المعرفة الثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن النبوة اصطفاء من الله تعالى واختيار، وصادرة من العزيز القهار، وأنه تعالى الذي أرسل وتنبأ، واختار واصطفى.
وقالت المطرفية: ليست النبوة من فعل الله تعالى ولا اختياره، ولا مشيئته ولا إنشائه، وإنما هي فعل الشيء، وتارة يقولون: إنها جزاء على فعل النبي، وهذا يخالف العقول، وما نطق به القرآن وجاء من الرسول، وذلك لأن أصل الرسالة والنبوة إنما هي مصالح العباد، فإذا علم تعالى أنّ مصلحة الأمة في التعبُّد بشريعة مخصوصة ولم تكن المصلحة في أن يرسل إليها الملائكة، فلابد أن يرسل إليها رسولاً لتأدية مصالحها، وتمييز مفاسدها عن مصالحها؛ لأن ذلك من جملة ألطافها وتمكينها، وأقرب إلى إزاحة عللها، ولهذا قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء:15] وقد قال تعالى: {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم: 30] وقد قالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}[مريم:29] فصيره نبياً في حال صغره وقبل طاعته وكبره، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران:33] ........من آيات القرآن.
المعرفة الحادية والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن من لم يبلغ درجة النبوة فما ذلك بتقصير منه في أمر نفسه، ولا باختلال في عقله وحسنه.
وقالت المطرفية: من لم يبلغ درجة النبوة فذلك لتقصيره في العمل، ومطاوعته الغرور والأمل، خلافاً على الله عز وجل، ولو كانت النبوة بالعمل لحصل بإختيار الواحد منا ودواعيه، ولتعلق بذلك أمر الله تعالى ونواهيه، وقد قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا}(1)[الزخرف:31،32] ولأن كل عاقل يختار لنفسه المنزلة الرفيعة، والرتبة العالية، فلو كانت النبوة من فعل العباد لبادروا إليها بالجد والاجتهاد، وقد قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}[مريم:12] فقال علماء الدين: أتاه النبوة في صغره وبعد ما أكمل من عقله.
المعرفة الثانية والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: الإمامة لا تحصل باختيار الإمام في نفسه..............أهل البيت لا تقع إلا باختيار الله عز وجل، وأنه تعالى الذي جعل علياً عليه السلام إماماً، وكذا الحسن والحسين وسائر من دعا وتكاملت فيه صفات أئمة الهدى.
وقالت المطرفية: الإمامة فعل الإمام، وخالفوا به الأنام، ودليله أنها لا تحصل بالقصد والدواعي ولا تنتهي بالكراهة والصوارف، وقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[السجدة:24] ولأن ذلك يؤدي إلى إبطال المنصب، ويؤدي إلى جواز إمامين وأكثر في وقت واحد وذلك محال.
__________
(1) كانت في الأصل: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَاها} والصحيح ما أثبتناه.
المعرفة الثالثة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن أفعال العبد قد تتعدى محل قدرته، ويوجد في غيره..............، نحو انفلاق الرأس بالسيف، وانفراق البدن بالطعن، وانخراق الجلد بالرمي.
وقالت المطرفية: ذلك من فعل الله تعالى بالفطرة والتركيب، وفعل العبد لا يعدوه ولا يوجد في غيره، وهذا محال؛ لأنه يستحق على ذلك ما ذكرناه من المدح في حال، والذم على حال، ويتعلق الأمر والنهي، ويقع بحسب القصود والدواعي، وينتفي بحسب الكراهة والصوارف، ولأنه كان يجب أن يكون ما أصاب زكريا ويحيى وغيرهما من الأنبياء من الانقتال وما في أجسادهما من إيلام المنشار والحديد من فعل العلي الحميد، وكان يجب أن يكون تعالى ظالماً، وأن يكون فاعلاً للقبيح، وقد قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}[آل عمران:146] فأضاف ما أصابهم إلى الظالمين، وقال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ}[البقرة:251] وعندهم القاتل له هو الله تعالى، وقال في مخاطبة ابني آدم: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ} إلى قوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1)[المائدة:28-30] فأضاف ما أصابه وغير ذلك كثير.
المعرفة الرابعة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: بأن الانطلاق والاجتماع والانفلاق يكون من الذي أحدث الفعل والجميل والقبيح.
وقالت المطرفية: منا الجمع ومن الله الاجتماع، ومن العبد......... ومن الله الانفلاق، وكذلك قالوا الانفعال، وهذا محال؛ لأن.............يحصل بحسب الفعل، فثبت...................عند أن لم يكن أوجده الفاعل، ويقف على اختيار الفاعل بواسطة ما يسمونه فعلاً مثل ما تقدم.
__________
(1) كانت الآية: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْنادمين} والصحيح ما أثبتناه.
المعرفة الخامسة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن ما سمع من الكهف والمواضع المجوفة إذا قال القائل: ألا إن معه الله إلهاً آخر، وقال: ألا إن الزوجة والولد فإنه فعل الإنسان وافتراؤه على الرحمن.
وقالت المطرفية: فإن ذلك من فعل الله سبحانه خلق ما يسمع من أن مع الله تعالى الصاحبة والولد، وهذا قول ما قاله أحد؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون حقاً وقولاً صدقاً، وأن مع الله إلهاً آخر، وأن له الصاحبة والولد، بل كان يجب أن يكون ثابتاً منتفياً معاً، بأن يقول ذلك إثنان فيخلق ما يسمع من الكهوف الرخمان، والله المستعان.
المعرفة السادسة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى ما أراد ما حدث بأمير المؤمنين عليه السلام من انفلاق الرأس عند ضرب ابن ملجم له.......مثلما حدث بزكريا ويحيى من القتل.
وقالت المطرفية: أراد الله تعالى ذلك، وهو فعل الله تعالى وإرادته ومحنته عز وجل ومشيئته، بواسطة الفطرة والتركيب وهذا محال؛ لأن قتل الأنبياء والأوصياء عليهم السلام قبيح، والله تعالى لا يريد القبيح، ولأنه كفر وفسوق لا يجوز إلا من المخلوق، وقد قال تعالى: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر:7] وقال {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205] وذلك من أعظم الفساد، وأبعد الأشياء عن السداد والرشاد.
المعرفة السابعة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن حسنات العاصي حسنات وليست بمعاصي ولا سيئات، مثل رد الوديعة، وقضاء الدين، وشكر النعمة، ودفع الضرر عن النفس وغيره من العقليات، ومثل الصلاة والصيام، والزكاة والحج، وغيره من الشرعيات.
وقالت المطرفية: بأن حسنات العاصي معاصي وسيئات، وإنما يقبح من الأمور المنكرات، وهذا قول مخالف للعقول، فإنه يستحق عليها المدح والشكر، ويتعلق بها الحث والأمر، ويقبح ذمه عليها ونهيه عنها، ولهذا ورد الخطاب بالحسنات عاماً للمكلفين من المؤمنين والفاسقين، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}[النساء:1] وفي آية: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة:21] وقال تعالى لقوم من المكلفين: {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}[التوبة:102] ولأنه تعالى قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}(1)[الزلزلة:7،8] ولأنه قد ثبت أنه يجوز تصرف الفاسق في ماله بالبيع والشراء، والهبة والصدقة، وتقع التفرقة بين أن يتصدق بماله وبين أن يتصدق بمال غيره.
المعرفة الثامنة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله لا يأمر بالقبائح والفحشاء، ولا ذلك حكم العلي الأعلى.
وقالت المطرفية: إنه تعالى ........................الزكاة والصيام، والحج والصدقات، وكلها من القبائح السيئات، وهذا قول باطل؛ لأن الله لا يأمر بالقبائح، فإن الأمر بالقبائح قبيح، وهو تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف:28].
__________
(1) كانت في الأصل: {من يعمل مثقال ذرة... إلخ} والصحيح ما أثبتناه.
المعرفة التاسعة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن الكذب قبيح.
وقالت المطرفية: إن الكذب قد يحسن ويجب في بعض الأحوال، ولا سيما إذا كان نصرة لأهل مذهب الحق، حتى قال فقيه منهم يقال له يحيى بن الحساس: قد كان أجمع رأي أربعة منا أن يشهدوا بالزنا على القاضي محمد بن سعد وهو أحد علماء الزيدية بين يديك يعني الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام فقال: فإن أقمت عليه الحد فلنا فيه العوض وإن لم تقم عليه الحد، قلنا أنت ظالم ولست بإمام................................الإمام المتوكل على الله إسماعيل عليه السلام أنطقه الله بذلك، وهذه مقالة الخطابية من الباطنية، وهذا خلاف العقل؛ لأن العقل يقضي بقبح الكذب لكونه كذباً، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل:105] وقال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور:15].
المعرفة الأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن خوار الثور، وثغا الغنم، ورغا البقر، ونهيق الحمير، ونباح الكلب، وجميع أفعال البهائم فعلها واختارها وحصلها بقدرتها.
وقالت المطرفية: جميع.................ونباحها ورغائها وغير ذلك من حركاتها وسكناتها وتصرفاتها فعل الله تعالى، وأنها مجبورة غير مختارة فيه وهذا محال؛ لأنا قد نعلم بالضرورة أن أفعالها صادرة بحسب دواعيها بأن تخيير اتباعها لشهواتها وابتعادها عن........................، وقد قال العلي: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان:19] فأضاف الصوت لها، وأنها تتعلم وتقبل التعليم والتأديب والتهذيب، وتتصرف وتتقلب بحسب الرهبة والرغبة، وقد قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا} الآية [المائدة:4] فبين أنهنَّ متعلمات، وأنهم كاسبات، أي فاعلات ما فيه منفعة، وأنهنَّ ممسكات، أي فاعلات للإمساك، وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود:6] فبين أنها تدب وتتحرك وتنتقل {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}[الأنعام:38] فأضاف الطيران إليه، ولأنها تختلف أفعالها بحسب آلاتها، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}[النور:46] فأضاف المشي إليها، ولأنها......................................، أن تكون فاعلة تلك الآلات، وإلا كان خلقها عبثاً، قال تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}[الأعراف:195] فبين أن فائدة هذه الآلات ما يجري عليها من الأعمال والإحساس.
المعرفة الحادية والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله لا يظلم ولا يعذب بغير ذنب ولا جرم.
وقالت المطرفية: إن رق الولد لكفر أبيه، وأن ما أصاب الصبيان من الآفات والأمراض فإنه منه تعالى بغير اعتبار ولا أعواض، وهذا محال؛ لن ذلك كله ظلم قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الإسراء:15] وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46].
المعرفة الثانية والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى رزق المسلمين والكفار، والأبرار والفجار.
وقالت المطرفية: إن الله ما رزق العصاة، وكذبوا قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقال مخاطباً للكفار: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}[الملك:21] وغير ذلك من الآيات.
المعرفة الثالثة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: بأن نعم الله تعالى تتوالى على الأبرار والفجار، والمسلمين والكفار.
وقالت المطرفية: لا نعمة لله على كافر، ولا منه له على فاجر، وخالفوا بذلك الإجماع؛ لأنه ليس فيه نزاع، ولأنه لو لم يكن له على الفجار نعمة من النعم إلا أصولها نحو خلقهم وخلق الشهوة والتمكين من المشتهى، وإكمال العقل، وما يتفرع على ذلك من الجوارح الثابتة، والحواس المستقيمة، ومجاري الطعام والشراب للدخول والإخراج، فإن ذلك غاية الإنعام، وأكبر الأيادي والأقسام، كيف وقد قال ذو الجلال والإكرام: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[إبراهيم:34] وقد قال مخاطباً للكفار: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72] فبين أنه أنعم عليهم مع أنهم بنعمته كافرون، وقد قال حاكياً عن موسى عليه السلام: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاََهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[يونس:88] فبين أنه أنعم عليهم تبارك وتعالى مع الكفران وادعا الربوبية، وأعظم العدوان، وغير ذلك من القرآن.
المعرفة الرابعة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الفساق يملكون ما في أيديهم من الأرزاق الحلال، وكذلك يملك الكفار ما في أيديهم من الأموال، وأنها مغتصبة معم بحكم ذي الجلال، وهذا خلاف قول المسلمين، واعتماد على غير حكم رب العالمين، ولهذا يصح منهم فيها البيع والشراء والهباتن ويحكم لهم فيها بملك ..............للواحد منهم بالصدقات، ويجب على الفاسق إخراج الزكوات والمعونات، ونفقات الزوجات والأقارب، ولا يؤخذ من ماله إلا بحكم الحاكم، كما في المؤمن، وقال قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72] وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} إلى قوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}[النحل:80-83] ولم يكونوا مالكين لما مهم من الأرزاق ما كان لله عليهم نعمة في حال من الأحوال.
المعرفة الخامسة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: لابد من البعث والنشور وبعثرة القبور، لكل ميت من العقلاء والحرشات والبهائم، أو سواها من الأموات.
وقالت المطرفية: إن الحرشات والبهائم لا تحشر ولا تنشر، ولا يوافى لها المحشر، وفيه تكذيب لقوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:5] وقوله: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام:38].