فالحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له، والمجاز: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة ولابد من اشتراط العلاقة كتسمية الرجل الشجاع أسداً لعلاقة بينه وبين الأسد الحقيقي وهي الشجاعة وقد أنكر قوم وقوع المجاز وهو باطل ودليله وروده في اللغة بكثرة كالأسد في الرجل الشجاع والحمار في الرجل البليد والبحر في الرجل الكريم.
وأما الفائدة الرابعة:
فالنظر من الألفاظ المشتركة لوجود حقيقة اللفظة المشتركة فيه فإنها اللفظة الَّتِي متى أطلقت لم يسبق إلى الفهم بعض معانيها دون بعض إلاَّ لقرينة وهكذا النظر، والقرينة في أصل الغة اسم لحبل يدفن طرفاه ويمد وسطه تربط فيه لاحيوانات استعملت في عرف اللغة فيما قرن به غيره من الإبل لأنهم يقرنون لاصعب إلى الذلول ليذلل وحقيقتها في الاصطلاح: المميزة لبعض معاني اللفظة المشتركة من بعض. وتنقسم إلى لفظية ومعنوية.
وأما الفائدة الخامسة:
فتعيين معاني النظر على ما ذكره المصنف وأما حقائقها فأولها نظر العين، وقد قيل ي: وتحقيقه فتح الجفن الصَّحيح الحدقة إلى حيث تقع الرؤية للمرئي أو القصد لرؤيته إذا لم ير.
وأصحابنا يقولون تقليب الحدقة نحو المرئي .... لرؤيته.
قال ابن متويه: ولابد أن يكون الناظر بحيث يصح أن يرى فلو فتح جفنه وقلب حدقته نحو الداخل إلى بيت مظلم بحيث أنَّه لايصح أن يراه لم يكن ذلك نظراص. والشاهد على هذا المعنى قوله تعالى: {وإذا ما ا،زلت سورة نظر بعضهم إلى بعض} ومن الشعر قوله:
نظروا إليك بأعين مزورة ... نظر التيوس إلى شفار الجازر
وحقيقة نظر الرحمة: إرادة حصول منفعة للغير أو دفع مضرة عنه. والشاهد عليه من الكتاب قوله تعالى: {ولاينظر إليهم يوم القيامة}، وقوله عليه الصلاة والسلام: < من جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة >.
وقول الشاعر:
انظر إليَّ بعين برك نظره ... فالفقر يزري والنعيم يبجل
هذا ما ذكره أصحابنا. وقيل ي: بل المراد ههنا تقليب الحدقة لكن على جهة التجوز.
وحقيقته نظر المقابلة: يحادي ..... بحيث لاساتر ولامايجري مجراه. قيل: ولاحاجة إلى هذا الاحتراز لن مع الساتر أو البعد الذي يجري مجراه لايحاذي. وقيل: بل نظر المقابلة حاصل مع البعد لأن البعد لايمنع إلاَّ من الرؤية فأما من المقابلة فلا، والشاهد عليه ما ذكره المصنف. ومن الشعر:
إذا نظرت إلى جبال أحد ... أفادتني بنظرتها سروراً
فأما الاستشهاد بقوله تعالى: {وتراهم ينظرون إليك وهم لايبصرون} فقيل: أن المراد وتراهم يقلبون أحداقهم إلى جهتك وهم لايرون وليس المراد نظر المقابلة.
وحقيقة نظر الانتظار: التوقع لحصول أمر في المستقبل خيراص كان أو شراص وشاهده من الكتاب ما ذكره المصنف، ومن الشعر:
وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن ياتي بالخلاص
وغير ذلك من الشواهد على ما سيأتي في مسألة الرؤية.
وحقيقة نظر الفكر وشاهده ما ذكره المصنف وكذلك قوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} ومن الشعر قوله:
انظر بفكرك تستبين ... المنهجا واسماؤه
ما ذكره المصنف، قيل: ومنها بحث وتروى واستدلال، وقد اختلف القائلون بأن الاشتراك في اللغة واقع في هل النظر لفظة مشتركة أو لا، فذهب جمهور العدلية إلى أنَّه مشترك بين هذه المعاني الخمسة المتقدم ذكرها آنفاً لاغير، ولبه قال بعضا لجبرية وبعضهم زاد الرؤية في معانيه، وقال الشيخ أبو عبدالله هو حقيقة في تقليب الحدقة مجاز في سائرها، وقيل: حقيقة في نظر الفكر مجاز في سائرها. وقال بعض الجبرية: حقيقة في الرؤية مجاز في سائرها، وذهب بعض متأخري أصحابنا إلى أنَّه حقيقة في الانتظار والفكر وتقليب الحدقة مشترك بينهما مجاز في الآخرين، والدليل على الأول أنَّه إذا أطلق لفظ النظر لم يسبق إلى فهم السامع بعض هذه المعاني الخمسة دون بعض إلاَّ لقرينة وهذا هو معنى اللفظة المشتركة فأما الرؤية فلا دليل على استعمال النظر فيها ولا شاهد لذلك على الصحيح.
فصل
وهو أي نظر الفكر جنس مستعمل فليس داخلاً في غيره من الأجناس وهذا مذهب جل المعتزلة، وحكى الإمام يحيى عن الشعرية أن النظر تردد في أنحاء العلوم الضرورية.
قال عليه السلام: وزعموا أن حصول العلم عقيبه بمجرى العادة، وحكى عن الفلاسفة أن النظر أسباب معدة لصيرورة النفس الناطقة مستعدة استعداداً ثابتاً لفيضان العلوم وأن حصول تلك العلوم من جهة العقل الفعال والذي حكاه عليه السلام عن أبي الهذيل وأبي الحسين واختاره أنَّه استحضار العلوم الضرورية وأنها هي الموجبة له، وحكاية المصنف تخالف ذلك من بعض الوجوه، فأما قول الإمام أنَّها هي الموجبة له فقد سبق أن العلم لايوجب العلم.
قوله: ويلحق بفعله مشقة.
يعني دون سائر أفعال القلوب والمرجع بذلك إلى الوجدان وقد وجدت المشقة فيه دون غيره.
قوله: ويوجب حالاً.
يعني وهو كون أحدنا ناظراص وذهب أبو علي إلى أنَّه لايوجب صفة وهو أحد قولي أبي هاشم واحتج الجمهور بأنه لو لم يوجب حالاً لم يحتج إلى قلب في فعله إذ مالايوجب حالاً للجملة يصح وجوده في سائر أعضاء الحي وفي الجماد ولأنه لاوجه لتعذر النظر مع سهوه عما ينظر فيه إلاَّ كونه يوجب حالاً كالإرادة فإن تعذر إرادة المسهو عنه لذلك وغير ذلك من حججهم وهي مبسوطة في اللطيف.
قوله: لأن أفعالا لقلوب كلها غير باقية.
هذا هو مذهب الجمهور، ودليل عدم البقاء فيها كلها أن أحدنا يخرج عن الاعتقاد وكذلك النظر والإرادة والكراهة والظن لا إلى ضد ولا ما يجري مجراه، ولو كان شيء منها باقياً لما جاز ذلك فيه مع أدلة خاصة فكل معنى منها مبسوطة في اللطيف.
قوله: وليس ما يتركه مما يشتهى فيلحك بتركه مشقة.
المشقة عبارة عما يلحق الحي بترك ما يشتهيه أو يفعل ما ينفر عنه، وإنَّما قال: ليس ما يتركه مما يشتهى؛ لأن عند أصحابنا أن الشهوة لايصح تعلقها إلاَّ بما يصح إدراكه وأفعال القلوب جميعها غير مدركة بشيء من الحواس، وإن خالف أبو علي في الإرادة وقال بأنها تدرك وجميع ذلك مقرر في مواضعه.
فصل
وشرط وجود النظر أن يكون القادر عليه شاكاً، وقد تقدم ذكر معنى الشك.
قوله: وقال القاضي أن يكون مجوزاً وإن رجح أحد المجوزين.
يعني أن المعتبر التجويز سواء كان شاكاص بأن يستوي المجوَّزان عنده أو ظاناص بأن يرجح أحدهما، فأجازه القاضي مع الشك والظن.
قوله: وكل هذه متقاربة لأن المقلد والمنخب غير قاطعين.
فيه نظر؛ فإن المقلد والمنخب الأغلب أنهما قاطعان أو في حكم القاطع وإن لم تسكن أنفسهما عند التشكيك وتجويزهما لغير ما يعتقد أنَّه تجويز ضعيف لايصير وجهاً لحصة وجود النظر، وقد صرح ابن متويه بإبطال صحة النظر من المعتقد الذي ليس بعالم فإنه قاطع ولم يتعذر النظر من العالم إلاَّ للقطع فكذلك من المعتقد غير العالم.
قوله: وقال أبو عبدالله يصح مع العلم.
اعلم أن حكايته هذه عن أبي عبدالله فيها نظر، والذي حكاه ابن متويه عن أبي عبدالله القول بأن النظر يصح مع القطع على المدلول مالم يكن علماً فعنده إذا اعتقد تقليداً أو منتخباً فالنظر صحيح وإنَّما يمتنع عند علمه بالمدلول، هذا لفظ ابن متويه في الحكاية عن أبي عبدالله، ولعل المصنف توهم ذلك من ظاهر الشبهة الَّتِي حكاها عن أبي عبدالله إلاَّ أن ابن متويه لم يوردها شبهة له وإنَّما أوردها سؤالاً مجملاً، أجاب بما أجاب به المصنف.
قوله: ليعلم أنَّه دليل لا ليعلم المدلول.
هذا الجواب لايتأتى على مذهب الشيخين لأن العلم بالدليل عندهما علم بالمدلول لكن يأتي على القول بأن العلم بالدليل ليس علماً بالمدلول، وهو قول أبي إسحاق وأبي عبدالله وقاضي القضاة، قالوا: وإنَّما العلم بالدليل علم بأنه مما يصح الاستدلال به، فأما أبو هاشم فيكون جوابه عدم التسليم فإنه يمنع لأجل العلم بالمدلول من النظر في الدليل. قال: لولا ذلك والأصح أن ينظر في المشاهدات ونحوها فلما لم يصح دل على أن العلم به يمنع من النظر، وحكي عن أبي علي أنَّه إذا نظر في الدليل فعلم المدلول فلا يصح نظره في دليل آخر ليعلم ولكن ليزداد علماص.
والصحيح أنَّه إذا نظر في الدليل بعد علمه بالمدلول فهو ليعلم أنَّه مما يصح الاستدلال به وأنه طريق للمعرفة وهذا أمر لم يكن قد علمه ولانظر فيه.
تنبيه
أغفل المصنف رحمه الله شرطاً في وجود النظر يذكره أصحابنا وهو حصول البنية المخصوصة ولعله اكتفى باشتراط كونه قادراً عليه لنه لايكون قادراً عليه إلاَّ مع وجود القدرة ولاتوجد القدرة عليه إلاَّ مع البنية الَّتِي يصح وجوده معها فاكتفى بذكر ذلك الشرط، ولكن هذا لايصح على أصله رحمه الله لأنَّه يجعل قدر الجوارح قدراً على أفعال القلوب والعكس، فلو قدرنا أن بعض القادرين لم يكن له قلب ولا ما يقوم مقامه مما يبنى بنيته لكان قادراً على النظر ولايصح منه إيجاده فحينئذ لابد من اشتراط لابنية.
تنبيه آخر
في بيان وجه اشتراط هذه الشروط.
أما الأول فلأن النظر فعل ولايصح إلاَّ من قادر.
وأما الثاني فلما قد تبين وصح من أن القاطع لايصح أن ينظر فمن قطع على صحة شيء أو فساده لم يصح أن ينظر فيه.
وأما اشتراط حصول البنية فلأنه لو لم يكن شرطاص وصح وجوده من دونها لزم صحة أن يفعل النظر في يده أو رجله فيجد النظر من تلك الناحية كما يجده من ناحية صدره ومعلوم خلافه، ووجه آخر يخص النظر الذي يولد العلم وهو أنَّه لايولد إلاَّ في محله إذ لاجهة له فكان يلزم لو وجد من دون بنية القلب أن يوجد العلم في محله ذلك، وقد تقرر أن العلم لايصح وجوده في غير القلب أو ما يكون مبنياص كبنيته.
فصل
والكلام في تماثل النظر واختلافه كالكلام في العلم فيتماثل النظران باتحاد المتعلق والوجه والطريقة والوقت. ودليل تماثلهما اشتراكهما في التعلق على أخص ما يمكن والاشتراك فيه يكشف عن التماثل لأنَّه أخص ما ينبي عن صفة الذات، ويعرف اختلاف النظرين باختلال أحد هذه القيود.
قوله: خلافاً لأبي علي.
اعلم أنَّه يذهب إلى أن النظرين في شيئين يتضادان سواء كان متعلقاهما ضدين أم لا، وإلى هذا ذهب أبو هاشم أولاً ثُمَّ رجع عنه.
قوله: وإن يكون التعلق منعاً يعني كتعلق العلم بشيء والجهل به فإن تعلقهما متعاكصاص فاعلم متعلق به على أنَّه موجود مثلاً والجهل متعلق به على أنَّه ليس بموجود، فأما مع عدم اتحاد المتعلق فلا تضاد.
قوله: وتعاكسه مفقود ههنا.
يعني فإن النظرين إذا تعلقا بمتعلق واحد فتعلقهما غير متعاكس بل تعلق متماثل مثاله النظر في العالم على سبيل الجملة فإن أحد النظرين إذا تعلق به على أنَّه محدث فكذلك لابد أن يكون تعلق الآخر إذا كان نظراً صحيحاً.
فإن قيل: فما قولكم إذا كان أحد النظرين صحيحاً والآخر فاسداً كالنظر في حدوث العالم والنظر في قدمه فإن المتعلق واحد والتعلق متعاكس لن أحدهما تعلق به على أنَّه محدث والآخر على أنَّه قديم، فقد حصل ما شرطتموه من التضاد من اتحاد المتعلق وتعاكسه، وحصل منهما أمارة التضاد من امتناع الاجتماع فهلا منعتم من التضاد في الأنظار الصحيحة لاغير.
فالجواب: أن النظرين اللذين ذكرتهما لايسلم امتناع اجتماعهما فلو اعتقد مثلاص أحدنا قدم العالم وحدوثه صح منه النظر في القدم والحدوث ولأنهما لو كانا ضدين لم يجز أن يحتاج أحدهما إلاَّ إلى ما يحتاج إليه الآخر لأن ذلك من حكم الضدين ومعلوم أن أحدهما يحتاج إلى اعتقاد القدم أو ظنه أو الشك فيه والآخر يحتاج إلى غير ذلك، وهو اعتقاد الحدوث أو ظنه أو الشك فيه.
قوله: واتحاد المتعلق يقتضي التماثل.
يعني إذا لم يكن التعلق متعاكساً.
قوله: فأما النظر في شيئين فلا نسلم لأبي علي امتناعه وإذا لم يثبت له امتناعه لم يستقم له الاستدلال على التضاد.
اعلم أن أبا هاشم لما منع التضاد في الأنظار قال: تارة بجواز النظر في شيئين وقال تارة بمنعه لفقد الدواعي إلى الجمع بينهما كما يمتنع فعل النظر مع كراهته لفقد الداعي لا لتضاد بينه وبين الكراهة فقد جوز ابن متويه رحمه الله أن يكون امتناع ذلك لاعتقاد سابق من الناظر لتضاد النظرين فلا يروم الجمع بينهما فلو رامه لوقع منه كما ينظر أحدنا بنظرين في خبر مخبرين أحدهما قال: إن في الطريق سبعاص، والثاني قال: لاشيء فيها. فإنه في حالة واحدة ينظر فيهما بنظرين.
فصل
والنظر يولد العلم خلافاً لأهل الحيرة القائلين بأن النظر يؤدي إلى الشك والحيرة واللبس، وللقائلين بأن أدلة أهل المذاهب المختلفة متكافئة، وللقائلين بأن الإسلام لم يرد إلاَّ بالسيف وإن النظر بدعة.
قيل: وأهل هذه المذاهب الثلاثة يقرب أن مذهبهم واحد وإن اختلفوا في التلعيل ويجمعهم القول بان النظر قبيح غير واجب. قال ابن متويه: فأما من يعتقد أن النظر يوقعه في حيرة وشبهة مع أن موضوعه في بديهة العقول أن تنكشف به للمرء الأمور الملتبسة فقد دفع ما يقتضيه عقله وأنبأ عن نقيصته وجهله فلا وجه للاشتغال بكلامه.
قوله: والنظر ليس بأن يدعو إلى اعتقاد المدلول على صفة أولى من غيرها.
يعني وإنَّما الناظر مستكشف بالنظر عن حال ما ينظر فيه ومما تبين له أنَّه ليس بداع أن الداعي اعتقاد المرء أو علمه أو ظنه أن له في الشيء جلب نفع أو دفع ضرر وليس هذا حال النظر.
قوله: ولايرد بذكر النظر.
يعني فيقال: قد جعلتموه داعياص مع أنَّه ليس بأن يدعو إلى شيء أولى من غيره.
قوله: حق الشرط المقاربة.
يعني والنظر متقدم على العلم فلا يجعل شرطاً فيه لأنَّه لاتأثير للشرط إلاَّ إذا قارب لا ما تقدم أو تأخر وذلك ظاهر بيّن.
قوله: كان يجوز اختلاف العادة فيه كالحفظ.
يعني فإن أحدنا قد يدرس فلا يحفظ أو لايحفظ إلاَّ بدرس كثير والآخر قد يحفظ من أول وهلة لما كان حصول العلم عنده بالعادة بخلاف النظر فإن الناظرين إذا نظرا على الوجه الصَّحيح واستحضرا مقدمات النظر على سواء ولّد نظرهما في الوقت الثاني.
قوله: فمن حيث يتمكن من استحضار المقدمات.
مثال ما ذكره أن ينظر ناظران في إثبات الصانع فاهتدى أحدهما أولاً إلى النظر في ثبوت الأعراض ثُمَّ في حدوثها ثُمَّ في استحالة انفكاك الجسم عنها ثُمَّ عرف حدوث الأجسام ثُمَّ نظر في أن المحدث لابد له من محدث ثُمَّ عرف حينئذ أن للعالم صانعاً فحصل له العلم في وقت يسير والآخر لم يهتد إلى ترتيب المقدمات على الفور وعرضت له مع ذلك وجوه اللبس ووردت عليه أنواع الشبه، فتأخر حصول العلم له عن حصوله للأول.
قوله: فمن حيث نظر على الوجه الصَّحيح.
مثاله أن ينظر ناظران في العالم فينظر أحدهما فيه على أنَّه محدث فيحصل له العلم بالصانع لكونه على الوجه الصحيح، والآخر اعتقد قدمه فنظر فلم يحصل له العلم لما نظر على الوجه الفاسد.
قوله: لضروب من اللبس تعرض.
اعلم أن وجوه اللبس كثيرة فقد يلتبس المدرك للمجاورة كما إذا وضع الزعفران في اللين فاعتقد المدرك له أنَّه أصفر وكمن يرى السراب مع ماصة من الصقالة واللمع فيلتبس عليه بالماء كذلك إلتباس العنبة بالأجاصة ونحو ذلك من الغلط في المناظر.
قوله: وكذلك الحساب.
يعني فقد يحتسب شخصان فيدعي كل واحد منهما في الحساب خلاف ما يدعيه الآخر ويعتقد كل واحد منهما أنَّه المصيب ثُمَّ ينكشف لأحدهما أن المصيب الآخر وقد يتبين انهما معاص مخطئان ولم يقتض ذلك أن الحساب غير موصل إلى العلم وكذلك الإدراك لايدل الإختلاف بين المدركين على أنَّه ليس بطريق إلى العلم.
قوله: وفي هذا خروجها عن كونها أدلة فضلاص عن كونها متكافئة.
يعني فلم سميتموها أدلة ووصفتموها بذلك مع أن الدليل ما أوصل إلى العلم.
قوله: وأما أن يوصل بعضها إلى العلم دون البعض. في النسخة الَّتِي بخط المصنف: وإما أن يوصل بعضها إلى البعض. لكن لايشتبه الحال في انه إلى العلم، وأن ذلك من سهو القلم.
قوله: فكلها يتضمن الحث على النظر والتفكر يعني كقوله تعالى: {أفلا ينظروا في ملكوت السموات والأرض} ونحو ذلك من الآيات الشريفة الواردة في هذا المعنى، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم : < من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله ..> الخبر، وفي دعوى الإجماع مع استقرار خلاف هؤلاء الخصوم نظر، ولعله أراد إجماع من قبلهم.
قوله: والمطالبة بالبراهين.
كقوله تعالى {قل هاتوا برهانكم} وقد ورد في القرآن الكريم المحاجة والمجادلة لأرباب الكفر، قال الحاكم: ألا ترى كيف جادلهم في البعث بقوله تعالى: {فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة} ونحوه، ثُمَّ حاجهم في الإرادة بقوله تعالى: {سيقول الذين أشركوا} الآية، وحاجهم في الرؤية: {يسألك أهل الكتاب} الآية، وحاجهم في النبوة بقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب ما نزلنا على عبدنا} الآية، وحاجهم في النسخ بقوله تعالى: {ماننسخ من آية أو ننسها} الآيةن وحاجهم في اللطف بقوله: {ولو بسط الله الرزق} الآية.
وروى الحاكم عنه صلى الله عليه وآله وسلم: < إن لله عباداً هم الخصماء للصادين عن الله يخاصمونهم بحجة الله هم قادة الحق والدعاة إلى الله ولاذابون عن حرمه والقائمون بأمره أئمة الهدى ومصابيح الدجى> الخبر بطوله.
وروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: < إن لله عباداً من أمتي قوامين بحجة الله داعين إلى الله وإلى نفي التشبيه ونفي الظلم> الخبر.
قال رحمه الله: وكلامات الصحابة وخوضهم في ها الفن كثير.
فإن عائشة أنكرت قول من أثبت الرؤية واحتجبت بالآية المعروفة وخطاب علي عليه السلام من سمعه يحلف بالذي احتجب بسبع سموات، وسياتي ذكره.
قوله: إن قام بها فالكلام كما تقدم.