ثم يتبع ذلك علم التجارب: وهو الزيادات المشروطات، وأحوال الناس فيه تختلف، فمنهم من يبلغ فيه الغاية القصوى، ومنهم من يقف دون ذلك.
[الرَّد على مَنْ يقول إن المدبِّر جوهر بسيط]
[وأمّا مَنْ زعم من الأوائل أن المدبر جوهر بسيط يعلم ذاته، ويعلم ما دونه، ولإحاطته بالأشياء سمي عقلاً،([9])] ففساده من اللغة والشرع:
أما اللغة: فلأنه مأخوذ من العقل وهو المنع كما قدمنا، ولا دليل على خلافه، ولا مانع له تعالى؛ لأن علمه لذاته حاصل في الأصل لا عن مؤثر، لولا ذلك لم يكن عالماً لذاته، وقد قامت الأدلة بصحته، وغناه واجبٌ له، لعلمه واستحالة الحاجة عليه، فلا داعي له سبحانه إلى القبيح، يمنعه سبحانه علمه بقبحه وغناه عنه - عن فعله - فيكون فيه معنى العاقل فيسمى عقلاً للمبالغة كما سميناه تعالى عدلاً فبطل أن يسمى عاقلاً لمثل ذلك أيضاً.
وأما الشرع: فقاعدته الكتاب والسنة، ولا دليل فيهماعلى شيءٍ من ذلك، فهذا ما احتمل هذا المكان من الكلام في معنى العقل وحقيقته، ولم سُميَ؟ وتسميته.
___________________
([9]) - ما بين المعكوفين زيادة من هامش النسخة، قال فيه : لعل هنا سقط وهو..إلخ ما بين المعكوفين.

[الخلاف في محل العقل]
وأما الخلاف في محله: فهو واقع بيننا وبين الفلاسفة، وأصحاب الطبائع، فإنهم يقولون إن محله الدماغ.
وعمدتهم في ذلك: أنه إذا فسد الدماغ ذهب العقل، وهذا باطل؛ لأنا قد أجمعنا نحن وإياهم، بل الكافة، أن الكبد والطحال لا يتوهم حلول العقل فيهما، وإن كان بفسادهما يفسد العقل.
فإن قيل: إنا نريد الفساد مع بقاء الحياة.
قلنا: ونحن لا نسلم بقاء الحياة مع فساد الدماغ في مجرى العادة، ومذهبنا أن محله القلب، كما تقدم ذكره عن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عَلَيْه السَّلام- من قوله: (وعلق في صدره قلباً، وركب فيه لباً)، وهو مذهب الكافة من الأئمة الأعلام، وعلماء الإسلام، وقد احتج لذلك بعض علماء أهل العدل بأن الإنسان يجد العلم، والظن، والإعتقاد، والإرادة، والكراهة، والفكر، كأنها تتولد من ناحية صدره، وقد وقع الإجماع من العقلاء على نفيه عن جميع الأعضاء الباطنة مثل الطحال والكبد والرية، فلم يبقَ لحلوله جهة يتوجَّه الكلام فيها إلا القلب، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه، فلذلك قضينا بحلوله في القلب، وهذا القول يمكن أن يعارض بأن البخار إذا صعد إلى الدماغ فغطى عليه زال العقل، ومن قولهم: إن أهل العلة يعلمون ذلك عند البروء.

ويمكن أن يتخلص منه بأنه لا مانع من أن يكون الحكيم -سبحانه- جعل للقلب مواداً من الدماغ، فإذا صعد البخار بقدرة الحكيم -تعالى- إنقطعت المادة فأزال العقل سبحانه بمجرى العادة، كما يعلم أنه تعالى أجرى العادة بأن من قطعت أنثياه لم يخلق له لحية بمجرى العادة، بل يزيلها وإن كان ذلك لمواد جعلها فيهما للحية لا نعلمها، ولا يعلم وجه الحكمة في جعلها كذلك مفصلاً إلا هو، وكما يمكن ذلك يمكن أن يعارض قولهم بأن المُزاز([10]) إذا غطى على القلب زال العقل بمجرى العادة من الحكيم -سبحانه- وأهل العلة يعلمون ذلك كما قالوا فيما ذهبوا إليه، ولا يمكنهم معارضتنا في ذلك بأن الفؤاد باقٍ في النائم والعقل زائل بالإجماع، لأنا لا نقول: إن العقل هو القلب، وإنما قلنا: هو محله، ولا يمتنع زوال الحال مع بقاء المحل، وإنما يمتنع عدم الشيء مع بقاء ذاته عند كل عاقل متأمّل، وإنما يلزم قولهم فرقة تنسب إلى الزيدية [- نقل من نسخة أخرى بخطه أيضاً: (وهم كفار على الحقيقة يرجعون إلى مقالة المجوس والثنوية والطبيعيّة، ولهم من كل ضلالة أرداها)، إنتهى ـ([11])] يقال لها المطرفية، فإنهم يقولون إن العقل هو القلب نفسه، ولا أعلم لهم في ذلك عمدة من دلالة العقل، ولا من كلام آبائنا -عَلَيْهم السَّلام-، ولا أتباعهم من علماء الإسلام، وما ذكروه لازم لهم ومن قال بقولهم، وأما على قولنا فلا يلزم.
____________________
([10])- المزاز: بالضم: الخمر فيها حموضة، والمزَّة الخمر اللذيذة الطعم. تمت قاموس.
([11])- هكذا في جميع النسخ بهذه الزيادة الموجودة.

[الأدلة من القرآن على أن القلب محل العقل]
يؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا}[الأعراف:179] والفقه: هو العلم.بدليل أنك لا تقول: فقهت هذا الأمر وما علمته، ولا علمته وما فقهته، بل يعد من قال ذلك مناقضاً وذلك بدلالة([12]) تطابق اللفظين على معنى واحد كالجلوس والقعود، وقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)}[الحج]، وقوله سبحانه: {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ([13])}[المؤمنون:60]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ(28)} [الرعد] وقوله تعالى: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ}[الحج:54]، وقوله تعالى: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ [إِلَى ذِكْرِ اللَّه]}[الزمر:23] إلى غير ذلك من آيات القرآن الكريم التي تدل كل آية بلفظها ومعناها؛ على أن القلب محل العقل وآلته، كما جعل الله -سبحانه- اللسان آلة الكلام، والعين آلة النظر، فلا يوجد شيء من تلك المنافع إلا في آلته بمجرى العادة منه سبحانه، وإن كان في المقدور أن يجعل تعالى خاصة كل آلة في أختها، فإنما جعل العادة منه تعالى جارية بذلك لما لا يعلمه مفصلاً إلا هو.
[الأدلة من السنة على أن القلب محل العقل]
ومما يؤيد ذلك من السنة ما روي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((إن في الجسد بضعة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب، قالها ثلاثاً))([14]).
وماروي عنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((القلوب أوعية وخيرها أوعاها)).
____________________
([12]) ـ في (ن): وذلك دلالة تطابق.
([13])ـ منكرة (نخ).
([14]) - رواه الإمام أبو طالب عليه السلام في شرح البالغ المدرك بلفظ وروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- : ((إن في جسد ابن آدم بضعة إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب)) وروى نحوه الإمام المرشد بالله عليه السلام في الأمالي الخميسية ضمن حديث طويل (2/150)، وروى نحوه أيضاً في مسند الحميدي (2/409) رقم (919)، ومسند أحمد (4/274) رقم (18436).

وشفع ذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -صلوات الله عليه-: (المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه)، وقد أكثر الأنبياء -صلوات الله عليهم- والأئمة -عَلَيْهم السَّلام-، وسائر العلماء والحكماء، وصف القلوب بالعقل، واللب، والحجا، والنهى، والبصيرة، والحَجْر، فعلم بذلك أن محله - أعني العقل - القلب، وأنه ما قدمنا من العلوم بما قدمنا من الدلالة، وأنها علوم أوليَّة، من فعل القديم -سبحانه- تلزم الحجة بحصولها، وتزول بزوالها، ويقف حصولها وزوالها على اختيار الحكيم -سبحانه- وإرادته خلافاً لما ذهبت إليه الفلاسفة([15]) وأهل الطبائع والنجوم، لأن الفلاسفة أثبتوا علَّة ونفوا الفاعل المختار، ولا يلزمنا - مع إثبات الفاعل المختار -سبحانه- الذي قام الدليل بصحة دعوانا فيه - ما يلزم الفلاسفة وأصحاب النجوم والطبع.
لأنا نقول: إنه تعالى إذا أراد زوال العقل زال مع بقاء الحياة والقلب والدماغ، وإذا أراد وجوده وجد، ويزيله عنه حدوث النوم في مجرى العادة، ويعيده كما أبداه عند اليقظة لمن شاء، وهو ما قدمنا ذكره من العلوم، لأنه لا يمكن دعوى حصول العقل لمن عدمها وإن وجد قلبه ودماغه بالإضطرار عقلاً، ولا كمال العقل لمن عدم بعضها، ويعلم باضطرار العقلاء حصول العقل لمن وجدت فيه وإن لم يحضر سواها بالبال، وذلك معلوم لكل منصف.
[الكلام على الفلاسفة وأهل النجوم]
وكلامنا على الفلاسفة ظاهر لأن معولهم على العلل الموجبة، وقد علمنا أن اختصاص العلل بالإنسان في حال يقظته ومنامه على حد واحد، والعلل لا تفتقر في إثباتها إلى سوى الإختصاص، وذلك معلوم لهم ولنا بالدليل، ومعلوم زوال العقل عن النائم فبطل أن يكون عقله لعلة موجبة.
_____________________
([15]) - الفلاسفة: قال الإمام يحيى بن حمزة -عَلَيْه السَّلام-: هم أشد على الإسلام ضرراً، وأخفاهم مكيدة، وأعظمهم عداوة، فلا بدعة في الدين إلا وهم أصلها وأساس عمادها، ولافتنة في الدين إلا وهم رأسها وقاعدة مهادها.وتعتبر الفلاسفة من إحدى الفرق الطبائعية التي تزعم أن الأشياء الوجودية إنما كانت بطبائع اختصت بها وقوى موجوده فيها وينكرون الصانع، ويضيفون أصل الوجود إلى الماء والهواء والأرض والنار، وأنها امتزجت وتشاكلت وتفاعلت فيما بينها فحصلت عنها هذه الموجودات ولهم أقوال كاذبه تدل على جهلهم.

ولا يصح التعويل على اعتدال المزاج أيضاً لمثل ذلك، لأن اعتدال المزاج ثابت للنائم ثبوته لليقظان، وعقل النائم زائل لولاه لاحتاج عند كل يقظة إلى العلاج، ومعلوم خلافه، وبمثل ذلك أيضاً يبطل قول أصحاب النجوم لأن الطالع واحد، والأسباب والمقابلة واحدة، وجميع ما يتوهم تأثيره في حال اليقظة والمنام على سواء، لم يختلف الحال فيزول في حال النوم ويعود في حال اليقظة، فلا بد من مزيل ومعيد، وليس ذلك إلا الله -تعالى- لخروج العقل عن مقدور كل قادر سواه.
[ذكر ثمرة العقل]
وهو مما يجب أن يشكر تعالى عليه، بل هو من أَجَلِّ نعمه على عباده، لأن به تنال الأغراض الشريفة، ويرقى إلى الدُرُج العالية، وتفتح الأمور المستصعبة، وتسد الثغور، ويساس الجمهور، ويستظهر به على الفيل مع عظمه، وعلى الأسد مع شجاعته وقوته، وعلى المغير مع جلده، وبه يعبد الرحمن، ويشكر المنان، وتورث الجنان، ولا تنقضي ذكر ثمرته وإن كثر الكلام وطال الشرح، والحمد لله تعالى عليه خاصة، وعلى نعمهِ عامة، ولا سبيل بحمد الله لأحد إلى رد ما ذكرنا.

[الكلام على من نفى الصانع من الفلاسفة]
وإنما حمل من قدّمنا ذكر خلافه على الخلاف فيه كلامهم في نفي الصانع المختار، فطلبوا لذلك العلل؛ لأن الأوائل زعموا أن الباريء -تعالى- بلسان الشريعة علة موجبة للعقل الأول، وأن العقل الأول أوجب النفس، وأن النفس أوجبت الهيولى والصورة، والهيولى والصورة أوجبت الأجسام كلها الفلك بما فيه وما تحته، فلما اختلفت الأجسام والموجب غير مختلف الإختلاف اللغوي، وهم لا يرجعون إلى فاعل مختار، فنظروا النبات ينمو ولا فاعل عندهم يختار نموه على الوجه الذي يريد من المصلحة، أثبتوا قوة وطبيعة، ونفساً وإحالة؛ على حسب إختلافهم في العبارة التي ترجع عند التحقيق والمطالبة إلى معنى واحد، فلما اختلف عليهم النامي إلى حيوان وجماد، وكان في الحيوان حس ودركة([16]) أثبتوا في الحي معنى حسَّاساً سَمَّوه القوة الحساسة، وسموه النفس الحسيَّة، وطلبوا لاختصاصه من بين الأجسام بهذه الحالة ونفي الحكيم المختار -سبحانه- على الحد الذي أثبتناه عليه، من أن الفرع والأصل في ثبوت الحاجة إليه على سواء، فقالوا: لا بد من اعتدال المزاج وهو المؤثر في ذلك.
_________________
([16]) - الدَرَكة: هي الإدراك، وفي (ن): حس ودرك.

[الكلام على أصحاب الكواكب في نفي الصانع]
وقال أصحاب الكواكب([17]) منهم: المؤثر في ذلك الكواكب، وإعتدال المزاج شرط.
ومنهم من قال: المؤثر([18]) في ذلك النفس الكلي أو جزء منه، على حسب اختلافهم في فروعهم.
والكلام على الجميع على وجه الإختصار أنا نقول لهم: إذا كان الموجب الأول وهو لا يختص في الإيجاب إلا بأمر واحد، فما العلّة في حصول أكثر من واحد في الثاني والثالث والرابع؟ وما العلة في إيجابه مختلف الإيجاب والموجب والأول غير مختلف، بل متضاد الموجب والإيجاب؟ والعلل الأولى عندهم غير متضادة، ولأن الضد لا يولد ضده بالدلالة والبديهة لأنه إلى نفيه أقرب منه إلى إيجابه، ولأن الموجب لا يختص بوقت دون وقت؛ لأن الأوقات معه على سواء ونحن نرى هذا الصنع المتقن يحصل شيئاً بعد شيءٍ وحالاً بعد حال، والإستقصَّات([19]) موجودة، والعلل الأولى موجودة، وهي لا تفتقر في تأثيرها إلى أمر سوى الوجود، لأنها لو وجدت ولا أثر لها لم ينفصل وجودها عن عدمها وذلك محال، فما أدى إليه يجب أن يكون محالاً، والفاعل المختار بخلاف ذلك، لأنه قد يوجد وهو غير مختار للفعل لضرب من الصلاح فلا يفعل مع صحة وقوع الفعل منه، ويفعل المختلف والمتماثل والمتضاد لما يعلم من المصلحة.
______________
([17]) ـ أصحاب الكواكب: وهم فرقتان توجهتا إلى الشمس والقمر.
أولاً: عبدة الشمس: زعموا أن الشمس ملك من الملائكة لها نفس وعقل وهذه النفس هي النفس الكلية.
ثانياً: عبدة القمر: زعموا أن القمر ملك من الملائكة، وإليه تدبير العالم وأنه يستحق الخضوع والسجود والعبادة إلى غير ذلك من الأكاذيب والأباطيل، وهي من الفرق الكفرية التي توجد بالهند قديماً وحديثاً.
([18]) ـ في نسخة: بل المؤثر في ذلك.
([19])- في (ن، م): الإستقصاءات.

[الكلام على أصحاب النجوم في نفي الصانع]
وأما قول أهل النجوم فظاهر السقوط، لأن الصانع([20]) واحد، والمؤثر واحد، والماء واحتراق الأسباب المتوهمة عندهم واحدة، ويختلف حال الحيوان والجماد من أكثر الوجوه، لأنا نعلم أن البعير أكبر من البقرة والشاة، ولا يأتي البعير في مجرى العادة بأكثر من ولد واحد، وقد يأتيان في بعض الحالات بإثنين مختلفين في الألوان والذكورة والأنوثة، والكلبة أصغر من الجميع فتأتي بسبعة وفوق ذلك ودونه فيهم الذكور والإناث، والأحياء والأموات، والبيض والسود، إلى غير ذلك من الإختلاف، والموجب واحد، والطالع واحد، وقد نبه الله -تعالى- على ذلك بقوله: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ(8)} [الرعد]، تغيض: تنقص، والزيادة معلومة، فسبحان مَنْ لا يشغله شأن عن شأن، ومَنْ علمه بما يكون كعلمه بما كان.
________________
([20]) ـ في نسخة: الطالع.

ثم نبّه تعالى في أمر إختلاف النبات من الجمادات بقوله: {فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا(25)ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا(26)فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)وَعِنَبًا وَقَضْبًا(28)وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا(29)وَحَدَائِقَ غُلْبًا(30)وَفَاكِهَةً وَأَبًّا(31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)} [عبس]، فعم بالذكر سبحانه متاعنا ومتاع أنعامنا في هذه الألفاظ([21]) القليلة، الحلوة الجليلة، لأنه عم بقوله: {حَبًّا} جميع أنواع الحبوب، وبقوله: {وَحَدَائِقَ غُلْبًا} جميع أنواع الأشجار المثمرة، وبقوله:{ وَفَاكِهَةً} جميع الفواكه، لأنه نكر([22]) واحد الجنس فاقتضى العموم، وكذلك (الأب) عمّ جميع متاع البهائم من الكلا والخلا، وخص (الزيتون والنخل والعنب) مما يختص بالآدميين لجلالة قدره، كما أعاد ذكرجبريل وميكائيل عقيب ذكر الملائكة؛ وإن كانا منهم لجلالة قدرهما، وذلك ظاهر في قوله سبحانه: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[البقرة:98]، وكذلك إعادته لذكر (القضب) مع أنه يعود في أصل اللغة إلى الأب لعظم حاله في نفع البهائم، وعجائب الكتاب الكريم وغرائبه لا تنقضي، فالحمد لله الذي جعلنا من ذرية نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وورثة كتابه، وهدانا إلى معرفة علل الحكم وأسبابه، حمداً كثيراً.
_____________
([21]) ـ في (ن): ناقص :الألفاظ.
([22]) ـ في (ن): ذكر.

6 / 63
ع
En
A+
A-