يعني من أن فيها الحث على النظر والتفكر ولابد من أن يعمل بما فيها مع القول بها.
قوله: وإن لم يقل بها فليس بإمام.
يعني إن لم يقل بها بأن لايعمل بما فيها ولايعترف بأنها حجة ولايقبل ما وردت به بل أنكرها ورفضها فليس بإمام بل كافر لامحالة، وأيضاص فطريق الإمام السمع فإذا لم يقل به فما الطريق إلى أنَّه إمام.
قوله: والمنكرين للقيامة والبعث إلى آخره.
اعلم أن من أبلغ الآيات الواردة في الرد على منكري الحشر والمعاد، قوله تعالى: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} إلى آخر السورة. قال الإمام المؤيد برب العزة يحيى بن حمزة: فالله تعالى حكى في هذه الآية إنكار المنكرين للإعادة وقدر وجه شبههم وأجاب عن كل واحدة منها بوجه يخصه، وهي ثلاث:
الأولى: قولهم أن العظام الَّتِي صارت رميمة كيف يمكن أن تصير حية، وهو المراد بقوله تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم} ثُمَّ لما حكى شبهتهم أجاب عنها: {قل يحييها الذي أنشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم}، وهذا هو الذي عليه تعويلا لمتكلمين من أن افعادة مثل الإيجاد ابتداء وحكم الشيء حكم مثله، فلما كان قادراًع لى ذلك الإيجاد كان قادراً على الإعادة.
الثانية: لنفاة الحشر وهي أن العظام والأبدان إذا صارت رميمة اختلطت الأجزاء بعضها ببعض فحينئذ لايمكن تميز أجزاء بدن عن بدن. وأجاب عنها بقوله: {وهو بكل خلق عليم} وهو أن الله تعالى لما كان عالماً بكل المعلومات أمكنه تمييز أجزاء كل بدن لكل حيوان عن أجزاء بدن غيره وأن ذلك إنَّما يتعذر على من لم يكن عالماً بكل المعلومات.

الثالثة: لمنكري المعاد وهي مشهورة وهي أن القول بالقيامة على ما جاءت به الأنبياء ونطقت به الشريعة محال لأن ذلك يتضمن إعدام هذا العالم الذي نحن فيه وإيجاد عالم آخر وذلك باطل لأصول كثيرة مقررة في كتبهم، وأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بإلزام المنكرين كونه خالقاً لهذه السموات والأرض ومتى سلم للخصم ذلك لزمه كونه سبحانه قادراص على إعدامها لأن ما صح عليه العدم في وقت صح عليه العدم في كل الوقات ويلزمه أيضاً تسليم كونه قادراً على إيجاد عالم آخر لن القادر على الشيء يكون قادراً على مثله لامحالة فظهر بما أشرنا إليه أنَّه سبحانه جمع في هذه الآيات بين الدليل على إثبات المعاد وبين إيراد شبههم ثُمَّ سرد الجواب عليهم على أبلغ شيء وأحسنه.
قال عليه السلام: فأما الآيات الدالة على إثبات الصانع والنبوة والرد على منكريهما فأكثر من أن تحصى وإذا كان كذلك فكيف يمكن أن يقال أن الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة كانوا منكرين للخوض في هذه الأدلة لن الله تعالى أمر نبيه بالجدل في قوله: {وجادلهم بالتي هي أحسن} وإذا ثبت هذا تقرر أن النَّهي عن الخوض في الكلام في المعقولات ما كان مطلقاً، وإنَّما ورد عن تكثير الشبه وإيراد الضلالات وهذا مما لانزاع فيه.
نكتة
ذكر في السيرة النبوية أن سبب نزول هذه الآيات الشريفة الَّتِي منها: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه} أن أبي بن خلف مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعظم بالٍ قد رفت فقال: يامحمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعدما أرى ثُمَّ فته بيده ثُمَّ نفخه بالريح نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: نعم أنا أقول ذلك يبعثه الله وإياك بعدما تكون هكذا ثُمَّ يدخلك النار، ونزلت الآيات بعد ذلك.
قوله: أو تجويزاً للتقليد ونحو ذلك مما يصرف عن النظر.

اعلم أن الأسباب الصارفة عن الخوض في هذا أن العلم والتشاغل بالنظر والتفكر كثيرة وقد ذكرها الحاكم، فمنها: ما ذكره المصنف من إيثار الدعة واللذة والتشاغل باللذات. قال الحاكم: وهذه عادة كثير من الناس وذلك مما لايخفى فساده لن صلاح أمر الدنيا لايحصل مع تلك الآفات فكيف الثواب، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: < حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات>.
ومنها: التقليد وقد ذكره المصنف.
واعلم أن التقليد الذي يصرف عن النظر والتفكر والبحث والتأمل والعلاج السديد في إدراك الحق ووجدانه على ضربين، أحدهما: تقليد الآباء والنشو على مذهبهم وموافقة أهل بلده وجهته. قال الحاكم: لأنَّه إذا اعتاد ذلك واستمر عليه يتعذر عليه مفارقته ولهذا قالوا: {إنا وجدنا آباءنا على أمة}.
وثانيهما: أن يشاهد أكثر الناس على مذهب فيعتقد أنَّه الحق لذهاب الأكثر إليه فيستكفي بذلك عن النظر المستلزم للمشقة ولاينظر إلى قوله تعالى: {بل أكثرهم لايعلمون} {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك} {وقليل من عبادي الشكور}، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: < الحق لايعرف بالرجال > الخبر.
ومنها: أن النظر في الأدلة والخوض في ذلك قد يؤدي إلى زندقة وفساد في الدين فيجعل ذلك سبباً للامتناع عنه. قال الحاكم على ما يعتقده بعض المتفقهة وهو غلط فأحسن لأنَّه لو كان كذلك لكان الله تعالى لايدعو عباده إلى النظر.
ومنها: أن يكون له رئاسة أو يؤمل ذلك وخاف فوته إن تشاغل بالنظر وخاض في الكلام فيعدل عنه إلى غيره من العلوم والآداب. قال الحاكم: وهذه آفة اكثر المتفقهة لأنهم يؤملوا نيل رئاسة يخافون فوتها إن خاضوا في الكلام ولذلك ترى كثيراص منهم يعدل عنه مع البصيرة بأنه واجب حتَّى يتعلم سرا أو يظهر خلافه جهراً وما عليه أصحاب الحديث من أنهم لو خاضوا في علم الكلام لفارقوا طريقة السلف، ولذلك تراهم يحتجون بقول فلان وفلان ويعدلون عن الحجج.

قوله: ويصير به قدوة وإن كان باطلاً.
روي عن الأشعري أنَّه قال: أحب إليَّ أن أكون رأساً في الباطل ولا أكون ذنباً في الحق. أو كما قال.

فصل
إذا ثبت أن النظر يولد العلم فهو لايولد غيره. وقال القاضي وغيره: إن النظر في الأمارات يولد الظن هذه رواية المصنف عن القاضي، وروى ابن الملاحمي عنه في الفائق أن النظر في الأمارات لايولد الظن وإنَّما يختاره الناظر عنده كقول الجمهور.
قال ابن متويه رحمه الله: النظر في الأمارات إنَّما يختار عنده غالب الظن سواء كان نظرا في أمور الدين أو مصالح الدنيا والآراء في الحروب وغير ذلك فلا يولد النظر الظن وإنَّما يذكر المرء به الأمارة الَّتِي قد ذهل عنها حتَّى لو كان ذاكرا لها لم يحتج إلى النظر فصار للنظر في الأمارة حظان أحدهما ذكرها إذا كان ذاهلاً عنها، وثانيهما أن يعرفها أمارة إذا كان قد عرف ذاتها، وعلى كل حال فتوليده للظن محال لأنا نجد العارفين بالأمارة الواحدة ووجه كونها أمارة يختلف حالهما عند النظر فيها في حصول غالب الظن ولو كان سبباً لم يجز أن يختلف انتهى.
قوله: (وإن النظر في المقدمات المعتقدة المطابقة إلى آخره).
مثاله: أن يعتقد أحدنا أن العالم محدث وأن المحدث لابد له من محدث تقليدا لاعن يقين ثُمَّ ننظر في هاتين المقدمتين فإن القاضي يذهب إلى أنَّه يولد له اعتقاداً بأن لها محدثاً ويكون مطابقاً غير علم أيضا.
وقال الجمهور: بل يدعوه نظره في المقدمتين إلى فعل اعتقاد لا أن ثُمَّ توليداً.
قوله: (لنا أنا نعلم حسن جميع النظار).
وفي الإطلاق نظر لأن الخلاف فيه كالخلاف في العلم وقد قال الحاكم: فأما النظر فيجوز أن يقبح إذا لم يكن فيه نفع فيكون عبثاً أو ينظر فيا لدليل ليقف عليه ويطعن فيه، وبالجملة فالخلاف في قبحه والنزاع في ذلك كما تقدم في العلم.
واعلم أنَّه إذا جعل الأنظار حسنة فالمراد النظار على الوجوه الصحيحة وما في ..... أو الأمارات الصحيحة، فأما النظار على الوجوه الفاسدة فلا.
قوله: (ومعلوم أن فيها ما هو قبيح).

يعني الاعتقادات الَّتِي ليست بعلوم والظنون، أما الاعتقادات فالقبيح منها ما كان معتقده لا على ما تناوله ولا كلام فيه وظاهر كلام أصحابنا أنَّه لايحسن اٌدام على شيء منها سواء كانت مطابقة أم لا. قالوا: لأنها لاتخلو إما أن يكون معتقدها لا على ما تناولته فهي جهالات وكل جهل قبيح ولايجوز الإقدام على القبيح وإما أن تكون مطابقة فهو لايأمن كونها جهالات والأقدام على ما لايؤمن كونه جهلاً في القبح كالإقدام على الجهل.
قوله: (لأن قبح المسبب يقتضي قبح السبب).
الوجه في ذلك إنَّما أدَّى إلى القبيح فهو قبيح لامحالة ولا أبلغ من تأدية السبب فإنه موجب، وقد ذكر المصنف في المتولدات أن المسبب إذا كان كثيراً فسببه كثير.
فإن قيل: قد يكون المسبب قبيحاً والسبب حسن كمن يرمي ويقصد برميه كافراً فيصيب مسلماً فالإصابة الَّتِي هي المسبب قبيحة والرمي الذي هو السبب حسن.
قلنا: أما على مذهب الشيخين فعندهما أن هذا يجري مجرى فعل الساهي وفعل الساهي عندهما غير قبيح لأنهما يشترطان القصد، وإما على مذهب الجمهور فيقولون أن المسبب القبيح متى خطر ببال الفاعل صار السبب أيضاً قبيحاً فلو أن الرامي خطر له هذا الخاطر لقبح منه الرمي ولما لم يخطر له بل كان غالب ظنه أنه يصيب الكاف ردون غيره لم يقبح.
قوله: (فأما العلم الحاصل عند النظر في تبين مراد الغير فهو ضروري بالعادة لما بين توليد النظر للعلم وأنه لايولد غيره من جهل ولاظن ولاغيرهما).

أراد أن يبين أن من النظار ما يحصل عنده العلم وليس بمولد له وهو النظر في تبين مراد الغير بكلامه فلا يتوهم أنَّه إذا تكلم ونظر أحدنا وفكر في مراده علم مراده أن العلم متولد عن نظره فإنه ضروري بالعادة ودليل كونه ضروريا حصول علامة الضروري فيه من عدم انتفائه بالشك والشبهة ودليل كونه بالعادة أن أحدنا قد ينظر في تبين مراد الغير فيعلمه وقد لايعلمه ولو كان متولداً عنه لتولد عنه على سبيل الاستمرار ألا ترى أن النظر في الدلالة لما كان مولدا للعلم إذا وقع على الوجه الصَّحيح ولده على سبيل الاستمرار وقد ذكر ابن متويه رحمه الله في تذكرته كون هذا العلم ليس عن هذا النظر.
ويمكن أن يقال أن هذا من المصنف جواب عن سؤال يقدر تقريره أن النظر في تبين مراد الغير بكلامه بعد سماعه يحصل عنه العلم ويولده مع أن كلامه غير دليل على مراده لانتفاء الحكمة إذ لايقطع بأنه أظهر ما في نفسه ولم يلتبس إلاَّ إذا كان معصوما ولكن كلامه أمارة فقد بان أن النظر في الأمارة يولد العلم وإذا كان كذلك فأولى أن يولد النظر فيها الظن ويكون تقرير الجواب أن هذا العلم غير متولد عن النظر في كلامه فلا يلزمنا ما قلتم وإنَّما هو ضروري.
قوله: (لأنَّه لاتعلق للشبهة).
يعني مع أنَّه لامولد النظر في شيء العلم بغيره ولأنه اعتقاد إلاَّ إذا كان بين ما تعلق به النظر وبين ما ولد العلم به أو الاعتقاد تعلق وإلاَّ لم يكن بأن تولد العلم به أو الاعتقاد أولى من غيره ولاتعلق بين الشبهة وما ولد النظر فيها الجهل به إذ لو كان لها تعلق كانت دليلاً ولم تكن شبهة وسيأتي بيان التعلقات المذكورة بين الدليل والمدلول، ووجه اشتراطها إن شاء الله تعالى.
قوله: (بأن لايكون عالماً بوجه دلالته).
مثاله من نظر في العالم من حيث وجوده من دون أن ينظر في وجه دلالته وهي الحدوث.
قوله: (فأولى في النظر في الشبهة).

يعني لأن الدليل إذا كان حيث نظر فيه ولم ينظر في وجه دلالته لايولد العلم مع أن التعلق بينه وبين المدلول ثابت ونفس الأمر فأولى في الشبهة إذ لاتعلق لها معلوم ولاثابت في نفس الأمر ولاوجه دلالة.
قوله: (من الوجه الذي كانت له شبهة أن يولد الجهل لنا).
مثاله: إذا نظرنا في شبهة المجبرة وقولهم قد ثبت أن اللون والجسم اشتركا في صحة الرؤية لهما فلابد من أمر يشتركان فيه لجله اشتركا في صحة الرؤية وليس إلاَّ الوجود فيلزم مثله في حقه تعالى فمن المعلوم أنا إذا نظرنا فيها لم يولد لنا اعتقاد أنَّه تعالى يرى.
واعلم أن هذا وجه أبرزه الشيخ أبو عبدالله للشيخ أبي علي بن خلاد فارتضاه وقرره وعليه سؤالات واردة متعددة مبسوطة في التذكرة ولاحاجة إلى تعديدها إذ هي غير قادحة بل مدفوعة وإنَّما لزم ما ذكره رحمه الله لأن من حق السبب ألا يختلف توليده بحسب اختلاف الفاعلين له.
فإن قيل: فيلزمكم إذا نظر الخصم في دليلكم على الوجه الذي يدل أن يحصل له العلم متولدا عن ذلك النظر.
قلنا: إذا نظر بعين الإنصاف ولم يكابر حكم عقله ولّد ذلك النظر له العلم ونحن نلتزمه ولا نأباه.
قوله: (وقربت من هذا الكلام في الظن).
يعني في أنَّه كان يلزم فيمن نظر في الأمارة الَّتِي حصل بالنظر فيها الظن لواحد معين أن يحصل له الظن إذا كان ذلك على سبيل التوليد لأن الأسباب لايختلف توليدها على ما تقدم آنفاً، ومعلوم أنَّه قد يحصل الظن لناظر في أمارة ولايحصل لآخر دليله المسائل الاجتهادية ونحوها، فدل على أن حصول الظن بدعاء الداعي وإنَّما جعله قريبا من الأول ولم يجعله مثله لن الحال في المارة أخفى من الشبهة فقلّ من ينظر في الأمارة الصحيحة فلا يحصل له الظن بخلاف الشبهة فإن الذي ذكر فيها في غاية التجلي والله أعلم.
فصل
وإنَّما يولد العلم إذا وقع في دليل أو طريقة نظر.
قوله: (أن ينظر في ذات فيحصل له العلم بذات أخرى).

يعني كأن ينظر في العالم فيحصل له العلم بالصانع وإن كان النظر في الحقيقة هو في الحدوث على ما سيأتي ففيه نظر.
قوله: (أو في صفة لذات فيحصل له العلم بصفة لذات أخرى).
مثاله: النظر في كوننا قادرين عند صحة الفعل فإنه يحصل عنه العلم بكونه تعالى قادراً.
قوله: (أن ينظر في صفة ذات فيحصل له العلم بصفة أخرى لتلك الذات).
مثاله: النظر في كونه تعالى قادراً فإنه يولد العلم بكونه حياً.
وعقد الأول: أن يقول الدليل ما أمكن بالنظر فيه أو في صفته أو حكمه التوصل إلى العلم بغيره أو بصفة أو حكم لغيره وقد شمل هذا العقد النظر في حكم لذات فيوصل إلى العلم بذات أو حكم أو صفة لذات أخرى، والنظر في ذات فيوصل إلى العلم بصفة أو حكم لذات.
وعقد الثاني: هو ما كان النظر فيه لايفضي إلى العلم بغير المنظور فيه بل إلى العلم به إما على حال أو حكم وقد دخل فيه النظر في حكم لذات ليتوصل به إلى العلم بحكم لها أو صفة، والنظر في صفة لها ليتوصل به إلى العلم بحكم وإنَّما حصر توليد النظر للعلم على تعلقه بدليل أو طريقة نظر لنه لايمكن النظر في غيرهما إذ لايخرج النظر عن تعلقه بذات أو بذات على صفة أو بذات على حكم.
فصل
وشروط توليده للعلم أن يكون الناظر عاقلاً قد تقدم الكلام على شروط وجوده وهذا هو الكلام في شروط توليده للعلم فأما وجوده فلا يتوقف على هذه الشروط وقد تقدم بيان معنى العقل وأما وجه اشتراطه في توليد النظر للعلم فما علمناه من أن الصبيان والمجانين وإن وجد النظر من جهتهم فإنه لايولد العلم ولاوجه لذلك إلاَّ اختلال هذا الشرط في حقهم وهو العقل.
وفيه سؤال: وهو أن يقال إنَّما لم يولد نظرهم العلم لن من حق الناظر أن يعلم الدليل ووجه دلالته وذلك لايتأتى منهم فلاختلال غير العقل من الشروط لم يولد نظرهم العلم لعدم العقل.

ويمكن الجواب من وجهين أحدهما: أن العلم بالدليل ووجه دلالته إذا كان ضرورياً صح حصوله لهم فكان يلزم إذا نظروا مع حصول العلم بالدليل ووجه دلالته أن يولد نظرهم العلم ومعلوم خلافه.
الوجه الثاني: أنَّه إذا تعذر توليد نظرهم العلم لعدم علمهم الإستدلالي بالدليل ووجه دلالته فإنما عدموا العلم بذلك وتعذر التوصل عليهم إليه بالاستدلال لعدم العقل فيكون عدم توليد نظرهم العلم لاختلال العقل، وإن كان بواسطة تعذر العلم بالدليل ووجه دلالته.
قوله: (وأن يكون عالماً بالدليل).
ووجه اشتراطه ما تقدم من أن اعتقاده الذي ليس بعلم لايكفي في توليد النظر، وأنه لايتولد عنه اعتقاد ليس بعلم فضلاً عن أن يولد العلم.
قوله: (لأن ذلك يتأخر عن العلم المتأخر عن النظر).
أي علمه بأن الذي نظر فيه دليل يتأخر عن علمه بالمدلول وذلك لأن الدليل ما يوصل صحيح النظر فيه إلى العلم ولايعلم أنَّه دليل يوصل النظر فيه إلى العلم بالمدلول إلاَّ عقيب العلم بالمدلول الحاصل عن النظر فيه فإذا علم المدلول علم أنَّه دليل لحصول حقيقة الدليل فيه وهو إيصال النظر فيه إلى العلم.
قوله: (وأن يكون عالما بوجه دلالة الدليل).
وجه اشتراطه أن وجه الدلالة هو التعلق بين الدليل والمدلول والرابط بينهما فلو لم يعلمه الانظر لم يعلم العلاقة بين الدليل والمدلول ولا الرابط بينهما فلم يكن نظره بأن يولد العلم أولى من ألاَّ يولده وقد أوضحه في متن الكتاب.
قوله: (لما جهلوا وجه دلالته وهو صدوره عن عدل حكيم).

20 / 158
ع
En
A+
A-