وأما أهل التفصيل، فاختلفوا فمذهب جمهورهم إلى أنه لايجوز في الأصول ويجوز في الفروع، ومسائل أصول الفقه ما كان من ذلك ظنياً أو قطعياً وبهذا قال الشيخ أبو علي إلاَّ فيما كان عليه دليل قطعي من الفروع وأصول الفقه فلم يجز التقليد فيه، وعكس هذا القول لعبيد الله بن الحسن العنبري فإنه أجاز التقليد في أصول الدين ومنعه في الفروع وأصول الفقه، وذهب الشيخ أبو إسحاق بن عياش إلى جواز التقليد في أصول الدين للنساء والعوام والعبيد المهملين لطريقة النظر.
وذهب القاسم عليه السلام إلى ما ذكره المصنف. قيل: وتأول كلامه صاحب المحيط بأنه أراد أن المعارف الحملية كافية وإن لم تكن من تحرير الأدلة وحل الشبه، والذي يتعلق بهذه المسألة ويتوقف عليه إبطال قول أهل المعارف نوقول من أجاز التقليد في أصول الدين، فأما ما عدا ذلك وحكم التقليد في غيره فلا تعلق له بهذا الموضع وقد بدأ رحمه الله بإبطال أقوال المخالفين وبدأ من ذلك بإبطال قول أهل المعارف، ثُمَّ عاد إلى الإستدلال على صحة ما ذهب إليه الجمهور.
وقيل: ذلك ينبغي تقديم الكلام في حد الضرورة لغة وعرفاً واصطلاحاً، أما في اللغة فالضرورة كل أمر وقع من غير اختيار والمضطر قد يسمى مكرهاً وملجأ فالمكره من جمع شرطين أحدهما أن يكون الحامل له على الفعل المضطر إليه عاقلاً عالماً، الثاني: أن يخوف المضطر بتلف النفس أو ما في معناه مع قدرة المخوف على فعل ما توعد به، فأما الملجئ فلا يعتبر فيه هذان الشرطان بل قد يكون للإلجاء من السباع وبالصواعق والأمطار ونحو ذلك ويكون من جهة النفس كشدة العطش والجوع، ويقال في جميع ذلك هو مضطر إلى الطعام والهرب إذا ألجي إليه، ومضطر إلى الخمر إذا أكره عليها.
وقد عرفت أن الألفاظ المستعملة فيما كان من غير اختيار ثلاثة إكراه وإلجاء واضطرار، وأما في العرف فلابد من اشتراط أن تكون الضرورة تفعل من جهة الغير، والمراد بالعرف عرف أهل اللغة، إذ عرف الزمان وحقيقة الضروري في العرف ما يحصل فينا لامن قبلنا واشترط أبو هاشم والجمهور في تسميته ضرورياً أن يكون جنسه داخلاً تحت مقدورنا.
وقال أبو علي: لايشترط أن يكون جنسه داخلاً تحت مقدورنا فيقال لون ضروري كما يقال حركة ضرورية. قيل: وكلام الجمهور أقرب وأصح لأن العرف له شبه بالوضع اللغوي، والضرورة في اللغة للإجاء والإكراه، وهما لايستعملان إلاَّ فيما يدخل جنسه تحت مقدورنا.
فإن قيل: كيف وقع الخلاف بين الشيخين في العرف، وعرف أهل اللغة. سنقول عنهم: وكذلك عرف أهل الأزمنة ما وقع التعارف به بينهم فكيف يتصور الخلاف في ذلك. فالجواب: انه لايمتنع أن يختلف النقل عن المتعارفين في اللغة أ, الزمان أو يكون كل واحد منهما اعتبر عرف زمنه، وأما في اصطلاح أهل علم الكلام فالضروري عندهم قسم من نوع العلم، وهو العلم الحاصل فينا لامن قبلنا.
وقيلك العلم الذي لايمكن العالم به إخراج نفسه عن استمرار كونه عالماً بمعلومه. وقال ابن الملاحمي: الضروري علم لايقف على استدلال العالم إذا كان يصح منه الاستدلال، واحترز بهذا الطرف الأخير عن كونه تعالى عالماً، والذي يقابل الضروري المكتسب وحقيقته: العلم الحاصل فينا من قبل أنفسنا. وقيل: ألعلم الذي يمكن العالم به إخراج نفسه من العلم بما تناوله. وقال ابن الملاحمي: علم يقف على استدلال العالم به. قوله: يسحب أنظارنا هذا اللفظ يحتمل وجوهاً أربعة، أحدها: أن العلم يحصل بحسب النظر أي يقل بقلته ويكثر بكثرته، بالنظر إلى مسائل متعددة وقد أشار إليه رحمه الله بقوله في الكمِيّة.
والثاني: أن المراد يقل بقلته ويكثر بكثرته بالنظر إلى مسألة واحدة. قالوا: وهذا وإن كان ممكناً فلا طريق إلى العلم بكثرة العلم في مسألة واحدة لأجل كثرة الأنظار إذ الطريق إلى العلم حكمة وهو سكون النفس وهو لايتزايد بتزايد العلوم وكذلك فلايفرق الإنسان بين أن ينظر بأنظار كثيرة في مسألة واحدة أو ينظر بنظر واحد كما لايفرق بين أن يزيد الشيء الواحد بإرادات كثيرة أو إرادة واحدة.
والثالث: أن المراد أنَّه يحصل مطابقاً له فإذا نظر الناظر في دليل مسألة الصانع حصل له العلم بالصانع دون غيره من المعلومات وقد بين المصنف أن هذا مراد له مع المعنى الأول، إذ قال في الكمية والمطابقة والرابع يحصل بسببه أي يثبت العلم بثبوته ولايحصل مع عدم حصوله وهذا المعنى صحيح وإن لم يقصده المصنف، وكذلك الثاني قوله ولايلزم مثله في اللون الحاصل عند الضرب هذا جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال: فيلزمكم أن يكون اللون الحاصل عن الضرب مسبباص عن الضرب من فعل الضارب لحصوله بحسب الضرب كما قلتم في العلم والنظر.
وتقرير الجواب أن هذا ليس بلون حادث عن الضرب وإنَّما هو لون الدم انزعج بالضرب وتحقيقه أن الدم كان مستوراص بين أجزاء اللحم فوقع بالضرب افتراق بين تلك الأجزاء فجرى الدم ورئي من تحت البشرة العليا لرقتها ومما يدل على أنَّه ليس بمتولد عنه، وإنَّما هو كما ذكرناه أنَّه لو صرف الجماد أو الميت أو الجسم الثخين لماظهر لون مع احتمالها للألوان.
قال ابن مثويه: وقد يخضر موضع الضرب لاختلاط أجزاء الدم وفيه نظر لن الخضرة جنس مستقل من الألوان فكيف يحصل بالاختلاط والذي يحصل بالاختلاط كالغبرة لما لم تكن جنساص مستقلاً وقد جرى للشيخ أبي هاشم أنَّه لايمتنع أن يكون هذا اللون حادثاص بمجرى العادة، وأما أبو القاسم ومن تابعه فقد جعلوه متولداً عن الضرب من فعل الضارب فلا يرد السؤال عليهم.
فإن قيل: هب أن العلم يحصل بحسب نظركم فما فيه من دليل على أنَّه فعلكم وليس من فعله تعالى. قلنا: وقوعه بحسب النظر دليل على أن النظر مولد له، وسبب فيه، فإن قيل: هذا يعرف تأثير المؤثر وإذا كان العلم مسبباص عنه والنظر سباً له ونحن الفاعلون للنظر ففاعل السبب فاعل المسبب إذ المسبب يقف على اختيار فاعل السبب بواسطة السبب، ولأن فاعل السبب يمدح ويذم على المسبب فأما القائلون بأن النظر يقع عنده العلم بالعادة فيلزمهم جواز اختلافها وإلاَّ يتبقى ذلك العلم عن النفس بوجه من الوجوه وليس كذلك.
قوله: وبعد فالمبتدأ منها يحصل بحسب قصودنا ودواعينا المبتدأ من المعارف الاكتسابية ما فعلناه عقيب الانتباه أو الغفلة بعد أن كان قد تقدم حصوله لنا بواسطة النظر.
فإن قيل: لاوجه لتقييده بالمبتدأ إذ الحاصل عن النظر يقف على قصودنا. قلنا: إن وقوفه على قصودنا ودواعينا بواسطة النظر ويخرج عن الاختيار فيه بعد اتخاذ النظر بخلاف المبتدأ. قوله: مع سلامة الحال يعني عن أن يقارن الداعي صارف يقاومه أو يزيد عليه فإنه لايختار العلم حينئذ نحو أن يرد شبهة قادحة تصرفه عن فعل العلم وتدعوه إلى فعل الجهل.
قوله: ولايرد العلم لمخبر الأخبار المتواترة يعني فيقال يلزمكمم أن يكون من فعل المخبرين لوقوفه على دواعيهم وقصودهم لأن الذي وقف على قصودهم هو الأخبار لا العلم.
قوله: والتزام هذا كفر. أي التزام كون الكفار معذورين في عدم المعرفة يعني لا الزام الخصم ذلك لأن لاكفر لايثبت بالإلزام وقد روى ابن مثويه التزام ذلك عن أبي بكر الملقّب ببوقا.
قوله: ولايقال أن العقلاء كلهم يعرفونه إلى آخره هذا رد لما اعتذر به الجاحظ عن هذا الإلزام المتقدم. قال ابن مثويه: فإنه يخلص عن هذا الكفر يعني القول بأ،هم معذورون بجهل إضافة إلى الأول ويعني بالأول القول بأن المعارف ضرورية فزعم أن العقلاء كلهم عارفون بصحة الديانات ولكنهم يعاندون ويجحدون.
قوله: لأن الجحود إنَّما يكون مع التواطئ هكذا في النسخة الَّتِي بخط المصنف وهو وهم فإنه التواطؤ مهموزاً وتكتب الهمزة واواً لتطرفها وانضمام ما قبلها.
قوله: لكان بديهياص لتعذر ما عداه من الضروريات. البديهي هو العلم الضروري الحاصل لا عن طريق وإنَّما تعذر غيره في .... لأن الحاصل عن طريق إما أن يكون طريقة المشاهدة وسيأتي نفيها في حقه تعالى أو الخبار المتواترة ولا بد من استنادها إلى المشاهدة أو الخبرة والتجربة ولابد من مقدم المشاهدة في حصول العلم المستند إلى الخبرة فلم يبق إلاَّ أن يكون بديهياً، وفيما ذكره سؤال وهو أن يقال: ليس يجب في كل علم بديهي أن يشترك العقلاء فيه ولا البديهيات كلها معدودة في كمال العقل فإن العلم بأن زيداص هو الذي كنا شاهدناه من قبل بديهي إذ ليس بحاصل عن طريق، وذلك معنى البديهي، وليس من علوم العقل ولايجب اشتراك العقلاء فيه فهلا كان العلم بالله بديهياً، ولايجب الاشتراك فيه.
قوله: وبعد فقد مدح الله العلماء. هذا استظهار من المصنف على الخصم لتسليمه أن السمع دليل فإن كان في الاستدلال به نظر إذ لم يقع بعد العلم بما يتوقف السمع على العلم به ويمكن أن يقال: بل يمكن الاستدلال ههنا بالسمع لا .... والخصوم متفقون على حصول العلم به تعالى وبصفاته وعدله وحكمته وإنَّما وقع النزاع في هل المعرفة الحاصلة من فعلنا أو من فعله ولاتتوقف صحة السمع على صحة واحد من القولين.
قوله: وله أن يقول مسلم أن المعرفة لطف إلى آخر الاعتراض تلخيص هذا السؤال أن المعرفة وإن كانت لطفاً فالألطاف تختلف باختلاف المكلفين وأحوالهم ولهذا قد يكون لطف بعضهم في الصحة وبعضهم في السقم وبعضهم في العنا وبعضهم في الفقر وكذلك لامانع ههنا أن يكون تعالى قد علم أن لطف بعضهم في المعرفة الضرورية فيخلها له لطف، وبعضهم في الاستدلالية فيكلفه بها، وقد ذكره الإمام يحيى في مراتب التوحيد، فإنه ذكر أن من مراتب التوحيد الحصول على معرفته تعالى وصفاته بالعلم الضروري الذي لايعترضه شك ولايعتريه ريب. قال: وهذه هي درجة المقربين وقد منع منه طوائف من المتكلمين ولادليل على المنع.
وقد أجيب عن الاعتراض المذكور بأنه إذا ثبت كون المعارف ألطافاص وكانت الضرورية لطفاً لبعض المكلفين لزم كونها لطفاً لسائرهم لأن الضروري أوضح وأجلا من المكتسبن وإعراض المصنف عن ذكر هذا الجواب لما عرفه من ضعفه إذ لا دليل على صحته وإن كان قد بنى عليه ابن مثويه وتبعه المتأخرون من أصحابنا.
قوله: ما تقدم من أنَّها لو كانت ضرورية لكانت بديهية قد تقدم ما في هذا من الإشكال فلا يعوّل عليه.
قوله: وأيضاً فتجويز ذلك في حق الأنبياء والصالحين. إلى قوله: بعد ما ذكره رحمه الله يقال فيه: بل كلام المؤيد بالله عليه السلام مستقيم لأنَّه إن أراد أنَّه يحصل لهم بعد أن قد صاروا أنبياء وأولياء وبعد أن قد عرفوا الله اتسدلالاً فلا مانع منه، ولاوجه لاستبعاده فإن تلك منحة وموهبة لمستقحقها ومن لله به مزيد عناية، وإن أراد أن هذا الذي علم الله أنَّه سيكون نبياً أو ولياً لطفه في المعرفة الضرورية فيخلقها له عند بلوغه التكليف فذلك داخل في حيز الإمكان ولامانع منه ولا غبار عليه، وقد احتج الجمهور على بطلان كون المعارف ضرورية بوجوه أخر فمنها: أنَّه يلزم أن يكون من حصل له العلم الضروري ملجئ إلى ما كلفه واعترضه ابن مثويه بأنه لو ثبت الإلجاء لأجل العلم الضروري لثبت لأجل المكتسب لأنهما سيان في إيجاب القطع والبتات يبين هذا أن الإلجاء قد يثبت تابعاً للظن لأنَّه مهما غلب في ظنه أن في الطريق سبعاص يفترس صار ملجأ إلى ألا يطرف عنه كما لو علم ذلك فإذا ثبت افلجاء بالظن فالعلم المكتسب بذلك أحق، وهذا يوجب ألا يكلف اكتساب المعرفة.
قال: وإنَّما لم يثبت الإلجاء بشيء من هذه الوجوه لأن النفع والضرر متى تراخيا زال الإلجاء وكلما ازداد تراخياً فهو أبعد عن الإلجاء وإنَّما يثبت متى تعجل النفع والضر، وذلك غير ثابت في مسألتنا فالإلجاء زائل. واحتج أبو هاشم بأن قال لو قيل أن مكلفاً لايكلف بالمعرفة وإنَّما كلف بأفعال الجوارح لما صح لأن الذي يستحقه من الثواب على أفعال الجوارح قدر بحسن الابتداء بمثله والتفضل به فلا معنى لتكليفه حينئذ فيجب أن يكون مكلفاص بالنظر والمعرفة وهذا وجه ركيك وقد اعترضه ابن متويه بأن مقادير الثواب مما لايعلمه فمن أين أن القدر المستحق على أفعال اجوارح قدر يحسن الابتداء بمثله.
قلت: ووجه آخر وهو أن لاثواب سواء قل أو كثر لايحسن الابتداء بمثله على قواعدهم لأنَّه لابد أن يقارنه التعظيم وقليله ككثيره فلو قدرنا أن ثواب أفعال الخوارج كما ذكر فإن مقارنة التعظيم له يمنع من الابتداء بمثله وقد ذكر الشيخ أبو علي في كلام له أن السمع هو الدال على أن العلم بالله تعالى لايحصل ضرورية وعليه يتأول سؤال موسى عليه السلام للرؤية فقال: إنَّما سأل العلم الضروري فبين تعالى أنَّه لايعرف في الدنيا ضرورة، قال: ولو كان يعلم بالعقل أن حصول العلم الضروري في الدنيا غير جائز لما خفي على موسى ولما سأل.
واحتج الإمام يحيى لصحة ما ذهب إليه بأن الخوف من الله تعالى إنَّما هو على قدر المعرفة وتحقق ذاته ونحن نعلم تباين الخلق في الخوف من الله تعالى فخوف الملائكة والأنبياء ليس كخوف الأولياء والصالحين وخوف الأولياء والصالحين ليس كخوف سائر المكلفين فزيادة الخوف إنَّما هو لزيادة المعرفة فلا يمتنع أن يزداد الخوف بحسب ازدياد المعرفة حتَّى ينتهي إلى رتبة العلم الضروري وكلامه عليه السلام لايخلو عن نظر فإنا نقطع باختلاف المكلفين في الخوف وإن كانت معارفهم مكتسبة مع أنه لامعنى للتزايد فيها وهي مكتسبة وكذلك فقد صرح باختلاف خوف الملائكة وغيرهم ممَّن يحكم أو يجوز أن معارفهم ضرورية وأدلة الجمهور كما ترى من عدم القوة.
فالأولى أن يحكم بأ،ه لامانع من حصول العلم الضروري للأنبياء والأولياء ولا دليل على ثبوته لهم وهذا هو تحصيل مذهب السيد المؤيد بالله فإن الذي يحكى عنه أصحابنا جواز ذلك وهو الصَّحيح فأما الإمام يحيى فظاهر كلامه القطع بحصول ذلك لهم ولادليل عليه، وقد ذكر ابن متويه أن القول بأن المعرفة ضرورية في حق بعض المكلفين دون بعض خرقٌ للإجماع، فإنه منعقد على استواء حالهم في ذلك فمن قائل بأنها ضرورية في حق الجميع ومن قائل بأنها استدلالية مطلقاً، وإحداث قول ثالث خروج عن الإجماع، وفيه نظر، والصحيح أن القول الثالث في مثل هذه الصورة لايعد مصادماً للإجماع لو سلمنا بعدم الإطباق على الإطلاقين قبله.
تنبيه
أبطل الإمام يحيى عليه السلام قول الصوفية بأن العقائد الحاصلة عن ........... إما أن يكون من فعل الله تعالى ومن فعلنا، إن كانت من فعله تعالى لزم كونها ضرورية وقد تقرر فساده، وإن كانت من فعلنا فلا يخلو إما أن تكون تلك العقائد لازمة للعلوم الضرورية ومترتبة عليها فهي نظرية، أو لا معنى للعلم النظري إلاَّ ذلك فإن لم تكن تلك العقائد لازمة للعلوم الضرورية فهي عقائد تقليدية ولاعبرة بها ذكر هذا في أول كتابه التمهيد وشبه أهل المعارف على ما ذكره رحمه الله.
قوله في الشبهة الأولى: لأن من قدر على الشيء قدر على جنس ضده الكلام ههنا يقع في نكت ثلاث:
الأولى: في معنى الضد في الحقيقة والضد في الجنس.
الثانية: في وجه وجوب ما ذكره.
الثالثة: في وجه قوله: على جنس ضده. ولم يقل: على عين ضده.
أما النكتة الأولى: فاعلم أن لامتضادان على ضربين نافية وغير نافية، فالضد في الحقيقة فيما ينفي ما طرأ على ضده .... كالسواد إذا طرأ على بياض في محل نفاه، ويسمى الضد في الحقيقة وعين الضد والضد في الجنس فيما ينفي مالم ينف ولاطول على هذا الذي هو جنس ضده كسواد وبياض في محلين فإن كل واحد منهما جنس ضد للآخر لما كان كل واحد معاكساً للآخر في الصفة ولايصح اجتماعهما ولم يكن أحدهما ضداً للآخر على الحقيقة إذ لامنافاة هذا فيما يبقى وأما ما لايبقى فالضد في الحقيقة فيه ما مع ضده من الحلول في المحل أو الجملة أو سبق إلى الإيجاب لما يقع الإيجاب له كالإرادة، إذا وجدت في القلب أو لا في محل كإرادة الباري تعالى فإنها حال وجودها موجبة لمن اختصت به وتمنع ضدها من أن توجب له أو تختص به إذا كان وقت حدوثهما واحداً، إذ الأعراض الَّتِي لاتنفي تختص صحة حدوثها بوقت لايصح أن يحدث في غيره فالإرادة الحادثة لنا أ, له تعالى عين ضد وضد على الحقيقة للكراهة الَّتِي تختص ف يحدوثها بذلك الوقت الذي حدثت فيه الإرادة ولايقال الضد في الحقيقة في.... لاينفي ما طرأ على معاكسه في الصفة فنفاه كما تقدم في النافيات لأن طرو هذا عليه إن كان حال حدوثه أدَّى إلى أن يكون ثابتاً منتفياً، وإن كان في الوقت الثاني فانتفاؤه فيه واجب لأجل طرو ضده فلا ..... في حقه طرو وضد وجنس الضد في غير النافيات ما عاكسه في الصفة ولم يمنعه وذلك حيث يختلف وقت حدوثهما كإرادة قدوم زيد وكراهة قدومه إذا حصلت الإرادة في الوقت الول والكراهة في الوقت الثاني.