[حكاية مجادلته صلوات الله عليه للمخالف في فضل أهل البيت (ع)]
[64]
فقلتُ مهلاً يا أخا الزَّهَادَهْ .... إنَّا أخذنا عن رُوَاةٍ سادهْ
بأنهمْ للمسلمينَ قادهْ .... وحُبُّهُم مِن أفضلِ العبادهْ
هذا حكاية مجادلته للمخالف في فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- بالتي هي أحسن كما أمر الله -سبحانه- فاستغنى عن التفسير إلاَّ في اليسير لظهور المعنى فيه، فمعنى قوله (رواة سادة): يريد ؛ فضلاء ثقات عدولاً نقلوا لنا أن أهل بيت النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أفضل الناس وخير الناس ، وأن الدين لا يستقيم إلاَّ بحبِّهم ، فلذلك قال: (هو من أفضل العبادة) فمن ذلك ما روينا عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال حاكياً عن جبريل: ((يا محمد طفت مشارق الأرض ومغاربها فلم أرَ أهل بيت أفضل من بني هاشم)) . ولا أصدق من دعوى قوم شاهِدُهم جبريل ، ثقة الملك الجليل، وكذلك الخبر الذي قدمنا ذكره في قوله -عَلَيْه السَّلام-: ((قَدِّمُوْهُم ولا تَتَقَدَّمُوْهُم)) وذلك يوجب الإنقياد لهم وكونهم قادة للكافة.
وقد روينا ـ أيضاً ـ بالإسناد الموثوق به إلى جعفر بن محمد -صلوات الله عليه- بإسناده عن آبائه -عَلَيْهم السَّلام- إلى النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه سئل: ((من قرابتك الذين أمرنا الله بمودتهم؟
قال: فاطمة وأبناؤها([68]))) . فهذه أخبار متظاهرة بعضها كافٍ في تصحيح معنى القافية وقيام الحُجَّة على المخالف.
وقد رأيت أن لفظة من ذلك ما تعرى من دليل مفرد قائم بنفسه، وقد كان الناس في الصدر الأول لا يختلفون في أن الموالي لأهل البيت، والمعتقد لصحة ما هم عليه، يعتقد فضلهم على جميع الخلق حتى نجم هذا الخلاف المتناقض.
___________________________
([68]) ـ رواه الإمام المرشد بالله في الأمالي عن ابن عباس (1/148)، وابن المغازلي الشافعي في المناقب (191) رقم (352) ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب (1/131) رقم (72) ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل من ثمان طرق (2/130، 146) رقم (822، 843) وذكر له شواهد، ورواه ابن البطريق في العمدة من تفسير الثعلبي ومسند أحمد بن حنبل ، ورواه الزمخشري في الكشاف (4/223) رقم (988) ، والطبراني في الكبير ، وابن أبي حاتم ، وابن كثير في تفسيره (4/133)

[زيارة جابر بن عبدالله رضي الله عنه لقبر الحسين بن علي(ع)]
يزيد ذلك ما روينا بالإسناد الموثوق به إلى جابر بن عبدالله الأنصاري -رحمه الله تعالى- أنه زار قبر الحسين بن علي -عَلَيْهما السَّلام- ومعه عطية العوفي زائراً،: قال عطية: فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطيء الفرات فاغتسل، ثم اتزر بإزار وارتدى بآخر، ثم فتح صرة فيها سعد فنثره على بدنه، ثم لم يخط خطوة إلاَّ ذكر الله -تعالى- حتى دنا من القبر قال: ألمسنيه فألمسته ، فخر على القبر مغشياً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق قال: يا حسين يا حسين ـ ثلاثاً ـ، ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه، قال: أنَّى لك بالجواب ، وقد شخبت أوداجك على أشباحك ، وفرق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنك ابن خير النبيئين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء، وما بالك ألاَّ تكون هكذا وقد غذتك كف محمد سيد المرسلين، وربيت في حجور المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حياً وطبت ميتاً، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك، ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، فأشهد أنك مضيت على ما مضى يحيى بن زكريا.
قال عطية: ثم جال ببصره حول القبر فقال: السلام عليكم أيتها الأرواح الطيبة التي بفِناء الحسين -عَلَيْه السَّلام-، وأناخت برحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً بالحق -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

قال عطيَّة: فقلت لجابر بن عبدالله: وكيف ولم تهبط وادياً، ولم تعل جبلاً، ولم تضرب بسيف؟ والقوم فرقت بين رؤوسهم وأبدانهم، فأوتمت الأولاد، وأرملت الأزواج، فقال لي: يا عطيَّة سمعت حبيبي رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- يقول: ((من أحب قوماً حُشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك معهم في عملهم)) ، أحدرني نحو أبيات كوفان قال: فلما صرنا في بعض الطريق قال: يا عطية هل أوصيك ؛ وما أظنني بعد هذه السفرة لاقيك: أحبب محب آل محمد ما أحبهم، وأبغض مبغض آل محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ما أبغضهم، وإن كان صوَّاماً قوَّاماً([69]))). وهذا كما ترى تصريح من جابر -رحمه الله- بوجوب حب محبهم، وبغض مبغضهم ، وإن كان صوَّاماً قوَّاماً. ومنكر فضلهم مبغض وزيادة.
وقد روينا عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((مَنْ كان في قلبه مثقال حبَّة من خردل عداوة لي ولأهل بيتي لم يرح رائحة الجنَّة)) ، فهذا يؤيد قول جابر -رحمه الله-.
________________________
([69]) ـ روى زيارة جابر بن عبدالله : الإمام أبو طالب في الأمالي 93 عن عطية العوفي ، والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين ، ورواه عن السيد أبي طالب (141) .

وكذلك فإنَّا روينا أن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قال في المرض الذي توفى فيه -صلى الله وملائكته عليه وعلى آله-: ((أيها الناس إني قد خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي أهل بيتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي، وأما أن ذلك لن يفترقا حتى اللُّقَا على الحوض([70]))) . فهذا ـ كما ترى ـ موجب للرجوع إليهم في جميع الأوقات إلى إنقطاع التكليف، وأن الله -تعالى- يحكم ما يشاء ويختار ما يريد، ولا إعتراض لأحد من خلقه عليه، وقد أوضح ذلك بقوله:
[الإخبار بما يجب على أهل الإسلام من التسليم لله -سبحانه- وترك الاعتراض عليه في فعله]
[65]
ليس على ربي اعتراضٌ لأحدْ .... يَفْعَلُ ما شاءَ تعالى ومَجَدْ
لم يَجْعَلِ الكلبَ سَواءً والأسدْ .... فَاطَّرِحُوا ثَوْبَ العنادِ والحسدْ
هذا إخبار منه بما يجب على أهل الإسلام من التسليم لله -سبحانه- وترك الإعتراض عليه في فعله، وهو نوع من الإحتجاج على من أنكر اختيار الله -سبحانه- لمن شاء من خلقه ؛ قوي لا يدفعه إلاَّ مكابر، لأنه لا ينقد على الحكيم إلاَّ من هو أعلى رتبة منه، ومن لحق بهذه الحال بلغ في الكفر الغاية القصوى، ونقل معه الكلام إلى إثبات الصَّانع -تعالى- وأفعاله، وصفاته، وما يجوز عليه، وما لا يجوز، وقد قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23)}[الأنبياء] .
________________________
([70]) ـ رواه الإمام الأعظم زيد بن علي في المجموع (404) والإمام أبو طالب في الأمالي (94) والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (73) .

ثم بين ذلك بقوله: (لم يجعل الكلب سواءً والأسد): لأنه سبحانه الخالق لهما، فجعل الكلب نجس الذات، والأسد طاهر الذات، وجعل الأسد مخوفاً جرياً، والكلب مهاناً زرياً.
قوله: (فاطَّرحوا ثوب العناد والحسد): هو إستعارة ها هنا، يقول: كأنَّ قائل هذا القول مدثر ثوب عناد وحسد فأمره بإلقائه، لأن ((الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)) ، ذلك مروي عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا(54)}[النساء] . ولا يجهل هذا القدر إلاَّ جاهل مغبُون.
[حكايته لأحوال مناظرته ولطفه بخصمه واحتجاجه عليه بمحكم الآيات]
[66]
وجئتُهُ بمحكمِ الآياتِ .... وفَاصِلِ المُنْزَلِ في السُّورَاتِ
وقلتُ قَدْ جئتَ على ميقاتِ .... إنْ كُنتَ تبغي طرقَ النجاةِ
هذه حكاية لأحوال مناظرته ولطفه بخصمه واحتجاجه عليه بمحكم الآيات، وفاصِل قوارع السُّورات الشريفة، فما ازداد عن الهدى إلاَّ نفاراً ، وعن الحق إلاَّ فراراً، ونشر أذنيه، وقطب الجلدة التي بين عينيه فنعوذ بالله -تعالى- من دين يكون سبباً للهلاك، وحبالة للإرتباك. وآخر القافية ظاهر فلا يحتاج إلى تفسير.
---

[حكايته أنه بعد أن احتج عليه بالذكر احتج عليه بالسنة]
[67]
وقلتُ إنْ كنتَ تريدُ الجنَّهْ .... فهاكَ بعدَ الذكرِ حكمَ السنَّهْ
وخُذْ هنياً لستُ أبغي مِنَّهْ .... ودادُنا من العذابِ جُنَّهْ
يقول لما فرغ من الإحتجاج له أولاً، وعليه آخراً بآي الكتاب الذي فَهَّم الله -سبحانه وتعالى- عترة نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم وعليهم- عجائبه، ولقنهم غرائبه، وجعلهم أدلته وتراجمته، وقرنه بهم وقرنهم به، إحتج عليه بسنة النبيء صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، وذلك هو الأليق بأهل المعرفة أن يبدءوا بكتاب الله -سبحانه وتعالى- ثم بسنة نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فمن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر. وقد تقدم من الآيات الباهرات ما فيه كفاية لكل عاقل منصف، وفرقناها في آخر الشرح رجاء أن يكون ذلك أقرب إلى حفظها.

فأمَّا السُّنة: فهي الأخبار التي وردت في هذا الباب في فضل آل محمد -عليه وعليهم السلام- ووجوب إتباعهم، والدفاع عن حوزتهم، والجهاد بين أيديهم، وهي كثيرة جداً لا يأتي عليها الإحصاء، ولا يحصرها الإستقصاء ، إلاَّ أنَّا قد ذكرنا في أثناء هذا الشرح ما يكون داعياً لمن كان طلب الحق مراده، إلى طرق رشاده، ولو لم يكن من ذلك إلاَّ ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى زيد بن علي -عَلَيْهم السَّلام- بإسناده عن آبائه عن علي -عليه السلام - أنه قال: ((بايعت لرسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وكنت أبايع له على السمع والطاعة في العسر واليسر، وفي أن نقيم ألسنتنا بالعدل، وفي أن لاتأخذنا في الله لومة لائم)) . فلما ظهر الإسلام وكثر أهله قال: ((يا علي ألحق فيها على أن تمنعوا رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وذريته من بعده ممَّا منعتم منه أنفسكم وذراريكم، قال علي -عليه السلام -: فوضعتها من الله على رقاب القوم وفى بها لله من وفى، وهلك بها من هلك([1]))) . وهذا غاية التصريح بوجوب إتباعهم والذب عنهم، وأن ذلك أحد شروط بيعة الإسلام التي عقدها رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- على كافة أمته، وقد ثبت أن من أخل بشرط من شروطها فكأنه أخل بالجميع، فلم يثبت له شيءٌ من الإسلام، وهذا واقع بشهادة المعصوم الذي لا يجوز عليه الكذب، وهو علي بن أبي طالب -عَلَيْه السَّلام-، عن أمر الصادق المصدوق الذي لا يقول شيئاً من تلقاء نفسه وإنما يؤدي ما أمره به ربُّه ، فقد ثبت لك أن الدفاع عنهم واقع لهم، والمنع لهم قائم مقام ذلك في رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وأن التأخر عنهم كالتأخر عنه، وذلك وجهٌ عظيم في إثبات الفضل لهم، لا يعمى عنه إلاَّ أعمى البصيرة، خبيث السريرة.
______________________
([1]) ـ رواه الإمام زيد بن علي في المجموع (402، 403) والإمام أبو طالب في الأمالي (126) والحاكم الجشمي في التنبيه (81) ، والطبراني في الأوسط عن جعفر بن محمد بسنده عن آبائه عليهم السلام (1/473) رقم (1745).

ثم قال للخصم المفتون: (ودادنا من العذاب جُنَّهْ): لدليل لا لهوى، وذلك ثابت فيما روينا عن أبينا رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ألا لا يجوزن أحد إلا بجواز، فيقال: وما ذلك الجواز؟، فيقول: حب أهل البيت المستضعفين في الأرض ، المغلوبين على حقّهم ، فمن لقيني بحبهم أسكنته جنَّتي، ومن لقيني ببغضهم أنزلته مع أهل النفاق([2]) )) . فقد رأيت أن حُبنا جُنَّة من النار ، وسبب لسكون دار القرار ، وجوار العزيز الجبَّار، وأن بُغضنا سببٌ لدخول النار وعذاب([3]) الجبَّار، والخلود فيها مع شر الأشرار ؛ لأن الله، عز من قائل، يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ} [النساء:145] . ومنكر فضلهم أشد الناس لهم بغضة، وأرذل مخالفيهم طبقة ، لأنهم يدفعون الحق بما لم ينزل الله به سلطاناً، ولا يجدون عليه برهاناً إلاَّ بتقليد مشائخ لهم سابقين، لم يجعل الله لهم في وراثة النبوءة نصيباً، ولا في ولاية الأمر شركاً.
[جواب صاحب المقالة المقدم الذكر المنتسب إلى التشيع]
[68]
فقالَ لستُ خارجاً عَنْ مذهبي .... لو جاءني جبريلُ أو جاءَ النبي
إنَّ شيوخي قَدْ أجادوا أدبي .... وانتفختْ أوداجُهُ للغضبِ
____________________
([2]) ـ رواه الإمام المرشد بالله - عليه السلام - في الأمالي (1/157) عن جعفر بن محمد عن آبائه .
([3])ـ في (ن): غضب.

هذا جواب صاحب هذه المقالة المقدم الذكر المنتسب إلى التشيع، المتزيي بزي الصالحين، الذي ظهر للعترة الطاهرة عناده ، واستبان منها شراده ، لما بهرته الأدلة الكثيرة، وتظاهرت عليه الحجج الظاهرة المنيرة، قطع الحجاج بقوله: (لست خارجاً عن مذهبي لو جاءني جبريل أو جاء النبي) -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- يقول: أنت أيها المحتج المستنصر المعنف في جحدان فضل العترة الطاهرة المنكر ، المفسق بذلك المكفر، يدل بولادة النبوءة وشرف البنوة، وكونك من ولادة التنزيل ، وكفالة جبريل، ولو جاء جبريل الأمين، وخاتم النبيئين، ما رجعت عمَّا أمرني به شيوخي عن إنكار فضل العترة والمساواة بينهم وبين أولاد أبي بكر.
ثم يحتجّ بتأديب شيوخه له الذي كان أصلاً لإنكار فضل العترة الطاهرة، الذي جعلهم الله أدلاء أهل الدنيا، وشفعاء أهل الآخرة، فلما انتهى إلى هذه الحال من العماية إنتفخت أوداجه، وكثر لجاجه، فنعوذ بالله من الشقاوة والخسارة، ونسأله أن يجعل التقوى لنا بضاعة وتجارة.
ثم عقب ذلك بنوع من أنواع الإستعطاف، وسبب من أسباب الألطاف، ووجه من وجوه الإنصاف.
[حكايته لصفة حاله مع المخالف المنكر فضل العترة الطاهرة]
[69]
فقلتُ رِفْقَاً أيّها الإنسانُ .... بِحُبِّنَا يُسْتَكْمَلُ الإيمانُ
وبُغْضُنَا غايتُهُ النيرانُ .... ونحنُ للخلقِ معاً أمانُ

هذا صفة حاله مع المخالف المنكر فضل العترة الطاهرة، فأمره بالرفق والنظر والتثبت ؛ لأن الأمر عظيم جسيم، وقال: (بحبنا يستكمل الإيمانُ): لأن باغض العترة يستحق النار وغضب الجبَّار، إنكار فضلهم أقوى أسباب البغضة ؛ لأنه يصد الناس عن اتباعهم والفزع إليهم، فلو أتى بجميع خصال الإيمان على أبلغ الوجوه إلاَّ هذه الخصلة لما أغنى عنه ذلك من عذاب الله شيئاً ؛ وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد روي عن جابر بن عبدالله عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً، فقال له جابر: يا رسول الله وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؟، قال: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم([4]))) . والأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى، لو لم يكن منها إلاَّ ما روينا عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((حرمت الجنَّة على من أبغض أهل بيتي، وعلى من حاربهم، وعلى المعين عليهم أولئك لا خلاق لهم في الدنيا، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) . فهذا بالغ مبلغه لكل عاقل منصف.
قوله: (ونحن للخلق معاً أمان): وذلك للخبر الذي رويناه أولاً أنه قال: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهب النجوم من السماء أتى أهلَ السماء ما يوعدون، وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهلَ الأرض ما يوعدون)) ، وهذا غاية البرهان لمن لم يجعل عقله حسيماً ، وعرف الفرق بين المسميات والأسماء ، فزع إلى أولى العباد بالعباد ، وحجة الله على الحاضر من خلقه والباد ، أقمار الحق المنيرة ، وهداة كل ذي بصيرة.
[70]
إنْ شكَّ في المولودِ يوماً والدُ .... فَحُبُنَا لهُ عليهِ شاهدُ
ما كذبَ الحيَّ الحلالَ الرائدُ .... قولي إلى طُرُقِ الرشادِ قائدُ
هذا غاية التنبيه لأهل البصائر على أن بغضة أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- أسفل الخلق درجة ؛ لأنه لا يبغضهم إلاَّ من يكون مخلوقاً من غير ماء صاحب الفراش فيأتي رديء المنصب، فتؤدّيه رداءة منصبه إلى بغضة العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام-.
___________________
([4]) ـ رواه الإمام الناصر الأطروش في البساط (98) والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (198) والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان في الحقائق ـ خ ـ، والطبراني في الأوسط (3/104) رقم (4002) والهيثمي في مجمع الزوائد (9/175) والشيخ الصدوق في المجالس (273) .

55 / 63
ع
En
A+
A-