الجواب أن الذكر هو العلم بما كان قد نسيه، وهو وإن وقع عقيب النظر فوقوعه عقيبه بمجرى العادة، ولهذا فإن أحدنا قد ينظر فيذكر وقد ينظر فلا يذكره، وايضاً فإن أمارة الضروري حاصلة فيه فعرفياً أنَّه غير استدلالي، ولا يوجب عن النظر بل ضروري ومن الوجوه الدالة على صحة مذهب الجمهور، وهو أن العلم بالعلم ليس علماً بالمعلوم إن أخذنا قد نعلم المعلوم ضرورة، ولا يعلم في اعتقاده له أنَّه علم إلاَّ بدلالة فلو كان العلم بالعلم علماً بالمعلوم لزم كون المعلوم معلوماً ضرورة ودلالة.
تنبيه
ذكر الفقيه قاسم وغيره أن هذا الوجه يصح عل ما اختاره أبو هاشم وأبو علي من أن العلم بالعلم علم بالمعلوم، بأن يجعل التذكر هاهنا غير للعلم بالعلم ويجعل علماص بأنه كان معتقداً وظناً؛ لأنَّه كان ساكن النفس، ويكون في نفس الأمر كذلك فعند هذا يدعوه بذكره الذي هو علم ضروري بأنه كان معتقداً وظنه؛ لأنَّه كان ساكن النفس إلى اعتقاد هو علم لوقوعه على هذا الوجه، قالوا: ولا بد من التقدم والمقارنة في هذا على ما مر، وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم أن غير تذكر العلم وهو تذكر الاعتقاد بصير وجهائل لو فعل عنده الاعتقاد لم يكن علماً، ثُمَّ يقال: إن المتذكر بالمعنى الذي ذكرتم إذا فعل الاعتقاد الذي قلتم لا يأمن كونه جهلاً فيفتح منه الإقدام عليه بخلاف متذكر العلم قد صرح المهدي عليه السلام بمثل كلام المصنف فإنه ذكر أن هذا الوجه بناء على جواز كون الإنسان ذاكراً لعلمه غير عالم بالمعلوم.
الوجه السادس جرح على مذهب أبي هاشم واعلم أن ابا هاشم لما ذهبن إلى بقاء الاعتقادات كلها خرج على مذهبه هذا الوجه والمخرج هو القاضي على ما ذكره الحاكم وسله الكلام في الطرفان أبا هاشم يذهب إلى أنَّه قبيل الاعتقاد فيقال: لو ظن لأمارة أن زيداً في الدار، ثُمَّ شاهده صار ظنه حينئذ علماً لوقوعه علىوجه كالتقليد، بل يلزم أيضاً في الجهل وهو أن أحدنا لو اعتقد أن زيداً في الدار وهو ليس فيها، ثُمَّ أن زيداً دخل الدار وشاهده ذلك المعتقد يلزم أن يصير اعتقاده ذلك الجهل علماً، ويلزمه من ذلك انقلاب الجهل علماً من هذه الصورة ومن صورة أخرى يلزمه انقلاب العلم جهلاً وهو أن يخبره بني صادق بأن زيداً في الدار في الدار فينعقد ذلك واعتقاده هذا علم ثُمَّ أن زيداً يخرج من الدار ويبقى اعتقاده ذلك فيصير جهلاً وأبو هاشم بقول العلم حسن كله والجهل قبيح كله فيلزمه أن يصير القبيح حسناً والحسن قبيحاً.
فإن قيل: لا يلزم أبا هاشم أن يصير التقليد علماً ولا الظن ولا الجهل، بل يبقى هذه الإعتقادات على ما هي عليه، كما ذهب إليه أبو عبد الله، فإنه قال: لا ينقلب بل يجتمع العلم والتقليد فلهذا لم يخرج على مذهبه هذا الوجه وإن شارك أبا هاشم في القول بنفاء الاعتقادات، ويكون سكون النفس للعلم الحاصل عن المشاهدة؛ إذ لا بد من حصول علم عنها؛ إذ المشاهدة طريق موجبة والطريق لا يحصل من دون متطرق وسواء فرضنا انقلاب هذه الاعتقادات من قبيل العلوم أم لا.
قلنا: هذا يؤدي إلى أن يكون المشاهد ذها قاطعاً لحصول العلم الضروري محوراً؛ لأن من لازم المعتقد اعتقاد تقليد أو ظن أن يكون مجوزاً، وهذا محال.
قال الفقيه قاسم: ويمكن اعتراضه بأن العلم الحاصل يدفع التجويز، قال: فهذا موضع احتمال، كما ترى، وقد حكى الحاكم عن أبي هاشم التصريح بأن التقليد ينقلب علماً، قال: والإلزام حصول التشكيك فيه.
قيل: والأولى أن هذا الوجه غير صحيح، ولا متأت على أي المذاهب؛ لأن من حق ما يوتر في وقوع الفعل على وجه أن يقارن، فهذا الوجه الذي ذكرتموه وحصل في حال البقاء، ومثل هذا ذكره الحاكم.
تنبيه
ولا يمكن ادعاء جه يصير الاعتقاد لوقوعه عليه علماً زائداً على هذه الوجوه، والذي يشتبه أن يقال: إن وقوع الاعتقاد من المشاهد للأدلة وجه في كوه علماص أو أن وقوعه من فعل المدرك يكون وجهاً، والأول باطل؛ لأن العامي يشاهد الأدلة ولو اعتقد أن للعالم صانعاً من غير ترتيب دلالة وتحقيقها لم يكن اعتقاده علماً بدليل عدم سكون النفس، والثاني باطلاً؛ لأن من أدرك الشيء من بعيد فاعتقده أسود وهو أحضر لم يكن اعتقاده ذلك علماً بل جهلاً.
قوله: (وهذا مبني على مذهبه في بقاء الاعتقادات) اعلم أن الذي يذهب إليه أبو هاشم أن جميع أنواع الاعتقادات باقية وهو مذهب الشيخ أبي عبد الله وأبي لعي ابن جلاد، وقال الشيخ أبو علي: يجوز عليه البقاءفي نسه، فالضروري يبقى كله، وأما المكتسب فيبقى عند أن يمنع أحدنا من تحديده أو يعجز عن تحديده فإن تمكن فلا يبقى؛ لأن القادر بالقدرة عند عدم المنع لا يخلو عن الأخذ والترك، فلو قي المكتسب كان فاعله مدخلاً في الوقت الثاني عن فعله وفعل ضده، وهكذا قوله في الأكوان وسائر الباقيات، قال قاضي القضاة،وهذا فاسد من وجهين يعني منعه من بقاء الكتسب، لهذا الوجه مع قوله بأنه باق في جنسه أحدهما أن أصله في الأخذ الترك باطل وثانيهما أنَّه وإن صح له فائدة لا يمكن بناء هذا الفرع عليه؛ لانه اختار في الثاني ضد العلم أينفى به وإن اختار مثله نفي العلم الأول؛ لأن الشيء لا ينتفي بمثله، وفيه بطرفان أبا علي لا يمكنه أن يقول بفعل في الثني علماْ، ويبقى لعلم الأول؛ لأن العلم بالمعلوم لا يصح عنده، فهذا المانع له مما ذكره القاضي، وقد ذهب الجمهور إلى أن الإعتقادات لا تبقى وهو مذهب الشيخ أبي لاقاسم لكنه ينفي بقاء سائر الأعراض، فلم يخص الاعتقادات.
قوله: إن الباقي لا ينتفي إلاَّ بضد، أو ما يجري مجراه إنَّما وجب ذلك؛ لأن الباقي جيوز استمرار وجوده، ويجوز انتفاؤه؛ إذ ليس بواجب الوجود فلا يكون بأن ينتفي أولى من أن ينفى إلاَّ لأمر كطريقتهم في غثبات الإعراض، والذي يجري مجرى الضد ما ينفي الشيء بواسطة نفيه لما يحتاج غيله لا لمعاكسة بينهما كنفي الفناء للألوان بواسطة بغية لمحالها ونفي التفريق للحياة بواسطة بغية للبنية، وكذلك القدرة والعلم، وعلى هذا فقس.
قوله: (والشك والسهو ليسا بمعنيين) يعني فلا يقال: إنَّه إنَّما يخرج عن العلم إليهما وهما ضدان أو إلى الجهل الذي هو ضده بالاتفاق؛ لأن الشك والسهو ليسا معنيين، فضلاً عن ان يكونا ضدين للعلم، واعلم أن هذه مسألة خلاف، فذهب أبو هاشم ومن بعده إلى الشك ليس بمعنى، ومن هاهنا يتضح الحجة على أبي هاشم، قال الحاكم، وقد كان يذهب إلى أنَّه معنى، ثُمَّ رجع وقال أبو علي هو معنى تضاداً لعلم، وبه قال أبو القاسم: حجة الأولين أن المرجع بالشك إلى حظور أمر .... مع خلوه عن الظن والاعتقاد، إذ لو كان غير ذلك لصح حصوله من دون ما ذكرنا أو حصوله ما ذكرنا من دونه، لكنه يقال له: وما هذا الحظور، فإنه عين ما جعله المخالف معنى، واعلم أن حاصل كلام الجمهور أن الشك استواء طرفي التجويز، فإذا كان مجوزاً لأمرين على سواء فلم يغلب هذا ولا هذا، فهو شاك، وقد ذكر المصنف في العقد أن الظن رجوح أحد المحوزين ظاهري التجويز عند المجوز واستواؤهما شك والمرجوح، وهم وهكذا ذكره غيره، فأما ابن مثوبة فإنه مع بغيه لكونه معنى جعله مترتباً على التجويز، ويلزمه على ظاهر عبارته إتيانه معنى إذا كان غيراً للتجويز، ولاستوائه في الطرفين، والصحيح أنَّه الوقف عند اعتدال طرفي التجويز، وأما السهو فذهب الشيخ أبو إسحاق بن عباس والقاضي وهو الذي صححه المتأخرون أن السهو ليس بمعنى؛ إذ لا يوجد من النفس ولا يجد حاله أو حكماً يستدل به عليه، وإنَّما هوزوال العلم بالأمور الَّتِي جرت العادة بأن تعلم كالمدركات ونحوها، فأما من لا يعلم عدد الرمل وقطر المطر فلا يقال: سهى عنه أو لم تجر العادة بالعلم به، قالوا: فإن قوع عقيب العلم فهو نسيان، وإن قارنه طرب ونشاط فهو سكر، وإن قارنه استرخاء واستراحة فهو نوم، وإن قارنه مرض فهو إغماءٌ، وقال أبو علي وأبو هاشم وأبو القاسم وأبو عبد الله هو معنى تضاد العلم، ولأبي هاشم قول آخر وهو أنَّه فساد يلحق القلب، ثُمَّ اختلف
القائلون بأنه معنى فقال الشيخان ليس بمقدور لنا وظاهر كلام أبي القاسم أنَّه مقدور لنا لجعله السكر من فعلنا متولداً عن الشرب، واختلف كلام أبي عبد الله فتارة يجعله مقدوراً لنا وتارة يمنع من ذلك.
قوله: (وبعد فلو بقيت العلوم ملا احتاج أحدنا إلى تكرار الدرس) يعني لأنَّه أول ما يقرأ الشيء دفعة واحدة ، يعلمه وكذلك إذا سمعه من غيره مع أنا نعلم أنَّه لا يحفظه ولا يثبت علمه به إلاَّ بعد أن تكرره مراراً كثيرة في الأغلب.
قوله: (ولوجب فيمن يسمع شيئاً أن يحفظه ولا يزول عنه الحفظ) ينقسم فقد يكون حفظاً لنظم أو نثر وهو علمه بكيفته ترتيب الألفاظ والحروف ولا شك أنَّه في حال ما سمعه يحصل له ذلك العلم، فكان يحب ألا نزول وحفظاً لما ينفع وينفق من الأمور، وهو كعلمه بوقوع أمر خبر به على كيفية يحصل عليها العلم.
فصل
قد يحتاج العلم إلى العلم.
قوله: (إما لكونه أصلاً له كاحتياج العلم بالحال إلى العلم بالذات إلى آخره) اعلم أنَّه لا فرق في هذه القضية بين العلم وسائر الاعتقادات، فإن اعتقاد المعتقد جهلاً أو تقليد الصفة يحتاج إلى العلم بحلية، وكذلك حلي الحساب ودقيقه، والمعنى أنَّه لا يمكن من لا يعلم حلي الكلام أن يعلم خفيه ولا يشارك الاعتقاد هنا العلم؛ لأه يمكن أن يعتقد خفي الحساب وإن لم يعلم ولا يعتقد حليه.
قوله: (وأما لكونه طريقاً إليه الطريق هاهنا بمعنى الدليل) ولهذا لا يدخل هنا لاعلم الضروري.
قوله: ( ولهذا يصح أن يخلق الله فينا علماً ضرورياً نكونه موجوداً، وإن لم يعلم كونه قادراً.
اعلم أن أصحابنا قد ذكر وأن مالم يكن حقيقة من الصفات في صفة أخرى، ولا جار مجرى الحقيقة، فبها فإنه يصح أن يخلق فينا لاعلم بتلك الصفة فمثل العلم بتلك الَّتِي ليست حقيقة فيها ولا جارية مجرى الحقيقة، قالوا: ومثاله كونه موجوداً فإنه يصح أن يخلق فينا العلم به، قيل: العلم بكونه حياً وقيل: لاعلم بكونه قادراً وعالماً ومريداً وكارهاً،وكذلك يصح أن يخلق فينا العلم بكونه مرتداً قبل العلم بكونه كارهاً، والعكس، قالا: وكل صفة كانت حقيقة ي صفة أو جارية مجرى الحقيقة لها، فإنه لا يصح منه تعالى أن يخلق فينا العلم بتلك الصفة المحققة قبل الصفة الَّتِي هي حقيقة فيها أو جارية مجرى الحقيقة؛ لأن حقيقة الأمر نفسه ولا يصح العلم باليء مع الجهل بماهيته ومعناه مثال الصفة الَّتِي هي حقيقة في الأخرى الصفات الأربع، فإنها حقيقة في الصفة الأخص، وكذلك كل واحدة منها؛ لأن حقيقتها الصفة المقتضية للصفات الأربع المذكورة، وإن حققها بواحدة منها كفت، وكذلك كونه تعالى حياص مع الصفات الَّتِي يصححها، لأنك تقول حقيقة الحي المختص بصفة لكونه عليها يصح أن يقدر، وكذلك سائر ما يحجه كونه حياًن ومثال الصفة الَّتِي تجري مجرى الحقيقة ما يقوله في كونه قادراً عالماً من يصح منه الفعل المحكم، وفي كونه مرتداً من يصح أن يوقع أفعاله على الوجوه المختلفة، وفي كونه كارهاً من يصح أن يوقع كلامه نهياً أو تهديداً فرع على حكم كونه قادراً وهو صحة غيجاد المقدور مطلقاًن هذا ما ذكروه ووللناظر فيه نظرة.
فصل
والعلوم قد تماثل وقد تختلف ولا تتاد لاستحالة تعلق العلم بالشيء لا على ما هو به، وذلك شرط البيضاء إذ لا تضاد العلم المعلق بالشيء على ما هو به إلاَّ ما تعلق به لا على ما هو به، فأما إذا تعلق الثاني به على ما هو به فهو مثل الأول.
والأقرب أن عدم التضاد في العلوم إيقافي؛ إذ لا يجهل أحد أن من شرط التضاد ما ذكر، فأما الجهل فيضح أن تضاد الجهل كاعتقاد أن ال....... اعتقاد أنَّه لا يبقى فإنهما متضادان مع أيهما جميلان؛ غذ لا أصل للبقاء فضلاً عن أن يحكم عليه بالبقاء أو عدمه.
قوله: (بإيجاد المتعلق، والوجه والطريقة والوقت مثاله العلم بقدوم زيد راكباً من جملة العشيرة وقت الظهر فالمتعلق نفس زيد، والوجه قدومه راكباً أو ماشياً والطريقة من جملة العسرة أو وحده، والمراد بها الجملة أو التفصيل، فإذا تعلق علمان يريد على هذا الحد مهما مثلان، ودليل تماثلهما ما ذكهر من الاتفاق في أخص ما يبنى عن صفة الذات، وهو التعلق على أخص ما يمن وإنَّما كان منبياً عن صفة الذات؛ لأن يكشف عن لاصفة المقتضاة؛ إذ هو من أحكامها على ما سيأتي وهي تبنى عن مقتضيها وهي الصفة الذاتية، فإذا كان التعلقان على أخص ما يمكن كشفاً عن صفتين مقتضاتين متماثلتين هما تكشفان عن صفتين ذاتيين تماثلتين، وذلك هو معنى التماثل بين الذاتين لتماثل موجبهما وهما الصفتان الموجبتان عنهما لكن من جهل تماثل العلمين جهل تماثل الصفتين وإطلاق التماثل على الصفتين مجاز؛ إذ التماثل الحقيقي إنَّما يثبت في الذات وبقي الضد الواحد لهما ولو كانا مختلفين لم يبفهما لما تقدم ومعلوم أنَّه إذا أطرى عيهما مع حصولهما لحي واحد أو جملة واحدة تفاهما لا محالة ومن أدلة تماثلهما عدم إمكان الإشارة إلى ما يوجب اختلافهما، فإن تغائر متعلقها كالعلم بقدوم زيد والعلم بقدوم عمرو أو تغائر الوجه كالعلم بقدومه راكباً والعلم بقدومه ماشياً أو العلم بأن الله تعالى قادر والعلم بأنه عالم أو العلم بأن العالم محدث والعلم بأنه لا بدل له من محدث أو نحو ذلك أو تغايرت الطريقة كالعلم بان هذا زيد ولعلم بأنه من جملة العسرة أو تغاير الوقت كالعلم بقدومه وقت الظهر، والعلم بقدومه وقت العصر واشتراط الوقت يرجع إلى المعلوم لا
إلى العلم، فإنه لو علم قدومه وقت الظهر بعلوم في ا,قات متغايرة لم يقتض ذلك اختلافها لنك إذا علم قدومه وقت الظهر وعلم قدومه وقت العصر صار مختلفين متغاير العلمين من أحد هذه الوجوه تقتضي اختلافهما، ودليله اختلاف موجبيهما وعدم نفي الضد الواحد لهما وإمكان الإشارة إلى ما يعلق به اختلافهما وعلى هذا فقس في سائر المتعلقات من المعاني والصفات.
قوله: (ولا يشترط إيجاد الوقت بناءاً على مذهبه إلى ى×ره) اعلم ان أبا هاشم ذهب إلى أن العلم بأن الشيء كان على صفة إذا قارنه العلم بأنه لم يتغير علم أنَّه عليها في هذا الوقت بذلك العلم الأول مع اختلاف وقت المعلوم كالعلم بأنه تعالى كان عالماً في الزل والعلم بأنه لم يتغير الآن، قال: فتعلم بالعلم الأول أنَّه الآن عالم ومثاله الواضح أن يعلم أحدنا الآن أن زيداً في الدار، ثُمَّ يقف إلى الغد ويعلم أنَّه لم يخرج منها فهو يعلم بالعلم الأول أنَّه فيها اليوم، وقد خالفه المشائخ في ذلك، وقالوا: هما علمان لتغاير وقت متعلقهما، ولهذا لا ينفيهما الضد الواحد وسواء قدرنا أن العلم باق أو غير باق ففي جعل المصنف مذهب أبي هاشم، هذا مبنياً على مذهبه في بقاء الإعتقادات نظر، فإنه مذهب مستقل لا يستلزمه القول ببقائهما، ولهذا مل يوافقه فيه من يوافقه في القول ببقائها ولا هذه المقالة بتوقف على القول بنقاء الاعتقادات، فإنه يصح أن يذهب إليها على وجه من لا يقول ببقائها.
فصل
وكل علم حسن عند أبي هاشم وأبي الهذيل وخالف أبو القاسم وكذا أبو علي وقاضي القضاة على ما حكاه الحاكم عنهما، قال أبو علي ,أبو القاسم: والذي يكون قبيحاً من العلوم ما قصد به وجه قبيح، كذا قال أبو علي: إذا قصد بالنظر وجه قبيح كالنظر في السحر لتعمل به والشبهة لاعتقاد مقتضاها أو للتلبيس بها ثُمَّ ولد ذلك النظر العلم، فإن النظر يقبح لأجل القصد ويقبح العلم لقبح سببه بناءاً على أن القصد يؤثر في القبح وأن قبح السبب يؤثر في قبح المسبب يحسنه يؤثر في حسنه.
قوله: (الذي يقبح هو القصد في الأول) يعني في العلم إذا قصد به وجه قبيح ولا يقبح العلم لأجله كما قاله أبو علي وأبو القاسم؛ لأن القصد أراده ولا تأثير للإرادة إلاَّ في وقوع الكلام خبراً أو نحوه من الوجوه، فأما في كون الفعل قبيحاً فلا؛ لأنَّه إما أن يعتبر في قبح الراد مع الإرادة الوجه الذي لأجله يقبح أولاً إن اعتبر فهو المؤثر في القبح دون الإرادة، وإن لم يعتبر وجه القبح فقد جعل القبيح قبيحاً للإرادة فقط، فيلزم في كل ما تعلقت به أن يقبح، وفيه نظر، فلنتأمل وقد وافق القاضي وإن قال بأن في العلوم ما هو قبيح أبا هاشم هاهنا، واعترف بأن الذي يفتح هو القصد، ووجه قبحه كونه إرادة لقبيح، وهو التلبيس.
قوله: (والتمكين في الثاني) أراد بالثاني العلم بالصغائر والعلم بما معه ممكن المعارضة يقال أبو هاشم العلم بذلك حسن، وإنَّما لاقبيح بكبر الله تعالى من العلم باعتبار الصغائر ومن إيراد الكلام الذي يبلغ في الفصاحة رتبة القرآن.