الكتاب : عقائد أهل البيت والرد على المطرفية المؤلف : المحقق: الناشر : |
فإذا سئل واحد منكم عن مذهبه، فليقل أنا علوي زيدي، قاسمي يحيوي ناصري منصوري، أدين لله بالتوحيد والتنزيه، ونفي التجوير والتشبيه، وأوالي الفرقة الناجية العلوية، وكافة شيعتهم من الزيدية، وأعادي الفرقة الضالة الشقية المطرفية الطبعية، وسائر إخوانهم من أهل الضلالات البدعية، والفرق المغترة الغويّة، فإن قال ففصل إلى حقيقة هذا المذهب وما به يرجى الله ويرهب، فقل حقيقة هذا المذهب عند أهل المعرفة يتضح بثمانين معرفة، وهي المعارف التي يدين بها الملائكة المقربون، والأنبياء المرسلون، والأوصياء المنتجبون، وإليها هدت العقول والألباب، وبها شهد محكم الكتاب، وهي مذهب محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين وسائر أولادهما النجبا صلوات الله عليم أجمعين، وهي الدين الذي كان عليه جميع الصحابة والتابعين قبل حدوث بدع الضالين.
المعرفة الأولى
قال أهل الإسلام كافة: إن الله خالق العالم ومنشئه ومقدره من الأرض والسماء، والهواء والماء، والنجوم الجاريات، والرياح الذاريات، والأمطار والأشجار، والثمار والأزهار والأنهار، والليل والنهار، والأفلاك والأملاك، والإنس والجن، وجميع الجمادات الجامدات الناميات، والحيوانات الناطقات، والحيوانات غير الناطقات من الوحوش والحشرات والطيارات وغير الطيارات، كلها من خلق الله تعالى وتقديره، وإحداثه وتصويره، وهذا مذهب كافة الزيديّة، وتظهره المطرفية بالشهادة.
ثم قالت المطرفية في تحقيق مذهبها ودينها ما يقول القائل من ذلك توسُعٌ ومجاز، وإلا فالحقيقة عندهم أن الله خلق الأصول وقصدها عند خلقها من الهواء والماء، والرياح والنار، حكمة من الملك الجبار، العزيز القهار، وجعلها مركبة مفطورة على أحداث الفروع من السماوات والأرضين، وما فوقهما وبينهما من الحيوانات والجمادات، قالوا: فبعضها يحدث من بعض، البيضة من الدجاجة، والدجاجة من الدجاجة من البيضة، والإنسان من المني والمني من الإسنان، والثمرة من الشجرة والشجرة من الثمرة، وكل فرع حادث من أصله لا بإرادة الله تعالى وقصده، وهذا محال؛ لأن هذه الفروع كلها محدثة، وكل محدث لابد له من محدِث قادر، فإن ما أوجب في الأصول أن يحتاج إلى محدث قاصد لها قادر عليها، يوجب مثل ذلك في الفروع من الأصول كما قضت به العقول، ونطق به الكتاب الكريم، وجاءت به السنة الشريفة، وحكم به الأئمة الهادون، خلاف قول هذه المطرفية، وإخوانهم من الفلاسفة والطبايعة والدهرية.
المعرفة الثانية
قال أهل الإسلام كافة: بأن كل ثمرة من حب أو زبيب أو فاكهة أو جنسها خرجت من أصلها لا بطبيعة أصلها، ولا من مادته ولا تركيبه على إحداث ذلك، ولا بفطرته، ولا بتأثير ولا جبلته، بل أحدثها من ذلك الأصل خلقها وأبدعها ربها وصانعها؛ لأن الفعل لا يصح إلا من حيّ قادر، والأصول ليست بحية ولا قادرة.
وقالت المطرفية: حدث جميع الثمار بطبع تلك الأصول، وبما فطرت وركبت عليه من أحداث الفروع، وليس بشيء منها بقصد الله تعالى ولا إرادته، ولا اختياره حالة الحدوث ولا مشيئته، وهو قول الطبايعية والملحدة وهو محال؛ لأن هذه الفروع نحو الصورة الإنسانية مثلاً لو لم تكن حاصلة باختيار الصانع الحكيم وبإرادته لهذا التركيب الحكيم لم يكن الموجب لها بأن توجبها صورة الإنسان أولى من توجبها صورة الفرس أو غيرها من الحيوان؛ لأنه ليس بعالم بكيفية الأحكام، ولا مريد لنظام دون نظام، ولا كان بأن يجعل الرأس رأساً، واليد يداً، والوجه وجهاً، وكذلك سائر الأعضاء أولى من العكس، وأولى من أن يوجب الإنسان منكوساً، لولا أن ذلك من صانع عليم، ومرتب له حكيم، ولا كان بأن تكون النطفة والعلقة مضغة والمضغة عظاماً، ومكسو العظام لحماً أولى من العكس، كان يجب أن يكون الشيء الواحد على هذه الأمور، ومتى كان الموجب حاصلاً، وإن لم يحصل موجبه إلا على ترتيب وجب أن يحتاج في حصوله إلى صانع مختار مع هذه الأمور.
فإن قالوا:.احتاج إلى موجب آخر أدى إلى ما لا نهاية له، وذلك محال، وإن قالوا: ينتهي إلى محدثٍ، فإن ما أوجب حاجته إلى محدث يقتضي حاجة هذه الفروع إلى محدث، وعلى هذا ورد القرآن الكريم بأنه تعالى هو المحدث للإنسان والمصور له، بالفضل والامتنان، فقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:12-14].
المعرفة الثالثة
قال أهل الإسلام كافة: إن اختلاف الألوان والصور، والأنثى والذكر حدث بقصد العلي الأكبر، لا يقدر عليه سواه، ولا يحدثه إلا إياه.
وقالت المطرفية: بأن ذلك حدث بإحالات الأحكام، وتأثيرات الطبائع، وهذا من الموجبات، ولا تحصل الطبائع المتماثلات ولا المختلفات؛ لأن الكلام في تماثل طبائعها واختلافها كالكلام في أنفسها، فإن احتاجت إلى طبائع أخرى أدى إلى ما لا نهاية له، وإن انتهت إلى فاعل مختار وجب أن تحتاج إلى هذه الفروع في ذلك إلى الفاعل المختار، الذي يفعل ما يشاء ويختار، وعلى هذا قال تعالى: و{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران:6] وقال تعالى: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ}[الرعد:4] فبين أن طينها واحد، وماءها واحد، وأصولها مستوية متماثلة في الفروع، مختلفة متباينة، وعرفنا أنه تعالى المخالف بينهما، والمفاضل والمباين والمماثل.
المعرفة الرابعة
قال أهل الإسلام كافة: بأن الأمطار والماء نزل من السماء بقدرة العلي الأعلى، وقصده إلى خلقه كذلك تعالى.
وقالت المطرفية: لم يقصد إلى إحداثه تعالى، وإنما هو حادث من بخارات الأرض ورطوبات الجو، لا بمشيئة الله تعالى وهذا محال؛ لأنه إن وقع الشك أنه من فعله تعالى، فكيف يرتاب فيه المرتاب، وقد ثبت أنه محدث...................... نزوله من السماء فهو شك في قوله تعالى، قال عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[الفرقان:48] وقال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً}[الرعد:17] وغير ذلك من آيات القرآن الكريم.
المعرفة الخامسة
قال أهل الإسلام كافة: البرد نزل من السماء من جبال فيها من برد، وحدث ونزل بقدرة الفرد الصمد، ومشيئة الواحد الأحد.
وقالت المطرفية: ما حدث بإحداث الله ولا بإرادة الله، ولا بقدرته ولا مشيئته، ولكنها رياح باردة صادفت الماء في الهواء فأحالته بذلك برداً، مثل ما يذهب إليه الطبائعية والفلاسفة والملحدة وهذا محال؛ لأن الرياح ليست بحية قادرة، والبرد فعل، والفعل لا يصح إلا من حي قادر.
المعرفة السادسة
قال أهل الإسلام كافة: الأجسام لاتحيل وتستحيل وما ينسب من ذلك إليها إنما هو بمنزلة قول القائل مات، أي أماته الله تعالى، فهكذا استحال جسم الميتة ملحاً، أي أحاله الله من حالة إلى حالة، وقد يكون ذلك مما يقدر عليه العباد، مثل خروج الجسم من كونه متحركاً إلى كونه ساكناً، وإن كان ذلك ليس بإحالة تامة؛ لأن الإحالة التامة لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل ما ذكرناه.
وقالت المطرفية: إحالة الأجسام لله تعالى فعل، ولكنه لم يفعلها، وهي له إرادة ومراد، ولكنه لم يردها، وهذا قول لا يعقل، وتناقض عن غيرهم لم ينقل؛ لأنها إذا كانت فعلاً له، وقد فعلها بالضرورة، وإذا..................... بالضرورة؛ لأنه لا يجوز أن يثبت بأحد اللفظين ويبقى بالآخر، فلا يجوز أن يقال هي فعله وما هي فعله، ولا يجوز أن يقال هي إرادته وما هي إرادته، إلا أن يريدوا بقولهم أن الإحالة فعله، أي أنها فعل المستحيل، وهو الأجسام، والأجسام فعله من حيث هي حاصلة عن الأصول التي هي فعله، هكذا في الإرادة، وإن كان لم يردها حالة استحالت ولا قصدها وإنما حصلت بغير اختياره ولا مشيئته كان ذلك اعتقاد للقصران في علمه، أو للنقص في قدرته؛ لأن الفعل متى صدر ممن لم يرده فإنه لابد أن يكون إما مكرهاً على فعله وعاجزاً عنه عن من أكرهه، وإما ساهياً عن فعله وغافلاً عن أمره، وكلاهما محال، وإما أن ينتقض القول بأنها من فعله، فيكونون قد جعلوها من فعل الأصول وهو محال؛ لأنها ليست بحية ولا قادرة، وإما أن يجعلوها بإيجاب الأجسام............................... في جهته فيكون جسمين في جهة واحدة، إذ لو تعدى إلى غيره لم يكن بأن يوجبه في جهة أولى من أن يوجبه في جميعها وهو محال، أو في جهة أو لا في جهة معينة دون غيرها وهو محال؛ لعدم الاختصاص، وذلك لا يجوز، وكذلك لا يوجب شيئاً من الأعراض، وإلا أوجب ما لا يتناهى من المتماثلات أو جميع المختلفات، فيؤدي إلى إيجابه للمتضادات في حالة واحدة وهو محال.
المعرفة السابعة
قال أهل الإسلام كافة: إن أسماء الله التي سمته بها محدثة منا، وأنها تفيد ذاته، وأنه تعالى مثل قولنا: القادر العالم الحي القيوم القدير، وأن القادر الذي هو الله تعالى هو العالم، وهو الحي وليس القادر غير العالم ولا الحي غير القادر، ولا فيه تزايد تعالى ولا تعدد ولا حدوث ولا تجدد.
وقالت المطرفية: أسماؤه تعالى كثيرة، وكلها قديمة ومع ذلك هي الذات، والذات هي، وهذا محال؛ لأن الإسم هو قول القائل وكلامه، والكلام والأقوال من قبل المحدثات بدليل أن قولك قادر يتقدم القاف على الألف، والألف على الدال، والدال على الراء، وما تقدمه غيره فهو محدث، فكيف يصح القول بأنها قديمة، ولأن الله تعالى امرنا أن ندعوه بها، وقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:181] والدعاء بها لا يتم إلا بالتسمية له بها، والأمر لا يتعلق إلا بأفعالنا دون غيرها، ولا يتعلق إلا بإنشائها المدح والثواب، وذلك لا يصح في القديم، وليس يصح في الأشياء القديمة أن تكون شيئا واحداً؛ لأن كل عاقل يعلم بالضرورة أنه يستحيل أن ثلاثة هي واحدة لأن هذا خلل في العلم بالبداية، وهي معرفة العدد والحساب، ودخولٌ فيما كفرت به النصارى من إثبات ثلاثة أقانيم هو واحد، فإن هذه مناقضة ظاهرة.
المعرفة الثامنة
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى لا يفعل القبيح.
وقالت المطرفية: أما الشواهة والقباحة فهي منسوبة إليه من قبل الفطرة والتركيب، وإن كانت قبيحة، وكذلك كل منقول عنه فإنه قبيح، وإن كان مسنوباً إليه تعالى وهذا لا يصح؛ لأن الشواهة والأشياء المنفرة إن كانت من فعله تعالى فهي حسنة؛ لأن الله تعالى لا يفعل القبيح من حيث هو عالم بقبحه أي يستحق عليها الذم فإنها ليست من فعله، لكنها من فعله تعالى فهي إذاًحسنة، قال المسلمون: إنها وإن كانت منفرة في الطباع فهي حكمة في الخلق والإبداع؛ لأنها فعلت للصلاح لا للفساد، ولم يقصد بها ظلم العباد.
المعرفة التاسعة
قال أهل الإسلام كافة: إن الآفات والعاهات والأمراض وغيرها نحو الحمى والصداع، والعمى والصمم، والجذام والبرص، والحيوان والصراع، وما أشسه ذلك من خلق الحكيم وحكمة البر الرحيم.
وقالت المطرفية: إنها ليس يجوز أن تكون من فعل الله تعالى، ولا إحداثه ولا إنشائه، ولا من خلقه ولا ابتدائه وهذا محال؛ لأنها محدثة بعد أن لم تكن، وكل محدث لابد له من محدث قادر، وإذا لم يكن حدوثها منا وجب أن يكون منه.
المعرفة العاشرة
قال أهل الإسلام: إن الذي يفعل الخير والشر، والنفع والضر، والصحة والسقم، والمعنى والصم، والسلامة والجذام هو واحد، وهو الله عز وجل.
وقالت المطرفية: لابد أن يكون فاعل الخير غير فاعل الشر، وفاعل النفع غير فاعل الضر، قالوا: فالخير من الله والشر من الطبائع المختلفة، مثل ما يقوله الثنوية والمجوس، وهذا محال؛ لأن الذي لأجله كان الخير من الله هو أنه حادث لا يقدر عليه العباد، وقد ثبت أن الشر الذي يقولونه من قبل الأجسام كالجذام..................................، كالعمى والصمم، فجيب أن يكون من فعل العلي الأكرم.
المعرفة الحادية عشرة
قال أهل الإسلام كافة: ما كان قبيحاً من المضار ليس من فعل الله تعالى.
وقالت المطرفية: الأمراض قبيحة، وهي من فعل الله تعالى من قبل الفطرة والتركيب والكلام عليهم بما تقدم.