاله: ظهور القرآن على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فإنه تابع لصدقه ودال عليه ويدل أيضاً على وجوب ظهوره لأنَّه مما إذا أحسن وجب وإذا لم يجب قبح وظهوره تابع للوجوب كما أنَّه تابع للحسن.
قوله: (لو قدرنا أنَّه يسبق العلم بها).
اعلم أن العلل لاتعلم بدلالة الفعل إلاَّ بموجباتها إذ لاشيء منها بمرئي فيعلم بالإدراك ويجوز أن تعلم قبل أحكامها وموجباتها على وجهين إما بأن يخلق الله فينا العلم الضروري بها أو يخيرنا صادق بذلك وحينئذ نستدل بها على تابعها الذي هو موجبها إذا كنا قد علمنا أنَّها لاتنفك عنه ولاتقف في إيجابها له على شرط.
قوله: (وكذلك الاستدلال بالسبب على المسبب).