وسأل الله -تعالى- بعد ذلك (دولة لأهل محمد) (صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين) لتُرَدَّ المظالم إلى أهلها، وتنفق الأموال في وجوهها، وتجبى الحقوق من حلها، وتصرف إلى أهلها، وتستريح الأرامل واليتامى في مساكنها، وتسلم إليها أقواتها، وتجري الأحكام إلى غاياتها ، وتعود الإمامة إلى أربابها ، ووراثة النبوءة إلى نصابها، فحينئذٍ تُعض رؤوس الكفر فلا تقوم حلاوة رضاعها ، لمرارة فطامها، فينتظم شمل المسلمين بعد إنحلاله، ويخفت صوت الكفر بعد إهلاله ، فيصيح بأنه كان مغلولاً وكبشه نطيحاً، ويمشي المظلوم آمناً مستنيراً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
[من فوائد استجابة الدعوة، أولاً: الجهاد في سبيل الله تعالى]
[96]
حتى تُروَّى الباتراتُ في العَلَقْ .... وثَمَراتُ السُّمرِ من ماءِ الحدَقْ
مِنْ كُلِّ رِجْسٍ قد تعّدى ومَرَقْ .... إذا لِوَاءُ النصرِ لاحَ وَخَفَقْ
يقول: إذا منَّ الله -سبحانه- بإستجابة هذه الدعوة، العامة النفع بوقوع هذه الدولة المرجوة، الحميدة العادلة المفيدة، روينا السيوف من (علق الدم)، لأن آخر هذا الدين لا يصلح إلاَّ بما صلح به أوله.
و(السُّمر): الرماح ، و(ثمراتها): أسنتها، تشبيهاً بالثمر؛ لأنها في رؤسها، وثمر الشجر أبداً في رأسه.
و(الحدق): هي العيون أنفسها، يريد: يطعن عيون أعداء الكتاب حتى يدينوا لحكمه، فتُروَّى الأسنَّة من مائها.
و(الرجس): هو الفاسق والكافر، وأصل ذلك النجس الكريه الذي تنفر عنه النفس.
و(التعدي): فعل ما ليس للإنسان فعله، أو ترك ما عليه فعله في عرف الشريعة، والأول أصل اللغة في ذلك.
و(المروق): هو الخروج عن الحق بعد الدخول فيه، وأصل ذلك في السَّهم إذا مرق عن الرمية.
و(اللواء) هنا: الإمارة، وهو معروف لفظه ممدود، فإذا نصر الله الحق وأهله فهو لواء النَّصر، ولا يوضع إلاَّ في أيدي الأكارم الصَّابرين في الملاحم.
يقول صاحب هذا الشأن في مثل ذلك:..

إنّ على أهل اللواء حقا .... أن يحصنوا الصعدة أو تندقا
و(خفقانه) ولمعه يقع من الإضطراب عند صدق الضراب.
[ثانياً: هداية الناس إلى الحق]
[97]
حينئذٍ نَسُوقُ أهلَ العصيانْ .... وما لنا إلاَّ الموَاضِيْ عِصْيانْ
وذاكَ باللهِ العظيمِ قدْ آنْ .... حتى يَبِيْعُوا كفرَهم بالإِيْمَانْ
(حينئذٍ): اسم مركب من إسمين، وهو يذكر، ويراد به تعظيم الحال، وكذلك يؤمئذٍ، وقد قال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ(39)}[الرحمن] ، لعظم الحال، وهو عظيم، فنسأل الله -تعالى- النجاة من أهواله، والصلاة على محمد وآله.
و(السوق) معروف، وأصله في المواشي. يقول: إذا نصر الله -سبحانه وتعالى- أولياءَه على أعدائِهِ في هذه الدنيا سُقنا أهل المعاصي كما تساق الإبل وغيرها من المواشي سوقاً لا ينتصرون منه لصدق ما تقدم، لأن لا نغر نفوسنا بالأماني.
و(عصينا) السيوف، وهي تسمى (مواضٍ) لمضيها وقطعها.
قوله: (قد آن): يريد؛ قرب ودنى بتوفيق الله وعونه حتى يستبدلوا الإيمان بالكفر طوعاً وكرهاً وقلوبهم وَجِلة وعيونهم برهاً([57]).
[قصة عجيبة لأحد الرفضة للعترة الطاهرة (ع)]
[98]
كأنَّنِي بقائلٍ يا سادتِي .... قد كانَ حُبِي لَكُمُ عِبَادَتِي
طابتْ بِوُدِّي لَكُمُ وِلادَتِي .... هذا قِنَاعِي ثُمَّ ذِي سجَّادَتِي
__________________________
([57]) ـ بره كسَمِعَ ، برهاً : ثاب جسمه بعد علة ، وابيض جسمه ، وهو أبره ، وهي برهاء . تمت قاموس.

هذا البيت ومايليه إلى آخر القصَّة في رجل من رفضة العترة الطاهرة، كنا نعرفه بشدة العداوة والإنتقاص، ونفي فضلهم على العام والخاص، ولا سبيل إلى التصريح بذكره حتى يقضي الله -تعالى- في أمره بما هو قاضٍ، فنقول: إذا نصر الله -سبحانه وتعالى- عترة نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ونرجوا أن يكون قريباً ويطول الله -تعالى- عمر ذلك الرَّجل لهدايته إن تاب ، أو نكاله إن لم يتب ، ولا بد من رجوعه؛ بل رجوع من هو أشد منه شكيمة ، وأقوى عزيمة ، إمَّا وفاقاً وإمَّا نفاقاً فيكون عقابه والحال هذه إذا نجم نفاقه، ولا بدَّ عند رجوعه من إنكار ما سلف، جرت بذلك العادات من السَّلف، فكأنه به قد قال: كنت أحكم بطيبِ ولادتي يا سادتي؛ إذ بحبكم يعرف طيب المولد وطهارة المحتد، ومن يبغضكم يعرف خبث الأصل وقبح الفعل.
قلنا: ذلك كذلك، لأن في الحديث المروي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه لا يبغض أهل بيته -عَلَيْهم السَّلام- إلاَّ من حملته أمُّه في غبَّر حيضة، يريد: بقية حيض، أو كان لغير رشده ، أو كان ممَّا لا خير فيه من الرجال السالكين مسلك قوم لوط (لعنهم الله تعالى)، فلا يظن الظان بنا ظن السوء أنَّا قلنا: خبث أصله وقبح فعله، نريد الذم ومزاوجة الألفاظ؛ بل لفظنا بحمد الله موضوع على المعنى المفيد النبوي.
وما ذكر من إظهار آلة العبادة من ذكر (القناع والسجَّادة) فلأن المتقرب إلى أهل النصاب، لا يتقرب بأقوى من إظهار طاعة ربِّ الأرباب، وملك الرقاب؛ إذ قلوبهم رحيمة بالمؤمنين، غليظة على الكافرين.
[حكاية شدة بغضه لأهل البيت(ع) وادعائه ما ليس له]
[99]
وقد عَهِدْنَاهُ قَدِيْمَاً في الخَشَبْ .... أبغَضَ من هَبَّ لأجدادي ودَبْ
سَمِعْتُهُ يقولُ يوماً في شَظَبْ([58]) .... بأنَّهُ يُضْحِي نَبِيَاً إنْ أحبْ
_______________________
([58]) - نخ (ن) : سمعته يوماً يقول في شظب.

(الخشب): بلد معروفة من بلاد همدان، بين البَوْن وصنعاء، ومعرفته له فيها يحتمل أنه من أهلها، أو من ساكنيها، أو ممن طافها، وعَرَفه بالبغضة فيها، وهو لا يريد إلاَّ تعمية أمره حتى يأتي الله -تعالى- بنصره.
و(شظب) مصر معروف في مغرب بلاد همدان، وسمع هذا المخذول يوماً في شظب يشرح في نفي فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- وأن الله -تعالى- لم يختصهم بشيءٍ من فضله دون سائر الناس؛ وإنما فضَّل من فضَّل من أحدهم المتقدمين بعد أبيهم وشيعتهم، فأمَّا المتأخرون فلا فضل لأحد منهم عنده إلاَّ لمن كان على رأيه ورأي شيوخه الذين أسّسوا له هذه المقالة، ثم ارتفع بعد ذلك في هذه الضلالة ، من حالة إلى حالة، إلى أن بلغ النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فنفى أن يكون الله -سبحانه- إختصه بالنبوءة، وأمره بالرسالة.
وقال: ذلك بجده واجتهاده وعبادته، فوصل إلى ما وصل من الشرف باختياره وإرادته، ولو فعلتُ مثل فعله لأصبحت نبياً.
فقلت: ما بينك وبين النبوءة إلاَّ أن تريد.
فتواقَحَ. وقال: ما بينه وبينها إلاَّ أن يريد.
فقلت: هب على إستحالة ذلك أن النبوءة داخلة تحت مقدورك فأين البيت الرفيع المنيع؟ فقد روي عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((ما بعث الله نبياً إلاَّ في منعة من قومه)) . ويحك ألم تعلم أنها لو كانت من مقدور البشر لما قصر عنها السَّبَّاق إلى الغايات، حامل الرايات ، أمير المؤمنين -صلوات الله عليه- ولم نذكر طرفاً من المناظرة إلاَّ لما نرجوا من أنه بحمد الله لا يتعرى من الفائدة.
ومن ألفاظ القافية: (هب): وهو المنتبه من نوم أو غفلة.
و(دَب): مشى في([59]) الأرض.
[حكاية الإمام (ع) بعض المخاطبة بينه وبين ذلك الرافضي]
[100]
فقلتُ مُسْتَهْزٍ بهِ في المحفلِ .... بحقِ هذا الرأسِ كُنْ مِثْلَ عَلِي
وَدَعْ عِرَاضَاً للنبي المرسلِ .... ما الشُّهْدُ يا مهبولُ مثلَ الحنظلِ
________________________
([59])ـ في (ن) : على .

هذه حكاية بعض المخاطبة بينه و بين المقدم الذكرقال له في (المحفل) وهم الخلق المجتمعون يسمون محفلاً لتحفلهم.
والتحفل هو التجمع، وكذلك التنكل والتحشد والتكلع ولها نظائر، والإجتماع في أصل اللغة إحتفال من ذلك الحديث في الشاة المحفلة، وهي التي جمع لبنها في ضرعها، فقال عند ذلك مستهزءاً به لمرامه أمراً سماوياً لم يطمع فيه أقرب منه إلى الله -سبحانه وتعالى- وأكثر علماً وعملاً وعبادةً واجتهاداً من الأوصياء المقربين والأئمة الراشدين (صلوات الله عليهم أجمعين) (بحق هذا الرأس) على وجه الإستخفاف لا على وجه التعظيم: (كن مثل علي) يريد فهو أهون عليك إن وجدت إلى ذلك سبيلاً من تلك الدرجة العالية، التي ينقلب البصر عنها خاسئاً حسيراً ، التي لم يطمع فيها علي -صلوات الله عليه- مع فضله، ولا همَّ بالإرتقاء إليها، ولا كانت من مقدورات البشر؛ لأنها لو كانت من فعل البشر ما قصر عنها خيرة الخير؛ لأنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لم يكن بالملولة([60]) في دين الله، ولا النؤمة عن حق الله، ولا المقصر في طاعة الله -تعالى- فكن أيها الممقوت عندنا اليوم، وغداً عند الله وعند صالح عباد الله ، مثل علي بن أبي طالب - عليه السلام- إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، ولا سبيل لك، والحمد لله، ولا لأعلى منك رتبة، وأشد لله ولدينه وأهل ولايته محبَّة، ودع عنك الكون مثل النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فذلك ما لم يطمع فيه علي -عَلَيْه السَّلام- على كرَم نفسه، وطيب جنسه،، وذكاء حنينه، وقوة أُسِّه، وخشونة مسِّه، على حرب الشيطان وإنسه.
ثم قال: (ما الشهد يا مهبول): يريد؛ يا مثكول، والثكل أهون عقوباته (مثل الحنظل)، أي لست من أولئك فلا تطمع فيما هنالك، وقس شبرك بفترك([61])، وقف عند انتهاء قدرِك، واعرف حقيقة أمرِك.
_______________________
([60])ـ نخ: بالملومة.
([61]) ـ الفِتر بالكسر : ما بين طرف الإبهام وطرف المشيرة . تمت قاموس .
والشبر : ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر . تمت قاموس.

[بيان سبب توبة من سبق ذكره وأنه لابد من العمل والإخلاص]
[101]
تَوَّبَكَ البِيْضُ الرِّقاقُ والأسَلْ .... وَطَعْنُ أبناءِ النبي في الوَهَلْ
وقَدْ قَبِلْنَا القولَ فاجهدْ في العملْ .... وأَخْلِصِ النيَّةَ للهِ الأجلْ
الأليق بهذا البيت أن يكون بعد قوله: (كأنني بقائلٍ يا ساداتي) وأحسب أنه في الأصل كذلك، والمراد فائدة اللفظ، وهي واقعة أينما وقع، وليس فيه إلاَّ ما هو ظاهر، يريد: أن من تقدّم ذكره بما حقق من أمره إذا انتفخ من الخوف منخره، وحاق به مكره، تاب خيفةً من السيوف والرماح، وفرقاً من الحَيْنِ المتاح، وذلك بمشيئة الله كائن عند نصر الله -تعالى- لأهل بيت نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-. ثم أخبر بردهم الجميل؛ إذ المعلوم من دينهم قبول توبة كل تائب، وقد يأمرون مظهر التوبة بلسانه بالعمل والإخلاص لله؛ إذ الإيمان عندهم -عَلَيْهم السَّلام- قول، وعمل، وإعتقاد.
[102]
وَكَمْ بِهَا مِنْ مُؤْمِنٍ نالَ الحَرَجْ .... في حُبِنَا وهو مُلِظٌّ ما خرجْ
أصبحَ بالرحمنِ في أعلى الدُّرُجْ .... ما بَعْدَ ما كانَ بِهِ إلاَّ الفَرَجْ
يقول: (كم) بدول الضلال الظالمة التي إستقام ظهورها إلى يومنا هذا (من مؤمن نال الحَرجَ) وهو الضيق في حبِّ آل محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - أئمة الهدى ، وأغلال العدى، وبحار الندى، ومصابيح الدجى، وأرباب الحجا، وإنما قال ذلك؛ لأن العادة جرت بأن باغضهم في يومنا هذا وفيما تقدمه من الأيام يجزل له العطايا، وتُسنى الجوائز على بغضهم، ومحبهم منقوص الحق، مغموض القدْرِ في حبِّهم.
قوله: (وهو ملظ): بالظاء معجمة، من أعلى، وهو أبلغ، وقد يجوز أن لا تعجم أو تعجم من أسفل على اختلاف، ويفيد معنى الإعجام من أعلى، إلا أنها تقصر عنها، فمعنى الإلظاظ: هو السدوك واللزوم،، فيقول: هذا المؤمن المحب صابر محتسب على الشدائد في حبهم حتى يلقى الله -تعالى- على عهده، فائزاً بذلك؛ إذ ضيعه الجاحدون.

وقد روينا عن أبينا رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال حاكياً عن ربِّه ليلة أسري به، أنَّه عز وجل قال له: ((من خَلَّفْت على أمتك؟، قال: أنت يارب أعلم، قال: يا محمد خَلَّفْت عليهم الصِّديق الأكبر، الطاهر المطهر، زوج ابنتك، وأبا سبطيك، يا محمد أنت شجرة، وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها، خلقتكم من طينة عليين، و خلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربُوا على أعناقهم بالسيوف لم يزدادوا لكم إلاَّ حبًّا)) فهذا تصريح بما ذكرنا على أبلغ الوجوه.
قوله: (ما خرج) يريد عن ماهو عليه إلى غيره أصبح بلطف الله في أعلى المنازل، وهي الدرج في عرف الشريعة فأعاضه سبحانه رتباً عاليةً، ومنازل سامية، في الدنيا والآخرة، بحبه من أمره الحكيم بحبه، وكونه في حزبه.
[بشارته (ع) لأوليائه من أشياع آل محمد بالنصر من الله تعالى]
[103]
فأَبْشِرُوا يا شِيْعَةَ الرحمنِ .... بالنصرِ مِنْ رَبِّكُمُ المنَّانِ
على ولاةِ الكُفْرِ والطُّغْيَانِ .... فليسَ للهِ شَرِيْكٌ ثانِ
هذه بشارة منه لأوليائه من أشياع آل محمد الذين لحقت بهم قلوبهم حين طارت عنهم قلوب الناس، فأعزُّوهم حين أذلوهم الناس، واعترفوا من فضلهم بما أنكره الناس، فهذه البشارة لهم مخصوصة ، وإليهم منصوصة.
وقد روي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((إشتدي أزمة تنفرجي)) ، وروي عنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((لأن أكون في شدة أنتظر الرخاء أحبّ إليَّ من أن أكون في رخاء أنتظر الشدة([62]))) ولا أشد فيما علمنا من زماننا هذا الذي نحن فيه من تعطيل الشرائع، وإظهارالبدائع، وارتكاب الشنائع، وتتابع القوارع، فالله المستعان.
______________________
([62]) ـ روى هذين الخبرين الإمام الهادي إلى الحق -عَلَيْه السَّلام- في الأحكام (2/468) .

يقول: ليس لله، سبحانه، من شريك([63]) في ملكه فيمنعه من تمام وعده بنصر جنده، وكيف لا يفرج سبحانه الغمَّة، ويرحم الأمَّة، وهو عز من قائل يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6)}[الشرح] . عرف العسر فعلمنا أنه واحد، ونكر اليسر فعلمنا أنهما إثنان ولن يغلب عسر واحد يسرين، ومثل ذلك مروي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-.
[حكايته (ع) لوعد الله تعالى لنبيئه(ص) بالمهدي]
[104]
وَوَعْدُهُ صِدْقٌ وقدْ كانَ وَعَدْ .... أفضلَ مخلوقٍ مِنَ الناسِ سَجَدْ
بأنَّهُ يأتيهِ مِنْهُ بولدْ .... يملاؤها عدلاً برغمِ ذي الحَسَدْ
معنى هذا البيت: أن الله -سبحانه وتعالى- وعد نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وهو أصدق واعد، والموعود أفضل ساجد، أن يجعل من ذريته رجلاً مهدياً لم يسمه بعينه([64]) ، ولم يؤقت زمانه، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وبين الناس في أمره اختلاف كثير لا وجه لذكره، فجملة الأمر أن لا بُدَّ من كونه من هذه العترة الطاهرة لتواتر الأخبار بذلك فيه عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، فإن ذلك ممَّا نقله المخالف والمؤالف، فنسأل الله -تعالى- تعجيله وتسهيله، وأن لا يحرمنا وصوله.
قوله: (يملأها عدلاً): لما روي أنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً)).
________________________________
([63])ـ في (ن): يشاركه .
([64]) - قال الإمام الحافظ الحجة مجدالدين بن محمد بن منصورالمؤيدي أيده الله تعالى : وروينا عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن أنه سُئل عن أخيه محمد -عَلَيْهما السَّلام- أهو المهدي الذي يذكر ؟ فقال : المهدي عِدَةٌ من الله لنبيئه -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- وَعَدَه أن يجعل من أهله مهدياً لم يسمّه بعينه ولم يوقّت زمانه، وقد قام أخي بفريضته عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد الله أن يجعله المهدي الذي يذكر ففضل الله يمنّ به على من يشاء من عباده ، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يُؤمر بانتظاره . انتهى من كتاب التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية ، ورواه الإمام أبو طالب (ع) في الأمالي (102).

وقوله: (برغم ذي الحسد): لأن حسدة العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام- يكرهون وقوع ذلك لقلّة إنتفاعهم بالحق؛ لأنه لا ينتفع به إلاَّ المؤمنون، ولا يهتدي به إلاَّ الصالحون، فأمَّا الضالون فهم بالهداية لا يهتدون، قال الله -سبحانه-: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(17)} [فصلت] ، {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ(106)}[الأنبياء] .
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم، وسبحان الله العظيم وبحمده، سبحان الله([65]).
---
___________________________
([65])-قال في نخ (ن):كان الفراغ من زبر هذا الكتاب وقت أذان العصر يوم الأربعاء شهر صفر سنة (1355هـ) بقلم العبد الفقير المملوك إلى سيده الغني المالك: أحمد بن حسين سهيل.

[1]
الحمدُ للمُهيمِنِ المنَّانِ .... جَمِّ النوالِ باسطِ الإحسانِ
ذي الطولِ والعزةِ والسُّلطانِ .... لكلِ ذي شِدْقٍ وذي لِسَانِ
مِنْ غَيرِ تقريظٍ ولا سُؤالِ
[2]
مُرَكِّبِ الأرواحِ في الأجسامِ .... مُجرِي الرياحِ مُنْشئِ الغمامِ
كالبُركِ مِنْ سائمةِ الأنعامِ .... مِنْ الحنينِ الجمِّ والارزامِ
فَاعتَبِري يا أُمَّةَ الضَّلالِ
[3]
عجيبة يُعذرُ فيها مَنْ عَجِبْ .... في حملِهِ الماءَ فِلِمْ لا يَنْسَكِبْ
قَبْلَ بُلوغِ أرضهِ حيثُ نُدِبْ .... لو خالفَ اللهَ عصاهُ فَغَضِبْ
وصَارَ في دائِرةِ النَّكَالِ
[4]
كَمْ معشرٍ ساقَ إليهمْ رزقَهُ .... قد خَلَعُوا من الرِقَابِ رِقَّهُ
وقد عَصَوْا وجَحَدوهُ خَلْقَهُ .... جُلَّ الذي صوَّرَهُ ودِقَّهُ
لِمُبْلِغِ الحُجَّةِ لا الإجلالِ
[5]
دلَّ على ذَاتِ القديمِ ما صَنَعْ .... وما ابْتَدا من خَلْقهِ وما اَخْتَرَعْ
مِنْ ظَاهِرِ الجسمِ ومَكْنُونِ البضَعْ .... عَجَائباً يعجزُ عَنْها مَنْ صُنِعْ
مِنْ غَيرِ تَعليمٍ ولا مثالِ
[6]
يا ذا الذي أَصْغَى إلينَا مَسْمَعَهْ .... يَطْلُبُ عِلمَاً بَاهِراً ومَنْفَعَهْ
إنْ كُنْتَ لا تهوى طَرِيقَ الإمَّعَهْ .... فانظُر إلى أربعةٍ في أرْبَعَهْ
فذلكَ الجِسْمُ مَعَ الأَحْوَالِ

60 / 63
ع
En
A+
A-