فهذا هداك الله كما ترى قول زيد بن علي عليه السلام، فكيف ينتسب إليه من يخالفه في قوله وينكر ما جاء منه، وهل مدح زيد بن علي عليه السلام موجوداً أو معدوماً وفصله ونوعه، وجعله كما جعله ربه، شفاءً وهدىً، ونوراً ورحمة، وهل ينفعنا الشفاء الغائب عنَّا، ونستضيء بالنور النازح منَّا، هل هذا إلا العمى نعوذ بالله منه وما الذي نردده وهو لا يخلق على كثرة الرد، إلى غير ذلك مما بيَّنه عليه السلام في هذا الفصل، وميلنا إلى الاختصار فأردنا أن لا يغتر بمن ينتسب إلى الشيعة وليس منهم، وإلى أهل البيت عليهم السلام وهو عدوهم، وإلى الزيدية وهو لا يتبع زيداً عليه السلام ولعلي عليه السلام ولأولاده الأعلام سلام الله عليهم في مدائح القرآن ما يطول شرحه، وللقاسم بن إبراهيم عليه السلام مديحان في القرآن كبير وصغير.

فإذا سمعت من ينتسب إلى الشيعة لم تقبله على ظاهره ما لم تعرف بصحيح البرهان اعتقاده، أو يكون راجعاً إلى الهداة المهتدين من العترة الطاهرة المباركة الذين قال فيهم الفرزدق بن غالب التميمي الدارمي رحمه الله تعالى:
دين وقربهم ملجأ ومعتصم
في كل شيء ومختوم به الكلم
أو قيل من خير خلق الله قيل: هم

من معشر بغضهم كفر وحبهم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم
إن عُدَّ أهل التقى كانوا أئمتهم

لأنه لا تتم الصلاة إلا بذكرهم؛ لأنَّا قد بينَّا لك في الصحاح منهم، وهو بلفظ الأهل، ولا فرق بين آل محمد وأهل محمد، إلا أنهم أبدلوا الهمز من الهاء وهو جائز في لغة العرب ولهذا إذا صغر ردَّ إلى أصله وهذا حكم التصغير فتنقلب أهيل، ولا يقال أويل، وقد جعلنا لك ما يكفي من لم يعم التعصب عين بصيرته.

وهذه الفرقة الضالة كما ترى صدت فرق الإسلام عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم بما أظهروه من الاعتقادات الفاسدة مع انتسابهم إلى آل محمد وهم لهم في الحقيقة أعداء في الدنيا والآخرة؛ لأنهم عليهم السلام النمرقة الوسطى، إليهم يرجع الغالي، وبهم يلحق التالي، وهم مفاتيح الجنة، وسبل النجاة، وأدلة الرشد، ودعاة الحق، وبحار العلم، وجبال الحلم، وما ظنك في أهل بيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، وزارته ملائكة الملك الجليل، دنت فيهم الحكمة ودرجت، ودخلت وخرجت، فكل خبر فيهم أصله وأهله، وكل رشاد وحكم فهم منشؤه وإليهم مرده، وما عسى أن نمدح من مدحه القرآن : ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، وقد تقدم معنى هذه الآية في الصحاح، ومن المراد بها، قرنهم الحكيم سبحانه بالكتاب الكريم، على لسان نبيه الصادق العليم، كما بينّا لك في حد الثقلين من الصحاح فما ظنك بمن هو عدل للقرآن، وردت بالتمسك به وصاة الرحمن، فإن قيل فيهم عصاة لا يجوز موالاتهم، ومخالفون لأهل البصائر منهم لا يتسع اتباعهم.

قلنا: وفي القرآن منسوخ سقط حكمه ولا تحرر لأهل الإيمان العمل به، ومتشابه يتبعه أهل الزيغ والضلال يجب رده إلى أمه واطراح حكمه، فإن قلت: لا يجب اتباع القرآن لذلك، فهل في أهل البيت عليهم السلام كذلك؟ قال الله تعالى: ?وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ?[الحديد:26]، فلم يسقط فسق الفاسقين وجوب اتباع الصادقين ولا إخراجهم من وراثة الكتاب، فعل أهل الزيغ والارتياب.

فتأمل ما ذكرت لك ذلك بحس قوي، وفهم سوي، وقد محضت لك النصح محضاً، ورفضت عنك النفس رفضاً، وعرَّفتك منهاج السلامة لتسلكه على يقين، وأريتك دار اليقين، لتهلك إن هلكت - والعياذ بالله - عن بينة، وتحيا إن حييت - وهو الرجاء في الله سبحانه وتعالى - عن بينة، والله سميع ممن دعاه وطلبه، عليم بمن أقبل إليه وتمسك بحبله، وبمن أدبر عنه وقطع سببه، وما حكمك فيمن عاب دليله في المفازة المهلكة، وخالف هاديه ولم يسلك مسلكه، فنسأل الله تعالى بياناً يرسخ في قرار قواعد التوفيق أقدامنا، وتوفيقاً يملأ بنوره ليالينا وأيامنا، لنعرف يميننا وشمالنا، وخلفنا وأمامنا، لنكون في أمرنا على بصيرة، ونسير في طلب هدايتنا أحسن سيرة.

والصلاة على محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وعلى كافة المسلمين ورحمة الله وبركاته.

10 / 10
ع
En
A+
A-