قلنا: يصح وجود أحدهما بدلاً من الآخر لأنَّه لو لم يصح ذلك قبل وجودهما لم يكن أحدهما تركاً للآخر ولم يكن استحالة وجود أحدهما لأجل وجود الآخر ولابد من ذلك فقد ثبت إيجاد وقتهما وثبوت التضاد فيهما. وقولنا: من القادر بقدرة. مبني على اصطلاح المتكلمين فمن قواعدهم أنَّه لايطلق اسم الترك والمتروك على مقدور القادر لذاته. وقولنا: وجد أحدهما؛ لأنَّه إذا لم يوجد لم يكن تركاً لأن تسمية الترك يبنى على وجوده وأمر زائد عليه، وهو منعه للمتروك عن الوجود. وقولنا: وامتنع وجود الآخر؛ لأنَّه لو لم يمتنع لم يكن متروكاص بل حاله كما كانت في صحة الوجود قبل وجود الترك.
وقولنا: لأجل وجوده؛ لأن خاصة المتروك أن يمتنع وجوده لأجل وجود غيره، وأن يكون وجود ذلك الغير محيلا لوجوده ذكر هذه الحقيقة الفقيه قاسم. قال: وهي أصح ما يذكر في حدهما.
قوله: (والترك عندي فعل).
اعلم أن مذهب أبي علي أن التروك أفعال وأنه لايمكن القادر بقدرة الخلق عن فعل الشيء وفعل ضده فمن لم يفعل المعرفة فقد فعل ضداً لها وهو المسمى بتركها وأبطله الجمهور بأن أحدنا قد لايريد تصرفات لاناس في الأسواق ولايكرهها فقد خلا عن الشيء قصده.
وأجاب بأنه لم يخل من الضد إلاَّ إلى ثالث وهو الإعراض ونقض عليه بأن الإعراض ليس بمعنى إذ لايوجد من النفس ولادليل عليه، ولما ذهب أبو علي إلى أن الترك فعل وأنه لايمكن الخلو عن الواجب إلاَّ إلى فعل ضده جعل العقاب مستحقاً على فعل الترك للواجب.
وقال الجمهور: يستحق الذم والعقاب على أن لم يفعل الواجب وإذا اشتغل عن الواجب بفعل استحق أيضاً الذم والعقاب عليه فيستحق الذم والعقاب من جهتين وأجازوا ألا يستحق الذم والعقاب إلاَّ من جهة واحدة بأن لايفعل حال امتناعه من الواجب شيئاً وسيأتي تحقيقه.
قوله: (إلا أن عدم فعله للمعرفة إثماً يقبح).

كان الأولى أن يقول: إن عدم فعله للمعرفة إنَّما يكون كالقبيح أو لايوصف الإخلال وعدم الفعل بالقبح لكنه تجوّز.
واعلم أن لأبي علي مذهباص آخر في وجه وجوب المعرفة غير ما ذكره المصنف وهو أن المعرفة وجبت لدفع ضرر العقاب وذهبت المجبرة إلى أن وجه وجوبها ورود الشرع بذلك بناء على أن وجه الوجوب الأمر ولاوجوب من جهة العقل فسيأتي الكلام عليهم إن شاء الله تعالى.
فصل: ومعرفة الله تعالى مما يجب على جميع المكلفين
أي على كل واحد منهم على انفراده فلا يقال هي فرض على الكفاية أو متعينة على البعض دون البعض لأن وجه الوجوب حاصل في كل واحد.
قوله: لأنَّه معها يكون أقرب لامحالة.
هذا الجواب أن يقال الألطاف على ضربين عقلية وشرعية فالعقلية يعتبر في وجوبها ما عند المكلف فما علم على أن له أثراً في فعل الطاعة وبعثاً عليها وجب عليه ولاغيره بما في نفس الأمر، وهذا حال المعارف الإلهية والعلم باستحقاق الثوابوالعقاب فإن كل عاقل يعلم بأنه معها أقرب إلى أداء ما كلف فيجب عليه، وإن كان في باطن المر لاحظ له في ذلك، وأما الألطاف الشرعية فلم تجب علينا إلاَّ لأنها في باطن الأمر تدعونا إلى الطاعة ويكون توقيفاً وعصمة لأنَّه تعالى أمر بها لا لعلمنا أن لها حظاً في ذلك والحكيم تعالى لايأمر إلاَّ بما هذه صفته وإلاَّ كان عبثاً لايحسن الأمر به.
قوله: وبعد ففي علمنا يكفر الجاهل بالله ضرورة من دين النبي وإجماع الأمة إلى آخره. هذا الجواب ذكر ما في معناه ابن متويه.
واعترض كيف يمكن الاحتجاج بالإجماع ونحوه ولايصح كون ذلك حجة إلاَّ بعد العلم بالله تعالى وعدله وصحة الإجماع مترتبة على ذلك وعلى صحة نبوة النبي.
وأجيب بأن توقف ذلك هو على العلم بالله ولم يستدل بذلك على الله تعالى ولاجعلناه طريقاً إلى حصول العلم به وإنَّما استدللنا بذلك على كفر الجاهل وهو يتضمن وجوب المعرفة على كل مكلف فلا دور ولاتوقف.
فائدة

ذكر بعض أصحابنا المتأخرين أن المكلف إذا فعل ما كلف فعله قبل العلم بالله تعالى من عنى قصد التقرب إلى الله تعالى بل أداه على الوجه الذي كلف أداءه عليه فإن كان من التكاليف العقلية فعلاص كرد الوديعة وتركاص كترك الظلم فإنه يستحق على ذلك الثواب إذا فعل الواجب لوجه وجوبه وترك القبيح لقبحه وإن لم يعلم الله تعالى، ولاقصد التقرب إليه بذلك؛ لأنَّه قد أدَّى ما يخلفه على الوجه الذي كلف وعلى هذا يجوز باستحقاق الجاحدين للثواب وإن كان من التكاليف الشرعية فعلاً كأداء الصلاة والزكاة أو تركاص لامتناع من شرب الخمر والزنا فالذي ذكره بعضهم أنَّه لاثواب على ذلك إلاَّ بعد العلم بالله تعالى، وقصد التقرب إليه.
قيل ي: والأصح أنَّه يستحق الثواب مع علمه بالله وإن لم يقصد التقرب به بل فعله أو تركه للوجه الذي كلف، والوجه في ذلك أنَّه أدَّى ما كلف على الوجه الذي كلف به وإن كان الثواب أكثر مع قصد التقرب، وإنَّما اشترطنا في استحقاق الثواب على الشرعيات العلم بالله تعالى وتوحيده وعدله ومعرفة صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لاتعلم ولايصح العلم بها إلاَّ بعد العلم بما ذكرنا إلاَّ لغير ذلك.
فصل
قوله: ويلحق بها ما يترتب عليها.
يعني في العلم لنه لايمكن العلم بالمور الَّتِي سيأتي عدها إلاَّ بعد العلم بمكان الله تعالى، وإن كانت ثابتة في نفس الآمر سواء علم أو لم يعلم.
قوله: ونشر الصحف ونحو ذلك.
يعني من المرور على الصراط والوقوف للسؤال في مواقف القيامة وخصائص ذلك اليوم نسأل الله السلامة فيه.
قوله: ونحو معرفة الطبع والختم.
الطبع والختم المذكوران في القرآن عند أصحابنا سمة وعلامة يفعلها الله في قلب العاصي لتعرفه الملائكة فلا يشتغلون بإيراد الخواطر والألطاف عليه وليتميز بها الكافر من المؤمن ففي العلم بهما لطف فهذا أحد تفسيرات الطبع والختم، ولهما تفاسير أخرى وفيهما اختلاف وموضعه أسفار التفسير.
قوله: وسماع القرآن.

أي ويلحق بالمعرفة مما يعد لطفاً وإن لم يكن مما يترتب عليها ولا من المعارف سماع القرآن ويتبع السنن والآثار الواردة بالزجر والتخويف.
قوله: واشباه ذلك.
يعني كسماع الصواعق والعلم بنزول النقمة بأهل المعاصي ونزول الفنا والأمراض وموت الأقارب وبالجملة فلا خاصة لتعيين الألطاف.
فصل
وأقل ما يجوز أن يكلف المرء علماً يعني إذا كملت له شرائط التكليف لأن مع إكمالها له لابد من تكليفه وتبقيته وقتاً يفعل فيه ما كلف أو يتمكن من فعله.
قال أصحابنا: إذ لو لم يكلفه تعالى مع إكمال الشرائط وتبقيته وقتاً يمكنه فيه تأدية ما كلف لكان بمنزلة من يصنع للغير طعاماً فلا يمكنه منه أو يتلفه قبل أن يمكنه منه ثُمَّ اختلفوا في القدر الذي لابد أن يكلفه ويبقيه الوقت الذي يسعه ثُمَّ يجوز احترامه من بعد الاختلاف الذي ذكره المصنف.
قوله: اللطف لايراد لنفسه.
أي ليس يجب لوجه يرجع إليه كرد الوديعة ونحوها بل يجب ليوصل إلى غيره أو يقرب من فعله.
فصل
قوله: والذي قد استقر عليه التكليف مع التبقية.
يعني فأما لو حصلت شرائط التكليف وقدرنا أنَّه لم يبق فليس عليه تكليف بشيء.
قوله: والشرائع.
يحتمل أنَّه أراد بالشرائع مسألة الأسماء والأحكام وما كان من مسائل الوعيد لا يوصل إليه إلاَّ بالسمع كإيصال العقوبة والخلود وكذلك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ومسائل الإمامة.
ويحتمل أن يريد بالشرائع أصول الأحكام الَّتِي لايعذر أحد عن معرفتها كوجوب الصلاة والزكاة والحج ونحوها.
قوله: من مقدمات.
ولو لحق المقدمات النظار الَّتِي لايتوصل إلى العلوم إلاَّ بها ويحتمل أن يريد بها الأدلة وترتيب مقدماتها واللواحق المسائل المتفرعة عن كل أصل من هذه الأصول والأجوبة عن الأسئلة لاواردة على الأدلة وعن القوادح من السنة وإن كان بعض ما ذكرناه من فروض الكفاية فإنه مكلف به وقد يتعين عليه إذا لم يقم به غيره.
فصل وأول علم بالله تعالى

عند القاضي وأبي الهذيل أن يعرف أن لهذه الحوادث محدثاً لأنَّه يكون قد علمه على الجملة وها هو مذهب أبي عبدالله وابن الملاحمي وتلامذة القاضي منهم السيد الإمام.
قال ابن متويه: وبيان ذلك أنَّه إذا عرفه العالم مفصلاص فقد عرفه محدثاص لهذه الحوادث ومن حق العلم الذي هو جملة أن يطابق علم التفصيل كما أن من حق علم التفصيل أن يطابق علم الجملة.
قوله: وقال أبو هاشم أن يعرف محدثها بصفة من صفاته.
يعني أما أنَّه قادر لذاته أو عالم لذاته أو نحو ذلك.
قوله: بناء منه على أن العلم الجملي لايتعلق .
يعني فإن العلم بأن لها محدثاً علم جملي وإذا لم يتعلق لم يكن علماً بالله إذ لايكون علماً بالله إلاَّ ما تعلق به.
قوله: وقال أبو علي أن يعرف أن لها محدثاً مخالفاً لنا.
قيل: والذي أداه إلى ذلك أنَّه إذا علم أن لها محدثاص على الجملة وهو مع ذلك يجوز أنَّها أ؛دثت نفسها أو أ؛دثها بعضها لم يمكنه مع ذلك العلم بحدوثها أجمع ولا أن يعرف أن لها صانعاً لمكان ذلك التجويز.
وأجيب بأن هذا التجويز لايمنع من كون العلم الول علماًب الله تعالى على وجه الجملة وإذا اعتقد ذلك الجواز فقد جهله على طريق التفصيل.
قوله: وهو كمذهب أبي هاشم لأنَّه إنَّما يعرف أنَّه مخالف لنا إذا عرفه بصفة من صفاته.
يقال: أنَّه يجوز أن يعلمه بصفة من صفاته وإن لم يعلمه مخالفاً لنا فليس في علمه بكونه قادراً أو نحوها ما يقتضي العلم بأنه مخالف لنا إنَّما الذي يقتضي ذلك العلم به على الصفة الأخص ولم يشرط العلم به عليها أبو هاشم.
ويجاب بأنه إذا علم كونه قادراً لذاته أو عالماص لذاته علم أنَّه ليس مثلاً لنا إذ ما كان مثلاً لنا لايجوز أن يكون قادراً للذات ولا عالماً للذات.

واعترض كلام أبي علي بأن العلم بأنه مخالف لنا لايثبت إلاَّ بعد العلم بأنه ليس بجسم والعلم ينفي التجسيم لايحصل لنا مالم يحصل العلم بأنه قادر عالم موجود قديم فإن أراد أبو علي أن العلم بالله لايتعلق حتَّى يحصل هذه العلوم لم يصح فإن عند العلم بأ،ه قادر يتعلق العلم به عند جميع المتكلمين.
وأجيب بأنه ما عنى بقوله مخالف لنا إلاَّ أن العلم لايتعلق بذاته تعالى حتَّى يعلم أن الأجسام لم تحدث أنفسها أو لا أحدثها شيء من الأجسام ....... المتعلق علمنا بها في الحال.
قيل ي: والولى أن مراد أبي علي ما يقتضيه ظاهر قوله وهو أن أول علم بالله عنده أن يعلم أن لها محدثاص وأنها لم تحدث أنفسها ولا أحدثها جسم ولا بصر توقف تعلقه على العلم بنفي الجسمية وفي كلام ابن الملاحمي والمحيط ما يقضي بذلك وأن أبا علي لا يثبت العلم متعلقاص بذات الله تعالى حتَّى يعلم أنَّه لايشبه المحدثات.
قال الفقيه قاسم ما معناه: ومذهب أبي علي وإن كان أنَّه لايعلم الله إلاَّ بعد العلم بنفي التجسيم فهو تقدم الكلام في أن الأجسام لم تحدث نفسها ولايحدثها غيرها مما هو مماثل لها.
فصل
قوله: ومعرفة الله مقدورة لنا لقدرتنا على شبهها وهو النظر.
قد تقدم بيان أن النظر سبب في المعرفة وأن فاعل السبب فاعل المسبب، والفاعل من وجد من جهته بعض ما كان قادراً عليه، فأما قدرتنا على النظر فلما ذكره من وقوعه بحسب قصودنا ودواعينا وذلك دليل واضح على أنا قادرون عليه وسياتي تقريره في مسألة الأفعال.
قوله: ظاهر التهافت.
قال ابن فارس: هو تساقط الشيء شيئاً بعد شيء ومنه تهافت الفراش في النار، وكل شيء انخفض واتضع فقد هفت وانهفت.
قوله: إقرار بالجهات بالله تعالى.

لأن المعارف عنده نظرية لاضرورية يعني فإذا لم تكن المعرفة ضرورية حاصلة من جهته تعالى ولامنا لعدم قدرتنا على شبهها وعليها فقد أقر بالجهل الذي هو الجهل اللغوي وهو عدم العلم بالله تعالى لا الجهل الاصطلاحي إذ ليس يلزم فيمن لم يعلم أن يحصل له اعتقاد جهل فإن اعتقد اعتقاداً مطابقاً فليس يعلم لاعترافه بعدم حصول العلم منا إذ لانقدر عليه ولامنه تعالى إذ لايجيز المعرفة الضرورية.
فإن قيل: إن الرازي إنَّما يمنع عن أن يخلق الله فينا العم ابتداء وعن أن نفعله نحن فأما أن يخلق الله تعالى فينا نظراص يولد العلم فلم يمنع منه فلا يكون كلامه إقراراً بالجهل به تعالى.
قلنا: إذا منع حصول العلم الضروري فهو عام لما حصل فينا لامن قبلنا وسواء كان مبتدأ او مسبباً. واعلم أنَّه إذا منع كون المعارف ضرورية فإنما أراد بالضروري ما يفعله الله ابتداء وحصل فيه حقيقة الضروري ولم يكن حاصلاص بقدرة العبد وإن كانت موجبة عنده والفاعل هو الله في الحقيقة وإذا نفى القدرة على النظر والمعرفة فلعله يريد قدرة الإحداث لاقدرة الاكتساب على قواعدهم في الأفعال ولاكلام أن الرازي على ..... في العلم ومعرفته كان كثير التخبط لايحترز عن المناقضات ولاتقهقر عن المهاوي والمتالف.
قوله: مع أنَّه إنَّما يبطل النظر بالنظر هذا وجه آخر في إبطال قول الرازي وتقريره أن يقال له: هل علمت عدم القدرة على النظر والعلم بالضرورة بغير صحيح إذن لشاركناك في ذلك أو علمت ذلك بالنظر فقد أبطلت ما ذكرت من أن النظر والعلم غير مقدورين لنا.
فصل
قوله: ومعرفة الله تعالى مما يجب على العاقل في كل حال إلاَّ في حال السهو.

فيه سؤال: وهو أن يقال إن كان السهو معنى يوجده الله تعالى في أحدنا يمتنع معه العلم استقام ما ذكره من أن حاله السهو لاتكليف علينا فيها لكن ليس هذا مذهبك وإن كان السهو عدم المعرفة فلا معنى لإسقاط التكليف عنه بالمعرفة حال السهو وهو زوالها لن الواجب عليه تحديدها.
والجواب: أن المراد بالسهو زوال العلوم الضرورية إذ زوال الاستدلالي سهواً وقد صرح به بعض أصحابنا ولا كلام في سقوط تكليفه بتحديد المعرفة مع زوال العلوم الضرورية لأنَّه لايمكنه تحصيلها إلاَّ مع خلق الضرورية له الَّتِي هي علوم العقل.
واعلم أن سقوط تكليف الساهي مما يحكم به العقل ولاخلاف بين الأمة في سقوط تكليف الساهي بمعنى أنَّه لايأثم فيما أخل به أو فعله حال السهو وإن اختلفوا في الضمان.
قوله: للوجه الذي لأجله وجبت في أول أحوال التكليف.
يعني وهو كونها لطفاً إذ لافرق بين الأوقات في ذلك.
قوله: وبالاحتراز من العوارض والأضداد عند من يقول ببقائها.
اعلم أن أضدادها عند من يقوب بقائها كالشيخ أبي هاشم والشيخ أبي عبدالله الجهل والخلاف فيه والسهو عندهما وهو وإن لم يكن مقدوراً فالاحتراز عنه بأن لايفعل ما يقع عنده من شرب المسكر وأكلها والعوارض والظن سواء تعلق بمتعلقها أو بنقيضه فإنه لايجامع العلم، ولهذا قد قيل: بأنه ضد للعلم وإن تعلق بمتعلقه لامتناع اجتماعهما. حكاه الحاكم عن أبي علي وأبي إسحاق وقاضي القضاة، لكن الصَّحيح أنَّه ليس بضد وأن امتناع حصوله مع العلم لمقاربته التجويز الذي لايقارب بجامع العلم ومن العوارض الشك والتوهم والشبه القادحة والسؤالات الواردة على الدليل فكل هذه إذا عرضت للعالم نفت علمه في الغلب.
قوله: ولكن لايعلم أنَّه عالم هذا على الأصح وإن كان أبو القاسم يمنع أن يعلم أحدنا الشيء ولايعلم أنَّه عالم به على ما تقدم.
قوله: إلاَّ بتأمل مستأنف.

يعني وهو بأن يرجع إلى نفسه فيجدها ساكنة إلى المعلوم فيتأمل فيعلم أن السكون لايكون إلاَّ عن علم إذ هو حكم صادر عن العلم لايجوز صدوره عن غيره فإذا تأمل هذا التأمل علم حصول العلم له وإذا عقل لم يعلم حصوله وإن كان حاصلاً.
القول في النظر
هو مشترك بين معان ونحن نقدم مقدمة تشتمل على فوائد خمس:
الأولى: في قسمة الألفاظ وحقائق أقسامها.
الثانية: في ذكر الألفاظ ذوات المعاني.
الثالثة: في حقيقة الحقيقة والمجاز.
الرابعة: في حقيقة النظر.
الخامسة: في تعيين معانيه وحقائقها والشواهد عليها فإنها مقدمة تستدعيها ذكر معاني النظر وكونه مشتركاً ويحتاج إليها هذا الباب وغيره من ابواب الكتاب.
أما الفائدة الأولى:
فالألفاظ على قسمين مهمل ومستعمل فالمهمل مالم يوضع لمعنى ككادث ومادث والمستعمل ينقسم إلى مفيد وغير مفيد وما يجري مجرى المفيد، فالمفيد كل لفظة وضعت لماهية مخصوصة يسبق إلى الفهم تلك الماهية عند إطلاقها كأسماء الأجناس وما وضع لمعان يتردد الفهم بينها وهي اللفظة المشتركة، وما وضع لمعنى أو معان لايفهم منها شيء من ذلك إلاَّ لقرينة وهذا ما كان مجازاً مفرداً أو مشتركاً عند من يجيز الاشتراك فيه وغير المفيد مالم يوضع لماهية يسبق إلى الفهم تلك الماهية عند إطلاق تلك اللفظة كأسماء الأعلام نحو زيد وعمرون فإن زيداص لم يوضع لماهية معينة بل يصح استعماله في الرجل والبعير وغيرهما واللغة بحالها والذي يجريم جرى المفيد شيء فإنه يشبه المفيد من حيث أنَّه يفيد ما يصح العلم به والخبر عنه ويشبه غير المفيد من حيث لم يوضع لماهية مخصوصة.
وأما الفائدة الثانية:
فالألفاظ ذوات المعاني خمسة:
متباينة: وهي الألفاظ المختلفة لفظاص ومعنى كرجل وأسد، وحصان وحجر.

ومترادفة: وهي الألفاظ المختلفة لفظاص المتفقة معنى كخمر وعقار، وكأسد وغضنفر، وكذلك أسمار الريح والسيف ونحوها، وقد منع بعضهم من وقوع الألفاظ المترادفة في اللغة وادعى أن في معاني المترادف تفاوتاً وقد اختلف إذا كانت اللفظة الثانية تفيد ماتفيده الأولى وزيادة كصارم في سيف فقيل لايخرج عن كونها مترادفة، وقيل: بل تصير متباينة.
ومتواطئة: وهي اللفظة الموضوعة لمعان مختلفة من حيث اشتركت في أمر كحيوان فإنه وضع على مسميات مختلفة بالحقائق لكنه وضع لها بإزاء معنى اشتركت فيه وهو كونها أجساماً حية بحياة.
ومشتركة: وهي كل لفظة وضعت لمعنيين مختلفين فصاعداص لامن حيث اشتركا في أمر مع استواء معانيها في السبق إلى الأفهام. وقد منع ثعلب والأبهري وأبو القاسم البلخي وقوعها في اللغة لأنها تخل بالتفاهم وليس بصحيح فإن القرائن تدل على المقصود وتفهمه، وقيل: بل هي واجبة الوقوع لن لامسميات لاتنحصر والكلام من حروف منحصرة فلابد من أن يوضع للمسميات الكثيرة اسم واحد وفيه نظر، فإنه لايمكن انحصار ما يتركب من الحروف وإن كانت منحصرة وفرض ذلك لم يحصل بالاشتراك ما أراد لأن وضع الاسم لمسميين أو أكثر لايفيد شمول ما لاتنحصر من المسميات. وقال ابن الخطيب الرازي: لايقع بين النقيضين، وهو باطل فقد وقع كقرء للطهر والحيض، وشفق للحمرة والبياض، وسدفة للضياء والظلام، وجون للسواءد والبياض، وبهذا أيضاً يبطل قول من منع من الوقوع مطلقاً.
ومشكِّكة: وهي اللفظة المشبهة بالمشتركة والمتواطئة ملتبسة الحال كموجود فإنه يستعمل للقديم والحديث بإزاء أمر اتفقا فيه وهو الوجود، إلاَّ أنَّه في القديم واجب وفي المحدث جائز فشابه المشترك من هذه ...... والأولى عده في المتواطئ إذ لم يطلق عليهما إلاَّ من حيث اتفقا في نفس الوجود.
وأما الفائدة الثالثة:

18 / 158
ع
En
A+
A-