وقد ذكر الثعلبي حديث وفد نجران في قصة المباهلة، وذكر الحديث بطوله وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج محتضناً للحسين وآخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفهما وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا. فقال اسقف نجران: يا معشر النصارى إني أرى وجوهاً لو سأل الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا ولا يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أنا لا نلاعنك ونثبت على ديننا وأنت على دينك وأعطوه الصلح في كل عام ألفي حلة نصف في رجب ونصف في صفر، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران لو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم الوادي عليهم ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر)).
ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا فقال الله تعالى: ?إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?[آل عمران:62]، فإن تولوا وأعرضوا عن الإيمان فإن الله عليم بالمفسدين.
ورواه ابن المغازلي الفقيه الشافعي الواسطي رواه بإسناده عن جابر بن عبدالله الأنصاري، إلا أنه ذكر في أول الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهما: ((أسلما . قالا: يا محمد أسلمنا قبلك. قال صلى الله عليه وآله وسلم : كذبتما)) ثم دعاهما إلى الملاعنة وذكر الحكاية.
ومن (مسند ابن حنبل) رفعه بإسناده إلى عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فأمر علياًّ فأُحْدِثَ شيء في سفره قال عمران: فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكروا أمره لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلمنا عليه، فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله إن علياًّ فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم قام الثاني فقال كذلك، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله إن علياًّ فعل كذا وكذا ، قال: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تغير وجهه وقال: ((ادع علياًّ إن علياًّ مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي)).
وبإسناده رفعه إلى حبشي بن جنادة السلوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((علي مني وأنا منه ولا يؤدي علي إلا أنا أو علي)).
وروى بطرقه ورجاله رفعه إلى سلمان الفارسي قال: سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة وعشرين ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزأين فجزء أنا وجزء علي)).
وقد ذكر من طريق ابن المغازلي رفعه بإسناده لفظ الخبر وزاد فيه: حتى افترقنا من صلب عبد المطلب ففي النبوة وفي علي الخلافة، ومثله ذكره في كتاب (الفردوس) لابن شيرويه الديلمي مثله سواء، فإذا كان قسيمه والمخلوق معه من نور ربه وشريكه في نسبه وسنته، فكيف ينبغي لمعدم أن يقدم على من قدمه، وهل كرم ذي كرم يساوي شرفه وكرمه هيهات هيهات، لعل ما بقي غير ما فات، ما آمن بالله من جحد رسله، ولا صدق رسوله من أنكر قوله وعمله.
وصحح التقوى ونعم المؤدب
ثواكلها ذو الطب والتطيب
فنعم ولياً لي الأمر من بعد وليه
ونعم طبيب الداء من أمر أمه
وما يتقون من أبي حسن شبيه هارون إذا شفعوا، وأخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قربوه، والصابر في مواطن الموت إذ نكلوا، فانظر رحمك الله ما للآخر الذي بعده مما قرب منه غيره، أو أوجب تأخره عما استولى عليه سواه؛ فإذا كان الدليل لا يتبع، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يسمع، فإلى أين المرجع، وأين المفزع، فنسأل الله تعالى توفيقاً يقود إلى الهدى من طلبه، ورشداً يصل نسبنا نسبه، وأن يجعل البراهين مالكة زمام أمرنا، والآثار النبوية هاديتنا في اجتلاب نفعنا، واستكفاء شرنا، فإن شر النفوس أعظم الشرور، والإعراض عن الأدلة النافعة -نعوذ بالله منه- مفتاح البور.
[ إمامة الحسن والحسين ]
فهذا ما أمكن على وجه الاختصار من إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وتقديمه باستحقاق الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل، فإذا قد فرغنا من ذلك فلنتكلم في إمامة الحسن والحسين عليهما السلام، والدليل في ذلك قوله تعالى في إبراهيم عليه السلام: ?إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?[البقرة:124]، وقد وقع الإجماع من علماء الأمة على إجابة دعوة إبراهيم عليه السلام، فإن قوله تعالى: ?لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ? استثناء لإخراج الظالمين بعد إجابة الدعوة، فقد جعل الله الإمامة لمن لم يدخل في زمرة الظالمين من ولد إبراهيم، ولم تقع العصمة فيمن علمنا من ولد إسماعيل إلا لمحمد وعلي وفاطمة وابنيها سلام الله عليهم أجمعين .
فإذا قد صحت الإمامة لهم بدعوة إبراهيم على القطع عليه السلام شفعنا ذلك بقوله تعالى: ?وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ?[الطور:21]، وهما سلام الله عليهما ممن آمن أهلها واتباعهم بإيمان فلحقا بهم، وقد استحق أبواهما محمد وعلي سلام الله عليهما الإمامة، فلما شركهما هذان في شروط الإمامة استحقاقها لحقا بهما في استحقاقها والقيام بها، فقد قاما سلام الله عليهما؛ ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما)) وهذا الخبر مما تلقته الأمة بالقبول وبلغ حد التواتر فصح الاحتجاج به، وهذا نص صريح في إمامتهما عليهما السلام، وإشارة قوية إلى إمامة أبيهما؛ إذ لا أحد خير من الإمام إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد ثبت أن علياًّ عليه السلام لا يستحق النبوة فبقيت الإمامة بطريقة الأولى.
وقد روينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في كل واحد منهما: ((إن ابني هذا سيد)) والسيد إذا أطلق أفاد الإمامة، فإذا أضيف أفاد ما أضيف إليه، ولهذا يقال: هذا سيد هذا العبد، وهذه الأمة وهؤلاء القوم تفيد المالك للتصرف فيهم، فإذا أطلق أفاد التصرف في الكافة وهو معنى الإمامة، ولأن الأمة أطبقت على إمامتهما إلا من لا يعتد به (الحشوية) الذين لم يفصلوا بين الخلافة والملك، فهم ساقطون عند المحصلين من الأمة، إذ المعلوم من رجال العلماء في الطبقات الأولى، والعصور المتوسطة والمتأخرين، إخراج المتغلبين من الظلمة عن استحقاق الإمامة بمجرد الغلبة.
هذا أبو حنيفة رحمة الله عليه كتب إلى محمد بن عبدالله عليه السلام أما بعد..فإذا أظهرك الله على آل عيسى بن موسى فسر فيهم سيرة أبيك في أهل صفين فإنه قتل المدبر، وأجهز على الجريح، ولا تسر فيهم سيرته في أهل الجمل، فإنه لم يقتل المدبر، ولا يجهز على الجريح، فوجد الكتاب فكتمه أبو جعفر حتى انقضت حرب إبراهيم وسكن الناس فأشخصه إلى بغداد فسقي شربة بسمٍّ فمات منها فهو شهيد في حياة أهل البيت، وقام عليه رجل فقال: يا أبا حنيفة ما ابتغيت الله في فتواك أخي بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله فقتل؟ فقال : قتل أخيك مع إبراهيم خير له من الحياة. قال: فما منعك أنت من الخروج؟ قال: ودائع للناس عندي.
وسأله رجل في تلك الأيام عن الحج والخروج إلى إبراهيم عليه السلام فقال: غزوة خير من خمسين حجة.
وممن خرج مع إبراهيم عليه السلام، طبقات أهل الحديث في عصره: شعبة بن الحجاج، وهشام بن سيرة، وعباد بن العوام، ويزيد بن هارون في آخرين وميلنا إلى الاختصار.
وقيل لمالك بن أنس رحمه الله تعالى: إن في أعناقنا لأبي جعفر يميناً، وقد دعا محمد بن عبد الله فما ترى؟ فقال: ففروا إليه إنكم حلفتم مكرهين وليس على مكره يمين.
وللشافعي محمد بن إدريس رضي الله عنه مشهور القيام والدعاء إلى يحيى بن عبدالله عليه السلام في أربعة عشر فقيهاً منهم: مخول بن إبراهيم، وعبد ربه بن علقمة، وسعيد بن حبيبي، وفليت بن إسماعيل ومرادنا الاختصار.
فهؤلاء فقهاء الأمصار كما ترى لا يرون إمامة لظالم لنفسه ولا لغيره، ولا بإطلاق الاسم عليه في الدعوة المجابة، وإنما يذهب إلى إمامة من لا يستحقها من أخذ الدنيا بالدين ولا خلاق له في الآخرة، فلا يعد خلافهم خلافاً وإن كبرت جماعتهم، فهذا هو الكلام في إمامتهما عليهما السلام على وجه الاختصار .
[ الإمامة مقصورة في ذرية الحسنين ]
وإذا قد فرغنا من الكلام في إمامتهما فلنتكلم في أن الإمامة مقصورة في ذريتهما من سار سيرتهما، وهدى وسلك منهاجهما، وجمع خصال الفضل التي يصلح معها لتقويم أمر الأمة وسياستهما.
الدليل على ذلك قوله تعالى: ?وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ?[الحج:78]، ووجه الاستدلال لهذه الآية أن هذا أمرٌ والأمر يقتضي الوجوب.
أما أنه أمر فظاهر لأن فيه صيغته وشرطه، وأما أن الأمر يقتضي الوجوب لقوله تعالى: ?فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ?[النور:63]، والوعيد لا يقع إلا في ترك الواجب، فإن قيل: هذا عام في ولد إبراهيم عليه وعليهم السلام . قلنا: المعلوم ضرورة أن اليهود والنصارى لا يرادون بذلك؛ لأنهم أعداء الإسلام فهم ممن أمر الصالح بجهادهم، وبقي المسلمون من قريش وغيرهم من ولد إبراهيم داخلون تحته، فإن قيل: الجهاد يلزم والمسلمون من ولد إبراهيم جميعاً. قلنا: الجهاد لا يقع بالناس فرضاً لأن الإجماع قد انعقد أن لا بد من رئيس لكل جيش محارب، فيتضمن وجوب المجاهدة ووجوب نصب الإمام، فإذا قد وجب نصب الإمام منهم، وقد قال قائل: هي في قريش وخالفهم العترة بالمنع من ذلك، وأجمعوا معهم في جواز الإمامة فيهم، فقد وقع التسليم فيهم والنزاع في غيرهم، وكانت الإمامة فيهم بالإجماع الذي أكد الدلالة؛ لأن الناس في الأمة على ثلاثة أقوال: منهم من جعلها في الناس كلهم وهم الخوارج، فمن أجازها في الناس كلهم فقد أجازها في ولد الحسن والحسين؛ إذ هم من الناس بل من خيرهم.
ومن الناس من جعلها في قريش وهم المعتزلة ومن قال بقولهم، ومن أجازها في قريش فقد أجازها في ولد الحسن والحسين؛ إذ هم من قريش بل من خيرهم.
ومن أجازها في ولد الحسن والحسين أخذ بالإجماع، وتنكب سبيل أهل الخلاف وذلك بعد بطلان قول أصحاب النص، والدليل على بطلان قولهم أن التعبد بالإمامة عام ودعواهم في النص خاص، والتكليف بما لا يعلم أقبح من التكليف بما لا يطاق، والتكليف بما لا يطاق قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، أما أنه لا يفعله فلعلمه بقبحه وغناه عنه وعلمه باستغنائه عنه، وأما أن التكليف بما لا يطاق قبيح فمعلوم ضرورة، فلو كان النص صحيحاً لوجب ظهوره بحيث يعلمه الكافة ولا سبيل إلى ادعاء علمه فضلاً عن وقوعه إذ يستحيل على وجود ما لم يوجد.
ومن (تفسير الثعلبي) بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: نحن حبل الله الذي قال تعالى: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا?[آل عمران:103] وروايته مقبولة.
ومن (مناقب الفقيه ابن المغازلي) رفعه إلى أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق)) وهذا الخبر أيضاً مما تلقته الأمة بالقبول فصح أن يحتج به، وإذا قد علمنا أن أمة نوح كلها هلكت إلا من ركب السفينة، فكذلك هذه الأمة إلا من تمسك بالعترة، وجب على الأمة الرجوع إليهم، وإذا لم يكن الرجوع إليهم عموماً فليقع إلى الصالح، ولا بد للصالحين من إمام يكون هو والمفزع إليه والمرجع والكل كالمضاف إليه.
ومما يزيد ذلك وضوحاً ما رويناه من حديث الثقلين، وقد ورد ذلك من طرق شتى وصح تواتره، وقد روي في الصحاح وغيرها من الكتب المأثورة والنقل المقبولة عند الأمة.
وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: اعلموا أيها الناس أن العلم الذي أنزل الله تعالى على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم فأين يتاه بكم عن أمر تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة هؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، خذوا عني عن خاتم المرسلين، حجة من ذي حجة، قالها في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)).
فقد رأيت أيدك الله ما تضمن هذا الخبر من وجوب المبايعة لهم، والانقياد لأمرهم، والتمسك بهم، فإذا كان هذا في عمومهم، فهو في خصوصهم وأعيانهم، وأئمتهم أولى بطريقة الأولى وهي أقوى معتمد في الشرعيات، والإمامة شرعية فتفهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
[ اختلاف الناس في الإمامة وحكم من تقدم ]
وقد جاءنا سؤال فيما تقدم عن بعض ما نحن بصدده فأجبنا على وجه الاختصار، ورأينا أن نورد إليك المسألة مجردة لعل الله ينفع بها وهي هذه:
سألت أيدك الله عن اختلاف الناس في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقدم من تقدم على علي بن أبي طالب عليه السلام.
اعلم أن الأمة مختلفة في الإمامة، فمنهم من أثبتها في أعيان مخصوصة في النص في أهل بيت النبوة عليهم السلام وهم الإمامية ومن حذى حذوهم، وهم مختلفون في أصل النص، وفي صورته، وكيفيته اختلافاً كثيراً، ومنهم من اعتبر منصباً مخصوصاً وهم الزيدية والمعتزلة.
فقالت الزيدية: هي في ولد الحسن والحسين عليهما السلام بشرائط، واختلفوا في طريقها، فقالت الزيدية: طريقها الدعوة، وقالت المعتزلة: طريقها العقد ولم يختلفوا في الشرائط.
وذهبت الخوارج إلى أن الإمامة في الناس كلهم ما صلحوا لذلك، عربهم وعجمهم في ذلك سواء وطابقهم النظام في طوائف.
فهذا أصل الاختلاف في الإمامة وله فروع يطول شرحها ولا يمكن في الحال ذكرها.
ومذهبنا أنها في ولد الحسن والحسين عليهما السلام محصورة، والدليل على ذلك أنها شرعية فدليلها شرعي وهو الإجماع على جوازها فيهم، وعدم الإجماع على جوازها فيمن سواهم فوجب حصرها فيهم.
وقول أهل النص باطلٌ لأنه غير معلوم، والتعبد بالإمامة عام فلو صح لعلم، ولا تجوز الإمامة في الناس كلهم؛ لأنه لا دليل عليه وما لا دليل عليه لا يكون مذهباً صحيحاً لأن المذهب دعوى فلا يصح بغير دليل.
وأما الإمامة في علي عليه السلام فهي ثابتة بالنص فيه وفي ولديه عليهم السلام ، والنص عليهم معلوم، والأمة بين محتج به ومتأول له، وتقدم من تقدم على علي عليه السلام من جملة الأحداث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي أخطأ راكبها، ولسنا نعلم قدر عقوبة ذلك الخطأ عند الله سبحانه؛ لأن الخطيئة الكبيرة قد تصغر بقدر عظم صاحبها وتقدم إحسانه، كما نعلم من إقالة أهل الكرامة الهفوات والعثرات، والتجاوز عنهم من فارط السيئات بخلاف من لا حق له ولا مكان.
وقد كان المتقدم على علي عليه السلام من أعظم الناس على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد أهل بيته حقاً، وأقفاهم لآثاره، وهم خلة أصحابه وخيارهم ومنهم صاحبه وناصره، ومنهم ظهره ولهم حرمة، وقد أقدموا على ما لم يوسع لهم في ارتكابه ولا قام لهم دليل بجوازه، فإن عفا الله عنهم فأهل العفو وهم أقمن الناس به، وإن عاقبهم فما ربك بظلام للعبيد .
فهذا ما عندنا في هذه المسألة مجملاً فتفهمها موفقاً، فقد رأينا أن نجعل لك هذه المسألة كالأصل لما بعده، ولا يمكن أحد أن تصح دعواه على أحد من سلفنا الصالح عليهم السلام أنهم نالوا من الصحابة رضي الله عنهم أو سبوهم، بل يعتقدون فيهم أنهم قبل الإحداث أنهم خير خلق الله بعد محمد وعلي وولديهما صلوات الله عليهم وعلى الطيبين من آلهم، ويقولون قد أخطئوا بالتقدم على علي عليه السلام وعصوا بذلك معصية قدرها إلى الله سبحانه والخطأ لا يبرأ منه إلا الله تعالى، وقد عصى آدم ربه فغوى؛ فإن حاسبهم فبذنب قدموه، وإن عفا عنهم فهو أهل العفو وهم يستحقون بحميد سوابقهم، ولا يعدلون بعلي عليه السلام أحداً لأدلة تواترت عندهم لم نحب إيراد شيء منها؛ لأنا ألزمنا نفوسنا أن لا نحتج على الأمة إلا بنقلها وما هو موجود بين ظهرانيها، ثم ذكرنا من الموجود عندها القليل من الكثير، وضوء البارق يشير بالنوء المطير.